| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

سناء صالح

 

 

 

 

الثلاثاء 14/11/ 2006

 

 

مايجري في العراق ليس مسؤوليّة الأمريكان وحدهم

 

سناء صالح

حينما شرعت الولايات المتّحدة في أعداد العدّة للحرب على العراق جمّعت من ارتأت فيهم الولاء لها سواء أكانوا أفرادا أو أحزابا وحركات مع ميزات يتحلّون بها الا وهي أنّ كل الوسائل متاحة للوصول الى هدف استلام السلطة ,فالغاية تبرر الوسيلة بالنسبة لهم .وقد أضفوا على أهدافهم هذه صبغة النيّة الصادقة لتخليص الشعب العراقي من النظام الدكتاتوري الفاشي ,ناسين أو متناسين أنّ الأمبرياليّة الأمريكيّة لم تكن يوما صديقة للشعوب وأنّ هناك أهدافا غير معلنة وراء هذه الأنسانيّة والعطف المفاجيءعلى شعبنا المغلوب على أمره .

بدأ الدعاة يتجمعون ويحشّدون الرأي العام وخاصة العراقيين المقيمين في بلدان المهجر وشكّلت لجان وأقيمت ندوات تثقيفيّة بجدوى الحرب والتهليل للولايات المتّحدة الأمريكيّة والقيام بالتظاهرات تأييدا لقرار الحرب متجاهلين الكوارث والدمار الذي يلحق بكل شيء بشرا واقتصادا ,واجتمعت القيادات الحكيمة وقررت وساومت ومنذ اللحظة الأولى لأجتماعات الأحزاب لاحت الطائفيّة والنزعة القوميّة ونفس الأستحواذ على البلاغات ا التي صدرت عن تلك الفعاليات التي سبقت الحرب ومابعدها فحاولت اقصاء قوى كان لها دور كبير في مقاومة النظام كالحزب الشيوعي العراقي الذي رفض المساهمة في الفعاليات التي مهدت للحرب ليقينه بالويلات التي تلحق بالشعب ونتائجها المدمّرة على العراق حاضرا ومستقبلا وتنبه الى المخطط الأمريكي في تحويل العراق الى ساحة حرب مع تنظيم القاعدة .ولم يدرك بعض القادة ان سقوط النظام الدكتاتوري انما هو ناتج عرضي ضمن المشروع ا لأمريكي الطموح آنذاك
قامت الحرب رغم احتجاجات الرأي العام العالمي والتظاهرات والغضب العارم ,وكانت ليلة قصف بغداد كأعلان عن بداية حرب ضروس قاسية وفي أثناء ذلك كانت العدّة تعد لدخول الأحزاب ( التي أعطت الضوء الأخضر )الى بغداد منتصرة لتتسلّم مهامّها وأرسل الى الولايات المتّحدة حينئذ وتحت جنح الظلام مجموعة من التكنوقراط في مهام سريّة وتلقّوا تدريبات لفترة ثمّ عادوا الى العراق بعد توقف الحرب ,للقيام بالمهام التي اختيروا لأجلها تحت شعار أعادة الأعمار وحسب الروايات فأن رواتبهم مجزية جدا , رغم ذلك لم يكتف بعضهم بالراتب بل عاد محمّلا بما خفّ حمله وغلا ثمنه من خيرات العراق المبتلي بحراميّة بيته .

وضعت الحرب أوزارها بسرعة قياسيّة أكدت للأمريكان صدق معلومات الزعماء العراقيين الذين كانوا أدلاّء لهم .وفي نشوة النصر لا يمكن نسيان منظر الجلبي وهو ينزل من الطائرة متأبطا ذراع الصديق غارنر فالزعيم يعتمر قبعة من طراز الكاوبوي وشورت وتي شيرت خاكي في مدينة الناصريّة ويتوالى الزعماء والقادة- الحلوين الجهامة على رأي المرحوم عزيز علي - الى أرض الوطن و علامات ا البهجة على محيّاهم كيف لا وهم من جلب النصر لنا ! وتكاثرت الأحزاب بأسماء مختلفة وكثرت الوعود فأرض العراق ستكون في غمضة عين أرض العسل والحليب كما كانت في العصر البابلي أمّا الريف فسيكون كالريف البريطاني ,ولم تكن الاّ وعودا ذهبت أدراج الرياح وفتحت المقرّات أبوابها و اكتظت برجال الحماية المدججين بالسلاح لحماية زعيمهم ,كيف لا وهو شخص جاءت به العناية الالهية لأنقاذ العراقي المسكين ,والمواطن فاغر فاه مندهش مما يحدث فعلى حين غرّة يتهاوى الصنم الذي كان يشيع الرعب وأذا به جرذ أخرج مذعورا من جحره و أصبح له بدل القائد الواحد ذي التسعة وتسعين اسم وصفة قيادات وزعماء ببدلات وعمائم ودشاديش بلهجات ولكنات مختلفة جالبين معهم السيّارات الفارهة و الجوال والدش , فالقنوات الفضائية من كل شكل ولون يجلس الشباب العاطل عن العمل والمحروم من الدراسة أمام الشاشة يقتل وقته بالأستمتاع بالفن الرخيص الذي يحرك غرائزه تنفيسا للكبت والحرمان أو يتابع المناسبات الدينية فيفجر غضبه باللطم والضرب بالزنجيل والقامة أو يصادف ارهابيا فيزيّن له الموت باسم الجهاد يدرّبه ويرسله يعيث في الأرض وفي البشر قتلا وفسادا مرّة باسم المقاومة وأخرى تحت لواء مايسمّى بالمليشيات .
لقد كلّ المواطن العراقي من لغة التسويف ولم يعد الأمر قاصرا على انعدام الخدمات وفرص العمل بل تعداه الى انعدام الأمان والموت المجاني , لقد وضع أمله بالمجلس النيابي والحكومة المنتخبة عسى أن تلتفت اليه وكان على رأي المثل (صام وفطر على بصلة ) .

بعد مايقارب الثلاث سنوات ونصف تكتشف الحكومة العراقيّة أنّ الأمريكان والبريطانيين لم تكن لهم تصوّرات عن الوضع العراقي بهذا الشكل ,لو سلّمنا بصحّة الأستنتاج الذي جاء متأخرا فماذا كان يفعل قادتنا ( الذين وضعوا كل البيض سلة الحليف الأمريكي )في اجتماعاتهم قبل الحرب , وبعد الحرب لماذا وافقوا على حل الجيش والمؤسسات الهامّة وأن هذا الطرح يحتمل أمرين الأوّل أنّ امريكا وبريطانيا لهما برنامج وخطط خاصّة والتي هي حتما لاتخدم مصلحة الشعب العراقي لذا فهما يتظاهران بعدم الفهم فقد أرادوا أن يجعلوا من العراق ساحة حرب مع القاعدة كما يحتمل أن الأشخاص أوالحركات قد قدّمت معلومات مبالغ فيها من قبيل أنّ الشارع العراقي متحمّس لاستقبال الجيوش المنتصرة بسعف النخيل والأحضان ,ناسين تاريخ العراق مع الأحتلال البريطاني وكيف أخرج بالمكوار..
وعلى كل حال أخذت الجميع نشوة النصر خاصة وأنّ النظام لم يدافع عن نفسه كما كانوا يتوقعون وأنّ الأجهزة المتصلة بصدام والتي كانت تشكل سدا أمام محاولات الشعب العراقي للخلاص من جلاّديه قد اختفت وكذلك الأسلحة وملايين الدولارات .فلم يبادروا الى استئصال الشر من جذره فتركوا الجلاّدين و أيادي النظام وفدائييه وأجهزته الأمنيّة , التي خنقت شعبنا لما يزيد على الخمسة وثلاثين عاما طلقاء تحت اسم الديمقراطيّة وابتدعوا حكاية الخمسة وخمسين مطلوبا بطريقة الأثارة الأمريكية على ورق القمار أو الشدّة , فتحوا الحدود على مصراعيها , فدخل من دخل ممن لفظتهم الدنيا وتقيأتهم أوطانهم رمتهم الى أتون أرض تسمى العراق أمّا أيادي النظام وأزلامه فقد خرجواحاملين الثروات والأرث الحضاري باعوه بالمزادات العلنيّة والسريّة ليعود الى العراق توابيت وخرابا ,

ويحق لنا ان نتسائل لو ان القوى السياسية العراقية المناضلة قبل الحرب قد وحدت صفوفها واصرت على موقف موحد يدعوا القوى الدولية الى تقديم المساعدة للحركة الوطنية المناضلة ماديا ومعنويا لتتمكن هي من تغيير النظام واسقاطة هل كان وطننا وشعبنا سيمر بهذه المحن التي يعاني منها الان ولا يزال مستقبلة وحياته في كف عفريت ، ان المراجعة المخلصة والمبدأية لهذا التاريخ القريب سيكون مفيدا لهذه الحركات والقوى في التبصر والتحقق من مواقفها وسياساتها ويرتفع بستوى مسؤولياتها الاخلاقية بما يمنع سيادة نفس الروحية السابقة في التعامل مع الاحداث والوقائع وحساب المكاسب الحزبية والفئوية والطائفية الضيقة الآنية والتي تتعارض في كثير من الاحيان مع الاهداف والشعارات النبيلة التي ترفعها هذه القوة السياسية او تلك ،
ان حالة اليأس التي عانى منها شعبنا وكذلك بعض القوى والاحزاب السياسية في امكانية تغيير نظام صدام حسين قد اثمرت عملياً الى التحول الى التبعية والتلقي تجاه المنقذ الامريكي ، واليوم ازاء الكوارث الدموية اليومية التي تحيق بشعبنا ووطننا والتي اوصلته الى حالة يأس قاتلة جعلته يحن لا الى صدام وحكمه بل الى تلك الفترة التي رغم سطوة وقساوة النظام و لكن كانت متوفرة فيها ابسط مقومات ومتطلبات الحياة ، كان هناك قاتل وسارق واحد هو صدام ونظامه والآن هناك قتلة وسراق بالجملة وللأسف فأن قسم منهم محسوب على قوى كانت تكيل الشتائم والانتقادات لجرائم النظام وممارساته ( ترى هل هناك قتل وسرقة حلال واخرى حرام ؟؟؟؟ ، لذلك قد تلجأ هذه القوى الى منقذين اخرين او ان تلعب بالنار بمصير الشعب والوطن ؟؟؟؟