| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                     الأربعاء 9/3/ 2011

 

المالكي و "دولة القانون على الضعيف" – حول إغلاق مقرات الحزب الشيوعي

صائب خليل

أدعم المالكي وقلبي على يدي، فرغم أنه لا يقارن بمنافسه، مركز الكذب والدكتاتورية المتمثل بأياد علاوي، إلا أن المالكي، حسبما يخبرنا تاريخه القريب، رجل لا يتورع عن المراوغة و"الزغل" في اللحظة التي يراها مناسبة. وفي الوقت الذي نذكر له فضل إنقاذ النفط، حتى اليوم على الأقل، ونذكر له حماية العراق من عملاء الإحتلال، لكننا نذكر ايضاً أنه من أدخل العراق في معاهدة مشبوهة سرية، وبطريقة بعيدة عن الصدق والشفافية، وكان تعامله مع الشعب والبرلمان أقرب ما يكون إلى حيل الإدارات الأمريكية حينما تريد أن تمرر قراراً أو قانوناً يقف الشعب والكونغرس ضده : الإخفاء والمراوغة واستعمال الأسماء التي تسهل الإفلات من الدستور والتزاماته.
وفي الوقت الذي نذكر للمالكي صدقه وتواضعه حين قال عند استلامه السلطة أول مرة، أنه القائد العام للقوات المسلحة ولا يستطيع تحريك سرية دون إذن الأمريكان، فإننا نذكر تبجحه وهو يهتف أنه "هو وحده" من قرر القيام بـ "صولة الفرسان"، وكان يبدو سعيداً بهذه "التمارين العسكرية" بحيث أنه لم يبذل أي جهد لمحاولة حل المشكلة سلمياً، بل وقرر أن يقود "الصولة" بنفسه، رغم أن علمه بالعسكرية لا يزيد عن علمي بأصول الزراعة!
لا شك أن "صولة الفرسان" رفعت المالكي في عيون الكثير من العراقيين، فقد تعودنا على البطولات التي تسير على عزف أنفجارات القنابل وأزيز الطائرات الحربية، أما الحل بطريقة دبلوماسية؟ تلك أمور مخجلة لـ "الفرسان"!

ليس المالكي وحده في هذا، فلا نظلمه. فرئيس مجلس بغداد لم يجد ما يكفي من الإثارة في أن يرسل شخصاً يبلغ نادي الكتاب والمثقفين بأمر إغلاق النادي، فهذه قصة باهتة، وربما لن تكفي لإدخاله الجنة. لذلك أرسل عليهم "طيراً أبابيل" مدججين بالسلاح والإحتقار، لكنه كان عرضاً كوميدياً باهتاً، فالجماعة كانوا يشربون ويتحدثون، ونسوا أن يحفروا الخنادق حولهم ويعدوا للقادمين ما استطاعوا من قوة. علمت أيضاً أن القضية كلها ليست من اختصاص مجلس المحافظة! لكن المجلس على ما يبدو قرر أن يسجل لنفسه "حسنة"، ربما لكثرة سيئاته، لتنفعه يوم القيامة، وأن تكون حسنة "مدوية"، يصل صوتها إلى السماء!

لا شك عندي أن الذين أحترموا المالكي "الجنرال" هم نفس من احترموا رئيس مجلس بغداد "الورع" المدوي، وهم من نفس نوع من يحترم أياد وهو يصرخ بالصحفيين يوم فوزه بالتزويرات الأخيرة، وإن كانوا من فريق آخر، وهم من نفس النوع الذي يرى رجولة في صفاقة المشهداني وهو يزجر النساء وتتقافز من فمه الأحذية في البرلمان، وهم من يرون شجاعةً، في سفاهة بهاء الأعرجي الذي شوه وجه التيار الصدري وسوّده، وهو يصرخ بطريقة تنبئ عن تربيته الصدامية الواطئة في وجه زميل برلماني له: أطلع بره! وكأن البرلمان "بيت الخلّفه" كما يقولون... إنها كروموسومات الشقاوة، لا يحترمها إلا أثنان : من كان مصاباً بنفس المرض، ومن كان مصاباً بالإحساس بالدونية، فيرى في مثل هذه التصرفات هيبة.

بالنسبة لي كان المالكي في أقصى ارتفاعه الإنساني، حين كانت له الشجاعة أن يصرّح لنا بضعفه، وهبط إلى أدنى مستوى له عندي وهو يجعجع متباهياً بقدرته على تسليط العنف العسكري، بالإتجاه الوحيد الذي سمح له بترايوس به، ليخفي ضعفه وقلة حيلته خلف ضجيج المعركة ودمائها ودموعها. أي إنسان يحترم نفسه يستطيع أن يترك شخصاً شجاعاً صريحاً وضعته الظروف في لحظة ضعف؟ وأي إنسان يحترم نفسه لا يدير وجهه مشمئزاً من الذي يتباهى بقسوته على من هو أضعف منه؟

عندما كان الإحتلال يزوّر الإنتخابات ويبتز المؤسسات الدستورية، ويرشو ممثل الأمم المتحدة والقضاة والهيئة الدنيا للإنتخابات، برئيسها القبيح، فلا يستطيع المالكي حتى أن يفرض حقه البسيط في إعادة العد يدوياً ومقارنة النتائج، وهو رئيس الحكومة و...."ألقائد العام للقوات المسلحة"، عندها تشعر أن احترامك لنفسك يمر من خلال وقوفك في جانب هذا الشخص، فتدافع عن حقه بكل قوة، وتصر على فضح المزورين الذين اعتدوا عليه، بأكثر من إصراره هو نفسه على فضحهم، وتبقى تكافح خصومه حتى بعد أن يتفق على الإشتراك معهم، فتكرر الصفعات لهم ولشركائهم حتى بعد أن تنتهي المعركة، تريد أن لا ينسى الناس وضاعة الحيدري ووقاحة السفير الأمريكي وصلافة أياد علاوي وحيدر الملا ودناءة أيد ميلكرت وهم يتآمرون لحماية التزوير ورفض الكشف عنه، وحرمان الضحية مما استحقت من مقاعد، الضحية التي هي رئيس الوزراء و "القائد العام للقوات المسلحة" ... المالكي.

وتقف مع المالكي وتخسر ود أصدقائك، حين يهاجمه الجميع ويتهمه بقمع المتظاهرين بوحشية. وتصر على أنك لم تر هذا القمع، وأن من يقول به لا يبدو صادقاً. وترد التهم بهدوء وترفض السباحة مع التيار الجارف، التيار القوي. فتصر أن الرجل لم يهدد المتظاهرين في خطابه بل ترجاهم، وأن منع المركبات على علاته، ليس منع تجول. والقنابل الصوتية ليست رصاصاً حياً...الجميع يعلم بذلك طبعاً، لكن ما أهمية الحقيقة؟ الموجة الجارفة للمزايدات "الوطنية" و"الديمقراطية" لا تنتظر لتسأل عن الحقيقة. لكن من يحترم الحقيقية يصر على أن يسأل، ويكرر السؤال، ولو إلى الأبد.

قبل بضعة سنين، لم يختر المالكي تطبيق قانون قصر حمل السلاح على الحكومة، إلا ضد الجهة الأضعف، الجهة التي يكرهها الإحتلال، فيهاجم ميليشياتها بكل ما امتلك فرسانه من صولات، ويقصف حتى بيوتهم على أهاليهم وأطفالهم، ويترك ميليشيات المجلس الأعلى والبيشمركة، تنعم بالأسلحة حتى الثقيلة منها، وبغض النظر عما يقول القانون والدستور.
وهاهو اليوم يختار أن يطبق قانون إخلاء أملاك الدولة، بأن يبدأ (وربما يكتفي) بأن يحاصر بقواته الباسلة أضعف الأحزاب وأكثرها سلمية وأقلها قدرة على الدفاع عن النفس، ويحيط مقر الحزب ومقر جريدته بقواته الخاصة المدججة بالسلاح، لتأمرهم بإخلاء المقرات "خلال 24 ساعة"! ... فبعد 25 ساعة سوف تقوم القيامة. لم يكن هناك وقت على ما يبدو لكي يتم الشيوعيون معاملة اعتراضهم على قرار الإخلاء ومطالبتهم بمقراتهم التي صادرها صدام، كبديل لمقراتهم الحالية. لم يكن هناك وقت أيضاً لدى الحكومة لتبلغهم برفض اعتراضهم وإعطائهم إنذاراً لمدة شهر أو أسبوع ليرتبوا لنفسهم مكاناً، فمصير العراق، دولة القانون، يتوقف على عدد ساعات بقاء بضعة شيوعيين وصحيفتهم في ذلك المقر! وزارة الدفاع تريد مكانها. وكيف تتساهل الدفاع مع هذا الحزب الخطير الذي تعهد وزيرها يوم استلامه منصبه بالقضاء عليهم في خطابه صراحة وعلانية؟

إنك يا مالكي لم تتمكن من أمورك بعد، وكان هذا منك، فكيف لو أنك تمكنت؟ هل كتب على العراقي إلى الأبد أن يرتعد من فكرة تمكن حكامه من أمورهم؟ هل أزعجك الشيوعيون في تظاهراتهم يا سيادة "القائد العام للقوات المسلحة"؟ من الذي كان يهتف بشعارات معادية ومهينة أكثر، هم أم شركاؤك في الحكم؟ من الذي يمتلك مقرات أكثر تابعة للدولة، هم أم أنت وشركائك في الحكم؟ من الذي يهدد الديمقراطية أكثر؟ من الذي زوّر الإنتخابات ضدك، هم أم شركاؤك في الحكم؟ من الذي تآمر لإسقاط حكومتك السابقة، ومن الذي وقف معك؟ فما هو السبب أنك لا تتذكر أنك "القائد العام للقوات المسلحة" إلا معهم، ولا تتذكر كل الحضارات والديمقراطية والأدب واللطف، إلا مع من لا يفوت فرصة لإسقاطك، ويتمنى لو شرب دمك حياً؟

حين كان فرسانك "يصولون" على الصدريين، كتبت لك مقالة صغيرة، أنهيتها بتذكيرك بمن قال: "أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". ويبدو أن تلك المقالة لم تصلك، أو أنك لا تصدق هذا القول، فهل نغير اسم كتلتك إلى "دولة القانون على الضعيف"؟

 

9 آذار 2011
 


 

free web counter