| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                     الأربعاء 10/8/ 2011


 

فساد خالِ من النقود

صائب خليل  

(تنبيه هام: كاتب هذه السطور له صلة قرابة بوزير الكهرباء السيد رعد شلال، لذا فحياديته غير مضمونة، فيرجى الإنتباه وعدم أخذ الأمر على الثقة بل تمحيص ما جاء فيها من آراء وحقائق وطريقة ربطها والإستنتاجات التي تنجم عنها – الكاتب)

إضافة إلى ما جاء في العبارة أعلاه، كنا نمتنع عن إبداء رأينا بنقاط هامة على خلفية تهمة "الفساد" التي اثيرت ضد الأستاذ رعد شلال، وزير الكهرباء، كنت حريصاً على أن يأخذ السؤال الموّجه له حقه الكامل بالإجابة الواضحة وعدم الخروج عنه، ولذلك قمت بإجراء مقابلة تلفونية مع السيد الوزير طرحت فيها ما أمكن من أسئلة حول موضوع تهمة "الفساد"، المتعلقة بعقدين مع شركتين مشبوهتين، بشأن مشاريع توليد كهرباء بقيمة مليار و700 مليون دولار.(1) وقد طرح السيد الوزير في المقابلة نشاطات وزارته خلال الأشهر القليلة التي قضاها وزيراً فيها، وطرحت فيها الحقائق بلا تعليق لكي  يتاح للقارئ أن يحكم بنفسه على الحقائق بدون تأثير.

والآن أشعر ببعض الحق والحرية في مراجعة تلك الحقائق معكم، وتقديم استنتاجاتي الشخصية حولها وما تعني، وكيف افهمها، وماهو أهم ما فيها.

حين وجهت التهمة (غير الرسمية، ولكن شملت جهات رسمية) بالفساد إستناداً على العقدين مع الشركتين الكندية والألمانية، باعتبارهما شركتان غير موثوق بهما لأسباب جدية (أحدهما وهمية والثانية مفلسة مدعومة، حسبما جاء في الإتهامات)، كان الرد الأساسي للوزارة هو ان العقدين مع الشركتين هما عقدان بالآجل، وبالتالي فلم تكن هناك أضرار مالية على الحكومة العراقية، ولم يكن هناك فرصة للشركتين أن تتحايلا على الجانب العراقي، لأنهما لا تستلمان أي مبلغ على الإطلاق، قبل تسليم المحطات المتفق عليها وتشغيلها لمدة سنة، حيث يسلم نصف مبلغ العقد، وسنة أخرى ليسلم الباقي. أما لماذا تساهلت الوزارة وأهملت حقيقة كون الشركتين غير معروفتين ولم تتحر عنهما بما يكفي، كان رد السيد الوزير أن الوزارة حاولت مع عدة شركات معروفة دون جدوى لأنهم رفضوا العمل بالآجل، وبالنسبة للثقة، اعتمد على ضمانات لبنوك كما هو السياق، وفي كل الأحوال لم تكن هناك مخاطرة بأية اموال عراقية بفضل طبيعة العقد.

ورغم أن كل شيء واضح موضوعياً، لكن الضباب شديد في المشاعر، فلا بأس بإضافة مقولة لشخصية ذات منصب مسؤول، فقد أكد الخبير القانوني طارق حرب: "التعاقد مع الشركات الوهمية لم يلحق ضرراً بالدولة، لان الدفع بالاجل، ولن يحصلوا على اموالهم الا بعد إستكمال المحطات." (2)

وبما أنه لا توجد أموال في القضية، ولا ينتظر أن تعطي شركة لم تستلم اي شيء، رشاوي لأحد ما، ولم يترتب على القضية اي ضرر بالنسبة للعراق، كان رأيي أن هذا ينفي تهمة الفساد عن السيد الوزير، ما لم تكشف حقائق جديدة تدينه بالفساد. هل كان على الوزير أن يرفض الشركتين الوحيدتين اللتان تقدمتا بمشروع، على علاته التقنية وسمعة شركتيه، يستطيع تحقيق تحسن في مستوى الكهرباء إبتداءاً من عام 2012، والإكتفاء بعقود المشاريع المؤكدة مع الشركات المعروفة التي تبدأ إنتاج الكهرباء عام 2013؟ هل كان الناس سيتحملون أن يتأجل أي تحسن في الكهرباء حتى عام 2013، ورغم وعود رئيس الوزراء للشعب بموعد قبله؟ هل كان صحيحاً أن يخاطر الوزير بشركتين غير معروفتين من أجل تحسين الكهرباء عام 2012؟ ربما... هذه قضية فيها سؤال وجواب ورأي، وقد يكون قرار الوزير فيها خاطئاً، وقد يكون أهمل التحقق من الشركتين وخاطر بالتعاقد معهما. لكن خاطر بماذا؟ لم تكن هناك مخاطرة بأية اموال عراقية، لكن هناك مخاطرة بوعد قد لا يتمكن من تنفيذه، ويتحمل مسؤوليته.

قلنا هذه كلها أسئلة منطقية واردة، يمكن أن يقتنع المرء بأي رأي فيها، وقد يكون قرار الوزير صحيحاً أو خاطئاً، لكنه بالتأكيد ليس دليلاً على "فساد". قد يسمى هذا "خطأ" أو "تقصير" أو "إهمال"، وحينها يناقش على هذا الأساس، لكنه بالتأكيد لا يرقى إلى تهمة الفساد التي تتضمن عنصراً أخلاقياً دائماً. ولنكون دقيقين دعونا نراجع تعريف "منظمة الشفافية الدولية" للفساد:

هو الاستغلال أو التوظيف غير المشروع للصلاحيات الإدارية او المنصب الحكومي المخول وفق القانون بنفسه او من خلال غيره ، او بناء على ما يتمتع به من أداء خدمة عامة ، ويكون ذلك الاستغلال لإغراض شخصية او نفعية او لميول عاطفية او قبلية او كل ما يدخل تحت نمط المحسوبية و المنسوبية مما يخل بحيادية او عدالة العمل الحكومي و الإداري .

ومن الواضح أن قرار الوزير بقبول العقد لا علاقة له بالفساد، فلم يكن في هذه الحالة، "توظيف غير مشروع...لأغراض شخصية أو نفعية..." الخ. حسب المعلومات التي تم كشفها حتى هذه اللحظة.

أما من ناحية التقصير فأنقل جملة من تعليق السيد ماهر سعيد متي من موقع برطلة، يقول فيها:

"المسؤولية التقصيرية قائمة على تحقيق اركان ثلاث هي ركن الخطأ والضرر، والعلاقة السببية بينهما". (3)

وهنا نلاحظ أن حتى التقصير أمر مشكوك به هنا، فلم يقع "ضرر" ولا حتى كان ينتظر أن يكون هناك ضرر منظور، والحديث عن أنه تم تجنب الضرر من خلال الإجراء السريع بإلغاء العقد ليس له أساس من الصحة، وعرض إعلامياً، وكأن صكاً بمليار و700 الف كان على وشك أن يصرف، فتلاحقت الحكومة للأمر وأنقذت الأموال! ليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة من ذلك...ولم يكن هناك صك سيصرف قبل ما يقارب السنتين من الآن، ليكمل بعد ثلاث سنين، وإذن فلم يكن هناك تفسير لهذه الإجراءات الطارئة العاجلة، ولا الصورة الإعلامية التي وضعت فيها.

هذا ما كان من أمر هذا "الفساد" – "الخالي من النقود"، ويبدو أنه استحوذ على إهتمام الإعلام العراقي فنسي "فسادات" أخر، كشفت عنها ملابسات القضية، يصبح هذا "الفساد" أمامها قزماً صغيراً. وكما قلنا فضلنا أن لا نتحدث عن أية "فسادات أخر" قبل أن يستوفي "الفساد" المطروح للمناقشة وقته، لكي لا نكرر طريقة إخفاء فساد عن طريق إظهار آخر يسد عنه الضوء، وإيماناً بأن كل فساد أو أحتمال فساد يستحق أن يسلط عليه الضوء المناسب لكشفه. ألآن يمكننا أن نسلط بعض الضوء على الفسادات الأخرى.

في المقابلة التي أجريتها معه، بيّن السيد الوزير من خلال الإجراءات التصحيحية والقرارات التي كان قد اتخذها، أنه قد راجع بعض العقود الأقدم، وأوقف العمل بعدد منها.

وأول تلك الإجراءات أنه رفض عقوداً لمستثمرين عراقيين وأجانب، كان الوزير السابق قد اتفق معهم عليها، حيث رأى أن تلك العقود مجحفة للوزارة بشكل كبير.  وقصتها ملخصة لما وردت في مقالتي السابقة، أن الوزارات السابقة استوردت عدداً من الـ "تورباين جنريتر"، وهي قلب المحطات الكهربائية، لكن التخصيصات انتهت ولم يكن لديهم ما يكفي لبناء المحطات اللازمة لتشغيل هذه التوربينات. فلجأوا إلى "الإستثمار"، فخصصوا 22 تورباين منها لمستثمري القطاع الخاص على أن يدفع ثمنها بعد سبعة سنوات. ويقوم المستثمر ببناء المحطات اللازمة للتوربينات، ويبيع لنا الكهرباء بسعر 3,67 سنت للكيلو واط  ساعة ولعقد مدته 25 سنة، ويكون تجهيز الوقود على حساب الوزارة.

وبعد حسابات، وجد الوزير أن تلك العقود فاحشة الثمن وتكلف الوزارة مبالغ هي أحوج ما تكون إليها لمشاريعها التي يعرقلها نقص المخصصات، حيث تدفع الوزارة ما يزيد عن 600 مليون دولار في العام، وهو مبلغ خيالي قياساً بتكاليف المشروع بالنسبة للمستثمرين الذين يستعيدون أموالهم المستثمرة خلال سنة ونصف. أي أن العقود بالنسبة للوزارة كانت كمن يقترض من مصرف بأرباح تبلغ 70% في العام! وهي أرقام إبتزازية في أحسن الأحوال، في وقت تعاني فيه الوزارة من شحة قاسية في التخصيصات. فكر الأستاذ رعد بمطالبة "المستثمرين" بخفض الأجور إلى 3 سنت. لكنه وجد أنه حتى في ذلك السعر، فأن العقود تبقى مجحفة بالنسبة للوزارة حيث ستدفع 500 مليون دولار في العام الواحد، بينما يمكن أن تقوم الوزارة ببناء المحطات بنفسها، وتتحمل كلفة 440 مليون دولار في العام لمدة عامين فقط، وتوفر بذلك تلك الـ 600 مليون دولار لمدة 25 عام، اي تدفع بحدود 880 مليون دولار لتوفير أكثر من 15 مليار دولار، إضافة إلى امتلاك الدولة للمحطات بعد سنتين، مقارنة بعدم امتلاك شيء بعد خمسة وعشرين عاماً.

وبالفعل مضى السيد الوزير في خطته وأوقف محادثات تلك العقود وباشر بتنفيذ خطته فتمكن من إحالة المجموعة الأولى إلى مقاول بأقل حتى من الـ 440 مليون المقدرة أساساً لها!

من المثير للدهشة، أن عقوداً تخسر الدولة أكثر من 14 مليار دولار، بلا اي مبرر أو تفسير، اتفق عليها الوزير السابق، ومنعها الوزير رعد شلال، لم تثر إهتمام الحكومة ولا الإعلام على الإطلاق، ولم تحرك غضب الغاضبين من الفساد. هل هناك فساد في هذه العقود؟ من الواضح جداً أن الأمر هنا فيه ضرر شديد للدولة، وإجحاف شديد في الأسعار، غير مبرر على الإطلاق. فلا يوجد في المحطات من أسرار يمكن للمستثمر الخاص أن ينفذها ولا تستطيع الحكومة أن تنفذها ذاتياً أو بمقاولة تنفيذ مع شركة ما. إنه فساد بنفس معنى الفساد الذي وجهت تهمته إلى وزير التجارة السابق على أساس شراء مواد بأسعار أكبر بكثير مما هو ممكن شراؤه من مكان آخر. وكذلك فعل وزير الكهرباء السابق، فرتب عقوداً إشترى من خلالها الكهرباء بأسعار أكبر بكثير مما كان يمكنه أن يفعله، وهو من أشكال الفساد المعروفة، بل ربما يكون الأشهر بينها.

إذن، لماذا يغلي العراق غضباً على "فساد" لم يكلف شيئاً، ولم يكن سيكلف شيئاً على ما يبدو، ويغض النظر عن فساد أعلن الوزير بشكل غير مباشر، انه كان يخطط لسرقة 14 مليار دولار من أموال الشعب خلال خمسة وعشرين سنة ليسلمها إلى "المستثمرين"؟

عدا هذا، تحدث الوزير عن عقود أخرى تمكن من إيجاد بدائل مطابقة لها بأسعار أخفض بكثير، ومواد احتياطية بنصف سعرها، وكان كل ذلك يعني توفير مليارات عديدة إضافية، ولم يبد أن أحداً يهتم لتلك الأخبار.

والحقيقة أن الأستاذ رعد شلال كان قد أخبرني في وقت سابق أنه بصدد مراجعة عقود الصيانة مع الشركات المختلفة، حيث وجدها عالية الأسعار، وكان يشك بأن عقود وزرارة الكهرباء قد بولغ فيها، وأنه يعتزم في حالة ثبات ذلك، إستعادة المبالغ الزائدة من الشركات. وبالفعل كان بصدد مقابلة ممثل إحدى الشركات في فينا بعد ساعات المؤتمر، على أن يكمل ذلك في بغداد.

وفي ذلك الوقت أعجبتني روحية الوزير، فاقترحت مراجعة العقود المنجزة ايضاً، وتحدثنا عن إمكانية استعادة مبالغ زائدة مماثلة إن وجدت، حتى وإن كانت المبالغ قد دفعت فعلاً، ومن خلال شكوى دولية باعتبارها عقود مغشوشة، حتى إن كانت سليمة من الناحية القانونية. وما لم يكن ممكناً الضغط عليه من الناحية القانونية، فيمكن استعمال مكانة وزارة الكهرباء العراقية في كشف عمليات الغش في الأسعار إن وجدت، وفضحها عالمياً بما يمثل ذلك من خفض لسمعة تلك الشركات، مما قد يجعلها تفضل إعادة المبالغ الزائدة التي قد تكون حصلت عليها من الوزارة السابقة كما حصل عليها "المستثمرون" ، أو أن تعرض إعادة جزء منها كتسوية وسطية، وفي كل الأحوال يكون هناك ربح للعراق.

كان الحديث مع السيد الوزير بهذا الشكل، ووجدت أمامي شخص يعامل اموال الوزارة والعراق بحرص من يتعامل مع أمواله الخاصة تماماً، ليس بمعنى صرفها كما يشاء، بل بالحرص عليها، ويفكر ويسهر بحثاً عن بديل أفضل وأقل كلفة وأفضل نوعية، من ناحية المواد والخدمات.

لذلك، عندما أثيرت قضية "الفساد" كنت مندهشاً جداً، إذ أنها تتناقض مع ما عرفت الرجل به من أمانة، رغم أني لم أره كثيراً خلال الأعوام المنصرمة، كان آخرها ذلك اللقاء القصير في فيينا. ولذلك سألت السيدة حنان الفتلاوي إن كانت قد سألت الوزير عن شكوكها، لكنها كانت مقتنعة بما لديها من وثائق، ووعدت أن الكثير من الأمور ستكشف في الفترة القادمة. فكان أن اتصلت بالسيد الوزير بنفسي لأطمئن على تقديري للأمور أولاً، ولكي أوضح للآخرين ما أعرفه عنه وعن مشاريع الكهرباء ثانياً، والذي كان يتناقض مع تلك الإتهامات، فكانت النتيجة تلك المقابلة القصيرة التي نشرتها في المواقع المختلفة (1).

كتبت تلك المقابلة كمعلومات بلا تعليق مني تقريباً، وكنت واثقاً من أن الناس والإعلام سيرى أن هناك تناقضاً شديداً بين التهمة بالفساد، عن قضية لا تبدو اكثر من أنها قد تحتوي تقصيراً ما أو رأياً يقبل الخطأ، وأن تهمة الفساد لا تتلاءم مع ما رأيته من رعد شلال. قلت أن الناس ستتساءل: هل من المعقول أن يلجأ إلى فساد "بالدفع الآجل" من يريد أن يفسد ويثري، وأمامه طرق أسهل كثيراً، وليس عليها أي مستمسك، فما كان يحتاج حتى إلى خلق فساد جديد يستفيد منه، بل يكفيه أن يمرر الفساد القديم ذو المليارات الأربعة عشر، ويفرض لتمريره عمولة بسيطة جداً، فإن كانت واحد بالألف، حصل الوزير خلال الأعوام الخمسة والعشرين القادمة على 14 مليون دولار بكل هدوء، ودون أن يستطيع أحد أن يحاسبه، لا على عقود فاحشة ولا شركات وهمية، فالعقود ضمن اتفاق مسبق، ولم يأت هو بجديد!

ويمكن للوزير، إن أراد ، أن يحتفظ بضميره مرتاحاً، إن لم يكن ممن يقبل الرشوة دون أن يكون حريصاً، وأن يمرر العقود بلا مشاكل، ويمرر أسعار الشركات العالمية بلا اعتراض، ويكفي نفسه هموم البحث عن مواد إحتياطية بديلة أرخص سعراً وما يحمله ذلك من مسؤوليات إضافية، فيما لو تبين لأي سبب كان، ان المواد كان بعضها دون المطلوب، أو لو ارادت الشركات التي خسرت الصفقات أن تدفع بالبعض لخلق المشاكل وإدعاء فشل المواد بأية طريقة.

ولماذا يورط نفسه بالبحث عن مصادر في دول مغضوب عليها من قبل معبود العالم الجديد؟ ولماذا يدخل في كتابنا وكتابكم مع البنك التجاري العراقي ويعترض عليه ويكشف أن نظامه في غير صالح العراق، فيكسب غضبه وغضب من يقف وراءه من كائنات مخيفة؟

لا أجد تفسيراً لذلك سوى في أن الأستاذ رعد شلال كان رجلاً يشعر بالمسؤولية ومستعد لتحملها على العكس من الكثيرين للأسف.

يذكرني هذا الأمر بحديث دار بيني وبينه والدكتور عصام شريف عندما كنا نسير على ضفاف النهر في فيينا. حدثنا عن سد الموصل وعن المخاوف التي كانت تحيطه وقال أنه ليس معرضاً للخطر. وأضاف بأن الماء في دجلة هذا العام وفير جداً لكنهم في سد الموصل يخشون أن يرفعوا المنسوب في البحيرة، ويتركون الماء الثمين يذهب سدى. وكانت القصة أنه حين بدأت الشكوك تساور المهندسين بسلامة سد الموصل، تقرر عدم رفع المنسوب إلى أعلى مما هو عليه في ذلك الحين، لحين التأكد من سلامة السد. وقد تغير تقدير الخطورة للسد كثيراً منذ ذلك الحين، لكن المهندسين بقوا يرفضون التوقيع على رفع منسوب البحيرة أمام السد، رغم ذلك. كل منهم لا يريد تحمل المسؤولية بأي شكل، فرغم اعتراف كل منهم بسلامة الحسابات وعدم وجود خطورة حقيقية، إلا أن كل منهم يرى أن أحداً لن يشكره إن قبل مسؤولية رفع المياه، ولكن "لو حدث خطأ" فستكون مسؤوليته عليه. "وهكذا تهدر المياه الثمينة لعدم وجود من يتحمل مسؤوليتها" قال الأستاذ رعد بحسرة واضحة مضيفاً "يقولون فيها مسؤولية...قلت لهم نعم مسؤولية.. وأنتم تأخذون رواتبكم كمهندسين لتحملكم المسؤولية، فكيف تهربون منها"؟ هذه هي كلمات الرجل، ويشهد عليها الدكتور عصام ومهندسو سد الموصل.

نفس هذه الروحية هي التي تفسر في تقديري ما حدث للأستاذ رعد في تعامله بمسؤولية مع المهمة المناطة به في قيادة وزارة الكهرباء، وكل مسؤولية تعني بالضرورة تحمل نسبة من المخاطرة، لكن تلك المخاطرة إن كانت ضئيلة جداً، و كانت تستند إلى حسابات هندسية سليمة فمن واجب المهندس والوزير وكل مسؤول، قبولها على عاتقه.

هكذا كما أظن حسب الوزير رعد شلال عقود الشركتين موضع النقاش، وجعل مخاطرتها صفراً أو تقارب الصفر، وقبل بتحمل مسؤولية القرار المحسوب، بعد أقتناعه به، فكان جزاؤه، ما كان يخشى مهندسو سد الموصل منه!

دعونا إذن نراجع الأمر بهدوء، ونسأل : لقد دخل الوزير رعد شلال في عقد مع شريك غير مؤكد، لأمر يراه في مصلحة وزارته وخططها، ودون احتمال مخاطرة بأموال الدولة، وبدون أن يكون في الموضوع ما يربحه لنفسه أو لجماعته، فهل الإسم المناسب لوصف ذلك التصرف هو "الفساد" أم "تحمل للمسؤولية" بمبادرة شخصية بعد دراستها وتأمين مخاطراتها بالنسبة لأموال وزارة الكهرباء والدولة؟

ما كان على رعد شلال إلا أن يكون وزيراً قياسياً يبتعد عن "الشر"، وفي هذه الحالة يمكنه أن يتوقع أن يمضي عمله في الوزارة بهدوء، ويتمتع براتبه الممتاز، وحتى إن خرج مبكراً فسيحتفظ بـ 80% من الراتب حسب القانون، ليمضي بقية ايامه متمتعاً على ضفاف الفرات الذي لا يبدله بأي شيء كما قال لي يوماً. عندها سيكون كل شيء على ما يرام، فلماذا يحمل نفسه مسؤولية لم يكن مضطراً لها، فيورط نفسه في قضية خائبة، قضية "فساد خالِ من النقود"؟

إذن أي نوع من الموظفين والمسؤولين نريد في العراق، وأية رسالة تبعث هذه الضجة إلى المسؤولين في مختلف الوزارات ودوائر الدولة؟

أتساءل : أهذا ما اثار غضب حكومة العراق ومؤسساته الإعلامية إلى هذه الدرجة؟ هل خلا العراق من كل فساد فرحنا نطهر بلادنا من  "أشباح الفساد"؟ ألا ليت كل فساد لدينا كان هكذا! يوفر للبلاد المليارات ويخرج فارغ اليدين والجيوب.. بل ألا ليت جميع وزرائنا كانوا فاسدين مثل رعد شلال. لو كان الفساد هكذا لكان فساد الوزير من أول المطالب لتعيينه، ولأستبدلت صفحة أعمال المتقدمين للعمل بـ "صفحات فسادهم"، وربما زوروها بإيراد فساد لم يقوموا به!

ما الهدف إذن من كل هذه الضجة ؟ ومن الذي أثارها حقاً؟ سأحاول الإجابة في مقالتي القادمة، غداً إن شاء الله.

 

(1) المقابلة مع السيد الوزير : http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=6410
(2) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=6432
(3) http://baretly.net/index.php?topic=4751.0

 

9 آب 2011
 

 

free web counter