| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                   السبت 8/12/ 2012

 

الدعوة لتهدئة بغداد وكردستان دعوة لتثبيت ظلم وعلاقة مشوهة

صائب خليل      

كيف إذن يفترض بنا أن نتخذ موقفاً سليماً مبدئياً، عندما تظهر علامات صراع بين قطبين في عالمنا، نحن من ندعي أن هدفنا الحصول على عالم عادل ومسالم وسعيد؟

بشكل عام يكون من الحضاري دعوة الأطراف المختلفة إلى "التفاهم" و المفاوضات لحل أي خلاف بينها، ولكن للأسف الجلوس إلى طاولة المفاوضات لا يضمن بحد ذاته حل تلك الخلافات، خاصة عندما يكون موضوع الخلاف إحتجاج على واقع حال يراه أحد الأطراف ظالماً بالنسبة له، كما هو حال الحكومة المركزية من قسمة الصلاحيات والأموال بينها وبين حكومة كردستان، والذي نتج عنه التوتر الأخير في العراق.

ولعل المثال الأقوى هو حال الفلسطينيين مع إسرائيل. فـ "طاولة المفاوضات" لم تكن في هذه الحالة إلا الفخ الذي وضع للجانب المظلوم ليتمكن الظالم أن يستمر بظلمه أكبر فترة ممكنة قبل أن يلجأ المظلوم إلى طريقة قد تكون أكثر فعالية لوقف هذا الظلم أو عرقلته: المقاومة.

ويمكننا أن نلاحظ أن الجانب الذي يملأ الدنيا ضجيجاً بضرورة ترك الصراع والإعتماد على المفاوضات هو الجانب الذي تمكن من فرض أمر واقع على الأرض، وبواسطة القوة وليس التفاوض! ويمكننا أن نلاحظ أن القضية الفلسطينية بالذات لم تحقق أي مكسب من خلال مفاوضات، وأن حتى الإعتراف بوجودها كان بفضل العنف الذي مارسته، وحتى اعتراف الأمم المتحدة بها اليوم كان بفضل إصرارها على تنفيذ إرادتها ورفض الدعوات للمفاوضات وتهديدات أميركا وإسرائيل بقطع المساعدات وبالويل والثبور.

فشل هذه "المفاوضات" منطقي تماماً لأن الجانب الفلسطيني كان قد سلم كل شيء مسبقاً، ولم يبق في يده أية مكاسب تأملها إسرائيل في المفاوضات. أخترعوا فكرة "الأرض مقابل السلام" المزيفة، لأن كل من الجزئين "الأرض" و "السلام" كانا بيد إسرائيل. فإسرائيل هي التي كانت تملك الأرض والسلام ويمكنها أن تحصل عليه كل السلام، بمجرد التوقف عن الهجوم ووقف الإستيطان، فلماذا تعيد الأرض مقابله؟ ومع الفارق في مستوى القوة، فأن كردستان كانت هي صاحبة المبادرة وفرض الأمر الواقع، وكانت مستمرة به، ولا ترى مبرراً لدخول مفاوضات حقيقية لا يمكن لنتائجها أن تقدم لها ما تقدمه لها عمليات الإبتزاز والسرقة والضغط. لذلك فشلت كل المفاوضات بينها وبين بغداد، رغم أن الأخيرة قدمت تنازلات كثيرة جداً من السكوت على النسبة الظالمة وقبول تمشية العقود غير القانونية من وجهة نظرها، واستمرار السيطرة على الحدود والكمارك وأراضي خارج الإقليم، وكان آخر الإعتداءات الإستيلاء على زبائن بغداد من الشركات الأجنبية النفطية بتقديم عروض أكثر سخاءاً وجعلتها تترك عقودها في بغداد!

ليس أمام الجانب الأضعف إلا أن يحاول الحصول على أوراق يفاوض بها، والتي تكون عادة بحرمان الجانب الآخر من "السلام" بمهاجمته وإقلاقه وإفهامه أن راحته لا يمكن أن تتم بدون راحة الجانب المقابل، وهو ما عبر عنه شعار منظمة التوباماروس اليسارية السابقة في الأوروغواي حين اقتحمت مرقصاً وطردت الحاضرين من الأثرياء وكتبت على الجدران: "أما أن يرقص الجميع أو لا يرقص أحد". أو حين اختطفت أمريكيا كان يعمل كمرشد للأمن الحكومي حول طرق التعذيب، لتفاوض الحكومة على إطلاق سراح معتقلي المنظمة مقابل إطلاق سراحه. القاعدة هي نفسها دائما، في كل الأحوال يجب أن يمتلك كل طرف أوراقاً قبل دخول المفاوضات.

ولنفس السبب ، فأن المقابل يسعى إلى العكس، فيحاول منع الأول من الحصول على تلك الأوراق التي ستضطره إلى تقديم تنازلات، فيدعوه إلى "طاولة المفاوضات" قبل أن يحصل على أوراقه، ويبقيه مشغولاً بأوهام بينما يستمر هو بتثبيت واقع الأمر على الأرض.

إذن لو عدنا إلى سؤالنا الأول في المقالة، حول الموقف المناسب من طرفين يتنازعان، نقول أولاًعلينا أن نفهم ونقيم موقف الطرفين، لأن "التهدئة" ليست موقفاً حيادياً، فهي تقف مع من يريد المحافظة على الحال كما هو، وقد يكون على غير حق، وتحرم الجانب الآخر من الحصول على أوراق ضغطه التي يحتاجها للحصول على حقه. فهل قيمت الأطراف التي تدعو إلى التهدئة بين كردستان وبغداد، الخلاف وحددت موقفها؟

إنني لم أجد أي من تلك الأطراف من بين لنا ما هو موقفه مما يطرحه الجانبان من شكاوى، حتى حسنوا النوايا، وهم الغالبية الساحقة.

دعونا نفعل العكس ونحاول أن نفهم ونقيم الموقف أولاً. الذي أفهمه من الصراع، أو على الأقل هذا هو المعلن منه، أن بغداد تشكو من أن كردستان تعتدي عليها وتبتزها في نقاط كثيرة أهمها: تشوه العلاقة بين المركز في توازن القوى. فمثلاً كانت بغداد تذهب لتشكو إلى الدول الأجنبية صاحبة الشركات، ان شركاتها تتعامل مع الإقليم بدون رضاها! كذلك هناك نسبة الـ 17% التي لا تستند إلى أساس، بينما تشير كل الإحصائيات إلى نسبة بين11% إلى 12.6% (الأخيرة حسب إحصاءات لجنة برلمانية كردستانية بالذات). وهناك ميكانيكية غير طبيعية تحصل بها كردستان على تلك النسبة بشكل متكرر من الأموال التي لم تصرف من حصص المحافظات والوزارات، والتي تعاد للخزينة لتضاف إلى ميزانية السنة القادمة (لم تجر الحسابات النهائية بعد، لكن هذا هو القانون والذي يطبق)، لكن الإقليم لا يعيد شيئاً، فتحصل كردستان على 17% من الميزانية، و 17% من الباقي، و 17% من باقي الباقي، وهكذا...!

ويثير الغيض أكثر أن سياسيو كردستان لا يأنفون من الحيل الرقمية الرخيصة مثل التحايل على الأرقام لحسابها بدون المصاريف السيادية (دون أن يذكروا ذلك طبعاً) ليقولوا أنهم يحصلون على أقل من 11%، ورغم ذلك يرفضون قبول 12% المقترحة من قبل البعض!

هناك أيضاً تهريب للنفط لا تستطيع بغداد التأكد من وقفه لأن لا سلطة لها بدخول الإقليم. وهناك كمارك الحدود ومبالغها، وهناك عمليات التفاوض مع  الشركات النفطية العالمية وتقديمها مغريات تجعلها تترك عقودها مع بغداد لتذهب إلى كردستان. فقد اتهم وزير النفط العراقي حكومة إقليم كردستان بأغراء شركات النفط بامتيازات "غير طبيعية" و" فائقة جداً". وهي حالة ليست مرفوضة إتحادياً فقط، بل عجيبة بين شريكين في البضاعة التي يبيعانها! وبالفعل حل ما أسماه أحد الكتاب بـ "موسم هجرة الشركات النفطية الى الشمال(1) فهاجرت الشركات الأمريكية والفرنسية وغيرها، ولم تسلم منها حتى الشركات الروسية،(2) وقال فرات الشرع بأن هذا: "سيدمر العلاقات السياسية مع الحكومة المركزية".(3)

وهناك أيضاً الإستيلاء على أراضي المحافظات الأخرى المجاورة وتقديمها للتنقيب لشركات أجنبية، وهناك مواقف كردستانية مخالفة ومناقضة للمواقف الإتحادية فيما يتعلق بالعلاقات والسياسة الخارجية، وهناك شكوك بوجود أجهزة أمنية إسرائيلية ربما تقوم بتنظيم عمليات الإرهاب في بقية أنحاء العراق، وتتجسس على جيرانه وتثير القلاقل وتدعم الناتو في هجمته على سوريا، بما ليس في صالح العراق كما ترى بغداد. وتنكر كردستان ذلك، لكن كل المنطق يقول بأن إسرائيل لابد أن تكون موجودة هناك، كما أن جهات أجنبية كشفت ذلك اكثر من مرة، فهذه صحيفة الفيغارو الفرنسية تؤكد أن عملاء جهاز التجسس الصهيوني "الموساد" قد زادوا تغلغلهم في المناطق الكردية شمال العراق. (4)

وهناك استقبال لضيوف مثيرين لحفيظة بغداد مثل شخصيات لبنانية عديدة مشبوهة وذات تاريخ إجرامي وارتباط وثيق بإسرائيل مثل المجرم المدان بالقتل سمير جعجع، وكذلك حماية لمطلوبين للعدالة وهناك إعلام معاد للعرب (يزيد في كثير من الأحيان عن ما يصل إليه الإعلام الإسرائيلي من معاداة وإهانة، كما بينت في عدة مقالات سابقة مع تبيان المصادر) حتى قبل الأزمة والتهديد بالإنفصال بين الحين والآخر وهناك العلاقة غير الطبيعية بين البيشمركة والجيش العراقي الذي يفترض أن تنتمي إليه وهناك الإعتراضات على التسلح للجيش العراقي والتي تعني أن كردستان تعتبره عدواً، بل العدو الوحيد الذي تعترض على تسلحه حتى أن بغداد تتهم كردستان بتخريب صفقة الأسلحة الروسية، وهناك قضية أسلحة الجيش العراقي التي استولت كردستان عليها وصادرتها من الحكومة المركزية!

هذه كلها وهناك تفاصيل صغيرة أخرى يمكننا أن نهملها الآن ونكتفي بهذه النقاط، والسؤال للسادة والجهات التي اتخذت موقفاً من هذا الصراع بتهدئته، هل درست كل هذه النقاط واتخذت منها موقفاً؟ هل يجدون في هذه الحال أمراً طبيعياً يستدعي إبقاءه على ما هو عليه؟ إنهم لا يقولون شيئاً... أما لأنهم اتخذوا مواقفهم بلا فحص لشيء، أو لأن الدلائل لا يمكن دحضها وفضلوا تجنب الخوض فيها.

تحاول كردستان وحلفائها تصوير الموضوع وكأنه صراع شخصي بين كردستان والمالكي، كما حاولوا تصوير صراع النفط على أنه بين كردستان والشهرستاني، لكن الحقيقة أن الموقف العربي برمته يقف موقف المالكي في هذا الأمر حتى الذين لا يحبون المالكي والذين يخشون اتجاهه إلى الدكتاتورية وحتى أؤلئك الذين يعتبرونه طائفياً. بل أن الكثير يعتبرون المالكي وحكومته قد ضيعت حقوقهم بسبب الرضوخ لإبتزاز كردستان من أجل البقاء في السلطة، وتطالب بتغيير الحال. وكانت إحدى مقالاتي تدعو المحافظات إلى إقامة الدعوة على الحكومة على هذا الأساس. وحتى داخل التحالف الوطني، لام النائب السابق وائل عبد اللطيف موقف الحكومة من كردستان وتساءل "هل هو من اجل البقاء في رئاسة الوزراء"؟(5)

لكن من الطبيعي أن الجانب الكردي حريص على إبقاء الوضع على ما هو عليه من إبتزاز لذا لا عجب أن يرى

طالباني أن "اثارة مسألة عمليات دجلة في هذا الوقت لا يخدم الأمن والاستقرار في المناطق المتنازع عليها، بل بعكس ذلك ستكون سبباً لاثارة الفتن والقلاقل وسيكون لها تداعيات خطيرة جداً".(6)

ولا يقتصر هذا الموقف على الكرد، بل يشمل العديد من الجهات العربية في العراق، مثل "التجمع العربي لنصرة القضية الكردية" والذي يحتج على التصعيد الحكومي ويحمله مسؤولية كل ما يحدث ولا يجد سبباً لهذه الحركة سوى رغبة المالكي في توسيع صلاحياته وتثبيت سلطته وتقويتها باتجاه الدكتاتورية، دون أن يكلف هذا التجمع نفسه بتقديم أية دراسة حول المطالب التي يدعيها إتلاف المالكي أو حتى مناقشتها أو تبيان سبب رفض مناقشتها، وقد كتبت مقالتين رداً على التجمع.

أثيل النجيفي ذو العلاقة المشبوهة بكردستان عاد اليوم ليصرح بانتفاخ بأن "نينوى لن تكون ساحة لهذا الصراع ما دام هو في موقع المسؤولية".(7) فهو يريد إبقاء الحال على ماهو عليه، رغم أن محافظته هي أكثر محافظة تشكو من ظلم كردستان، من استقطاع أراض واستيلاء على ما لايقل عن نصف مليار دولار من ميزانيتها سنوياً. إنه لا يناقش ذلك أيضاً، بل يقفز إلى النتائج والشعارات.

وبعيداً عن التصعيدات الإعلامية المعتادة منه، دعا وزير البيشمركة الجيش العراقي للانسحاب من الطوز وإعطاء فرصة لإميركا لمعالجة المشاكل(8). وطبعاً لا ينتظر من أميركا إلا إبقاء الحال التي صنعتها بنفسها، كما هي، وهو السبب الذي يدعو المسؤولين الكرد إلى تكرار ضرورة عودتها الى العراق. وبالفعل نقل عن جبار ياور المتحدث الرسمي عن البيشمركة قوله أن "الوفد الامريكي طلب سحب قوات الطرفين فورا ووقف التحشيدات العسكرية من الجانبين".

وكذلك نجد أن قناة الحرة عراق التي تمولها السفارة الامريكية، القت اللوم على الحكومة بدون تحليل اعتراضاتها أو اتخاذ موقف منها، وأسمتها "محاولات فردية"، وشاركت الحملة الكردستانية لإعادة تسمية المناطق المتنازع عليها بالمناطق المقتطعة من الاقليم،(9) والتي بدأت فجأة في وسائل الإعلام الكردية والمثقفون الكرد  القريبون من السلطة، وكأن أمراً مركزياً صدر إليهم بذلك.

أما الجلبي فينقتد المالكي فقط لأن "كل الانظمة السابقة كانت تتفق مع الكرد وتقوم بتسوية الخلافات معهم لكنها تعود وتنقض الاتفاقات وتخوض حربا".(10) وعلى أساس منطق الجلبي فأن أي نظام في العراق يختلف مع الكرد سيقارن بالإنظمة السابقة، وبالتالي فالكرد هم مقياس صحة النظام وهم محقين مسبقاً في أي خلاف! وبمثل هذا الحديث عن "الحرب" استغل اردوغان الفرصة ليتهم المالكي بأنه "يريد الاتجاه بالوضع نحو حرب اهلية"(11)

ويرى علاوي أن ما يحصل هو "اعتداء من المالكي"(12) دون أن يوضح رأيه بحدود كردستان التي يعترف بها لنعرف كيف نقيس الإعتداء. وبنفس الطريقة يطالب مظهر الجنابي من القائمة العراقية بتخصيصات مالية للبيشمركة(13)، دون أن يناقش اعتراض بغداد بأن البيشمركة لا تنتمي عملياً إلى الجيش العراقي، بل أنها اشتبكت معه في أكثر من مرة، وطردت فرق النفط الحكومية لتحل محلها شركات أجنبية وأستولت بالقوة على أراض خارج كردستان.

لكن ليس الجميع في العراقية اختار جانب كردستان، فدافع حامد المطلك عن موقف المالكي مقدماً السبب: "الحكومة الاتحادية لها الحق في تحريك قواتها وفق الدستور" لكنه شكك بأسباب الخلافات ووصفها بالمسيسة وتغذى من الخارج وتصب في مشروع الإحتلال بتقسيم البلد. داعياً إلى "تغليب لغة الحوار والتفاهم بين الاطراف المعنية لحل المشاكل"(14)

التيار الصدري يندفع بوضوح من منطلق عدائه للمالكي ودعمه لأي شيء يصيبه بالضرر، دون أن يحدد موقفه من الشكاوي أعلاه بل يقفز إلى الإستنتاج ان "(عمليات دجلة) ... شحنت الاجواء لا لشيء إلاّ من اجل نسيان الهفوات والعظمية والثغرات الكبيرة التي وقع حزب السلطة فيها".(15)

لكن صدرياً آخر هو عضو اللجنة المالية عبد الامير المياحي، يحاول أن يعطي سبباً لدفاعه عن موقف كردستان فيعترض على المطالبة بتخفيض الـ 17% لأن تلك النسبة "لم تـ(و)ضع جزافاً وإنما استندت على معايير قانونية وحسـ(اب) التعد(ا)د السكاني للإقليم"!(16) وهذا كلام لا أساس له، بل لم يدّع أي من الساسة الكرد أن نسبة الـ 17% استندت إلى حسابات تعداد سكاني بل قال محمود عثمان بنفسه بأنها نسبة تم "الإتفاق عليها" مع أياد علاوي بحضور سلطة الإحتلال!

أما مبرره فهو "ان جميع المحافظات العراقية بتزايد مستمر وتخفيض حصة اي محافظة باطل وغير شرعي"! ومن الواضح أن المياحي لا يميز بين تزايد عدد السكان وزيادة نسبتهم، فكون الجميع يتزايدون لا يعني أن نسبة أحدهم ستزداد بالضرورة! كما أنه ليس هناك حديث عن "إنقاص" بل إعادة الأرقام إلى ما يرى البعض أنها الصحيحة.

هذا ما يحدث لمن يحاول تفسير موقفه المؤيد لكردستان الذي لا يمكن الدفاع عنه منطقياً، ولذلك يتجنب جميع "الحكماء" ذلك، بضمنهم الساسة الكرد، ويكتفون بترديدات شعارات مبهمة، فلا يورطون أنفسهم بما ورط المياحي نفسه به من مغالطات.

الصدر من جهته لا يرى سبباً "لشحن الأجواء" سوى تغطية الهفوات وأعضاء تياره يدافعون عن نسبة الـ 17% بحماس، وقد نسوا أن التيار الصدري القديم كان من أشد من اعترض على تلك النسبة عندما تم التصويت عليها قبل بضعة أعوام، وأنهم رضخوا مرغمين لإبتزاز كردستان من أجل تمرير قانون انتخابات المحافظات.

إن صح الخبر، رغم بعض التساؤلات عنه، فأن السيستاني وضع نفسه أيضاً في فخ "التهدئة"، رغم التزامه الحكيم في العادة بعدم التدخل فيما بين الكتل السياسية، لإشكالات في ذلك مع الدستور ومبادئ الديمقراطية.

وبالفعل شكر البرزاني السيستاني بحرارة وسرور بالغ على موقفه(17)، الذي يساعد البرزاني على الإحتفاظ بمكاسب مشكوك في شرعيتها في أحسن الأحوال، سلبت من الجانب الأكثر فقراً من العراقيين لتصب في جيبه وجماعته. ولو كان موقف السيستاني مخالفاً للبرزاني لما أعاره الأخير أية أهمية، ولكان أول من نادى بعدم شرعية تدخله في السياسة، ووضعه هدفاً لحملته الإعلامية.

على اية حال، السيستاني لم يقل أن على المالكي أن يتراجع وإنما دعاه فقط "الى التحلي بالصبر وعدم زج العراق والعراقيين باي صراعات دموية يكون الشعب هو الخاسر الوحيد فيها(18) حسب الخبر، والتحلي بالصبر غير التراجع.

ما أردت قوله أخيراً أن الدعوة الطيبة إلى "التهدئة"، وسحب القوات، والجلوس إلى طاولة المفاوضات فوراً، حين توضع بدون تفاصيل أخرى وتحديدات أخرى، قد تحمل في طياتها ظلماً وتدميراً الفرصة لمواجهة الوضع الخطأ وتصحيحه. من يريد أن يلعب دوراً طيباً، فعليه أن يبذل الجهد أولاً لمعرفة ماهو صحيح وما هو خطأ ومن ثم أن يسعى إلى أن ينصر الصحيح بأنسب الطرق وأكثرها سلمية. أما الدعوة العمياء للتهدئة و "عدم إثارة المشاكل" فتخدم بقاء الحال، وتفترض مسبقاً أن ماهو موجود على الأرض هو الصحيح وتمنع الإحتجاج على ظلمه إن وجد.

أن ما مر به العراق من اضطراب التغيير أتاح للبعض فرصاً أكبر من غيرهم بلا شك، وكانت كردستان اكثر القوة قوة عسكرية وتنظيماً وقرباً من المحتل، فمن الطبيعي أن تحصل على ما يزيد عن حقها ونسبتها، فأنتج ذلك وضعاً أعوج ومشوه بشكل كبير وغير مقبول ولا يمكن استمراره. ولذا فأن رفضت كردستان تغييراً أساسياً في تعاملها مع بغداد، فيجب على الطرفين البدء بالعمل على الإنفصال بسلام وبأقصى درجة ممكنة من العدالة، وباستخدام الأمم المتحدة وإجراء الإحصاءات اللازمة.

لقد كان عنوان مقالتي الأولى عن سرقة الـ 17%: "لا تدعوا هذه السرقة تغور في ضمير العرب عن الكرد" لكن الجميع تركها تغور، وكان ممكن في ذلك الوقت علاجها. اليوم ترسخت وصارت "حقاً" بالنسبة للكرد، وصار "إنتزاعه" هجوم عليهم! اليوم أدعو الطيبين من الكرد أن لا يحاولوا "الإنتصار" ثانية في هذه المعركة، لإلا يغور الألم والقهر بشكل أعمق في نفوسنا، وأن لايحاولوا تصوير القضية كأنها صراع مع المالكي وحده، وان يوجهو جهودهم نحو تحقيق الإنفصال. فقصة النسبة هذه ووضوح لصوصيتها وقوة أدلتها التي لا تدحض (تقرير من برلمان كردستان نفسه يقر بأنها 12.6%، منشور على الصفحات الكردية في الإنترنت لمن يريد مراجعته) تكشف كم هو من الصعب استعادة حق وتصحيح خطأ، حين يرسخه الوقت.فإذا كانت هذه الواضحة عسيرة على الحل، فكيف ستحل باقي المشاكل ونتعايش معاً؟

هل سيقبل الكرد أن يدخل الجيش العراقي كردستان؟ أم أن العرب يمكن أن يطمئنوا إلى أن إسرائيل لا ترسل الإرهابيين إلى بغداد من قواعد لها في كردستان؟ هل سيقبل العرب أن تسلب كردستان منهم الشركات التي تعاقدت معهم، أم يقبل الكرد أن يتنازلوا عن عقودهم وإدارتهم لثروتهم بأنفسهم؟ كيف يمكن أن تشارك شخصاً يريد أن يدير ثروته بنفسه؟ كيف تشارك شيخصاً لا يجد ضيراً من تخريب عقودك مع الآخرين لبيع نفس مادة المشاركة، ليحصل على عقوده الأدنى بدلاً منها؟ هل سيسلمون الحدود وكماركها للمركز ويتخلون عن ارباح تهريب النفط، أم ان المركز سيخضع في النهاية؟ هل سيتخلى الكرد عن أصدقائهم الإسرائيليون أم يقبل العرب العراقيين وجود ما يعتبروه سرطاناً خطيراً، في قلب بلدهم؟ هل سيتسطيع العرب قبول حكام لكردستان يرون فيهم أعداءاً لا يتورعون عن أي كذب واحتيال، وينتظرون الفرصة لإبتزازهم في أية لحظة ضعف، أم سيتخلى الشعب الكردي عن "أبطاله القوميين" هؤلاء لأنهم لصوص؟ هل سيأتي لكردستان جيل من المثقفين يحترم العرب ولا يلقي عليهم جرائم صدام وغيره، أم أن على العرب تحمل "مثقفين" يتبارون في تحقيرهم بكل الطرق الممكنة، وسياسيين تزداد شعبيتهم بتوجيه أحقادهم الصريحة وإهاناتهم للعرب؟ (بالتأكيد الجانب المعاكس ليس صحيحاً، ولا أعرف مثقفين عرب يقاربون في احتقارهم للكرد، إحتقار الكثير من مثقفي الكرد للعرب، ولا يبدو أن المثقف الكردي يعاني من أي نقد حين يبث إهاناته صراحة وجهاراً على العرب كما يعاني المثقف العربي حين يفعل جزءاً بسيطاً من ذلك تجاه الكرد).

كل هذه إشكالات لا يبدو أن لها حلاً، ولا يجب أن نتفاءل بأن الزمن سيساعدنا على إصلاح الخطأ، فهناك في كردستان (وفي بغداد أيضاً) من لن يسمح بذلك، وله سطوة كبيرة، فوق طاقتنا كشعبين بكثير. عندما أنتقد "التهدئة" فليس ذلك للدعوة للتصعيد أو الحرب، وإنما إلى أن تكون تلك التهدئة ضمن دراسة المشكلة وتحديد الخطأ والصحيح وليس بطمر الخطأ تحت البساط والدعوة لتهدئة عمياء، أو استعمال حيل الأرقام لإخفاء الإبتزاز، وعندها سنرى أن الشق كبير وأخطار البقاء معاً كثيرة. لذلك أدعوا ثانية، وقبل أن تسوء الأمور ويفوت الأوان، إلى البحث عن طريقة لفك هذا الأرتباط. لقد فشلنا في إبقاء هذا البلد موحداً، فلننجح بتقسيمه بسلام قبل أن يكون الثمن أكبر بكثير، ولا تتخيلوا أن ليس هناك ما هو أسوأ بكثير!

 

(1) http://www.ipairaq.com/index.php?name=inner&t=economy&id=63346  

(2) http://ipairaq.com/index.php?name=inner&t=economy&id=63158

(3) http://ipairaq.com/index.php?name=inner&t=economy&id=63100

(4) http://www.alalam.ir/news/1375824

(5) http://www.alliraqnews.com/index.php?option=com_content&view=article&id=56768

(6) http://www.iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/26476-2012-11-13-20-23-35.html

(7) http://khabaar.net/index.php/permalink/9075.html

(8) http://sna-news.net/index.php?aa=news&id22=12291

(9) http://www.chakooch.com/news_view_1143.html

(10) http://www.iraqi.dk/news/index.php?option=com_content&view=article&id=38867

(11) http://www.non14.net/38539.htm

(12) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/27378-2012-12-03-18-21-57.html

(13) http://www.almirbad.com/news/view.aspx?cdate=29102012&id=b074a0a2-e0e2-447e-bd19-1a3d08fcde65

(14) http://www.non14.net/38564.htm

(15) http://www.faceiraq.com/inews.php?id=1157796

(16) http://www.iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/27484----------12-------.html

(17) http://www.4newiraq.com/news/?sid=31472

(18) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/27408-2012-12-04-13-08-08.html

 

7 كانون الأول 2012
 

 

 

free web counter