| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

السبت 5/2/ 2011

 

عشرة أيام عربية .. مازالت تهز العالم!

صائب خليل

أتصل بي صديقي الكاتب المثقف عدنان عاكف، وقال: "الآن فقط أحسست أن لحياتي معنى"! وأسرني بفكرة عنوان هذه المقالة. قال أن ظروفه الصحية لا تتيح له أن يكتبها، وأنه يرسل تحياته الى الشعبين الرائعين التونسي والمصري، ولكل من فرح لهما.

نعم، ان "أيام الغضب الثوري الحضاري" التي تمر نسائمها المنعشة على المنطقة منطلقة من تونس ثم أم الدنيا، مصر، تذكر المرء برواية جون ريد الخالدة "عشرة أيام هزت العالم" والتي تتحدث عن الأيام الأولى من الثورة الإشتراكية، وترجمتها كروبسكايا، زوجة لينين، الى الروسية وقالت عنها "إن كل هذه اللوحات المرسومة بدقة تعبر عن مشاعر الجماهير" (الكتاب هنا (1) )

ولم يكن بالإمكان لأية لوحات مهما بلغت دقتها، أن تعبر عن مشاعر الجماهير العربية وأمنياتها في كل القيم الإنسانية والقومية والإجتماعية والحضارية، بأفضل ما عبرت تلك التظاهرات الرائعة والمستمرة، وهي تهتف في ميدان التحرير: "بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي" وتحس بمعناها لأول مرة منذ عقود!

الأمر الذي أعطى هذه التظاهرات المليونية أهميتها العظمى هي أنها كانت ترد، وبالجملة، على كل الإتهامات وكل الهجمات على المواطن العربي، من أنه خنوع، عنيف، متخلف سياسياً، متخلف إجتماعيا، فوضوي، ناقص الوعي، غير قادر على التنظيم...فمن له بعد ذلك أن لا يقدس ما يرفع عنه كل تلك الأثقال بضربة واحدة؟ ضربة حضارية ثورية رائعة!

لقد كانت رائعة بشكل خاص، لأن الحكم في مصر، لم يكن يستحق أية معاملة حضارية، فقد تعامل مع شعبه بهذا الشكل الوحشي.(2) التحية جاءت ليس من المصريين والعرب فقط بل أيضاً وبحماس تام من القوميات الاخرى في الإقليم (3) (4) فالموضوع ليس قومياً، بل وجاءت أيضاً من العالم كله (5)

لم تشهد المظاهرات حرق الاعلام والهتاف ضد امريكا لا في تونس او الجزائر، بالرغم من الإحساس الشديد بالمرارة الذي يلف المتظاهرين بلا شك تجاهها وتجاه إسرائيل، وهو ما عبروا عنه في مقابلات صحفية، لكن عدم عرض تلك الإعتراضات بشكل عنيف واستعراضي، فوت الفرصة على من يتربص بهم لإتهامهم بمختلف التهم، وبذلك كان عملهم تعبير رائع عن المثل المصري الذي لا يقل روعة : "أمشي عدل، يحتار عدوك فيك"!

لكن "المشي عدل" لم يكن كافياً، حتى لو كان "على السراط المستقيم" كما فعل المتظاهرون، فالذين تربصوا بالثورة من أنظمة أمنية مرتبطة بدوائر خبيرة وخبيثة، تبحث عن أي أعوجاج مهما كان طفيفاً لإستغلاله، فإن هي لم تجد الإعوجاج اللازم، خلقته، وهي تردد "إن لم نجده عليها إخترعناه". ورغم عدم وجود أي دليل فأن تلك الأجهزة لم تتردد في نسب الثورة إلى "جهات أجنبية معروفة"، وتلك الجهات طبعاً هي إيران وسوريا والفلسطينيين وحزب الله، خصوم إسرائيل في المنطقة، مضافاً إليهم ضيف جديد هو أميركا!

كتبت 'الأخبار' عن "المؤامرة الأجنبية الخطيرة لضرب استقرار مصر" أنه "تم القبض على 40 سوريا وفلسطينيا في داخل ثلاث سيارات ميكروباص في دمنهور كما تم القبض على أربع فلسطينيين حاولوا إثارة الجماهير بوسط القاهرة وتوزيع منشورات تحث على التخريب. كما شهدت منطقة بولاق أبو العلا محاولة لإطلاق النار من سبع أجانب وعرب بينهم اثنان ملامحهما إيرانية وتمكنت اللجان الشعبية من ضبطهم وتسليمهم للجيش وضبط الأهالي أيضا ثلاثة يمنيين معهم أسلحة أمريكية."

وكما يخوف الغرب العالم من "الإرهاب" فأن مبارك حذر الغرب من أن الديمقراطية التي يطالب بها لمتظاهرون ستعني حكم الأخوان المسلمين، وذلك لن يناسب إسرائيل! وخلقت صحف اخرى تهماً اخرى للأخوان فاتهمتهم "المسائية" بأنهم يجبون الجباية الإجبارية من الناس وتحت التهديد، لدعم المتظاهرين!

ولم يكتف الجهاز الأمني الإعلامي بحملات الأكاذيب الفاشلة، بل تعامل بالعنف الشديد وكان يهدف على ما يبدو إلى دفع المتظاهرين إلى ارتكاب العنف لكسب مصداقية لتلك الإتهامات. وكانت المحاولات الأولى هي عمليات دهس للمتظاهرين بواسطة سيارات أمنية او مجهولة في شوارع المدن المصرية، وبوحشية متميزة! سيارة شرطه تدهس متظاهرين في مصر (6) سيارة دبلوماسية تدهس المتظاهرين  مصر  (7)

وكذلك قام "الحزب الوطني" (وهو ما يدعوه المتظاهرون "الحزب الواطي" ويشابه "حزب البعث" في العراق حين تحول إلى فرق أمنية تراقب وتعذب الشعب لحساب الدكتاتور) بهجوم على المتظاهرين، أدى إلى قتل وجرح عدد كبير منهم، وبطريقة "مبتكرة" شبهها البعض بأنها "قادسية" مبارك! لما استعمل فيها من جمال وخيول، وصارت سبباً في كسب الحزب الذي افتضح دوره من خلال الذين أمسك بهم من المهاجمين، للإستهجان، وتعريف العالم به، فالمصريون كانوا يعرفونه على اية حال. جهاز مبارك حاول تصوير "البلطجية" بأنهم متظاهرين مؤيدين له، بينما شبهت كاتبة عراقية الهجوم بأنه "عودة الهجانة" (8) ووصفها كاتب آخر بأنها "معركة القادسية التي قادها الحزب الوطني الحاكم لانتزاع قلعة ميدان التحرير، وتحريرها من الأعداء، حيث دفع في مقدمة الجيش بالفرسان على ظهور الجمال والخيول والبغال، ونسي الحمير وخلفهم المشاة المسلحون بالسكاكين والطوب.. ثم استخدم المنجنيق - أي زجاجات المولوتوف" مما أدى إلى "سقوط قتلى ومئات الجرحى من المدافعين عن قلعة التحرير، فقد تمكنوا من صد المهاجمين وأسروا منهم الكثير" مما أدى إلى فضح ارتباطهم بـ "جيش الحزب" وهتف المتظاهرون على دقات الطبول: "وكسبنا الجولة ومعاهم أمن الدولة". وبالفعل كانت تلك "القادسية" كارثة إعلامية لمبارك ورفقته، وعلى مستوى العالم، ليس لوحشيتها فقط بل لإفتضاح ما وراءها وكتب أحمد أبو حجر:'قام رجال الحزب الوطني بتحديد التسعيرة التي اختلفت حسب المنطقة، " فبعضها كان "مقابل عشرين جنيها بالإضافة لوجبة غذائية ويتم نقلهم في أتوبيس نقل عام لتوزيعهم على مسيرات بشارع جامعة الدول العربية، وأمام مبنى التليفزيون وفي عين شمس والمطرية قامت أتوبيسات سياحية بنقل المتظاهرين لميدان التحرير" ، وقام "سلاح البحرية المملوك للحزب" باستعراض في النيل ونشرت 'الأخبار' صورا لأربعة مراكب عليها يافطات مكتوب عليها، نعم لمبارك، وتحتها جملة: المواطنون خرجوا في مراكب نيلية لتأييد الرئيس.

وقال الممثل المصري المعروف خالد النبوي، ان مؤيدي مبارك أعطوا صورة سيئة لمصر بعد الصورة الحضارية التي قدمتها مظاهرات معارضيه. وقال النبوي: 'من دخلوا بالجمال لميدان التحرير يعيدوننا لعصر الباشوات'.

وحول التدخل الامريكي المطالب بانتقال سريع للسلطة قال النبوي: 'حتى إن عارضنا النظام فلا نرضى تدخل أمريكا فى رحيله، ويكذب من يقول ان أمريكا تريد رحيل النظام، لأن القنابل المسيلة للدموع من صنع أمريكا أصلاً'. (9)

 وكذلك فشلت حملات الإغتيالات بواسطة القناصة الذين استهدفوا البعض من المتظاهرين الأكثر نشاطاً، في الحصول على أي تأثير. من يرى كل ما قابلت هذه الوحشية الشعب المنتفض من قسوة وما تسببت به له من ألم، وما واجهت انتفاضته به من أساليب غير معروفة اللا انسانية مثل الدهس المتعمد الجماعي بالسيارات، لا يمتلك إلا أن ينحني لهذا الهدوء والصبر والإنظباط في رد الفعل، والإصرار على الإحتفاظ بالهدف المركزي، تبديل النظام، وليس الإنتقام، أمام عيون المنتفضين. أن من مازال بعد كل هذا يتحدث عن فوضى وعن تخريب إنما يعاني من مرض مزمن ثابت في الضمير تجاه العرب أو المسلمين أو أية جهة يرى المنتفضين جزءاً منها، ولا أمل بإرضاء هؤلاء. من لم يقف مع هذا الشعب بكل قلبه وعواطفه كما فعل شاعر العراق الكبير يحيى السماوي (10) حين قال وبلا تردد أو تلكؤ أو "ولكن"، فعلى ضميره أن يقدم حساباً للإنسانية.

مقابل هذه الوحشية للحكومة المعتدلة المثالية، عبر المتظاهرين عن روحهم المرحة وإصرارهم على أهدافهم سلمياً، كما عبرت عنها شعاراتهم التي لا ينقصها الظرف أيضاً، فكتببوا وهتفوا: متعبناش متعبناش .. الحرية مش ببلاش، مبيفهمش بالعربي، كلموه بالعبري، غور!، ارحل إرحل ياسليمان إرحل إرحل إنت كمان، هنخلعك يا مبارك،.. أرحل.. أرحل.. مش عايزينك، مش حنمشي...هوه يمشي، وحتى بالإنكليزي هتفوا: GO AWAY GO AWAY

لكن مبارك لا يفهم حتى بالإنكليزي، لذلك قالوا له مبيفهمش بالعربي، كلموه بالعبري،..وحتى حين يذكره البعض بنصائحه للغير، حين يدعوا صدام أن يستقيل ولا يدمر البلد، فكان بذلك رمزاً للنفاق بأوضح معانيه! (11)

التظاهرات عدت واحدة من أكبر الإستفتاءات الشعبية في التاريخ، سواء تلك التي جرت في تونس أو في مصر. لقد حاول النظام وأفواهه أن يحيدوا الإستفتاء. قالوا أن مصر ليست ميدان التحرير فقط، وليست القاهرة فقط. ثم قالوا أنه مقابل البضعة ملايين التي خرجت في مصر هناك عشرات الملايين التي لم تخرج، وهي من وجهة نظرهم، المؤيدين لمبارك. ثم أرسلوا "هجانتهم" وقالوا أنظروا، هؤلاء الآلاف مؤيدين للرئيس مبارك.

ولننسى الهويات الأمنية التي برهنت أن الجلاوزة مرسلين من الحكومة نفسها، ولننس قنابل المولوتوف والقنابل المسيلة للغاز التي يحملها هؤلاء الناس، ولنقل أنهم يمثلون المؤيدين لمبارك، فما هي الصورة التي يكشفها لنا هؤلاء عمن يؤيد مبارك من أخلاق؟ وإذا كان جماعة مبارك يقارنون بضعة ملايين متظاهر كأقلية أمام بقية سكان مصر، فأن ذلك يتيح لنا ان نقول أن هؤلاء الذين لا يزيدون عن الفاً أو الفين هم أقلية تافهة، ليس مقابل من "لم يخرج من بيوتهم" بل حتى أمام من خرج متظاهراً ضد مبارك، فنسبتهم أقل من مؤيد واحد له مقابل أكثر من ألف شخص معارض يخاطر بحياته من أجل التخلص من حكمه.

البعض قام بإحراق الغاز الذاهب إلى أعدائهم ، "عمليات تخريب" قال عنها البعض، وإهدار للثروة، ولم يقل بأن هذه الثروة تذهب بأقل من كلفتها وأن الشعب المصري الذي يعاني نفسه من نقص كبير في الطاقة، إنما يتحمل الفرق بين سعر الغاز المصدر وكلفة إنتاجه الأعلى. أي أن إحراق الغاز هذا يوفر لمصر بعض المال! هذه هي المهزلة التراجيدية التي تحيق بالبلاد عندما يحكمها دكتاتور "صديق" لإسرائيل وأميركا! أميركا "تتبرع" بمليار ونصف مليار دولار تقريباً للنظام المصري في العام، لكنه في الواقع ليس سوى تبرع لإسرائيل يوفر لها ما يقدر بـ 20 مليار دولار من كلفة الجيوش التي تحتاجها للجبهة المصرية لإدارة سياسة احتلالها وعدوانها المستمر على حقوق الشعب العربي. والمبلغ يذهب معظمه إلى صفقات سلاح لا معنى لها، ولا يستفاد منها إلا في حالة أن تقرر إسرائيل أو أميركا توريط أصدقائها في حروب ضد خصوم إسرائيل وأميركا، أما الباقي فيذهب إلى "عز" وأمثاله.

ورغم أن الشعب المصري لا يصيبه شيء من هذا المبلغ، فهو يدفع أضعافه إلى إسرائيل من خلال صفقات تجارية خاسرة، والغاز وحده يعيد ضعف ذلك السعر إلى إسرائيل، حيث يباع بثلث السعر العالمي، مما يكلف مصر 3 مليارات دولار في العام الواحد!

أن مثل هذه السياسة من الدكتاتور "المعتدل" صديق إسرائيل لا بد أن تكافأ، لذا لا غرابة أن تقدر ثروة مبارك وعائلته وفق الغارديان بأنها قد تصل إلى 70 مليار دولار تنتشر في مختلف أنحاء العالم، مما يزيد عن ثروة بيل كيتس كثيراً، في الوقت الذي يسكن فيه الكثير من المصريين في المقابر، ويعيش 40% منهم تحت خط الفقر.

نتنياهو يدرك ان نجاح الثورة وسقوط مبارك لا يعني فقط نهاية الغاز الأرخص من المجاني لإسرائيل بل يعني أيضاً نهاية كل ما بنته اسرائيل وامريكا على مدى ثلاثين عاماً من الاذلال وقتل روح الكرامة لدى الانسان العربي. لذلك فهو يتحدث للمرة الاولى عن رفع المسؤولية الاسرائيلية عن قطاع غزة وتركها لمشاريع دولية حول الصرف الصحي والكهرباء والماء، وتعزيز الوضع الاقتصادي لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية.

الصحف المصرية والشخصيات لم تعد تدري أي موقف تتخذ، فالخوف لم يعد مرشداً كفوءاً لأنه صار يأتي من الجانبين.

الفوضى والتردد واضحة في مواقف الصحف الحكومية المصرية لأن المحررين ما عادوا متأكدين من بقاء النظام، كما أشار أحد الصحفيين المصريين.

إشعاعات الثورة أصابت بقية حكام العرب دون استثناء، فالرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة يقرر رفع حالة الطوارئ، ويتعهد باصلاحات.. والرئيس اليمني علي عبدالله صالح يعلن انه لا يريد ان يبقى رئيسا مدى الحياة او يورث الحكم لابنه.

ومن الأزهر "الشريف" التابع للموساد، خرج رجل شريف لأول مرة منذ زمن طويل، فاستقال محمد رفاعة المتحدث باسم مشيخة الأزهر الناطق باسم الأزهر من وظيفته حتى لا تحسب تصرفاته على المشيخة ، ونزل مع المتظاهرين في ميدان التحرير وقال أنه سيظل يساندهم بكل ما أوتي من قوة ، ولن يترك الميدان إلا برحيل مبارك.

فرنسا والغرب وأميركا الذين انتظروا كثيراً على أمل أن يقضي صديقهم بن علي على شعبه الثائر، لم ينتظروا كثيراً لإعلان موقف معتدل هذه المرة في قضية مصر. ومن الممتع أن فرنسا التي عرضت على بن علي المساعدة لقمع التظاهرات، اوقفت بيع الأسلحة إلى مبارك!

وكتب صحفي أن "الولايات المتحدة تتخلى بكل سهولة عن رجالاتها، وترفض ان توفر لهم الملاذ الآمن بمجرد ان ....تعتبره عبئا ثقيلا عليها تريد الخلاص منه"، وكتب شافيز عن الولايات المتحدة المتقلبة حسب مصالحها.

لكن المعارك لا تكسب بسهولة، وكالعادة تكاثرت المؤامرات. ومن المؤامرات التي حاولوا بها اغتيال الثورة، اصطناع علاقة "رقيقة" خطرة مع الجيش، وانطلت الحيلة في البداية، وكتبت عن الموضوع محذراً من الإسترخاء بدون مناسبة ولا ضمان لحماية الجيش. وبالفعل انسحب الجيش الذي اريد له هذا الدور في اللحظة المناسبة ليتيح الفرصة لمفاجأة المتظاهرين، على أمل أن تصيبهم المفاجأة بمقتل. لم تنجح. وهاهو الآن لواء من الجيش "يطلب" من المتظاهرين إخلاء الميدان، وكأنه قائد ثوري عليهم احترامه! أجابه المتظاهرون بالهتاف بسقوط الرئيس!

الدكتور عزمي بشارة ذهب إلى ما ذهبت إليه، وقال أن الإعتماد على الجيش بهذا الشكل ليس سليم فهو جزء من النظام، ولم يتم وضعه أمام الخيار الحدي، كما فعلت الجماهير في تونس، بل يترك الأمر له لكي "يعي مسؤوليته"، معبراً عن شكوكه بهذا الأسلوب.

لذلك نقول أنه ربما كان ما نقلته 'الغارديان' عن مصدر 'غربي' قوله ان قادة الجيش هم اصدقاء منذ زمن طويل" تصور أقرب إلى الواقع، مع بعض الإستثناءات بلا شك. (12) وفي كل الأحوال لا يفترض بالثورة أن تركن إلى الثقة بلا أساس.

ومن المحاولات اليوم، ما يسمى بلجان 'الحكماء' الذين ينشطون هذه الايام ويدعون انهم يمثلون طرفاً ثالثاً، ويعرضون حلولا ومخارج وسطية. هؤلاء يحاولون انقاذ النظام وليس مصر، ونسبة كبيرة من هؤلاء خدموا النظام الحالي مثلما خدموا انظمة سابقة، اي انهم رجال لكل العصور، كما وصفهم البعض.

هذا النهب المفرط الذي لا يترك للمواطن أن يحس بأنه يمتلك وطنه، بل لا يحس أنه يمتلك شيئاً منه سوى الظلم. لكن الأمر تغير بالنسبة للمنتفضين، وصار لديهم شعور جديد. أبلغتني زميلة من تونس بأن طفل في الخامسة قال بأنه يشعر لأول مرة بأن نشيد العلم في الصباح صار له معنى. ويمكنك أن ترى في وجوه المتظاهرين في ميدان التحرير علامات الكرامة التي حرم العربي منها طويلاً إرضاءاً لإسرائيل التي لا تجد أمن احتلالها إلا بإذلاله. لقد تمكن هؤلاء الشباب من تنظيم الحراسة والتصدي للجلاوزة وتأمين الضرورات الكبيرة لتظاهرات مليونية، من ماء وطعام ودواء وصرف صحي. إن تلك القدرات التنظيمية تؤشر بوضوح أي مستقبل ينتظر الأوطان حين يقوم عليها أناس يشعرون بان هذا الوطن وطنهم وليس سجناً للأشغال الشاقة المؤبدة لهم. إنه شعور لم يتمتع به الكثير من الناس في العالم منذ ولادتهم، وربما حتى وفاتهم.

 أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا والناشط السياسي أسعد أبو خليل يكتب:

"مَن كان في جيلي، مَن كان في سن السابعة عام 1967، حفرت خطبة الهزيمة لعبد الناصر في عقله ونفسه حفراً وجروحاً لا تندمل. يذكرُ مَن مِن هذا الجيل الكبار حوله وهو صغير غارقين في بحرٍ من الدموع، ويذكر أيضاً السخرية المرّة التي صاحبت رؤية العرب للإعلام الرسمي الكاذب. وتوالت الهزائم وتوالت الإحباطات، إلى أن تسنّى للولايات المتحدة الإطباق على النظام العربي الإقليمي عبر تحالف وثيق مع السعوديّة والنظام المصري بعد وفاة جمال عبد الناصر. هنا، تحوّل النظام المصري إلى صلب السياسة الأميركيّة في منطقتنا، وبات الحفاظ على النظام المصري ثاني الأولويّات الاستراتيجّية للإمبراطور الأميركي".. "تريد إسرائيل من مبارك أن يحتفظ بعرشه حتى آخر مصري. لا يساورنّك شك: إنّ إسرائيل هي لوبي حسني مبارك في قلب واشنطن: هي أكثر حرصاً على نظامه من واشنطن."

ويكتب الدكتور أسعد أبو خليل أن إلينا روس ــ ليتينن، رئيسة لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس النوّاب (وهي من أكثر كارهي العرب تعصّباً في الحلبة السياسيّة الأميركيّة) كانت أكثر صراحة إذ قالت: «على الولايات المتحدة التعلّم من أخطاء سابقة وأن تدعم تلك المسيرة التي تضم فقط هؤلاء المرشحين الذين تتوافر فيهم مقاييس زعماء الدول المسؤولة، أي المرشّحين الذين يدينون علناً الإرهاب ويحترمون حكم القانون ويعترفون بارتباطات مصر الدوليّة بما فيها التزامات عدم انتشار الأسلحة واتفاق السلام بينها وبين الدولة اليهوديّة في إسرائيل، والذين يضمنون الأمن والسلام لجيرانهم». فيلدَوِّن الشعب العربي تلك الأوامر بحذافيرها لأنّ أميركا تختار بيننا من يلائمها في حكمِها لنا،(13)

ويلاحظ أن "أسبوع واحد من الاهتزاز في النظام المصري أعطى دروساً بليغة للشعب العربي عن درجة التدخّل الإسرائيلي في حياته الخاصّة" وأنه "لم يعد ضلوع إسرائيل في حماية الطغاة العرب اتهاماً يرد في بيانات كانت تُوزّع في شوارع ضيّقة.

مؤيدون يملكون قنابل مسيلة للدموعموقف تتخذ، فالخوف لم يعد مرشداً كفوءاً لأنه صار يأتي من الجانبين."

ما العمل الآن؟ أن انتظار الحل ليس سليماً، ولا ينتظر من أمثال مبارك ونظامه أن يترك الكرسي حرصاً على حالة البلاد، لذلك أقف مع السيد مهند السماوي حين يقول:"المطلوب الان الزحف على قصور الطاغية ومراكز قوته وارغامه على الخروج بالقوة ولو ادى ذلك الى الزحف المليوني". (14)

لكن الأخبار تؤكد ان الحيلة لم تنطل، وأن الجهات المختلفة في ميدان التحرير تمكنت من الوصول إلى توحيد في الرأي وتشكيل مجموعة مطالب محددة وسياسة محددة لإدارة المعركة.

ومن الصور الأجمل التي بقيت ناصعة في ذاكرتي من هذه الأيام المقدسة، صورة المسيحيين يلتحقون بجمع من بالمسلمين وهم يصلون في مشهد رائع، بمواجهة خراطيم المياه، واليوم وصلنا خبر قرار المسيحيون أن يقيموا قداس الأحد القادم في ميدان التحرير! هل من سوف يحدثنا عن هراء الصراع بين المسملين والمسيحيين في دولة ليس لإسرائيل أو أميركا فيها موطئ قدم؟

إنها أيام مباركة هزت الكثير... أيام هزت العالم، وأيقضته، وما تزال تهزه بقوة – بحضارة وصلابة!

وأترككم مع أبيات من رائعة الشاعر الكبير يحيى السماوي التي يدعو فيها ثوار مصر وتونس أن يكونوا صخوراً صلبة وليس أعناباً طرية، لتصل الثورة إلى نتيجتها المرجوة:

واسْـــحَـقْ بـنـعــلِـكَ كـلَّ مُـعْـتـسِـــفٍ    واسْـــتـأصِـلـنَّ الــرأسَ لا الـذَنــبـــا

واجْـعــلْ لـســيـفِــكَ كــلَّ طـاغــيــةٍ     غِـمـداً .. وجُـزَّ الـعـنـقَ والـعَـصَـبـا

كُـنْ صـخــرةً تُـدمـي فــحـاكـمُــنـا       يـخـشى الـصخـورَ ويعـصـرُ العِـنـبـا

وكـنِ الــسّـــيـولَ .. فــإنَّ ســاقــيــةً     أو جـدولاً لــن تـجـرفَ الـنُّـصُـبـــا

وكـنِ الـعـواصَـفَ لا نـسـيـمَ صَـبـاً      كـن غـابــةَ الــنـيــرانِ لا حَـطـبـا

وأعِـدْ " ربـاط الـخــيــلِ " لا كـتُـبـاً     تــسْــتـرحِـمُ الــجَـــلادَ أو خُـطــبـــا

واسْــحـقْ نـفـوســاًغـيـرَ طـاهـــرةٍ       أضْـحــتْ لــرأسِ خـطـيــئـةٍ ذنَــبـا

إنْ لـمْ تـبـثِّ الــرُّعــبَ فـي دمِــهِــم     ســتـظـلّ طـولَ الـعـمـرِ مُــرتـعِــبـا

 

5 شباط 2011

 

(1) http://www.mediafire.com/?dobt75k2361t008

(2)  http://www.youtube.com/watch?v=uEQH8LedGDc

(3) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=43269

(4) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=43315

(5) http://www.youtube.com/watch?v=8HaNnp8TSRQ

(6) http://www.youtube.com/watch?v=Dm-hfoglbCc

(7) http://www.youtube.com/watch?v=8C7ySiqbZgo

(8) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=43569

(9) http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\04qpt910.htm&arc=data\2011\02\02-04\04qpt910.htm%20%20target=_self

(10) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=43543

(11) http://www.arabs48.com/?mod=articles&ID=77998

(12) http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\04qpt951.htm&arc=data\2011\02\02-04\04qpt951.htm%20%20target=_self

(13) http://www.al-akhbar.com/node/3670

(14) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=43623

 




 

free web counter