| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                     الخميس 4/10/ 2012


 

قانون البنى التحتية
 1- الصراع السياسي وخلل القانون

صائب خليل  

برفع البرلمان جلسة التصويت على قانون البنى التحتية إلى التاسع من الشهر الحالي (1)، هدأ قليلاً النقاش المستعر والمكهرب سياسياً، حول هذا الموضوع، ولعل هذا يعطي الفرصة لمراجعته بشكل عقلاني بعض الشيء. فلقد كان هذا الجدل حتى الآن في تقديري تعبير عن الكارثة التي يعيشها العراق, ورغم أن هناك من أغنى الموضوع بالنقاش العلمي الموضوعي بدرجة أو بأخرى، فأن المعنيين سياسياً بالأمر بشكل مباشر، أي الكتل السياسية التي يؤثر القرار على عدد أصوات ناخبيها، انقسموا بشكل شديد بين "رافضة" لكل شيء، و "موافجين" على كل شيء، ولم يكن هناك أي دليل على أن جهة ما منهم تهتم حقاً بكتابة وإقرار مشروع ناجح أو تأثيره على البلد، إلا بقدر ما يعنيه بالنسبة لها في صراعها القادم على السلطة. المعارضون كانوا يريدون الفشل للمالكي بتحقيق أي نجاح، بل أي أثر لنجاح، فنجاحهم القادم يعتمد على فشل المالكي وهم يأملون برفع شعار "أن المالكي لم يفعل شيئاً" لمعركة الإنتخابات القادمة.

وهذا بالضبط ما يدركه ويخشاه المالكي وفريقه. ويشرح ذلك احسان الشمري بالقول: "هناك هدفين من وراء اقرار هذا القانون، الاول هو تحقيق منجز حكومي، والثاني يتمثل بوضع الكتل السياسية في زاوية الحرج السياسي". و أن "القانون يرتبط بانتخابات قادمة، ومارثون الانتخابات التشريعية قد بدأ مبكرا"، معربا عن اعتقاده بأن "حسابات البقاء في الساحة السياسية هي من تدفع هذه الكتل إلى رفض مثل هكذا قوانين، باعتباره يمثل رصيدا لكتل سياسية أخرى ". (2)

ويكفينا تماماً للبرهنة على صحة ذلك التحليل التصريح الصريح للنائب محمود عثمان بأن "تمرير قانون البنى التحتية سيقوي سلطة المالكي"، وأن الكتل تتخوف من الجانب السياسي للقانون وليس الاقتصادي، وأنهم لهذا السبب "لن يمرروه"، وهو ما حدث! (3)

وأهم مظاهر "سياسية المشروع" من الجانبين، هو ذلك التطرف الشديد في تأييد المشروع أو رفضه. فالمعارضين يريدون إقناعنا بأنه الطريق الى الفساد، ودون أن يشرحوا لنا لماذا، ومؤيدوه يقولون العكس وبطريقة أكثر تطرفاً، ففي حديثه في البرلمان (*) والذي خصه للإعداد الإعلامي لذلك القانون شرح المالكي سبب اطمئنانه إلى مناعة مشروع قانون البنى التحتية من الفساد بالقول: " نحن لدينا اتفاق مع شركات يابانية وكورية وصينية وهذه الشركات وافقت مبدئيا على العمل في العراق وفق النظام الدفع بالاجل بالتالي سيكون هذا القانون بعيدا عن الفساد الاداري”. واوضح ان “هذا القانون سوف يحكم الشركات الرصينة وتلتزم وفق شروط معينة بالتالي ستغلق الباب امام الفساد الاداري

إن المرء ليحار فيما يعلق على هذا الكلام! لو كان التعاقد مع "شركات يابانية وكورية وصينية" وصفحتين غامضتين من رؤوس الأقلام "تغلق الباب أمام الفساد" لما عشنا لنرى فساداً في العالم!

 لم يجد مؤيدوا المشروع مبرراً لحماسهم الشديد، ولم يقدموا أي رد يستحق الوقوف عنده على اعتراضاتهم فلجأوا إلى أتهام معارضيهم بدفق من أقسى التهم "الرادعة عن الإعتراض"، فوصف ياسين مجيد من دولة القانون من يعارض قانون البنى التحتية بأنه "لا يريد الخير للعراق أبداً"، وقال المالكي أن تلك المعارضة ترفضه لأن "هذا المشروع يقطع الطريق امام مصالحهم وشركاتهم وفسادهم ". (4)

كذلك شارك بتأييد المشروع بحماس من كان يأمل بتحقيق مكاسب أخرى. فوصل الأمر بالنائبة ناهدة الدايني من العراقية في تأييد مشروع القانون إلى القول البعيد عن الواقعية، بأنه "سيحول العراق من بلد مستهلك الى بلد منتج"! (5) والدايني كانت تأمل كما يبدو بتمرير القانون مع حزمة تشمل قانون العفو العام وربما قانون النفط، (6) وهما قانونان يهمان خندق الشركات الأمريكية- الإرهاب – العراقية – كردستان، وبالصيغة البرلمانية سيئة الصيت في "حزم القوانين"، وهي ممارسة قبيحة تمارسها الكتل السياسية لتقاسم المصالح بعيداً عن مصلحة البلاد بلا خجل. وبغض النظر عن هذه الطريقة السيئة، فالقانونان المطلوب تمشيتهما قانونان سيئان أيضاً ومضادان للعراق، وهنا أسجل للسيد المالكي صمود حكومته ضدهما، وخاصة رفضه القاطع لقانون العفو العام حين أكد أنه سيتخلى عن قانون البنى التحتية إن كان مشروطاً بالعفو العام.(7)

ليس ذلك غريباً فأن موافقة المالكي على القانون سيكون انتحاراً سياسياً بين جماهيره. فقانون العفو العام قانون مشبوه يدعمه البعض عن حسن نية، ربما بأمل الإفراج عن محكوم مظلوم، وهناك الكثير بلا شك، لكن معظم من يدعم القانون من الكتل لا يهمه الأبرياء، بل يأمل بإيجاد منفذ للمنفذين لعمليات الإرهاب للنجاة. فرغم إقراري، ولدي ما يثبت من خلال تجربة كتابية خضتها بنفسي، أن القضاء العراقي بعيد عن الشرف والكلام الفارغ في امتداحه من قبل الحكومة، فأن قانون العفو العام سيفلت مجموعة كبيرة من أدوات الإرهاب ليعاد استغلالها للمزيد من الإرهاب من قبل الخندق الأمريكي الإسرائيلي وملحقاته، وهم من أؤمن أنه وراء الإرهاب. وفي اعتقادي أن هذا هو الهدف منه، ومن هنا تأتي قوة دعمه. ولكن لحسن الحظ فقد فشل المشروع وتم سحبه بفضل إصرار معارضة دولة القانون.(8) والغريب أن التحالف الكردستاني أبدى اسفه عليه، فما هي الحجة لذلك، وسراح من كان الكردستاني يريد أن يطلق؟ على اية حال فأن الحماس الحقيقي للكردستاني سوف يظهر عندما يأتي دور قانون النفط الأكثر سوءاً، ولكن لنعد الآن إلى قانون البنى التحتية، موضوع المقالة، ولننظر ما هو حقاً؟

لقد كان موقفي الأولي من المشروع، وقبل قراءة تفاصيله، هو الحذر العام والتحفظ فوضع العراق وحكومته التي تبدو مسيرة إلى حد غير معروف، لا يشجع على المغامرات. ورغم ذلك فقد كان لدي تردد في الرفض للمشروع لأننا طالما شكونا من نقص مشاريع العراق الخاصة بالبنية التحتية، وليقيني أن من اعترض عليه فعل ذلك لإفشال المالكي، وأيضاً لاعتقادي أن معظم الأموال العراقية ضائعة في كل الأحول ، سواء كانت في الفساد أو البطالة المقنعة أو الصفقات غير المجدية، فإن خرج منها 10% في مشروع مفيد فنكون قد انقذنا هذه العشرة بالمئة. إنها حالة مؤسفة ومخجلة، لكنها الواقع.

لقد تجنبت حتى الآن الكتابة في هذا الموضوع، بل أجلت قراءة مشروع القانون المطروح طويلاً، لتصوري أنه يحتاج لوقت طويل وجهد لمتابعة تفاصيله، خاصة بعد مروره بعدد من اللجان خلال السنوات الثلاث الماضية من عمره الطويل، فإذا بي أجد صفحتين كتبتا على عجل، وهما أقرب إلى "رسالة كتبت ولم تراجع" مما هي إلى مشروع قانون اقتصادي!

نجد في النت نسخ عديدة للقانون ولننظر إلى نصه كما نشر على صفحة حزب الدعوة، (9) ويبدو أنها النسخة الأكثر حداثة، والتي عدلت فيها بعض المواد، فمثلاً تغير المبلغ المخصص له من 37 مليار دولار إلى 40 مليار دولار.. ولننظر بعض نصوصها.


نلاحظ أولاً باستغراب أن المبالغ قدرت بالدولار، وليس بالدينار العراقي، وهو أمر لا تقوم به دولة تحترم عملتها، إلا تلك التي تعاني من انهيار تضخمي أو اضطراب في قيمة العملة يصعب معه استعمالها في التخطيط بعيد المدى.

ونلاحظ أيضاً أن المادة -2- تذكر أن التنفيذ يجب أن يكون بـ "الدفع الآجل"، علماً أنها طريقة تنفيذية مالية، يفضل تجنبها قدر الإمكان، واللجوء إليها عند الحاجة القصوى فقط.

والشيء بالشيء يذكر، نذكر أن وزير الكهرباء السابق قد دفع إلى الإستقالة إثر اضطراره إلى قبول شركات غير رصينة لتنفيذ مشاريع أضطره إليها الدفع الآجل، الذي لم تتقدم إليه أية "شركة رصينة"، ومع ذلك يصر مؤيدوا هذا القانون أنه سينفذ من قبل شركات رصينة فقط!

و تعطي المادة -4- للمقاولين العراقيين والأجانب على حد السواء، إمتيازات وإعفاءات ضريبية شاملة، تشمل حتى العاملين في تلك المشاريع! وكذلك "الإعفاء من تطبيق الضوابط والقيود الخاصة بإجازات العمل واستخدام الأجانب" عدا إلزامها بتقديم المعلومات...

وفي هذه المادة تبذير شديد بأموال الضرائب. ويبدو للمراقب للمسار العراقي وكثرة الحديث عن الإعفاءات الضريبية وغيرها، وكأن ذلك النظام الضريبي نظام سلبي وضع لعرقلة المشاريع، وأنه إن أراد المرء أن ينجز عملاً فيجب التخلص منه ومن الإلزامات والقيود الخاصة بإجازات العمل بالإستثناءات، رغم أن مواد ذلك النظام قد نتجت بلا شك عن دراسة وخبرة دولية طويلتين ولا يصح حذفهما "بجرة قلم" كما كان صدام حسين يفعل.

ولا أفهم كيف تجزل الحكومة الوعود للشعب بعشرات ومئات الآلاف من "فرص العمل" حين تعفي الشركة من "الضوابط والقيود الخاصة بإجازات العمل واستخدام الأجانب" والتي تنص عادة على وجوب استخدام اهل البلد مادام اختصاصهم متوفراً، على سبيل المثال. خاصة وأن أجور العمل العراقية ليست منافسة إن قيست بالدول الفقيرة المكتضة بالسكان؟

وكيف يحل التناقض بين هذه النقطة والمادة 8 غير الدقيقة الصياغة والتي "تلتزم الشركات المنفذة للمشاريع بتشغيل الأيدي العاملة العراقية في المشاريع المشمولة بأحكام هذا القانون بأعلى نسبة ممكنة وحسب طبيعة كل مشروع". ولا ندري لماذا تكون هذه المادة جزء من المشروع وليس قاعدة عامة في تشغيل الأجانب، كما هو في كل بلد في العالم.

نلاحظ أن الأرقام في مشروع القانون كلها مدورة إلى المليارات، وليس بينها رقم حتى بمئات الملايين، مما يدل على أنها تقديرات عامة عشوائية لا تستند إلى مشاريع محددة ولا تمثل تلك المبالغ مجموعاً لكلفتها. والدليل الآخر على ذلك أن المادة -7- تقول "تتولى الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة تقديم مقترحاتها بشأن المشاريع المطلوب تنفيذها بموجب هذا القانون" والذي يعني أن تلك المشاريع لم تقدم، أو لم يكتمل تقديمها. السؤال هنا: كيف عرفنا أن المشاريع (جميعها) عاجلة، بحيث تستحق تنفيذها هذه الإجراءات من إعفاءات ضريبية وقانونية والدفع الآجل وما تحمله كل تلك المعاملة الخاصة من كلفة، ونحن لم نعرف بعد حتى ما هي هذه المشاريع؟

فإن كانت المشاريع "مستقبلية" وغير معروفة في الوقت الحاضر، فهل المقصود هو قانون لمشاريع محددة للبنية التحتية، أم تأسيس لصندوق للبنية التحتية، يغطي حاجة تلك المشاريع المستقبلية حسب الحاجة إليها؟ وأي صندوق هذا الذي يخصص مسبقاً بأن يدفع بالآجل؟

كذلك تثبت المادة السابعة، بنص صريح، النسبة الإبتزازية لكردستان والمتمثلة بـ 17%، وليست نسبة سكان كردستان البالغة حسب تقدير برلمان كردستان نفسه 12.6%، (والتي يتهرب حتى من ذكرها ساسة العراق حكومة ومعارضة وبرلماناً) علماً أن نسبة المشاريع لكردستان باعتبارها الجزء الأكثر تطوراً بشكل كبير في البنية التحتية، يفترض أن تكون أقل من نسبتها السكانية عملاً بمبدأ رفع المناطق المحتاجة والأكثر تخلفاً، لتلحق بالمناطق الأكثر تطوراً. ورغم كل ذلك التملق الإتحادي لحكومة كردستان فقد رفضت الأخيرة الموافقة على القانون!  - لا أكتم سعادة التشفي بذلك، فمن يذل نفسه لا يستحق العطف!

وفي نص لمشروع القانون نشر على صفحة "عراق القانون" (10) جاء في المادة -6- "تسدد الحكومة العراقية قيمة المشروع المتعاقد عليه بالدفع الآجل بعد مضي مدة لا تقل عن (5) خمس سنوات من تاريخ اكمال تنفيذ المشروع او اية مدة يتفق عليها على ان لا تقل عن (5) خمس سنوات من تاريخ اكمال تنفيذه." وهنا إضافة إلى الضعف اللغوي (كرر المعنى مرتين في جملة واحدة!)، فإن المادة إن صحت، فهي "تفرض" على الحكومة أن لا يتم السداد إلا بعد خمس سنوات أو أكثر، وهو ما يعني أن يفرض على الحكومة دفع أرباح الديون لخمس سنوات حتى لو كان لديها المال اللازم لدفع المبالغ! - ألا يشبه هذا تآمراً مع المصارف للحصول على أرباح إضافية؟ وإلا لماذا تحدد الحكومة نفسها في طريقة الدفع بما قد يكون أكثر كلفة؟

من حقنا أن نتساءل: ما الذي يقدمه القانون للحكومات القادمة لو أنه أقر؟ إنه ليس جهداً تخطيطاً، فليس هناك مشاريع، ولا يوزع حصصاً لأموال خزينة على جهات صرف، فليس هناك أموال حقيقية ولا مشاريع؟ إنه فقط يتيح لهذه الحكومة وحكومات تالية، أن تصرف مبالغ تصل إلى أربعين مليار دولار، على حساب خزائن الحكومات التي تليها، وبخارج رقابة البرلمان الدستورية، مفترضة بدون مبرر كاف، أن الحكومات القادمة ستكون ثرية وليس لديها أية إشكالات مالية، وأنها لن تستطيع فقط أن تدفع التزاماتها كالحكومة الحالية وإنما إلتزامات الديون الإضافية والتزامات خططها التنموية وفوق ذلك يشترط عليها شروطاً في الدفع قد لا تكون مناسبة لها!

كذلك يشعر المتابع أن هناك استخفافاً غير طبيعي بالدين وأرباحه وما قد يتسبب به من كلفة كبيرة، مادية وكذلك في استقلالية القرار الوطني. فبينما كان الحديث قبل الآن عن ضرورة إنهاء الديون التي "تكبل" البلاد، صار الدين في الحرب الإعلامية حول المشروع، مسألة طبيعية! ونلاحظ هنا أن رئيس الوزراء كان قد أبدى في أكثر من مناسبة، أستخفافاً مقلقاً بموضوع الإستدانة. ففي لقائه السابق مع الجالية العراقية في الولايات المتحدة تحدث عن سهولة إقتراض 70 مليار دولار إضافية من اجل قطاع النفط (هناك أكثر من 70 مليار أخرى حالياً في جولات العقود السابقة، مما يجعل المجموع يقارب 150 مليار دولار)، قائلاً أن بلداً نفطياً مثل العراق يجب أن لا يقلق من مثل هذه الديون!

ويكرر المالكي اليوم هذا المنطق المقلق فيقول "ان كل دول العالم، وخاصة التي تمتلك احتياطيات نفطية، تركز على هكذا مشاريع كبيرة لبناء بلادها لخدمة جميع ابنائها وعلينا ان نفرق بين ديون النظام السابق من جراء سياسته الطائشة وحروبه وبين ديون تنموية نهايتها زيادة الناتج القومي ". (11)

صحيح أن هناك فرق في "هدف الديون"، لكنها تبقى ديوناً يتوجب دفعها ودفع أرباحها، ولعلها في هذه النقطة أسوأ من ديون النظام السابق الفاسدة التي كان بالإمكان الحديث عن إعفاء العراق منها، وهو ما لن يكون ممكناً مع هذه الديون. كذلك فأن أحداً لم يكلف نفسه ويحسب تلك "الزيادة في الناتج القومي" المتوقعة من المشروع، وهي في كل الأحوال ذات طبيعة بطيئة شأنها شأن عموم مشاريع البنية التحتية.

ولا توحي مواقف السادة في القيادة في العراق بأنهم قد أطلعوا على هذه المخاطر، ولا بأنهم قد سمعوا بالتكتيك الأمريكي الحديث والمسمى "القاتل الإقتصادي" الذي يغرق البلاد ذات الثروات بالديون ثم يبتزها لبيع ثرواتها، ويمكن لمن يشاء تكوين فكرة عنه مشاهدة هذا الفلم الوثائقي المترجم: "ولادة القاتل الاقتصادي" على اليوتيوب  (12)

ويمكننا أن نرى أن العراق هو الضحية المثالية للقتلة الإقتصاديين الذين ترسلهم أميركا، وأن كل ما تصرفته مع العراق يوحي بأنها تحضره لتلك اللحظة. ونرجو أن تتاح فرصة كتابة مقالة متفرغة لتاريخ الإبتزاز بواسطة الديون منذ العصور الإقطاعية القديمة في العالم، وصولاً إلى تكنولوجيا القاتل الإقتصادي التي ابتكرتها أميركا في منتصف القرن الماضي.

علينا كذلك أن لا نعتمد على التفاؤل وننسى أن الإقتصاد العراقي الريعي، شديد التعرض للخطر حين ينخفض سعر النفط. وليس صحيحاً أن هذا من الماضي، فقد انهارت اسعار النفط عام 2009 لتسجل صادرات العراق انخفاضاً مقداره 32% عن عام 2008، ومن 61.1 مليار دولار الى 41.67 مليار دولار! كذلك فأن مجرد دخول العراق السوق النفطية بقوة ورفع تصديره بلا تحسب، كما يبدو أنه المخطط، يهدد بحد ذاته بحدوث انهيار في أسعار النفط، وحدوث رد فعل سلبي لا حل له، على الإقتصاد العراقي، لأن المزيد من رفع التصدير، سيؤدي فقط إلى المزيد من انهيار الأسعار وتراجع المردود.

وحتى لو لم يسقط العراق في الفخ، وحالفه الحظ في ثبات أو صعود أسعار النفط، وتمكن من سداد ديونه، فهناك السؤال الكبير الذي طرحه الكثير من المعترضين على القانون، وهو: إن كانت الحكومة حتى الآن قد عجزت عن تحقيق إنجاز للميزانية يتجاوز الـ 50%، فلماذا تستدين وتدفع الأرباح المكلفة؟ المنطق الرأسمالي نفسه ، دع عنك الإشتراكي الذي يفتخر المالكي بـ "القضاء عليه"، يقول أن الدولة التي لا تتمكن من استخدام مواردها، يفترض بها أن تصدرها، لا أن تستورد (تستدين) المزيد منها!

وهذا ما ذهب إليه ايضاً عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي والوزير السابق رائد فهمي ، حين أكد ضرورة الاهتمام بالبنى التحتية، ودعم وتشجيع أي خطوة وإجراء وقانون يهدف إلى بنائها وتطويرها، لكنه نبه أن "التعاقد بالآجل، باعتباره شكلاً من أشكال الدين بغض النظر عن طرق تسديده سواء بالنفط أو غيره، يعني زيادة مديونية الدولة".

وتساءل عن "مدى ضرورة اللجوء إلى الاستدانة في الوقت الذي لا تكاد تصل نسب انجاز الموازنة الاستثمارية نصف المبالغ المخصصة لها مع وجود فوائض لإيرادات النفط يمكن الاستفادة منها في التمويل نتيجة لارتفاع سعر بيع البرميل بما يقارب العشرين دولاراً على السعر المعتمد في الموازنة . (13)

ولا نستغرب قلق النائب عن كتلة الاحرار اقبال الغرابي من نقص القانون وإرهاقه للموازنة العراقية  (14) ولا أعتراض خالد العلواني عن العراقية بأن "العراق ليس بحاجة الى هذا القانون لان المبالغ التي بقيت من السنوات الماضية من الممكن ان تستخدم بديلا للاقتراض الخارجي". (15) ولا قول رئيسة لجنة الخدمات البرلمانية فيان دخيل بأن الوزارات والمحافضات لا تصرف الموازنة السنوية المخصصة لها، فيمكن استخدامها. وقولها أخيراً انه "لا يمكن أن نعطي صك للحكومة بـ37 مليار دولار مقابل قانون بورقتين ورؤوس نقاط بسيطة وبدون تفاصيل"، وهو وصف لم يكن ظالماً للقانون كما تم تقديمه.

نستطيع أن نفهم غضب المالكي وأتلافه لحرمانهم من تسجيل نقطة انتخابية كبيرة لصالحهم ولكن لا يمكن أيضاً مسح هذه الإعتراضات الجوهرية ببساطة على اساس أن القانون "يهدد فساد المعترضين عليه"، كما يفعل عدي العوادي في لجنة الطاقة المشبوهة ضد معارضي بيع الكهرباء للشركات.

من كل ما سبق، ومن تصريح النائب عثمان بشكل خاص، نستطيع القول بثقة أن الكتل السياسية المعارضة كانت ستحاول أن ترفض القانون حتى لو كان متكاملاً، وقد تنجح، فما يهمها هو إفشال المالكي. من جهة أخرى من حق الحكومة أن تقوم بأعمال تخدم الشعب وتفخر بها وأن تستفيد منها في انتخاباتها المقبلة، فهذه هي الطريقة الأمينة والسليمة لكسب الإنتخابات. لكن حين تطلب الحكومة من الآخرين الموافقة على المخاطرة بمشاريع كبيرة، عليها أولاً أن تثبت أنها أهل لمثل تلك المشاريع: أولاً أن تقدم مشروعاً مدروساً بشكل مقنع، وليس مستعجلاً لأهداف انتخابية، وأن تبرر أرقامه بشكل دقيق، وليس ورقة مليئة بالثغرات وعلامات الإستفهام وتبدو وكأنها كتبت على عجل في جلسة واحدة، وأن تبين ثانياً أنها بذلت كل ما تستطيع، وستبذل المزيد، من أجل أن ينفذ المشروع بلا استدانة وأرباح مكلفة. وبدلاً من الجهود السياسية الهائلة في الأروقة الخلفية ورشوة كردستان بأموال المحافظات الأخرى وتنظيم التظاهرات المؤيدة للقانون لجماهير لا تعلم شيئاً عنه، أن تبذل بعض هذا الجهد في دراسة وكتابة قانون متكامل قدر الإمكان ومقنع يصعب رفضه دون إحراج كبير للكتل الرافضة.

في الحلقة الثانية سنختتم هذا الموضوع بمراجعة أهم الدراسات التي وضعت حول القانون ونحاول استنتاج الشكل المناسب الذي يفترض أن يقدم على اساسه.

 

3 تشرين الأول 2012

(1) http://iraq4allnews.dk/ShowNews.php?id=41772
(2) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22751
(3) http://www.alsumarianews.com/ar/iraq-politics-news/-1-48846.html
(4) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22631
(*) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22146
(5) http://www.alestiqama.com/news.php?cat=siasy&id=4616
(6) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22661
(7) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22631
(8)  http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22796
(9)  http://www.al-daawa.org/main/index.php?option=com_content&view=article&id=2098:2012-09-24-06-52-24&catid=20:fiqer&Itemid=26
(10) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22838
(11)  http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=22631
(12) http://www.youtube.com/watch?v=Y8TDch24DAo
(13) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=67342:2012-09-26-12-27-14&catid=36:2009-05-21-01-46-14&Itemid=54
(14) http://www.ipairaq.com/index.php?name=inner&t=economy&id=60396
(15) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=67342:2012-09-26-12-27-14&catid=36:2009-05-21-01-46-14&Itemid=54

 

 

 

free web counter