| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

                                                                                     الأحد 31/7/ 2011


 

عن المدربين - ليطمئن قلبي يا رئيس الوزراء...

صائب خليل

السيد رئيس الوزراء نوري المالكي المحترم،

إستمعت بقلق شديد لتصريحكم بأنكم لن تمددوا بقاء القوات وأنكم قررتم الإبقاء على قوات أمريكية للتدريب وأن ذلك القرار لا يحتاج موافقة مجلس النواب. أتمنى أولاً أن تتفهموا "قلقي الشديد" هذا، وأنتم تعلمون أن السياسة عموماً، والديمقراطية خصوصاً، لا تعتمد على الثقة العمياء، وأن الشك والتمحيص أهم مقوماتها، وأن الشعب الذي لا يدقق وراء حكومته، يهمل واجبه الأساسي، ومحكوم عليه بخسارة ديمقراطيته عاجلاً أو آجلاً، مهما كانت تلك الحكومة ممتازة ونزيهة، فالسلطة تتجه بطبيعتها نحو الفساد، كما بين حكماء البشرية وتاريخها. وإذا كان القلق والشك مبرراً لبقية الشعوب، فأنه مبرر أكثر للشعب العراقي في هذا الظرف الملتبس، كما تعلمون.

تصريحكم يا سيادة رئيس الوزراء أثار أسئلة كثيرة عن مصداقية محتوى الخطاب، فالتدريب كما أفهمه، وأنا خدمت عسكريتي ورأيت وتعاملت مع مدربين أجانب، يختلف جذرياً عن تواجد قوات أجنبية مرابطة في البلاد. "التدريب" ليس شيئاً عاماً، فلسنا نتحدث عن تدريب الجيش على المسير أو ما شابه ذلك، فلا بد أن يكون كل مدرب أمريكي خبير في سلاح ما قام العراق بشرائه، فما هي تلك الأسلحة التي اشتراها العراق وهل أن جميع من سيبقى هم من المدربين على تلك الأسلحة؟ حسب علمي ليس هناك صفقات اسلحة كبيرة مؤخراً سوى ما تفضلتم به عن شراء 36 طائرة إف 16 من الولايات المتحدة، فهل المدربين كلهم أو جلهم خبراء وطيارون على هذه الطائرات؟ أنتم تعلمون أنه لم تعد هناك أسرار تخفى في نوع الأسلحة التي تشتريها دولة من أخرى، فنرجوا أن توضح ذلك للشعب ايضاً.

قلت يا سيادة رئيس الوزراء أيضاً أن إبقاء المدربين لا يحتاج إلى موافقة مجلس النواب، وهذه العبارة تقلقني كعراقي، فسبق لكم أن قلتموها عن "وثيقة تفاهم" انتهت إلى إتفاقية إشكالية لم تمر على الشعب إلا بعد جر وعر وأسماء مقلوبة المعنى، فهل هذا "التدريب" أيضاً مقدمة أو تغطية لإتفاقية طعمها سيكون مراً على الفم العراقي؟ لقد قال وزير الدفاع الأمريكي الذي تنحى قبل فترة وجيزة "العراقيون يكرهوننا، وذلك هو التحدي"، وهذا يعني أن شعبكم لا يريدهم، فهل تشاركون الشعب هذا الإحساس وبخطورتهم على البلاد؟

الأمور التي قرر الدستور أنها لا تحتاج إلى موافقة البرلمان، هي تلك التي اعتبرها غير ذات أهمية، وأنها خارج إهتمام الشعب ومضيعة لوقت المجلس، فهل ترى أن هذه القضية غير مهمة للشعب، ولا تستحق وقت المجلس؟ أم أنها قضية يهتم بها كل عراقي ، ويراها خطيرة على مستقبل بلاده، ومن حقه أن يطمئن على كيفية تصرف الحكومة بشأنها، وأن يصوت ممثلوه عليها، بغض النظر عن إسمها، وإن كان هذا الإسم يقع ضمن مساحة سلطة رقابة ممثليه أم لا.

لا يخفة عليك أن الشعب يشك بكونها قضية تدريب، فلماذا لا تعرض على المجلس، كرما منك وتأكيداً لحرصك على طمأنة المواطن وثقته بالديمقراطية حتى إن لم تكن مجبراً على ذلك دستورياً؟

المدربين، إن كان لا مفر من مدربين أمريكان في تقديركم، رغم شكوك الشعب وكراهيته لهم كما قال وزير دفاعهم، يمكن تمييزهم عن القوات التي تعمل باستقلال، فينتظر منهم مثلاً أن يسكنوا في بيوت ضيافة، وتحميهم وتراقبهم قوات عسكرية محلية، وهم لا يحتاجون إلى قواعد عسكرية ولا يسمح لهم بقوات حماية أجنبية، فهل سنرى القواعد العسكرية تختفي من كل العراق عندما لا يبقى فيه سوى عناصر التدريب؟

سؤال أخير حول الموضوع يا سيادة رئيس الوزراء: كم سيكون عدد هؤلاء المدربين؟ كيف ستتأكدون من عددهم؟ وكيف سنتأكد من أن كل من بقي، هو مدرب انتم بحاجة إليه وأن الإتفاقية لم يتم تجاوزها. إن كنتم ستعتمدون على الثقة ، بهم فأني أقول لكم بأن تاريخ أميركا الحديث لا يدع مجالاً لتلك الثقة. فعلى سبيل المثال، حصلت أميركا في عام 1960 على إذن دولي بتواجد 685 من "الخبراء العسكريين" في جنوب فيتنام، فأرسل آيزنهاور بدل ذلك سراً بضعة ألاف من المقاتلين، ثم رفعها كندي إلى 16 ألف (هوارد زن: "تاريخ  الشعب الأمريكي")، وتزايدت حتى تحولت إلى المأساة التي عرفها العالم. ماهي طريقتكم يا سيادة رئيس الوزراء لضمان أن لا يتجاوز الأمريكان الأرقام المتفق عليها أضعافاً كما فعلوا مع فيتنام، إن كانوا سيعيشون في قواعد منفصلة بعيدة عن عيون الحكومة؟ أم أنكم ستقومون بتنظيم تعداد صباحي لهم كل يوم؟


31 تموز 2011
 

 

free web counter