| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الخميس 29/10/ 2009

 

السيناريو المتوقع لإعادة الأمريكان للبعث إلى السلطة في العراق

صائب خليل  

قبل سنة من الآن، ومع بواكير شتاء 2008، أي قبل توقيع المالكي للمعاهدة الأمريكية بشهرين، كان كل شيء يبدو مطمئنا بعد هدوء عاصفة التهديد والوعيد وأخبار الرشاوي والضغوط الهائلة التي مارسها "أصدقاءنا الجدد" على ممثلي الشعب العراقي، وساد جو غريب حيث بدا أن المشروع آيل إلى الفشل, وأن السياسيين والبرلمانيين العراقيين الذين كانوا مستعدين للتوقيع، قد خشوا العاقبة، وصار كل منهم يزايد الآخر في وضع الشروط لقبوله من شفافية وعلنية وضرورة مناقشتها شعبياً وبتأنِ، إلى إبداء الإعتراضاء على نقاط "غير مرضية فيها"....

لكن الهدوء لا يبعث على الإطمئنان دائماً، وحينها كتبت مقالة بعنوان "سيناريو التراجع الإنهياري المحتمل لمعارضي المعاهدة" (1) وذكرت في مقالتي التحذيرية كما يشي عنوانها، مثالاً لمشروع أمريكي في هولندا يدعوا إلى زيادة القواة الأمريكية في أفغانستان. المشروع يتشابه مع مشروع المعاهدة في بضعة نقاط مهمة وهي كون المشروع مع أميركا التي لا يثق بها العراقيون ولا الهولنديون، طبيعته العسكرية، رفض شعب البلاد للمشروع، إصرار أمريكي على تنفيذه، حكومة تريد الخضوع للضغط الأمريكي الشديد، لكنها خائفة من عقاب شعبها لها في الإنتخابات القادمة.
وأمام هذا الوضع الشديد التوتر أعلن حزب الـ (VVD) لدهشة الشعب الهولندي الشديدة، أنه لن يوافق على إرسال القوات الهولندية دون تحقيق في أمر المهمة التي ستقوم بها ودون ضمانات محددة وواضحة لسلامة هذه القوات وطبيعة عملها، وأن عهد "الموافقة الإوتوماتيكية" لهذا الحزب على المشاريع الأمريكية قد ولى!!
وسبب الدهشة هو أنه لم يسبق لهذا الحزب الليبرالي الذي أسسه كبار أصحاب الشركات لمجابهة المد اليساري في هولندا سابقاً، أن وقف ضد أي مشروع أمريكي، لا عملياً ولا إعلامياً وكان سباقاً إلى الدعم "ظالماً أو مظلوماً".

إشتركت الحكومة اليمينية في هذا الخطاب "المستقل" عن التبعية، وبدا أن هناك حركة "مناقشة" فعلية و "ضغط" على أمريكا لتقدم ضمانات وتوضيحات. بدا أن المشروع ينهار، وأن الجهة المؤيدة لأميركا إنضمت إلى المعارضين واستبشر الناس خيراً.

وجاءت "الضمانات" مصحوبة بتهريج إعلامي كبير، وقدمت إلى رؤساء الأحزاب في ندوة خاصة لشرحها. لم يكن هناك أي تغيير أو ضمانات أو توضيحات تستحق العناء، ومورس "ألإرهاب الأدبي" في الندوة لإضطهاد أي اعتراض، وخرج الحزب الليبرالي يهلل لها وقالوا أنهم "صاروا مطمئنين" الآن على جنودهم ....وكذلك فعل رئيس الحكومة وحزبه الديمقراطي المسيحي ومعظم الأحزاب، إلا أن حزباً واحداً مشاركاً في الحكومة قال أنه غير مقتنع وأصر على ذلك...لا أطيلها عليكم، الإتفاقية وقعت، بعد تفليش الحكومة التي تم التضحية بها من أجل الإتفاقية، أما حزب (D66) الذي تجرأ ولم يقتنع فقد ثارت عليه عاصفة إعلامية وسياسية قضت عليه، وتمكن بعض قيادته بالكاد من إنقاذه من عملية حله!

وكانت المقدمات في ذلك الشتاء في العراق مشابهة تماماً لمقدمات مشروع قوات أروزكان الهولندية، فتراجع المالكي عن تردده، وكان مسرفاً في عبارات الرفض، وكذلك فعل بقية الحكومة ومعظم الأحزاب. وحتى القيادة الكردية التي لم تتردد في الدفاع عن أي مشروع أمريكي حتى ذلك اليوم، قد بدأت تغير لهجتها بشكل يبعث على الريبة، فتحدث محمود عثمان عن اعتراضات، وقال مسعود البرزاني "أن صيغة الإتفاقية الحالية ليست مطلوبة تماماً" وكان علي الدباغ يحتج بشدة على التصريحات والتهديدات والإتهامات التي ساقها الأميرال مولن للساسة العراقيين بالرشاوي، وقال انه "لا يجب أن تفرض طريقة قسرية على حرية اختيارهم، كما انه من غير المناسب التخاطب مع العراقيين بهذه الطريقة".....

لكن رغم العنف الظاهري للرفض، فقد كان بالإمكان استشفاف التحضير للهجمة القادمة. فقد كانت الأسباب المقدمة للرفض لا تستند على موقف مبدئي، بل مواقف "تحتفظ بمرونتها" كمن يترك الطريق مفتوحاً للتراجع في اللحظة المناسبة. فتحدث المجلس الأعلى عن طريق جلال الدين الصغير عن استعداده للقبول في حالة وجود إجماع! (أي، إن لم تتركونا وحدنا نتحمل مسؤولية الموقف)، أما النائب محمد الجبوري من "الحوار الوطني" فقد ضرب مثلاً في سخف المبررات حين قال أنهم يرفضونها لأن الحكومة تقبلها وهم "معارضة"!! وكان هم النائبة أزهار السامرائي من التوافق أن يقسم الأمريكان في الإتفاقية السلطة لتضمن "التوازن السياسي" (التوازن الطائفي)، وحتى أياد علاوي قال انه يرفضها وقدم اسباباً محددة لذلك (أنظر مقالتي أعلاه)، وذهب إلى حد المطالبة بإطلاع دول الجوار عليها!
لاحظنا أن أياً من السادة المعترضين الجدد، لم يطرح أية أسباب تعيق تراجعه، مثل عدم وجود طريقة لإجبار الولايات المتحدة على تنفيذ أي من نصوص المعاهدة مستقبلاً.
حذرت من سيناريو يبدأ بـ "تراجع" أمريكي لا قيمة عملية له، مصحوب بقصف إعلامي وإرهابي للمعارضين، وعندها تطلق الإشارة وتعود كل موجة الرافضين الجدد إلى تأييد المعاهدة، بشكل صدمة توحي للمعارضين أن المعركة حسمت ضدهم، فينهار البعض الأضعف ثم غيره وهكذا...واختتمت مقالتي بالعبارة التالية:
"إنه مجرد سيناريو، لكنه يستحق الوقوف عنده والإستعداد له، فليس للأمريكان ومؤيديهم الكثير من الخيارات الأخرى!"

وبقية القصة تعرفوها كلكم....تحققت نبؤتي التي كتبتها في المقالة للأسف، وتكرر سيناريو التمثيلية التي استخدمت لخداع وبلف الشعب الهولندي وسلب قراره. وبالفعل وقعت المعاهدة، بطريقة مشبوهة، بالإرهاب وبدون قانون معاهدات وبدون عرض نصها الرسمي لا على الناس ولا على البرلمان ولا حتى على الكونغرس الأمريكي ووقعها زيباري قبل أن يقول البرلمان كلمته...ولم يفتح أي من السادة الذين كانوا يتظاهرون بالإعتراض فمه، وهكذا حدث انهيار سريع ومفاجئ حتى لمن أراد بالفعل الرفض فقبل مستسلماً (عدا الصدريين وبضعة متفرقين لهم الشرف في ذلك)!
وبعد دخول العراق في دهاليز الأمريكان من خلال تهديدات المالكي الصلفة لشعبه، وتخويف وزير دفاعه للناس من "القراصنة"، الدهاليز التي لا يعلم إلا الله ما نتيجتها، كان سهلاً على المحتالين أن يكررو التمثيلية بوقاحة أكبر ويوقعوا معاهدة أخرى مع البريطانيين لم يكن لها أي سبب أو مبرر أو معنى، ولا حتى حجة سخيفة كحجج المعاهدة الاولى، وكذلك وقعت اتفاقيات مع العصابة الدولية "الناتو" الذي وضع وصياً له على كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية وآخر لمجلس الأمن القومي. كل هؤلاء ليحمونا , ورغم ذلك غلبتهم "القاعدة"!

والآن أمام الأمريكان مهمة إعادة البعث إلى السلطة، وهي العملية التي طالما كرروها في أعادة الفاشست إلى سلطة البلاد التي يحررونها عادة، كما حدث تكراراً بعد الحرب العالمية الثانية، ووصف جومسكي ذلك في عدة كتب إضافة إلى آخرين مثل وليام بلوم في "قتل الأمل". فالفاشست هم الضمان الأكيد لاستمرار سلطة الأمريكان على البلاد وبأقل كلفة، كما تخبرهم تجاربهم العتيدة في اميركا الجنوبية مثلاً. هناك كانوا يبحثون عن حثالات الشعوب ليقوموا بتدريبها وإعدادها للقيام بالإنقلابات العسكرية في مدرسة خاصة سميت "مدرسة الأمريكتين" (2) وكان آخر نشاطات خريجيها من السفاحين الإنقلاب الأخير في هندوراس، وهو ما يعلم العراقيون أنه ليس سوى تكرار لقصة البعث واستلامه السلطة بعد اغتيال عبد الكريم قاسم، وكما كان تكراراً لقصة سوموزا وغيره. ومثلما تخلصوا من سوموزا بعد عشرين عاماً من الدكتاتورية الرهيبة حين صار عبئاً عليهم (3)، وقرروا أن خير ما يناسبهم هو إعادة "السوموزية دون سوموزا" إلى نيكاراغوا، فغرقت لثلاثة وعشرين عاماً أخرى في الظلام والدم، واستخدم فيها شعب نيكاراغوا حطباً لحروب أميركا في المنطقة، وها هم اليوم يعملون على إعادة "الصدامية بدون صدام" إلى العراق بعد عشرين عاماً من حكم صدامهم المظلمة واستخدامهم الشعب العراقي في مشاريعهم الحربية ضد جيرانه.

ما هي مؤشرات بداية ذلك السيناريو؟ وهل سيختلف كثيراً أو قليلاً عن سيناريو توقيع المعاهدة وسيناريو القوات الهولندية في أفغانستان؟ هل الإنفجارات الدموية الأخيرة جزء من هذا السيناريو؟ في الحلقة الثانية من هذه المقالة سنتطرق إلى تلك المؤشرات ونتحدث ببعض التفاصيل، أما الآن فليس لدي سوى أن أكرر جملتي التي اختتمت بها مقالتي عن توقعاتي لسيناريو المعاهدة, راجياً من كل قلبي أن لا تتحقق هذه المرة:
"إنه مجرد سيناريو، لكنه يستحق الوقوف عنده والإستعداد له!"



(1) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/27usa.htm
(2) http://www.albadeal.com/modules.php?name=News&file=article&sid=6016
(3) http://www.doroob.com/?p=20611 
(*) ملاحظة: نشر موقع "البينة" مقالاً مزوراً باسمي تحت عنوان "الولاء الوطني المفقود" ولم يتم رفعه أو تقديم توضيح رغم كتابتي مرتين إلى الموقع المذكور منبهاً للخطأ وراجياً اتخاذ الإجراء المناسب.
 

28 تشرين الأول 2009
 

 

free web counter