| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الجمعة 20/6/ 2008

 

بعد اتفاقية طهران سقطت آخر مبررات المعاهدة

صائب خليل

في البداية كان "البند السابع" هو البعبع الذي نصحنا زيباري أن نرتعد منه، وأن نعطي أميركا ولاية أمرنا وبعض النفط لكي تخرجنا منه. لكن تبين بعد ذلك أن أميركا ليس لها أن "تخرج" أحدا من شيء، لكنها تستطيع أن تحبسنا فيه، مثلها كمثل أي عضو دائم في مجلس الأمن، وأن هذا "الفضل" الأمريكي لم يكن سوى تهديد في الواقع. ثم تبين من مراجعة بسيطة يبدو أن مفاوضنا "الشاق" لم يقم بها، إن هذا التهديد ليس سوى خراعة خضرة لأن الفصل السابع مختص بإخراج العراق من الكويت فقط، أي أن مفعوله الحقيقي قد انتهى ما لم يفسره "شلاتي ما" بطريقة خبيثة، بل لعله انقلب لصالحنا، فالكويت هي التي داخل العراق الآن في أم قصر وزرعت آبارها المائلة في داخل الوطن لتمص كالبعوضة دمه. فإن كانت أحكام الفصل السابع ستنفذ فلعها ستعيد للعراق نفطاً وارضاً سلبت منه لم يعد اهله يجرؤون على المطالبة بها!
ثم قيل لنا بعد ذلك إن البند السابع خير علينا، فهو يحمي الخمسين ملياراً التي تحتجزها "صديقتنا" الجديدة من النهب، فعلينا أن لانحاول الخروج منه! وأخيراً تبين أن الأمريكان لاينوون الإلتزام بإخراجنا من هذا البند حتى إن وقعنا لهم على "صداقتنا الطويلة"، لأنهم اكتشفوا الآن فقط أن ذلك ليس من صلاحيتهم! ولو أنهم قرأوا بعض مقالاتنا لاكتشفوا ذلك منذ زمن.
لا يبدو على السيد وزير الخارجية أي تأثر أو غضب وهو يرى أن الأمريكان قد "خدعوه" و "أحرجوه" أمام "شعبه". إنه يتظاهر كأن شيئاً لم يكن! هل يعقل أنه كان يعرف الحقيقة وكان يخدعنا معهم؟! لا لا...إنها "نظرية مؤامرة"!

كذلك سقط مشروع الحرب الأهلية باعتراف الجميع، الإنجاز الأروع للشعب العراقي بسياسييه ومثقفيه وناسه، ولم يعد مروجو المعاهدة يتحدثون عن ضرورة القوات الأمريكية لكي تمنعنا أن نمزق بعضنا.

أما بالنسبة لضرورة المعاهدة لحماية الديمقراطية في العراق، فمن المؤسف أن نضطر حتى لمناقشة فكرة حماية جيش أجنبي للديمقراطية في بلاد ما. فليست هذه مهزلة فقط بالنسبة إلى أسوأ الجيوش في تأريخه مع الديمقراطية في عدد كبير من بلدان العالم خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وطموح الأمريكان في السيطرة على العالم، وإنما هو مسألة مستحيلة لأي جيش أجنبي مهما كانت "طيبة" ذلك الجيش و "حسن نيته". والحقيقة أن الجيش، حتى الوطني منه، يعتبر من أشد المخاطر على الديمقراطية في البلاد والأمثلة الحديثة كثيرة لا تعد. ويكفينا أن نشير إلى أن الديمقراطيين الرومان القدماء قد أدركوا منذ ذلك الزمن هذا الخطر فحرموا على جيشهم ليس فقط دخول روما ، وإنما حرموا عليه أيضاً الإقتراب منها وحددوا له نهراً يفصلها عنه. وفي اليوم الذي عبر الجيش النهر متجهاً إلى روما، غرقت هذه في سلسلة من دكتاتوريات قيصرية شديدة، فهل نسي هذا الدرس الذي يبلغ من العمر أكثر من الفي عام أم ان البشرية قد تجاوزته؟ أحداث الحاضر لاتبين ذلك للأسف. ماذا سنقول إذا ألغى "الجيش الأمريكي" إنتخابات جاءت بنتائج لا تعجبه على أساس أنها لم تتم بشكل ديمقراطي، باعتباره مسؤولاً حسب المعاهدة عن حماية الديمقراطية في البلاد؟ أن تأمين الديمقراطية بيد الجيش الأمريكي كارثة يجب تجنبها حتى لو تم توقيع المعاهدة، وليس من أسباب توقيعها، لذا يجب أن تسقط "حماية الديمقراطية" كسبب للمعاهدة بلا تردد.

السبب الآخر لكون هذه "الصداقة" قدرا لا مفر منه، كما قيل، هو حمايتنا من الإرهاب في الداخل. لقد ناقشت العديد من الأصدقاء أن هذا الإرهاب لا يمكن إلا أن يكون بإدارة الإحتلال لأنه ببساطة لم يكن موجوداً ولا حتى واحدا بالمئة منه قبل حلول الأمريكان في ضيافتنا. إضافة إلى الإثباتات في حادثة البصرة على الأقل، فهناك أقوى الدلائل في مذبحة أطفال النعيرية ومصفى الشعيبة وغيرها كثير. إحدى المناقشات جرت بالشكل التالي تقريباً:

أتساءل لماذا لم نر هذا الإرهاب "الإسلامي" قبلاً؟
فيقول محدثي: كانوا يخافون صدام،
فأقول إن الإنتحاري لايعرف الخوف! وماذا عن فترة ما قبل صدام؟
: صحيح...لكنهم لم يكونوا يستطيعون الحصول على الإسلحة والمتفجرات مثلما الآن
: يمكن دائماً تهريب بعضها عبر الحدود أو من الشمال....ستكون أقل بلا شك، لكننا لم نر حتى أثراً لهم في الماضي..
: أتوا من دول الجوار، من الأردن والسعودية. إنه "خطأ" اميركا في ترك الحدود سائبة، ولايمكننا أن نحمي الحدود الآن بلا أمريكان!
: يعني "خطأهم" هذا أعطاهم ورقة إضافية في مفاوضاتهم....يا أخي عظيم هذا الغرب! حتى عندما يخطئ، فأن خطأه مفيد! لكن قل لي.. لماذا لم يفجر هؤلاء أنفسهم في السعودية والأردن وحكوماتها عميلة منذ دهور والأقربون أولى بالمعروف؟
: صحيح أن حكوماتهم عميلة، لكن وجود الجندي الإجنبي المحتل اكثر إثارة وتحفيزاً للإنتحار لدى الشخص البسيط من أية حكومة مهما كانت سيئة، وعندها يشمل التفجير ليس جنود الإحتلال فقط وإنما جنود وشرطة الحكومة المتعاملة معه.
: أتقصد أن منظر العسكري المحتل مثير أكثر من عمالة الحكومات مهما كانت شدتها وصلافتها؟
: لاشك بذلك، فلا أستطيع أن أجد أي سبب آخر يجعل هؤلاء يغادرون بلادهم ليفجروا أنفسهم هنا..
عظيم! إذن فمنظر جنود الإحتلال هو الحافز لهؤلاء الإنتحاريين، فإن خرج الإحتلال تبخر حافزهم وانتهوا!

بالنسبة لحماية العراق الخائف من "الجيران"، أحترم الأمريكان لأنهم قالوا أنهم مصرين على أن يكون الحكم لهم على من يعتبر هجوماً أجنبياً ومن لايعتبر. ليس لأن هذه مسألة عادلة، لكن لأنها مسألة لا مفر منها. فطرحها على طاولة المفاوضات تمثل صراحة غريبة، لأنه من المستحيل إجبار الجيش الأمريكي على مواجهة جيش لايريد مواجهته حتى لو كان هناك نص في المعاهدة على ذلك. والحقيقة أنه الآن، وضمن مهامه من الأمم المتحدة، ملزم بالدفاع عن العراق أمام جميع الإعتداءات الخارجية بلا استثناء، لكنه لم يفعل ذلك أمام الهجوم التركي، بل انه ساعده، ولم يكن بحاجة إلى نص يعفيه من مواجهته ليفعل ذلك، فما هذا الإصرار المفتعل على أن تنص الإتفاقية على هذا؟ هل يصدق أحد فعلاً أن الجيش الأمريكي سيشتبك مع تركيا، عضو الناتو الهام، من أجل حماية الأكراد مثلاً؟ الم تكن جميع الأسلحة التي احرقت قرى الأكراد في تركيا، خاصة تلك التي قامت بها الحكومة التركية السابقة قد نفذت بأسلحة أمريكية، وأن أميركا قد زادت تسليح تركيا لتصبح الدولة الأولى (خارج إسرائيل ومصر ذات الخصوصية) التي تصدّر اليها الأسلحة الأمريكية في قمة الإبادة التركية لقرى الأكراد في التسعينات؟

إذن لن نتمكن، نحن المرعوبين من جميع جيراننا، في أي حال من احتساب فضل "حمايتنا من تركيا" المستحيل أمريكياً حتى لو وافقوا على ذلك في المعاهدة، وهذا يفترض أن يزول الحماس الكردي للأمر، (إلا إذا كنا سنرتعد من سوريا والسعودية والكويت والأردن أيضاً) لا يبقى إذن سوى إيران...

ذهب المالكي إلى إيران، ووقع "وحده" دون البرلمان إتفاقية يعلم الله ما فيها ليطمئنها ولكن من يطمئننا نحن؟ لماذا ماتزال "أطراف" الحوار متمسكة بالسرية الشديدة عما يدور بينها تاركة الشعب يضرب في الظلام؟ ولماذا يطمئن المالكي جيرانه وينسى أهله وهم أشد قلقاً مما يتهددهم من المعاهدة؟

الفريقان يؤكدان أن المعاهدة "ليست موجهة ضد أحد". يمكنني أن اتصور أن شركة إعمار أو جمعية خيرية تستطيع أن تقوم بعملها دون أن تكون موجهة ضد أحد، لكن ما لا افهمه: كيف تكون قوة عسكرية "مفيدة" دون أن توجه ضد أحد؟ يمكن أن يكون البناء مفيداً لجهة دون أن يكون موجه ضد أحد لكن كيف يكون القتل، وهو عمل العسكر الوحيد، غير موجه ضد أحد؟ كيف يقوم بعمله؟

إضافة إلى التساؤل عن كونها تمثل الحالة رقم كذا لتجاوز المالكي على صلاحيات البرلمان، تثير الإتفاقية الدفاعية التي وقعها رئيس وزراء العراق مع إيران سؤالاً آخر ربما كان أهم من الأول وهو: "ما الذي بقي من دواعي وحجج "المعاهدة الإستراتيجية" الأمريكية؟"

ربما لن ينفذ الإيرانيون التزاماً بالدفاع عن العراق إن وقع هجوم عسكري أجنبي عليه، لكن إذا كان المالكي يثق بأية درجة بأن لإتفاقيته مع إيران ولو بعض المصداقية، فيجب أن يثق على الأقل أن "الهجوم العسكري الأجنبي" المرعب الذي يريد أن يضحي من أجل ردعه بسيادة العراق وبوحدته وكرامته، هذا الهجوم لن يأتي من هذه الدولة التي وقع معها تواً اتفاقية دفاعية! وإن لم يكن يثق، فعلام كل هذا العناء وعلام اغتصاب حق البرلمان الدستوري مرة اخرى وعلام تحمل التهم بالتبعية لإيران، بل علام حتى مصاريف السفر؟

أخبرونا بربكم ماذا بقي من الحجج لتوقعوا هذه المعاهدة المخيفة؟ ما هو الأمر الذي تقبلون من أجله نظرة ريبة عميقة من شعبكم لن تندمل أبداً، وإحساس بكرامة مهدورة تغلي في الصدور؟
 

20 حزيران 2008


 



 


 

free web counter