آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 5/11/ 2009



رسالة حب الى روح الشاعـر سركون بولص
(*)

ياقو بلو
yakoballo@yahoo.co.uk

لمناسبة ذكرى ميلاده الثانيـــــة (1)


-1-
إثرَ طعنةِ رمح،صَخَب شيطاني
هذا الفيضانُ الاتي من العراق
يقتفي أثرَ غربةِ خطانا،
نتمنى ذبالة قنديل شارع في كركوك
لو ساعة الغسق تشيعنا.
نتمنى أن –ولو- في راحة القبر
الى وطن الجميع نرتحل.
نتمنى أن نرسم...
كركرات اولادِنا ودُعاباتِهم
على خارطة وطن
لا تحده اغلال الدين والقومية.
نجتهد ان ننسى...
وجعَ ركلةِ الغزاة الحديدية.
منذ بدءِ دورة الزمان تتفيأ
كأسمائنا واشكال هيئاتنا
بأطلال اسوار بابل ونينوى.
مُثقل كما ضمائِرُنا الحبلى بالحزن...
خُرجُ زوادتنا العتيق
بشواهد الاجداد والحصون والقلاع.
جعلوا لنا الاف الاسماء،
فنارُنا ينبض في قلب اربيل
أكفُ عَذارانا المسافرات الى الخلود
تنثر وردا وتزرع فرحا،
يمسح الحزن عن شوارع كركوك
وصدى نشيج نزف جراحاتنا
يربك ما برح
فرسان عصر الاحتلال في دهوك.
آشوريون كنا،آشوريون نحن
إجعلوا لنا كل الاسماء
نحن واحد،نَبْتُ البدءِ
في خاطر الله وخاطر الزمان
نحن آشوريون...
نحن آشوريون عراقيون،
حيث شواخصُ قبور اجدادنا...
صبية المدارس ترتل
وملائكة السماء ترنم
زهو التاريخ يهتف والمدونات...
هذه حدود وطننا،هذه حدود العراق.

-2-
لماذا نموت غرباء؟
لماذا يموت العراقيون غرباء؟
أمن قهرِ النور ولَسعاتِ صوت الله
وضجيج مكبرات الصوت عند الفجر
وفوضى مهرجان صرخات المغصوبات؟
خارج اسوار الوطن
داخل اسوار الوطن
يختبأُ إسم إله الحب المهزوم
بين شفتي امرأة وفرجِها.
وينام الشعراء ليموتوا غرباء
ألعلنا استمرءنا لعبة الاخصاء والاقصاء؟
جذع النخل في وطن الرافدين
قبل النبؤات والغوص في كنه الالهة
الفوقانية والتحتانية...
كان اشهى من سيقان النساء،
ما كان الشعراء يقضمون حروف الجر
ويلوكون في الغربة شكل القافية
ويموتون منسيين كالغرباء...
تدثرهم سطورالقصيدة وعُريُ النساء.

-3-
يهجع عند هزيع الليل الاخير
يخشى لئلا يباغت خاطره منام
رنى الى تمثال امرأة مصنوعة من عاج
بين فخذيها الابنوسية...
تعبر مشاويرُ واسفار رجالات العراق
لملم اشياءَه القليلةِ وتذكاراتَهُ البعيدة
الموجةُ الكبيرة جنحتْ
إجتازت الضفاف...
وابتلعت صبية العراق،
تبعثرت اشياءَه...
جمحت تذكاراته
الحلمُ كان في وجدانه للتوِ قد مضى.
إستوقفته سائحة امريكية:-
كيف السبيل الى متحف برلين سيدي؟
كان قد وصل
الشوارع الطويلة تمتد...
اواه يا وشم شارع الموكب
(2)
إذن برلين ليست دار قرار.
جال حدب الشمس وصوب الارض
طالعته آخرُ نشرةِ انباء العراق
:-
مالك الارض غالبُ سلطان السماء.
جلس مقتعدا ركام قصائده
تفرعت قدمه اليمنى دروب
مسحَ الغبارَ عن وجه الملك لير
(3)
ظل يقرأُ ويقرأً
يا للهولِ،
النسغ توقف عند منتصف الفتيل
الدروب تراكمت بسادية
كما الدغل بين المذراة والبيدر
يا لذكرى تلك الاخاديد
اخاديد وجه جده الاشوري...
ترتسم عند كل الانحاء...
في نهدرا وحدياب.
يقول للممرضة:-
لا عليك سيدتي...
انه وجع الغربة في الوطن
انه وجعُ الوطن في الغربة.

-4-
كان نهارُ وكان ليل
جلسنا عشية نطارح الغربةَ الغرامَ
وقبل ان يدرك هسهسة الغابةِ سكون
وتذوي ذبالة الكؤوس في الحانة
أقبل رجلُ من اوروك
(4)
مقرورة حناياه بوجد الغربة،
قال لصاحبة الحانة:-
ادفعي عني عواء الذئاب يا سيدتي.
تدور المرأة حول كلماتها
:-هدأ من روعك يا فتى،
هل غلبَ الموتُ في بلادكم
مدارات الريح...
وهندسة الاكوانَ وقدَرِ الرجال؟
أجلس يا فتى...
دعني أتأمل حلو أحداقِك الاشورية
دعني أطيب...
خدوش حجارة جسر الدلال
(5)
في قدميك المحناة بطمي دجلة.
ما خَطبُكم أهلَ العراق...
أديم الارضين بعض قبوركم
داخل اسوار الوطن
خارج اسوار الوطن
وتموتون غرباء كما الغرباء؟

-5-
كان قد شد الرحال على جناح ثور
(6)
ظلال كلماته عند الوداع...
تفترش الحزن في حضن ارطميس
(7)
وبرسفون
(8) كما في وجد ازلي
من شفتيه المرتجفتين
ترتشف قبلات الحياة.
كان الاول،ربما كان التالي
وصيا على عُهْدَة سرمدية
إغتصبت ناموس التعابير واللغات.
بعد الكأس الثالثة...
قالت صاحبة الحانة:-
هات حدثني يا رمز العصر
اجلس،وتعالى نناجي...
ارواح فرسان المربد وعكاظ،
دعك من الخلود...
دموع غربتك اكسير الحياة
وحوارات اسفارك بذر نبت الخلود
تريث ارجوك...
الكلمات لا تسافر ساعة المساء
والريح العاتية لا تقرأ مراسيل العشاق
ارى وشم امبابا
(9) بين حاجبيك
ألعلك في المنام عاشرت شميران
(10)؟
ما خطبك يا فتى لا يحويك مكان؟
أأنت بعد أغا بطرس
(11) الاول ام التالي؟
أجلس يا فتى...
الشعراء في وادينا إنعتقوا
من قيد الهوية وشرط الانتماء.

-6-
ورمُحَ الجهد في قلب سركون
مسكون بحيل الالفاظ والكلمات والالغاز
ينازل الاستقرار وحدود المكان
يجعل ثمالة الكأس حلمة حبيبة
نداءُ ثم اختصام فنداء
يتجول بين حنايا "الاشوري المتقاعد"
(12)
وضفافِ بحرِ الحبانية ويشد خيط السنارة،
لبى النداء...
كانوا ازواجا متزاوجة بسنة الله
قال النوتي العجوز:-
مأذون لك يا ولدي الابحار
انت والقصيدة زوجان.
وسار المركب الهوينا
الحجرات تختنق بالاجساد والاشياء
جعل ينشأ رفوف الغربان والحمام
(13)
الكوة الصغيرة ارض وسماء
عدد الغربان والحمام تام
متى نصل اطلال ارارات؟
(**)
ثم نام ونام ونام.

-7-
بغتة يجمحُ داخلهُ بصوت صهيل
الارض ليست كما الارض هناك
ورمل الضفاف غيره
يقلب وجهه في الماء والارض السماء
الموج ينطر...
أنباء الغربان والحمام.
يجتاز صمته...
أفق ظل الشمس والاقمار.
تدنو منه نادلة سمراء
:- إنك في سان فرانسيسكو يا ولدي.
يرتعب الوهم في وجدانه
لسور نينوى وجدار برلين حكاية
وجدار الاعظمية...
يروي اليوم حكاية
(14) .

-8-
كان عائدا من عرس"روتردام"
(15)
مزين بوشم الورد كما ملوك الزمان
عقده واساوره المحلاة بالعشق...
أذن مرور وجواز إنتماء
أقتعد مقهى المحطة الاخيرة
تسألة صبية شقراء:-
كيف تريد قهوتك سيدي؟
:- سوداء يا آنسة...
سوداء كنهارات الطيبين في بغداد.
ومضى سركون تتعثر خطاه
يتوسط لوعة العودة
وصفوف الملائكة الايتام.
تقول سارة ومريم وأمنة تكفكفان دمعها
:-الامريكان قصفوا بيتنا يا عمو سركون.
يقول يعرب ورشو وحنا وبيداء وعائشة
:-المليشيات سلبوا بيوتنا،
بأسم الله وعلى بركته...
إغتصبوا امهاتنا...
نحروا آباءنا واشقاءنا.
واشتد الوجع في قلب سركون
وكان صوت يزلزل الارجاء
:-إني بريء من دماء اهل العراق.
وكان صوت الله.
غاب وجه سركون
وكان صباح وكان مساء.
 

الهوامش:

(*) قرأت اغلب هذه السطور في الحفل التأبيني الذي اقيم في لاهاي اكراما لروح الفقيد،كما نشرت على موقع عينكاوة بنسخة تزخر بالاخطاء المطبعية،كما اود ان انوه:ترد هنا وهناك بعض التعبيرات التي اشير بها الى اسماء الدواوين الشعرية التي نشرت للراحل قبل موته،الدواوين التي مررت بها وانا استحضر شخص سركون بولص في وجداني.
(1) هو الشاعر الاشوري سركون بولص،ولد في الحبانية(من اعمال محافظة الانبار العراقية)في 1944 وفارق الحياة في احدى المستشفيات الالمانية في مدينة برلين في 27-10-2007،ونقل جثمانه الى مدينة سان فرانسيسكو الامريكية ليدفن هناك في 31-10-2007.
(2) شارع الموكب:هو الشارع الذي كانت تسير عليه مواكب الاحتفالات في بابل،وخاصة احتفالات اكيتو،اي رأس السنة الاشورية.
(3) الاشارة هنا الى مسرحية الملك لير لشكسبير التي كان السعيد الذكر جبرا ابراهيم جبرا قد ترجمها الى العربية وطلب الى سركون ان يوصلها الى الاديب يوسف الخال في لبنان.
(4) اوروك:مدينة عراقية ايام دولة المدينة،واشتهرت هذه المدينة بملكها كلكامش الذي سعى حثيثا من اجل الوصول الى سر الخلود كما تروي الملحمة التي تحمل اسمه.
(5) جسر الدلال:انه جسر حجري في مدينة زاخو العراقية قد جعل في اساساته جريا على فكر الاساطير سيدة كانت تدعى دلال،او سميت هكذا لانها كانت جميلة وحسينة لقبت بالدلال كما تقول الحكاية التي تروى بحزن شديد.
(6) استخدم الملوك الاشوريون الثور كرمز للقوة والبأس.
(7) ارطميس:الهة الصيد عند اليونان.
(8) برسفون:الهة الربيع والخصب عند اليونان.
(9) امبابا:هو الوحش الذي كان يحرس الغابة كما تقول الملحمة،وقد صارعه انكيدو صديق كلكامش حتى صرعه.
(10) شميران:هي المعروفة بسمير اميس،وهي ملكة اشورية ذاع صيت جمالها وحنكتها في ادارة شؤون الدولة.
(11) اغا بطرس:هو القائد الاشوري الذي طالب بحقوق الاشوريين القومية بعد ان حطت الحرب العالمية الاولى اوزارها،فنفته الحكومة العراقية الى فرنسا ليموت هناك،وتقول الكثير من الروايات انه تم التخلص منه بالسم.
(12) الاشوري المتقاعد:هو عنوان احدى قصائد سركون.
(13) تقول رواية صاحب التوراة:بعد اربعين يوما من توقف المطر،فتح نوح كوة المركب وارسل غرابا ليتأكد من ان الارض قد جفت ويبست،ثم ارسل بعد ذلك الحمامة.
(**) ارارات:تقول رواية التوراة ان سفينة نوح رست على جبل ارارات الذي يسمى "بالجودي"بحسب رواية صاحب القرآن.
(14) بعد سقوط النظام في 9-4-2003،حرص المحتل ان يستنهض كل احقاد الماضي،ولكي يحقق هذه الغاية الدنيئة،سخر طاقات كل كلابه في الوطن من اجل تأجيج النعرة الطائفية الدينية بين العراقيين،فصار القتل في الشارع على الهوية،ولكي يفصلوا المواطنين عن بعضهم،فصلوا الاعظمية السنية عن المناطق الشيعية المحيطة بها،والغريب في الامر هو اصرار بعض من ساهم ببناء جدار الاعظمية على أتهام اسرائيل بباء جدار الفصل العنصري الذي نعرفه جميعا.
(15) كان سركون في روتردام الهولندية ليساهم في مهرجان الشعر العالمي الذي قلده جائزته.







 





 

free web counter