آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الجمعة 30/12/ 2010


 

وعد

هيثم نافل والي

لقد كانت حنين ابنة السابعة عشر حلم حياته، تلكَ الفتاة الجميلة، الذكية، الرائعة، ذات العيون الواسعة التي لها لون العسل، وشعرها الحريري الناعم الذي يحاكي كتفها ويلاطفه باستمرار!

تعرفَ عليها حميد بحكم الواقع وليسَ الصدفة( كما يحدث غالباً في الروايات الرومانسية ) لقد كانت حنين بنت الجيران، وقد جمعت بينهم الألفة ثمَ الحب الجارف الذي يقتل صاحبه! وفي مساء كانَ القمر يسبح في سماء الليل، قدمَ لها سلسة كتذكار وودعها بالدموع بعدَ أن طمأنها بعودته أو بأن تلتحق به حينَ يكون الوقت مناسباً! ثمَ هاجرَ خارج العراق...

بددَ كل تلكَ الأحلام بعدَ أن حاولَ في بداية غربته اغتيال ذكرياته التي كانت تؤرقه وتعذبه، لبعده عن حبيبته التي ظلت خلفَ أسوار الوطن بانتظار الأمل فلم تفلح كل محاولاته لنسيانها، بل زادهُ الشوق والحنين إلى إشعال نار الحب ليحترق بسعيرها كل يوم ألف مرة، في حين نظراته كانت ثابتة صوب الوطن فيردد صارخاً كالمصعوق: يا ملاكي، يا روحي التي فصلتها عن جسدي مرغماً، إني أتحرقُ لوعةً لرويتك يا أملي في الحياة ومن أجلها أعيش وأتحمل، فتطفر الدموع من عينيه دونَ إرادة، لينام ويصبح وهو يتلوى ويتضرع على أمل لقاءها مجدداً...

تغيرت ظروف العراق بسرعة مدهشة، ولكن من سيء إلى أسوء! فبدأت التفرقة الطائفية تنتشر بينَ أبناء الوطن الواحد كالوباء! وصارَ القتل على الهوية شيءٌ مباح، بل من لا يفعل ذلك فهو خائن! وتناثرت الأفكار الجميلة كالغبار معَ الرياح! وتراجعت الثقافة إلى حدود الكساد، فتغيرت أبجدية الفنون وأصبحت رمزاً للكفر والإلحاد! والفنان لقمة للنسور والمؤذن هو القائد ..!

مضت عشرة أعوام وجسم الوطن ينزف، وعقله خاوي بلا فكر أو عقيدة أو اتجاه كالتائه! في حين انتشرت الكلاب الضالة، الجائعة، في الطرقات تصطاد كل من يقع تحتَ بصرها الجشع! وفي أثناء هذهِ الظروف الغريبة، استطاعت حنين من أن تكمل دراستها الجامعية، لتتخرج صحفية، تعمل في صحيفة نادرة كالشرف في تلكَ الأوقات، لتقدم كل ما هو مفيد وحريص وملهم، لتدافع عن كرامة الإنسان العراقي التي فضت بكارته في وضح النهار وعلى مرأى من أنظار العالم أجمع... لذلكَ كثرت الكلاب التي تحاول أن تصطادها، لكنَ عزيمتها وإيمانها بقضيتها وبالرب كانت كخط مستقيم بلا حدود كالمطلق ! وظلت كذلك لعهدها حافظة ووفية، تنظر إلى المرآة وتقول: مازالَ هناك أمل، سيرجع لا محالة، لقد وعدني بذلك... فتبكي وهي صامتة، وقلبها يدقُ بعنف وقلق!

في إحدى جلسات حميد السرية معَ بعض من أعضاء الحركة التي انتمى إليها منذُ مدة، قرروا إرساله في مهمة خاصة إلى العراق...

رجعَ وعيونه حمراء كعيون الشيطان! والشر يملئ قلبه، بعدَ أن كانَ عامراً بالصفاء والحب، فكرهُ مشوه ونظرته إلى الحياة تغيرت، بحيث أصبحت لا تتعدى الموت من أجل القضية التي أقتنعَ بها والتي سترسله إلى جنات الخلد! يتكلم معَ نفسه ويهذي كالمصاب بالحمى: هؤلاء الكفرة يجب أن أستأصلهم من جذورهم، لقد حكمت شريعتنا بذلك وما عليّ سوفَ التنفيذ، ليخطفهم الشيطان، لتحرقهم نار جهنم، ويدمدم كالذي أصابه الهوس، كفرة ملحدين، سأجلدهم وأقطع أطرافهم، ثمَ يستنكر ويتوعد وكأنه القاضي والجلاد في آنٍ واحد، والعياذُ بالله!

حملَ مسدسهُ العامر، وترجلَ من السيارة، بعدَ أن دقق في العنوان، وعرفَ بأنه أمام الهدف! فتحَ الباب، وإذا بعائلة آمنة، ليسَ لها أمل في الحياة، سوى الحياة نفسها، ولكن قرارهم كانَ واضحاً:

إخماد صوت الحق التي تنطق به حنين ضد الظلم والاستبداد والقهر... نظرَ إلى حنين ولم يعرفها، بعدَ أن سيطر الشر على عقله، وغوى الشيطان قلبه، فتحركَ في داخله شعور القتل واقتراف الجريمة، رفعَ مسدسه كالسيف صارخاً كفرة، فاسقين، زنادقة وأطلق النار على ضحيته وهو ينظر لها ببرود خارق عن العادة! لتسقط حنين وهي مضرجة بدمائها على الأرض، وبحركة غير مقصودة قطعت السلسة التي أهداها حميد لها قبلَ سفره، وكأنها تحاول إبعاد الأفعى التي كانت قد التفت على رقبتها...

سقطت نظراته عليها، فعرفها، رجعَ إلى الوراء باهتاً، شاحباً بلا حراك ، بعدَ أن صعقَ من المفاجأة ... فقد قتلَ حبيبته بيده وها هي ملقاة أمامه على الأرض بدمائها كالشاة المذبوح! لكنه في تلكَ اللحظة الحاسمة لم يفكر طويلاً باتخاذ القرار، رفعَ مسدسه نحوَ رأسه وأطلق على نفسه رصاصة الرحمة، بعدَ أن صرخَ بأعلى صوته كالذي يراد دفنه حياً! فقال: لقد وعدتكِ يا حبيبتي أن أرجع، وها أنا سأذهب معكِ يا ملاكي دونَ سفرٍ جديد أو رجعة!

ولكن الفيلسوف الألماني هيجل يقول:

التناقض أصيل في طبيعة الكون!







 

free web counter