آداب

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الخميس 22/12/ 2011

 

قصص قصيرة

تداخل الأحلام

هيثم نافل والي
 

أجابته أمه بفطره عجيبة كعادتها... يا بني هكذا هي الحياة ونظام الكون:

لابدَ لنا من النوم كي نصحا...

ولابدَ لنا من الشقاء كي نحيا...

ولابدَ لنا من البكاء كي ننقى...

ولابدَ لنا من الحب ولهُ نسعى...

جلسَ شاكر صامتاً لا تطرف له عين كالصنم، وحاولَ أن يتذكر الحلم الذي راوده الليلة... مدت له ذاكرته يد المساعدة فسعفته دونَ تردد وكأنها تنوي اللهو معه! سرت الحياة في جسده فتحرك أخيراً من بعد شلل، أخذَ القلم وانحنى على الطاولة كأنما يريد أن يأكل، فكتب:

أصوات متداخلة كالضجيج، ترتفع في الهواء كالطيور، لكنها أصوات متشنجة، حزينة وباكية... وأخرى داعية، وجلبه في المكان غير اعتيادية تدور في المحلة وكأنَ الناس يلهون ويلعبون أو شيئاً من هذا القبيل... لقد كانت الصورة غير واضحة كالضباب، لكنهم كانوا يعبرون عن حزن بطريقه غريبة وكأنهم يرقصون حولَ النار مثل هنود الحمر! قمتُ فزعاً نحو النافذة ونظرت... فلم أجد أحداً، إلا طريقاً نائماً كقبر كبير ونور يكاد يختنق ويطفأ...

رجعت إلى سريري فلم أجده! ألتفت حولي فوجدتُ نفسي في الطريق دونَ اختيار! وسالت نفسي مباغتا: ومتى أستطاعَ الإنسان أن يختار؟!

حاولت النطق فتكسرت الكلمات في فمي فلم يخرج سوى خوف وأنين وكأنني أعاني رعشة الموت والتنازل عن الروح! جربت المسير فلم أفلح إلا بالوقوف كشمع ذائب كانَ قد جمد...

في هذه اللحظات القلقة العصيبة التي مرت عليه سريعاً كالشهب! توقفَ عن الكتابة ليرفع رأسه إلى سقف الغرفة فوجدها بدونه! وكأنَ الله يريد رويته عارياً كما خلقه!

اختفى السقف فجأة وكأنه يلعب معه لعبة الخفاء! نهضَ والرعب حوله كأفعى تطارده... صرخَ بقوة... فتخلت عنه حنجرته ولم تسعفه في أصعب المواقف خوفاً! وهذا هو عهد الإنسان منذُ ولد! (قالَ محدثاً نفسه)

تهاوى على الأرض، فأرتطم رأسه فيها وشعر حينها بأنَ رأسه قد تهشم كخشب الموقد عندما يصبح رماداً... وإذا بأمه تفتح عليه الباب وهي تقول:

انهض يا كسول فالوقت قد قاربَ الظهر وأنت مازلت تستمتع بالنوم... ثمَ أردفت بحنان وهي ترفع الغطاء عنه: انهض فهناك من يرغب برؤيتك...

فتحَ عينيه بصعوبة وقالَ متماسكاً : صباح الخير يا أمي، أعتقد بأني قد نمت دهراً وعشتُ يوماً! كعادة الإنسان وهو ينوي الاحتيال على الكلمات في الوصف أو التمثيل والمبالغة! ثمَ أستطرد قائلاً وهو يتثاءب:

آه... يا أمي لقد تداخلت الأحلام في ليلي ورأيت الحزن يسري بين الناس كالشبح وآفة المرض! ثمَ اختفى كل شيء مني ومن حولي كأنه يصفعني ويقول: أنتبه يا أحمق، فأنك ترجع كما أتيت لا تملك شيئاً ومن دون أحد!

رتبت أمه على كتفه وهي تقدم له كأساً من الماء وهي تقول برفق: أذكر كلمة الله كثيراً وستكون بخير يا بني...

وهو ينظر لها بعمق وصفاء كضوء القمر، قال: أنا لم أطلب أو أتمنى شيئاً... كل ما في داخلي أن أرى السلام يعم الأرض، والشر يتراجع متسللاً، خائفاً كاللص الذي أنكشفَ أمره! ولكني لم أطق الصبر يا أمي...

فأجابته بفطره عجيبة كعادتها... يا بني هكذا هي الحياة ونظام الكون:

لابدَ لنا من النوم كي نصحا...

ولابدَ لنا من الشقاء كي نحيا...

ولابدَ لنا من البكاء كي ننقى...

ولابدَ لنا من الحب ولهُ نسعى...










 

free web counter