الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأربعاء 8 / 8 / 2007

 

 


لمحات من تاريخ الحركة المسرحية في العراق


د. ممتاز كريدي

سبق لي ان ترجمت هذا البحث في منتصف الثمانينات وهو جزء من كتاب " الثقافة العربية في الوقت الحاضر" وهو من تأليف المستعرب دكتور ديتر بيلمان من جامعة كارل ماركس- المانيا الديمقراطية سابقا. الكتاب المذكور يعتبر جهدا هاما في رصد الثقافة العربية ولا سيما وانه يتعامل مع الظواهر الثقافية والفنية من وجهة نظر ماركسية‘ ورغم بعض النواقص والهفوات التي وردت في الكتاب الا ان ذلك لايقلل من اهميته علما ان الكتاب يتناول الفترة الزمنية حتى منتصف السبعينات .

طرأ بعد ثورة يوليو 1958 تطور على المسرح العراقي اتسم بتوجه المسرحيات وبشكل واضح الى العلاقات الاجتماعية واهتمامها بمعالجة القضايا السياسية والاقصادية . قبل الثورة تميزت اعمال المسرحيين العراقيين مثل يوسف العاني ( راس الشليلة-1954) وعبد الغفار خضر(نضال الوطن- 1954) وعطا رفعت ( فجر جديد1955 ) ومحمد الدوري ( كفاح) او شماتات الصباغ-1957).. تميزت بنقدها لبؤس وفقر الشعب العرافي في ظل النظام الملكي ولنتائج السيطرة الاستعمارية وذلك دون تحميل العلاقات الاجتماعية القائمة مسؤولية ذلك ودون وضع الحلول للمشكلات الاجتماعية ودون الاشارة الى سبل تغيير الاوضاع السائدة.
. واذا كانت مسرحيات تلك الفترة مثل "الوطن والبيت" و "طالب من الجنوب " لصفاء مصطفى و "تؤمر بيك" ليوسف العاني ويريد يعيش" و"دربونة ام علي " لابراهيم الهنداوي والمسرحيات الشعرية "شمس " و "الاسوار" لخالد الشواف ".. اذا كانت على درجة من الشعبية فانها كانت تفتقر الى الصعود الدرامي الذي يجعل من ابطالها مدافعين عن الجماهير الشعبية في نضالها الوطني والاجتماعي . ورغم هذه النواقص فان تلك المسرحيات شحذت النظرة النقدية عند الجمهور ازاء المشكلات الاجتماعية والوطنية .
بعد سقوط النظام الملكي اتضحت لبعض الكتاب المسرحيين تطلعات نحو معالجة المواضيع التي تنسجم والواقع الجديد‘ فقد وضعوا نصب اعينهم – كممثلين للبرجوازية الوطنية- هدف الاسهام في التقدم الاجتماعي وكان ان توغلوا اكثر في المشكلات الاجتماعية وبحثوا عن اسبابها وبدأوا بايجاد الحلول الممكنة للقضايا الاجتماعية واختفى الطرح البسيط على مجابهة الخير بالشر وحل تصوير النزاع الاجتماعي محل الطرح الاخلاقي الشعاري وتحول البطل الفردي الى شخصية تتصارع مع العلاقات الاجتماعية وتزداد وعيا بقصور هذه العلاقات ملتزمة جانب التقدم وصار البطل مرتبطا الى درجة ما بالصراع الطبقي مكتسبا صفة تمثيل اجتماعية وتركت تراجم المسرح الواقعي العالمي اثرها على هذا التطور( شكسبير‘راسيت‘ تشيخوف ‘غوركي‘بريشت) هذا ومن ناحية اخرى لعبت جهود المسرحيين العرب ولا سيما في مصر وسوريا ولبنان دورا هاما في سبيل مسرح عربي ‘ ولا يمكن غض النظر عن التأثير الذي مارسه المسرح السياسي الوثائقي ( بيتر فايس مثلا) على المسرح الوثائقي السياسي المرتبط بقضايا الشعب في العراق.
ارتبط هذا التطور بتزايد النصوص المحلية وبكثرة عروض الادب المسرحي فعلى سبيل المثال بلغ عدد المسرحيات الوطنية النصف والتي عرضت في العراق عام 1957 ست مسرحيات وفي عام 1967 ارتفع العدد الى الى اربعة عشر مسرحية حتى بلغ في الاشهر الثلاثة الاخيرة من عام 1971ست عشرة مسرحية كتبها كتاب مسرحيون عراقييون (1)‘ وجاء في احصائية نشرها المركز الوثائقي للمسرح والسينما عام 1973 ان مجموع المسرحيات التي كتبها مؤلفون عراقيون بلغ 210 مسرحيات وذلك منذ عام 1925 (2) . في الوقت نفسه ارتفع عدد الفرق المسرحية ‘ ففي منتصف السبعينات كان هنك الى جانب عدد كبير من فرق الهواة اكثر من 18 فرقة مسرحية رسمية واهلية نذكر منها : (المسرح القومي )و ( المسرح العسكري ) و (ومسرح الفن الحديث) و( مسرح اليوم ) و(مسرح الطليعة )و (مسرح 14 تموز ) و ( مسرح الرافدين ) و ( المسرح الشعبي) و (مسرح السبعين ) و ( فرقة الفنون المسرحية ) و (فرقة الصداقة) و (فرقة اتحاد الفنانين ) و (فرقة معهد الفنون الجميلة) (3)‘ وبغداد هي مقر غالبية هذه الفرق ‘ وتوجد فرق اهلية ايضا في مدن عراقية اخرى مثل البصرة وكربلاء وديا لى والموصل. في عام 1974 كان هناك 42 قرثة مسرحية تعمل تحت اشراف ما يسمى( مكتب الثقافة والاعلام في الاتحاد العام لشباب العراق )‘ وفي العام نفسه تم لاول مرة تأسيس فرقة مسرحية جوالة قدمت عروضها افي احد معسكرات الشباب (4) . رغم هذا العدد الكبير من الفرق المسرحية فان عدد المسارح الثابتة في كل البلاد لم تتجاوز عام 1973 ثلاث صالات مسرحية وهي ( المسرح القومي ) و( مسرح بغداد ) و (قاعة الخلد ) علما ان هذه الاخيرة تستخدم ايضا كقاعة للمؤتمرات والاغراض الاخرى .
رغم الجهود التي تبذلها ( مصلحة السينما والمسرح ) في سبيل تشجيع النشاط المسرحي ‘ فان مساعيها تلك تتسم غالبا بعدم الجد والنشاط المحدود‘ وتصدر هذه المؤسسة منذعام 1975 مجلة خاصة بها بعنوان " المسرح والسينما" وقد توقفت عن الصدور بانتظام . في سنة 1973 انشئ ( المركز الوثائقي للمسرح ) الذي كان يهدف الى جمع وتسجيل وارشفة النشاطات المسرحية في العراق والعالم العربي.

من المؤلفين المسرحيين البارزين في العراق نذكر(يوسف العاني ) و (عادل كاظم ) و(نور الدين فارس ) و (علي حسن البياتي ). تستهدف اعمال هؤلاء تصوير المجتمع العراقي بمشكلاته وتنوعه الاجتماعي وكذلك كشف الواقع اامأساوي وابراز نضال الانسان البسيط من اجل حياة افضل مستخدين بذلك مختلف اساليب وادوات التعبير.
يعتمد (يوسف العاني ) في مسرحيته (المفتاح -1968 ) على مسرح بريشت الملحمي ويستخدم في مسرحياته الرمزية الحكايات العراقية للكشف عن مشكلات سياسية راهنة في مسرحيتيه (الخرابة – 1970) و (الشريعة1971 ) يوحد ما بين عناصر المسرح الوثائقي والمسرح الملحمي غير انه لايستخدم ذلك بحزم لغرض تصوير العلاقات السياسية الاديولجية بل يرى فيها ‘على الاغلب امكانت درامية .
على عكس يوسف العاني الذي يكتب مسرحياته باللغة العامية يكتب عادل كاظم بلغة عربية فصحى سليمة. في مسرحيتيه (تموز يقرع الناقوس ) و( الطوفان) يشير الى النضال البطولي للفرد واستعداده للتضحية في صراعه ضد العدوان الامبريالي‘ علما ان (الطوفان ) تعتمد مجازا على (ملحمة جلجامش) ومسرحيته (الحصار ) هي الاخرى ذات مضمون معاد للامبريالية.

ويصور نور الدين فارس في مسرحياته (اشجار الطاعون ) و(لتنهضوا ايها العبيد) و (البيت الجديد ) و (الغريب ) معاناة الشعب اليومية ويكشف التناقضات الاجتماعية مشيرا الى ضرورة التغيير الجذري للمجتمع وفي مسرحيته ينتصرلاجراءات تأمييم البترول.

ويهاجم طه سالم في اعماله المسرحية (طنطل) و(ما معقولة) و(البذرة) استغلال الانسان للانسان والظلم الاجتماعي في المجتمع العراقي ويبين محي الدين زنكنه في نصوصه المسرحية في ( الجراد )على سبيل المثال النضال الثوري للشغيلة ضد الاضطههد القومي من قبل الامبريالية مستخدما المقارنات الرمزية.

اما علي حسن البياتي فانه يتطرق في مسرحياته الشعبية ""اللي يعوفه الحرامي " و"عرس واوية" الى هموم ومشاغل الناس البسطاء ‘وفي مسرحيته ( المدينة تحترق ) يلتزم موقفا حاسما ازاء النضال ضد الامبريالية في فيتنام وفلسطين داعيا الى تضامن عالمي مع هذين الشعبين. وجديرة بالملاحظة تلك المحاولات المسرحية التي قام بها في السنوات الاخيرة قصاصون وروائيون عراقيون والتي تتميز بمضامينها النقدية الاجتماعية وصياغتها اللغوية: عبد الملك نوري (القاذورات )و( لعب الاطفال) فؤاد التكرلي: ( الطوف ) و( الصخرة )‘ شاكر خصباك (بيت الزوجية) و (الغرباء) و (الشيئ)‘ هؤلاء الكتاب يعالجون كما هو الحال في قصصهم ورواياتهم المساوئ الاجتماعية باسلوب واقعي واضعين في الصدارة الانسان المكافح من اجل حياة افضل وبروح معادية تماما للامبريالية.

تتميز المحاولات المسرحية التي قام بها ايضا قاسم حول المعروف بالدرجة الاولى كمخرج وكاتب سيناريو ومن بينها مسرحية (المدينة المفقودة)و (عودة السنونو). ان اعمال هذا المؤلف الفلسطيني "كذا !! " (5) التي اغنت الحياة المسرحية في العراق تفقد من تأثيرها الدرامي بسب الاستخدام المكثف للرمز في صياغتها.

وحققت المساعي الرامية لاقامة مسرح للاطفال في العراق بعض النجاح ‘عام 1969. قدم المسرح القومي مسرحية الكاتب المصري الفريد فرج (علي جناح التبريزي وتابعه قفه) وقد اخرجها فوزي مهدي كمسرحية اطفال وفي فترة لاحقة اخرج المسرح القومي مواضيع مأخوذة من كنز الحكايات والخرافات العالمية مثل (حكايات الاخوين غريم )(6). ويربط قاسم قاسم محمد في (طائر السعد) التقاليد القومية باعتبارات جدلية متوخيا تربية الاطفال بروح وطنية مناهضة للامبريالية بمفهوم البرجوازية الوطنية.
.... عام 1974 قدمت (فرقة بيت المسرح العمالي) تمثيلية نقدية بعنوان( البوابة) وهي من تأليف غازي مجدي ‘وبرغم النجاحات الملموسة تميز وضع المسرح العراقي في منتصف السبعينات وجهوده من اجل ايجاد مسرح واقعي بسلسلة من العوامل التي حالت دون تطور مسرح عراقي مرتبط يقضايا الشعب ‘ فالى جانب النقص في صالات المسرح وقلة المخرجين والممثلين المؤهلين جيدا. اضافة الى ضعف النقد المسرحي العلمي جابه المسرحيون العراقيون اشكالات تتعلق بالشكل والمضمون : التعامل مع اساليب صياغة غريبة عن الواقع ‘رمزية وتجريية وكذلك المبالغة التهريجية ومعالجة مواضيع "محلية " او "قومية" بلغة " عربية فصحى "او "عامية" واشكالية "الاصالة" واستلهام التراث القومي والانساني .
يرى النقاد المسرحيون العراقيون مثل سامي عبد الحميد ان امكانية تغيير هذا الواقع الذي يعيشه الادب المسرحي في منتصف السبعينات تكمن في ضمان "جودة النصوص" و"اصالتها" و"رؤيتها الصافية" و "ادراكها الواعي" واهتمام النقد المسرحي الناشيئ يقضايا المسرح الانساني التقدمي .


1) احمد فياض المفرجي‘ الهرست المسرحي‘ المثقف العربي‘ بغداد عدد(1)
2) جريدة الثورة البغدادية 26/12/1973
3) يوسف عبد المسيح ثروت‘صورة المسرح العراقي الراهن‘الاقلام البغدادية عدد11‘1973صفحة61 وما بعدها.
4) انظر الثورة البغدادية23/6/1974‘صفحة 8
5) هنا يقع المؤلف في خطأ عندما يعتبر الفنان العراقي قاسم حول فلسطيني الجنسية.(ممتاز كريدي)
6) كاتبان المانيان جمعا الحكايات والخرافات الشعبية وغيرها(ممتاز كريدي)