الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 3/3/ 2008



(حارس المزرعة) للقاص نبيل جميل
قصص قصيرة تتحدث عن المسحوقين والمهمشين في الحياة البصرية

شاكر رزيج فرج

الترابط الجدلي مابين السرد الذي يتجه الى تأسيس (قص!) له مغزى وترميز دلالي وبين المعاش اليومي ، مرتهن بقدرة الوعي في ( ضوء وعي قوانين تطور مجتمعه وطبيعة تركيبه الطبقي ـ د. كريم الوائلي ـ) وتحديد المكان وزمان الحدث ودور الشخصية / الشخصيات في التأثير على سير الوقائع والاحداث وعلى ضوء تجربتها الخاصة ، لا تجربة ـ القاص ـ الذاتية ، لكي لايفقد المنجز الابداعي حيويته المستقلة!!
عن عالم ـ المؤلف ـ الا ان تجربتها الخاصة تلك لن تكون بمنأى عن الواقع الاجتماعي التي تتعايش معه واننا لابد ان تشعرنا بانها تعيش واقعا ليس غريبا عنا ، بل على حد تعبير ـ ياسين النصيرـ ( ان تتنفس الهواء الذي نتنفسه ) ، واذا نظرنا الى ابطال قصص ـ نبيل جميل ـ ندرك على الفور انهم ليس غرباء عنا ، بل ربما نلتقي بهم يوميا ونعرفهم تماما ، بل ويتقاسمون وايانا احزان وافراح الحياة التي نعيشها .
ففي اقصوصته الاولى ـ أمان مؤجلة ـ عسكريان في اجازة وهم في حالة يرثى لها ،يتسكعان عند واجهات الدكاكين والمطاعم ( يجرجهما حديث قديم الى اكتشاف الذات عن طريق الفم ـ النص) اضافة الى احاديث عن آمالهم المؤجلة ومن ثم يجلسان ليواصلا ذكرياتهما على احد المصاطب ، يستمعان الى مكبرات الصوت العامرة بالاغاني والاناشيد وابواق السيارات وقد نهشهما الجوع .
ولعل القاص ـ نبيل جميل ـ كان راغبا من استنهاض ذاكرتنا ، لما كنا نشاهده ايام الحرب ، وتسكع بعض الجنود والتعاطف الحميم الذي كان يبديه الناس تجاههم ، وتلك الالفة ونوازع الحب التي كانت تجمع كل العراقيين دون الالتفات الى مذهب او دين ، هذا التعاطف ومحاولة تخليق تواشج فعال بين الشخصيات والمتلقي نراه في ابهى صوره في معظم قصص المجموعة ، فالمرأة في ساحة ـ ام البروم ـ التي هي مثل حشرة اسطورية متحجرة تحاول ستر عريها بثوب ممزق قذرولا يسمع لها سوى الانين ، تبحث عن الطعام بين المزابل ، تتماثل والمرأة التي تحاول جاهدة ان يدر ثديها الحليب / جفاف/ دون طائل واخرى في /حالة خاصة/ تعيش وحيدة منعزلة تأكلها الوحدة بينما في / زيارة/ امرأة تسمع طرقا على الباب ( ترى من يتذكرني الآن ويزورني ـ النص ) فزوجها قد توفي منذ زمن طويل والاولاد قد رحلوا مع زوجاتهم الى عوالمهم الخاصة (..) وعندما تفتح الباب ترى رجلا مسنا نائما في ظل شجرة / ولابد لهذا الرجل من سبب ، فد يكون الجوع او الحاجة قد الجأته لذلك.
فالمقاربات بين ، النسوة الثلاث ، تبدو جلية للمتلقي ، بائسات نصطدم بهن يوميا ، في الساحات ، وقرب النفايات ، واسواق الهرج وفي بيوت الصفيح او تلك الآيلة للسقوط في البصرة القديمة او على الارصفة يبعن خلق الاثواب والعطور المزيفة والسكائروغيرها .
ولم يكتف القاص ـ نبيل جميل ـ في تقديم صورلواقع محدد ،بل حاول تلوين فضاءاته ليتناول شريحة اخرى تقع على مقترب من شخصياته المسحوقة تماما ،ففي اقصوصته ( احلام شائكة) موظف ، مهمته حفظ الاضابير، يباشر عمله في قبو ، هو اقرب الى القبر، تنقل من مكان الى آخرتبعا لرغبات ـ مدير القسم ـ بحيث كان يشعر وكأنه لعبة تتدحرج بين الاقدام ، حتى وصل هذا المكان ، وعليه ان يتقبل ذلك والا كان مصيره التشرد والجوع والضياع / لابد له ان يهادن ، رغم انه كان كثير التحفز، ولكن هذا التحفز كان سريع الانطفاء بسبب الحاجة .
وفي اقصوصته التي تحمل اسم المجموعة ( حارس المزرعة) يضطرشاب للعمل في احدى مزارع ـ الطماطم ـ خارج المدينة ، ويبدو ان عمله ينحصرفي خدمة صاحب المزرعة وضيوفه من الرجال والنساء اللواتي يأتون بهن لممارسة البغاء داخل الغرفة التي يقوم على حراستها ، وقد نجح القاص في لصق صورة مغايرة ـ هي اشبه بمونتاج متجاورـ / تذكرقبل ستة اشهر عندما كان عسكريا على تلال مندلي /  ولعل ما جرى ـ ايام الدكتاتورية ـ من امتهان وحط لكرامة الانسان انما هي ممارسات قد جرت على نطاق واسع ودون تفريق بين شخص وآخرمهما كان موقعه الاجتماعي او ما قدمه من تضحيات ، فالكل في عرف من يقف على رأس السلطة ، انما هم توابع يحركونهم كقطع الشطرنج على رقعة رغباتهم ، والا كان مصيرهم ـ الموت ـ والتشريد لهم ولعوائلهم وربما ينال سخطهم الاصدقاء والاقارب .
في اقصوصة ـ ميتة اولى ـ رجل يعمل على حراسة بئر! ، ربما تنتابه شكوك واوهام حول ماهية هذا البئر، فيقرر النزول الى جوفه مهما كلف الامر، مأخوذا بمقولة ـ ارنست همنكواي ـ في روايته ( وداعا للسلاح) ـ الجبان يموت الف ميتة ، والشجاع لا يموت الا ميتة واحدة ـ وما ان ينفذ رغبته ، حتى يصطدم بمصائب واهوال وهو ينزل دون ان يجد قرارا للبئر.
ويدخل ـ مضمون الاقصوصة ـ تحت يافطة (..) توق الانسان لاقتحام المجهول للوصول الى الحقيقة ، تلك الحقيقة التي تتبدى كهاجس يتنامى بفعل ـ المخيال ـ ليصل الى نقطة اللاعودة عن اتخاذ القرارالذي يعتقده ملائما له ، واذا كان هم الانسان ، هومحاولة ، كشف ـ العالم السفلي ـ وفك رموزه ابتداءا بظاهرة الموت ، فان الرجل ـ باعتقادي ـ كان صائبا في قراره .
في قصتيه ، ـ مطر ـ و ـ لهاث ـ يستثمرالمفردة ـ مطرـ كرمزللخير والنماء ، وهو معادل موضوعي ـ اعتقده ـ يقف ازاء الآلآم المبرحة والاحباط الذي اصاب ابطاله, لذا جاء تأسيسه في البنية الحكائية متوافقا وثيمتي الاقصوصتين ، ففي الاولى ، يقف الرجل الذي يبدو انه تسكع كثيرا تحت مظلة لاشتداد المطر وحينما يأتي الباص ،يرفض الركوب رغم تنبيه الاخيرين له ، وما ان ينصرف الباص (تمرغ على الارض ،ثم في عرض الشارع دون حراك ،راح يسبح تحت المطر ـ النص) .
وفي الثانية رجل يجلس وحيدا بين اربعة جدران ،يدخن مستذكرا تنقله الدائم لسبع سنوات خلت وامرأة تنتظره دون ان يجد سبيلا اليها ، كما يستعيد ذكرياته عن الحرب ، وصوت الرصاص في الخارج يشحذ الذاكرة .
وفي قصته القصيرة جدا ـ لغز ـ يضعنا حقا امام احجية ، شخصان ينقلان كتبا من مكتبة ، وفجأة تخرج امرأة تصرخ فزعة ، فيهرب اللصان .
ان ـ نبيل جميل ـ كان راغبا ، تجاوز القراءة السطحية للنص ، للوصول الى المخبوء لان الحديث عن لصين امر يقع في ما سمي ، باليومي والمهمل ، والحديث الفارغ ، الا ان الاشارة الذكية ،للمسروق ، بانها مجموعة من الكتب ، انما ينمي الينا ـ ترميزاـ كبيرا ، يتصل اساسا بالمحاولات المحمومة ( للبعض!) لمحو وطمس الثقافة الوطنية وسرقة منجزاتها او تدميرها تماما .
ان مجموعة ـ نبيل جميل ـ اضافة مضيئة للقص العراقي ، وهو اسهامة في ترسيخ ادب تقدمي متعاطف كليا والشرائح الاجتماعية الاكثر سحقا وفي ظروف بالغة التعقيد تمر بها حياة الناس في بلادنا .
 


 

Counters