الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأثنين 3 / 9 / 2007

 

 


الشاعر عبد الباقي فرج يسترد ذاته ( في ذلك البياض ) ..


أقنعة البياض / سيمائية الانتماء الى عالم احادي مغلق


صفاء عبد العظيم خلف
safaa-alganim@hotmail.com

اعتراف البياض
تلك هي الصلة ، فضاء البياض ، ما بين ان يكون زماناَ بمطاوعة الانا ، ومكاناً يتموضع فيه " الانبهار " ، كما عند بروست ، في محاولة تقريب جمالية عبر وضيفة الشعر كمنبه ودالة استرخاء في الوقت ذاته.

ذلك البياض ، مجموعة شعرية لعبد الباقي فرج ، المجموعة الاولى التي يطلقها باسمه الصريح و يصدرها في مدينته الام / البصرة ، بعد ان اصدر مجموعتان شعريتان في دمشق بين عامي 1993 و 1995 وهما ( إزار ) و ( شرفات لا تطل على القلب ) بقناع اسمه ( مظفر حسين ). ففرج يكشف في ثرياه عن تحرره من عقدة التواري و يشير إلى ذاته الحقيقية في الكتابة. فتلك الذات التي تقنعت بمظفر حسين لا تمثل الا العالم الاحادي المغلق ، وما كتبت يعبر الا عن عقد حبيسة ارغمت الشاعر على البوح خارج مدار الزمن الاني / داخل الزمن المنكفئ في الذاكرة او في المتخيل . فمجموعة ( إزار ) التي اشتغلت على منطقة الذاكرة ومركب الحنين بقصيدة مموسقة مما اعطاها صفة البوح الارادي الذي يقول عنه فرويد بانه (( المعبر المعقد واللامعقد في الان نفسه )) ، من حيث ان فرج حاول قدر الامكان اشباع غربته المادية بالمتخيل الشعري الذاكراتي ، وفتح قناة مع ذاته تسمح له بالتعايش الايجابي دون الوقوع بفخ التوحد القاتل. لكن ذلك لايعني ان ما انتجه فرج كان خياراً ارادياً خالصاً او مسيطراً عليه ، بل ان دوافعه تتجذر إلى ما قبل ذلك بكثير إلى الرغبة الاولى بالتمرد و الشعور بالامان في الوقت نفسه. واعني بها المرحلة المشكلة للذات بعقدها و توهجاتها وهي الطفولة ، فدومينيك بافيز يقول في تحديد مبادئ السيرة النفسية (( العمل الادبي سر طفولة مبدعه )) ، لذا فإن ازار يمكن القول عنها انها مرحلة تطهير الذات عبر اعترافات خجولة وحنين واعي ، ساعدت على كشف الستارة – ( ستارة الذكريات ) كما عند يونغ - .
فحقيقة تلك الذكريات المختزنة ليست وقائعية بقدر ما هي نفسية. لان المعاش تحول إلى نص تكتبه الذاكرة ، لذا لايمكن تحليل ذكريات او استرجاعها الا عبر تحليل الشبكة النصية.

(( شرفات لا تطل على قلب )) المجموعة الثانية المنتمية إلى مظفر / فرج ، غادرت إلى حد مـا ، اشتغال ( إزار) ، واتجهت لكتابة القصيدة النثرية الحديثة ، والبحث عن الصور المركبة التي تصل مابين المعاش و المتخيل مكرسة وعياً يشتغل خارج الازمة و لا وعي يعيش الازمة. ومن حيث البناء الفني فأن ( شرفات... ) تقترب كثيراً من عالم ذلك البياض ، ان لم نقل بانها التمرين الشعري له.

في ذلك البياض ؛ التفعيلات الوزنية المنفلتة من نسق الشعر المنثور ، اضفت جواً طقوسياً ذاتياً ، وهذا ما نعتقد بانه المسار الشعري لفرج ، الذي راح يؤسس له ويغذيه منذ ( إزار ) كبنية اشتغال فني ، اما على صعيد تأثيث العوالم ، فيمكن القول بان هذه المجموعة هي خلاصة الذات الشعرية لفرج واسمى تمثل لها ، وان نزعت صورته نحو الشكلانية ، لكن صورة الشعر لديه تتمحور في مجالين هما : علاقته ككائن بالعالم ، و منطقة البراءة المتداخلة بينهما.
بعدا العلاقة هذه ، دالة يمكن ان نمؤشرها بحلم اليقظة المتصل بالاماكن والاسماء ، فالاماكن بساط ذهني متحول تجوس بها الاسماء عبر التماهي ، فنتج عن ذلك اصرة إطمئنان بين الكائن والمكان في اطار زمني يحقق بعديات إشتغالية. يقول فرج في نص زهرة الدنيا ( ذلك البياض / 34 ) :

" في الشام لم اعثر على قبر
ولا شبر إليك ... /
أمية زهرة الدنيا
تقول ... /
وهل بحارة كانوا ...
غزاة ...
"

في النص اغتراب و انكار ، وهما من نتاج اللاوعي المستقر في عقدة الحنين ، لذا فهو يحاول ان يسلب الاماكن الجديدة التي يرتادها والبديلة عن وطنه هويتها ، و يشكك بكينونتها ، عبر التشكيك في جذرها التاريخي على الاقل. يقول في نص اخر من الباب الاول من المجموعة وهو نص " البيت الجديد " ( ذلك البياض / 12 ) :

" مـا اوحش هذا البيت !
مـا اصغر هذا البيت !
مـا أضيق هذا البيت !
... أبيتك هذا ؟!
"

في سيمياء الثريا والغلاف
تنبض روحية اشتغال ذلك البياض بمتلازمة إدراكية ، تؤشر إلى إنتماء واعي إلى هوية مختارة بقصدية كامنة ، فنزوح فرج نحو دالة خارج المؤثر الموضوعي ، وحده كافياً ليعطي اشارة احتجاج وتأثيث واستباق حكم.
فـ (( ذلك البياض )) تحيل المتلقي أياً كان وصفه إلى القصدية التي ارادها فرج ، المعلومة الملامح والنوايا ، والتي ارادها ان تكون دالة سيميائية ليغسل وجهه الذي اتعبته اقنعة التواري القسري بماء الكشف – وهذا من حقه - ، الان إنه أحرق متوالية الاسئلة الدينامية التي تحيي روح التلقي والتأصر مع الاشتغال ، فلم تبقي ثريا المجموعة (( ذلك البياض )) وقصدية الشاعر للمتلقي سوى متعة إكتشاف ماهية البياض الذي حل به.
الاستئثار بالبياض مع اداة الاشارة ( ذلك ) ، كشف عن ايحاء بعدائية مكنونة ، للماحول ، بإضطراد وقلق ، نافياً نسبية الوجود وموجودية العوالم و وجوه التعرف على الاشياء والقيم ، فبوصلته – أي فرج – تؤدي مسكوتاتها ومعلناتها إلى نقاء استفردت بها منطقته وحده.
غلاف المجموعة المتشح بالبياض والمؤطر بلون رمادي نحو الخارج ، والمتموضع في وسط مساحة البياض تخطيط " إنعكاسي فرويدي " للفنان التشكيلي العراقي ( فيصل لعيبي ) ، كشف عن إوالة سايكلوجية ، في حمل الانسان لذاتين مشوبتين بالخير والشر عل حد سواء ، الوجه النصفي السومري والذي تجمله إبتسامة موناليزية طفيفة الاطمئنان ، نصفه الاخر ينسفه السواد الهرمي كأنعكاس لصورة السواد الذي يمسك على روح العالم ، قبالته رمز الشمس البابلية والمتخذة كشعار لجمهورية إنقلاب العسكر في العراق عام 1958 . فيما يبدو نصف الوجه ومثلث الهرم يخرجان من لجة بحر متلاطم.
دلالة نصف الوجه المنسوف سواداً ، القى بظلاله على ثرياً المجموعة ، بل استحالت إلى ترجمة حرفية للتخطيط ، وتساوق مع الفكرة ، وبذا صار للمتلقي - أياً كان - ، دلالتين مكشوفتين في إن المجموعة عبر ثرياها (( القولية – ذلك البياض )) و (( الشكلية – التخطيط )) تتجه نحو مدامة البياض ليس إلا ، أي ان الدلالة الشعورية هي دلالة تطمين وانزياح سايكلوجي في اعلان البراءة من كل السواد ، والسعي لأستعادة إنتماء ضائع.

وجه التخطيط السومري ، بالملامح المعتادة الجبين العريض العيون الواسعة والاذان الكبيرة و الحاجب الكبير المقوس ، كلها ذات دلالات ، وليس الصانع او المصور القديم جعل ذلك ضرباً من التجميل ، بل كانت تلك الصورة هي صورة الشخصية الجوانية في سلطويتها ، بأعتبار ان من يحكم ارض العراق او بابل يتوج ملكاً للجهات الاربعة أي العالم القديم بأصقاعه المعروفة آنذاك ، بأعتبار ان الإذن الكبيرة هي بوابة الاتصالات والاخبار وهي في حقيقتها ألاف الاذان المتناهية مع شساعة الإمبراطورية. والعين الكبيرة هي العين التي ترى كل شيء و لايخفى عليها شيء ، والحاجب المرفوع ، دلالة كبرياء الانسان / الاله.

في ذلك البياض القصيدة ، والتي توحي بأن لعيبي استنبط فكرته منها ، يفتتح القصيدة بمقطع من ملحمة كلكـامش العراقية يقول فرج / ص 54 :

" أحفاد سومر
أنصاف عراة
داهم البر مشاحيفهم ...
"

وكأن هجرة الماء ، هي هجرة روح النماء ، وتخليهم عن تعويذتهم المقدسة التي ألقاها بحلوقهم " زيوسدرا " حين فار تنور الطوفان الأول ، و التخطيط / القصيدة ، اشارتا بما لايقبل لبس إلى إن رحم الحضارة الولود أصيب بالعقم ، لان ماء الطوفان الأزلي الذي غمر اهوار العراق ألاف السنين غار إلى غير رجعة ومعه سر تعويذة الحضارة. فرمز الشمس الساطعة البابلية ذات الجذور الاكدية وشعار جمهورية العسكر في العراق ، هي اشارة إلى رغبة سرجون الاكدي في تجفيف الاهوار لتحجيم ثورات الدويلات السومرية ضده و والبابليين ايضا كانت لهم نفس الرغبة لقمع ما تبقى من المتمردين على حكم نبوخذ نصر ، وجمهورية العسكر المتوالية حققت هذا الحلم في تجفيف مهد التمرد العراقي. فالشمس الساطعة ساعدت على تجفيف الارض من الغائر وبشكل نهائي.
يقول فرج في نص ذلك البياض / 54 :

" فتياتنا
بوجوههن القمرية
هل يظفرن بعد الان
شعرهن / بالامنيات ،
يا حرائق القصب / جاموس الرب تنهشه الكلاب /
المشاحيف لا تطر بياضاً
"

والنصف الاخر من الوجه السومري المتوزع ما بين الانوثة والذكورة المغتصبة على الحد سواء ، المنهار كواجهة هرم مصري مكلل بالسواد ، يرسمه فرج على انه مطر اسود موظِفاً التسمية الشعبية العراقية لعرب الاهوار (( المعدان )) للتعبير عن المأساة التي حلت ، مطر حزن و مطر انتقام :

" يا معدان
ان حسراتكم المتصاعدة
ابوذيات
ستهمي مطراً اسود
ستهمي مطراً اسود
".

البصرة – دمشق – بيروت – كوبنهاكن
يسائل عبد الباقي فرج ، عن أي واحدة منهن ، كانت منفاه و هجوعه ، ومن منهن استطاعت ان تيقظ روح الشاعر فيه و اياهن سلبته لعبته الصغيرة المغامرة ، يقول بما يشبه السيرة ، بمقتبل بياضه / 4 :
أيهم كان المنفى ؟!
أفي تلك الارض التي حملت أجسادنا تربتها أينما حللنا؟.
أم تحت تلك السموات ، حيث نُثرنا فإتسعت رؤانا؟!.

المدن الاربع ، المحطات الاهم في تجربة فرج الشعرية ، فكل واحدة منهن خلفت حرائق في داخله انضجت الشاعر على نار مستعرة ، فهو وإن حاول التملص من زنزانة التعلق بكل واحدة منهن ، فهو يكشف اسراره رويداً رويداً عبر ذلك البياض ، يقول في نص يتيم وخارج نصوص المجموعة :

" سأغري ذاكرتي
بفواجع أقل
وعيوني
بتصفح الغبار
".

في البصرة التي غادرها فاراً سياسياً إلى طهران ومن ثم إلى دمشق ، خلف ورائه جرحه الكبير ، الذي توفي في ما بعد فأندلع البوح فاضحاً ، وهو اخوه (( جبار )) السياسي و الفار ايضاً ، فأعترت كما قلنا بين فرج والاماكن الجديد علاقة باردة سيما وان مدينته الام اقسى من مدينته بالجنسية الا إنها الزنزانة الاولى التي اطلقت سراحه ، فيقول في قصيدة مهداة إلى جبار فرج / 11 :

" في ظل صديق
في شارع
في ضوء قصائد أحببت /
... تومئ
مختلفاً !
وتشير إلى كوبنهاكن
بثياب من ثلج :
لو نذهب للعشار *
" .

فالتقاطع الذي هيمن على جوهر الانتماء بين فرج و بين مدينته الاولى ومدينته الاخيرة ، لا يعد سوى اختزالاً لكل الطرق التي قادته إلى متاهة انتماء وجودي بالمعنى الهايدجري ، لذا المكان لديه خال من أي قيمة لولا لذة الذكريات التي يختزنها رأسه المثقل بأسماء الشوارع التي طاف بها بحثاً عن زنزانة يوصد بابها عليه بمشيئته دون ندم ، وهذا ما لمسناه في علاقته الاكثر حميمية ببيروت ودمشق.
ظاهراتية ميرلو بونتي ترى ان لايمكن فهم الإنسان وعلاقته بالعالم من حوله إلا إنطلاقاً من وجودهما العرضي ، فهل كان فرج يخطط الإقامة في دمشق والدفاع عن بيروت زمن الاجتياح الاسرائيلي ، و الهجرة إلى كوبنهاكن ، أم إن الوجود العرضي له في تلك الأماكن وبشكل لا محسوس جعلته ينقاد إلى ذلك.

بالطبع يمكن القول – وهذا يتعدى فرج إلى الكثير من تجارب المبدعين – إن الاطمئنان " الحسي " حينما يحرك الذات لا يقل خطورة عن قصدية العقل في الفعل. فأن الاطمئنان الحسي هو حركة الذات في (( الوجود – في – العالم )) ، حسب ستاروبنسكي. و أود الإشارة هنا إلى انفرج غادر البصرة وعاد إليها بنفس التاريخ لكن بعد أربعة وعشرين عاماً.

دمشق و بيروت ، كلاهما أثثتا روح فرج الشعرية ، الاولى كانت بوابة للثانية ، والثانية كانت الفتيل الذي احرق كل سفن رومانسية الإيدلوجيا ، وابقته على قيد الشعر المتحرر من صرامة الدوغما ، وعلى الرغم من ان ذلك البياض ، لم تشر الى بيروت ، الا ان الاجواء الدافئة و الحميمية في نص ( اميرة الليل ) يحيلنا بقوة الى بيروت المتجسدة كأنوثة عربية تحترق لضياع الذكورة العربية من فرط هزائمها : ص98 :

" أنا ليلكِ
سأجدل الحكايات
ضفيرة لنجمك /
سأفتح لك
كل خزائني
كل مساماتي
".

ولعل الشاهد الوحيد على هذه العلائق السرية مع المدن المؤنثنة ، هي الخطوط والنياسم / المسماة بالحدود ، والتي هي في حقيقتها القابلة السرية على ولادات الهاربين من أوطانهم ألام القاتلة إلى أوطانهم المستعارة التؤمن لهم الحياة ، ومن يشهد على هذه الولادات حتماً حرس الحدود ، فيستحيلوا الى اباء شرعيين اخرين للفارين ضمناً لوهبهم الفرار : حرس الحدود /32 :

" كنت تركض
زهرة برية بيضاء /
خلفك / دهر من جفاف / .../
وخلفك الان / أباؤنا .. أباؤنا ، حرس الحدود
" .

وذاتها الحدود ايضاً ، كالقطة الاكلة لابنائها ، لاترعوي ، حتى وتطرد اللاجئين لها في نوبة هجرة محمومة ، كتبت على الذين قدر لهم الا يكونوا مواطنون شرعيون في بلدانهم الشرعية ، فيستبدلوها كأمنية ( ماغوطية ) بأوطان اخرى ، كنساء الليل في المباغي : قصيدة حب / 31 :

" ليس لي
سوى زهرتين
زهرة للوطن
واخرى لمنفى لم يضق كالوطن
".

فالرفض ( الماغوطي ) للأوطان المستبيحة لأبنائها ، صار جنوناً و هوساً وسلوكاً ، يعبر عن الرفض و خياراً فعالاً في الضحك على ذقن السلطة ، وان كان ضحكاً كالبكاء : جنون / 28 :

" عند الحدود /
قلت لي :
من اجل ماذا كل هذا الجنون ؟.
صديقي ...
ربما لم اعي ما ذهبت اليه
لكنني
ما زلت عند الحدود اردد :
من اجل ماذا كل هذا الجنون ؟
".

Face Off
الاقنعة ، حلول يقوده الوعي للخلاص من السلطة ، الا ان ذلك لايعني بأنها حيلة تنعكس احياناً ، فبدل ان تحافظ على وجهك الاول البريء ، تجدك منغمساً في اقنعتك ، ماسخاً وجهك حد الفقدان.

عبد الباقي فرج / مظفر حسين : الذات و قناعها ، الكائن و صورته المستعارة ، فالحلول هنا ليس تماهياً بقدر ما هو قناع يتوارى خلفه الكائن الخائف لبرهة ، يرفعه ليستعيد رجولته المسلوبة سلطوياً ، فالاخصاء بعيدا عن التفسير الجنسي الهوامي ، يتمثل بقوة في الاسماء المستعارة ، التي يلاحظ على انها تبدو اشد صرامة من الاسماء الحقيقية كمحاولة لاستعادة رجولة مفقودة او انوثة مغتصبة.
فالتركيب الهوامي لا يقتصر على الممارسة الحسية ، بل يتعداه الى فعاليات منها الفعالية النصية في الكتابة ، كجبهة مواجهة مع السلطوي بقناع يضمن له التحرك دون الخوف على القناع من القتل ، كونه يستعد دوماً لصنع قناعه الاكثر شجاعة والاقدر على الانتصار.

فرج كتب عن قناعه مظفر حسين في نص الاصدقاء / 25 ، محاولاً التقليل من دور مظفر / القناع بعد استعادة الرجولة الكاملة دون برقع ، وتصوير الحالة على انها نوبة صداقة بين كائنين اسديا لبعضهما خدمة ، ينفلت إزارها دون اكتراث.

" ربع قرن وانت تلازمني
بينما اغادرك الان
محتفياً بالرحيل
يا صديقي مظفر
" .

شعرية فرج
الجملة الشعرية في ذلك البياض ، تحاول قدر استطاعتها ان تهب نفسها للمتلقي ، وان تنفلت من عقدة ملكية الشاعر ، لتحل في ملكية الاخر ، في تركيب جملي متداول لا يحمل قوة الشعر بقدر ما يحمل جلال الشعر ، ففرج يوظف المفردات المتداولة و التراكيب الطيعة دون ان يحاول الاختراق حاجز البلاغة ، فنصه الشعري ، نص معولم ، يساير السرعة ويناغم الموضة ، ولا يغفل وظيفة الشعر المشككة.

فالنص يتحرك في فضاء كبير بجسد ضئيل من المفردات المرصوفة صوراً قلقة ، تتماهى مع ذاتيتها ، وتنتمي لعوالمها المشخصنة ، ولعل ذلك جعل من نص فرج الشعري ، نص يهب شعريته لشعرية التلقي و تحسسها للتشكيل المفردي و الشعري.

البصرة
4/3/2007

 * العشار: عاصمة مدينة البصرة ومركزها الاقتصادي و الاداري ، ويمثل فردوس الحكاوي التراثية البصرية المتبخترة بفكلور الخشابة و الشناشيل و الانهر الجميلة و الحواري الحالمة والحانات و ممالك الوجوه المضيئة ، مقام الامير ، في زمن ما ، ولم يتبق الان منه سوى اسم شائخ لا يعني لغرباء استوطنوا البصرة شيء.