الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأحد 27/9/ 2009

 

 برتولد برشت ألأخراج والتمثيل والمسرح الديالكتيكي

سلام الاعرجي *

الآن يجب علينا اعادة قراءة برتولد برشت , لأنه أحد الركائز المؤصلة للتجربة المسرحية العالمية , ولانه التراكم المبدع والعصي والمقاوم ولانه المنسجم وروح العصر- رولان بارت - ونزعم أن هذا المقال اسهامة منا في اعادة قراءة برشت ولكن بعيدا عن دواليب الثقافة الستالينية والنسخة الامريكية الصادرة عن دار مكارثي للترهيب والتعذيب بل كما كان برشت نفسه يود ان يقرء منظرا واديبا وفنانا ماركسيا .

الاخراج هو البحث عن المعنى المتوفر على رؤية اخراجية تحددمسؤلية المخرج من المجتمع . والمنجز الدرامي عموما الموروث منه والمعاصر ليس سوي وثيقة تاريخية تعبر عن ظرفها الذاتي والموضوعي , فهو - النص - مادته الاولية القابلة للصياغة المعاصرة بعيدا عن اسلوبيتها وبنائها الفكري أن النص بالنسبة لبرشت المخرج وثيقة تاريخية اوكما يقول في محاورات المسنكاوف : بيان لكن قابل لعدة ترجمات . ان النص غير قادر على ايصال الفكرة بمفرداته فقط الا ان الاخراج يعني اكتشاف فكرة داخل بنية النص ثم السعي الى ايجاد منهجية سردية تصادر مرتكزات النص المتمثلة في دائرة العلاقات : اسلوبية المؤلف , فنه , فكره , عصره , ثقافته , لغة النص ايظا . أن قراءة النص وفق تلك المسميات يعني اعادة صياغة له تستند الى قاعدة الاحلال , أي تبادلية نظم علامية او شفراتية تشكل لاحقا في خطاب العرض بنيته الكيفية , كالفيلم والوثيقة والايماءة وعلامية جسد الممثل فضلا عن معمار المسرح لذلك يخضع النص كذلك نصوصه للحذف والاضافة والتقديم والتاخير , وطالما وجد نصوصه مغتربة عنه حيث يستعيد ملكيتها بمشاعية التعامل أو كما يقول ( فردريك آوين في كتابه برشت , فكره , فنه , عصره ) ان برشت يعيد صياغة مسرحياته كمخرج من جديد . والاخراج كما الكتابة مشهدية لاتعنى بالنتيجة ليحول دون تسرب المعنى النهائي وليجعل الخطاب المسرحي قابل لتعددية قرائية . ان النص كما خطاب العرض المسرحي مؤمم عند برشت ومصادر ملكيته الشخصية مشاعية انتاجية , وذلك من خلال اشاعة الروح الجماعية وتحرير ابداع الممثل وتحريره ايظا من قسرية العلاقة بديكتاتور خطاب العرض ( المخرج ) ليصبح بعد ذلك مصدر بث علامي الا انه واع وخبير ومثقف ومختص ومدرك حتما لأزمات عصره , لذلك سيكون عارضا وراوية ومعلق وشاهد على الشخصية بل هو موضفا امام عدة خيارات كما يقول برشت في اركانونه الصغير . ولما كان الوعي قيمة التقييس العيارية لقدرات الممثل فحتمية الدمج والتزاوج بين مستويات متباينة من الممثلين كخبرات وثقافات تؤدي الى التجديد والتثوير والتطوير , وتاتي قدرات المخرج في التنظير والتفسير والتاويل والتحليل المنسجم وغائية خطابية أهم , الوظيفة الاجتماعية , غائية تسقط جميع الحسابات لصالحها وتدعم اداء الممثل وتنهار الكثير من المفاهيم ازائها كالنجومية ومفهوم الممثل حامل العرض بل حتي التطابق الشكلي بين البعدين التشريحيين للممثل والشخصية ليسا بذي بال . وامعانا في اطلاق قدرات الممثل , لايقسر برشت ممثله على حركة او ايماءة او يحدد قدراته التعبيرية الا باتجاه يشكل قيمة عيارية مؤسسة للأسلوبية مادية : البحث في المستوى الاسلوبي للنص , سمعية / بصرية : تشيع الفكرة وتؤكد دور الاخراج غير المعني في بنية النص والمصادر لها على حساب أنتاجية معنياتية متعددة تنتجها العديد من الانساق والنظم العلامية في خطاب العرض ان مثل هذا ألأسلوب القرائي بحاجة الى تقنيات تنسجم معه وتحقق قصديته وتتوزع خريطة خطاب العرض البرشتي كما يأتي .
1 - تقنيات الممثل ذات الاثر التغريبي
2 - تقنيات مؤسسات الفضاء المسرحي ذات اللثر التغريبي
3- الموجودات المادية الاخرى المؤسسة للفضاء المسرحي ذات الاثر التغريبي .
الممثل عند برشت عنصر مادي وحامل علامي بل هو دال حسي يبث مادته الجمالية التي تؤثر في المتلقي , الذي يشكل له الوجود العلامي الثاني - المدلول - وهو المفهوم العقلاني او الجمالي , اي ان الدال ( البرشتي ) جسد الممثل يمتاز بكونه دالا علاميا متحركا يقترب من مفهوم النسق أكثر من العلامة الواحدة يتوزع دلاليا على مستويات خطابية عدة , السمعية , البصرية , الحركية , التي تتوحد على اساس التناقض ولاتتوحد على اساس ان نص العرض علامة كبرى او مكرو علامة يتشكل معناها من تاثيرها الكلي كما يعتقد كير ايلام في كتابه العلامات في المسرح . ان ثمة تبادلية لأنظمة العلامات او الاشارات تنتج وحدات دلالية حتما لايمكن ان تتوفر على مرجع جمعي , لأن مرجعياتها التاسيسية او المنتجة متعددة المصادر فهي لاتسعى الى تسخير كافة قنوات الاتصال لأنتاج مركب جمالي أو أدراكي يقرء من خلاله نص موحد بما يتفق مع الكودات المسرحية والدرامية التي في حوزته كما يعتقد كير ايلام ايظا , وابتعاد من برشت عن قسرية أو أحادية قرائية أستلابية الاثر عند المتلقي حال دون تحقيق محاكاة المتلقي للشخصية عبر ومن خلال الممثل كي لايستعير وعي الشخصية للنفاذ الى ماهية الحدث ويعيش حالة الابعاد الذهني . ان المحاكاة البرشتية استنساخ للطباع المؤدية الى انتاج الحدث الا انها تشكل معارف عملية مضافة تمكن المتلقي من اطلاق احكامه على الحدث جراء العلاقة التبادلية القائمة على اساس النقد والتحليل بين المتلقي والشخصية وبوسائل فنية تؤكد عبر خطاب العرض أن سلوك وفعل الشخصية أحتمال واحد وخيار واحد من بين عدة احتمالات وخيارات . الممثل شاهد على الشخصية , الممثل / أنا / برؤيتين , رؤياه هو والشخصية وكلاهما ينتميان الى أزمنة متعددة متناقضة . الممثل يستعير من الشخصية صوتها , مشاعرها , افعالها آرائها , حتى يبدو يعرف النهاية منذ البداية وأثناء الاداء ايظا كما ورد ذلك في الاركانون الصغير في المسرح لبرتولد برشت . ان خطاب الممثل يتوفر على صوتين يحيلان الى سياقين في النطق , الحاضر والماضي , فأذا كان خطاب الثاني هو الخطاب المؤل , فهو قادر على توجيه الخطاب الاول - النص - اي خطاب المؤلف , دلاليا ليكون كلاهما خارجا عن بعضه , فتتاح للمتلقي فرصة اعادة أنتاج الخطاب بتاويل جديد لايركن الى ذلك الخطاب بقدر ما يسعى الى تأسيس معنى تدعمه تناقضية الخطابين وعمق وعي المؤول الاول للخطاب , أن تصادم نبرتي الخطابين - النص / العرض , الممثل , يحقق الابعاد , ان منطق السرد المتحرر زمنيا والمتحرك على خطاطة آنية لايمكن ان ينسجم ومنطق التجسيد المتحرك داخل حدود (آن) قسرا والتصدر احد اهم عناصر برشت الابعادية التغريبية أذ عادة ما يلجأ الى عنونة مشاهد خطاب العرض بجملة , بيت شعر , فاصل موسيقي , بواسطة الممثل أو الموجودات المادية المؤسسة لفضاء خطاب العرض مقاطعا بها الحدث وتناميه بعد ان يجرده من مألوفيته ويبعده عن وظيفته المقننة , اي تغريب الاداء الدلالي . ومن عناصر تغريب سلوك الشخصية ايظا الرقص فهو حركة تعبر عن الواقع بصيغ نسبية تغادر المنطق الحركي المألوف . أن ايقاع ممثله هاديء بارد لكنه لايخلو من القلق والتوتر , فعمليات التفكير تحتاج مثلا الى سرعة ايقاع مختلفة كليا عن عمليات الشعور ويرى برشت - على العكس من ستانسلافسكي - ان معمار المسرح المؤسس لبيئة معاشة لايمكن ان ينسجم وطبيعة قرائته فالمعمار بوحدتيه غير ثابت وخاضع لأعتبارات كثيرة , ان يتوفر على مشاهدة واضحة ومراقبة للمتلقي الجار لقراءة ردود افعاله. أن حتمية اللاثبات تعني ان العالم يتغير وفق قوانين لم تكتشف بعد بصورة نهائية , فالمكان وسط جمالي مستقل عن باقي الاوساط الجمالية يتحرك على وفق علاقة تبادلية بين الممثلين والموجود المادي على المسرح وان يعبر عن المادة المروية بشكل تصويري ويعكسها باسلوب متطور جدا -كما ورد في دراسة , كارل فون آبن برشت : العلاقة بين فن التصوير والديكور المسرحي - وان يكشف عن سمات العمليلت الاجتماعية بدلالاتها التاريخية اي ان يشهد تصوير المكان تكثيفا علاميا يؤرخ الحدث بيئيا ليؤكد دور وفاعلية الانسان في الطبيعة كي يبدو معها العمل والنشاط الانساني الحياتي عملا مدركا واعيا وليس عملا آليا. انه يكشف عن علاقة المنتج بالانتاج في ظل ظرفها الخاص وهي ولا شك علاقة مغتربة . ومن حتميات أنجاز المكان قدرته على تهيئة خلق وحدة متناقضات مستمرة مع الدلالات المادية المكانية من خلال العلامات المبثوثة من قبل جسد الممثل وهذا ما يؤكد قدرة الموجود المادي المؤسس للمكان على التعليق على الحدث ويرفع اغترابه فكل مكون جمالي سيبدو محتفظا بقدرته على التعليق واستقلاليته الذاتية على المكونات الاخرى من خلال فرضه لكوداته الفرعية في أطار الكودات الضابطة وسيكون في تناقض معها لأستثارة التفكير . المكان مؤسس بنائي في خطاب العرض الا ان التكثيف العلامي للمكان امتلك قدرة رؤية توقعية في آن مستقبلي من خلال , الشاشة , الفيلم , اليافطة التي كان لها اثر الهامش التوضيحي في كتاب , وهي تتخذ من الحدث موقفا بين المذكر والمستشهد او المهيء للحدث اللاحق . اما الموسيقى فهي دال تضامني ملتصق معنياتيا بخطاب العرض ليشكل جزءا بنائيا في علامته الكبري , ولا نعني بالالتصاق سمة التابع او الطفيلي بل الازدواجية الدلالية على الرغم من الثبات . الموسيقى تؤسس معنى حسيا منسجما والموقف ومعلق عليه او ربما معمق له . واعتمادا على نظامها العامل على محورين , محور التزامن ومحور التتابع , يكرر برشت المقطوعة ذاتها الا انها لاتشكل هذه المرة حالة منسجمة بقدر ما ستكون حالة متناقضة جدلية مع الموقف اي انها بشكل عام تخلق مزاجا مناقضا للصورة التي تعرض لتدعم الايماءة النقيض / وتعترض طريق الحدث / فهي تعمل على أظهار المعنى الباطني الاجتماعي لمجمل علاقات الحدث .


* أستاذ مساعد دكتور .
أستاذ فلسفة الفن في كلية الاداب جامعة الكوفة
أستاذ الاخراج المسرحي في الفنون الجميلة جامعة بابل
سكرتير رابطة بابل للفنانين والكتاب /هولندا

 



 

free web counter