الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 24/8/ 2009

 

عن المعري. ذلك الشاعر الأعمى البصير
(2)

محيي هادي- اسبانيا
muhyee_960@hotmail.com

لقد فهم المعري الدين الاسلامي بطريقته الخاصة لا الطريقة التي يجبرون الناس على الاقتداء بها، بالإرهاب و تخويف الناس من عذاب النار و من تعريض رقابهم لسيوف رجال الدين و مرتزقته. و كان ينصح الناس إلى استعمال عقولهم عند الاعتقاد بالدين و عدم تضييعها في خرافاته و أساطيره.

و إذ نحن الآن في الأيام الأولى من شهر رمضان، و به أقدم التهاني إلى كل من يقوم بفريضة الصيام مختارا لا مجبورا أو خائفا من عذاب ما و لا منتظرا هدية ما على صيامه، أنقل بيت شعر للمعري عن هذا الشهر:

وَصُم رَمَضانَ مُختاراً مُطيعاً............إِذِ الأَقدامُ مِن قَيظٍ رَمِضنَه

و صوم رمضان هو مثل لبقايا أديان قديمة، قبل الاسلام، لا زالت تجري في كيان الدين الاسلامي، تؤكد ببقائها انتصارها عليه:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ....."

و إذا كان اسم رمضان مشتقا من الرمض: الحر، او الصيام في الحر، فإن المسلمين، باعتمادهم على التقويم الشهري القمري، نجدهم يصومون هذا الشهر في الصيف أو الخريف أو الشتاء أو الربيع.

و مهما كان الفصل الذي يقع فيه هذا الشهر فإننا نجد المسلمين أكثر كسلا مما عليه دائما. إن كل المعاملات الرسمية و كل الأعمال تتوقف في هذا الشهر و يصيب الشلل كل مكونات المجتمعات الاسلامية. و بهذا فإننا نستطيع أن نسمي هذا الشهر:
* شهر الكسل!!
* أو شهر النوم في الصباح
* أو شهر السهر في الليل.

و كذلك نجد التجار المسلمين أكثر جشعا حيث ترتفع أسعار المواد الغذائية الاساسية و نجد المسلمين كذلك أكثر نهما للطعام.
إلا أننا نجد أيضا من يستغل هذا الشهر ليكون أكثر إنسانية و عطفا على الفقراء و المحتاجين، و أكثر دعاء و صلاة ليكون أكثر قربا لله.

**
موقف أبي العلاء المعري من حج مكة:
لا يخفي على أحد ما لحج كعبة مكة من دور أساسي في عقيدة المسلمين إذ يعتبر الحج واحدا من أركان الإيمان بالاسلام. و إذا كانت الآية القرآنية تذكر: "و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" فإن أمنية المسلمين جميعهم، فقيرهم و غنيهم، الذي يستطيع و الذي لا يستطيع، هي أداء هذا الحج الذي يعتبرونه فريضة واجبة في أعناقهم مطلوبين بها إلى الله. لا بل أن هناك من يدفع أجور السفر و النفقات عن آخرين ليساعدوهم على الذهاب للحج. و بعض من هؤلاء الدافعين يقومون بهذا العمل مرضاة لله و إقناعا لأنفسهم بأنهم يقومون بعمل الخير و به سيحصلون على الجنة کثواب لهم على عملهم، و هناك بعض أخر يستعملون الحجاج الفقراء كواسطة لتجارة لهم. و معروف المثل العراقي القائل: "هم زيارة و هم تجارة ".
كما و أن هناك ورثة يدفعون لآخرين عوضا عن وارثهم المتوفي الذي لم يقوم بالحج حيا، فيقومون بالحج بدلا عنه ميتا.
كما و أن هناك من العامة من يعتقد أن الذاهب إلى الحج سيرجع إلى بلده جيدا، بعد أن يغفر الله سوء أعماله و ذونبه و يعيده إلى الطريق القويم المستقيم. لكن الكثير من هؤلاء الحجاج يرجع إلى بلده بعد أن يزداد شرا و سوءا و أذى، حتى قال به المثل:

حج الجمل و البرذعة..... راح بذنب جا بأربعه

إن الكعبة هي حجة دامغة أخرى ضد المسلمين ، حيث يؤكد "بناؤها" وجود بقايا من أبنية الأديان القديمة و هي مقدسة جدا في دينهم، فالكعبة و حجها، هي انتصار آخر من انتصارات الأديان القديمة على الاسلام و هي لازالت باقية تذكر الناس بما كانت عليه الكعبة سابقا، قبل بزوغ الاسلام. هذا من جهة و من جهة أخرى فالكعبة تمثل ما قام النبي محمد من استثمار مكة و كعبتها لصالح أهلها، أهله. فإذا كانت مكة قبل الاسلام تجلب أنظار العرب، و تجمعهم فيها لتبادل البضائع و النساء، فإنها اليوم تجلب أنظار المسلمين من غير العرب أيضا. و إذا كانت مكة سابقا سوقا تجاريا لقبائل العرب فإنها اليوم قد أصبحت سوقا تجارية لكل الحجاج المسلمين من العرب و غير العرب. و بهذا فإن سكان مكة كانوا يربحون بتجارتهم قبل الاسلام و استمروا يربحون بها بعد دخول الاسلام عليهم و اعتناقهم له ، و إلى يومنا هذا.

لم يحج المعري مكة، على الرغم من كونه مسلما يعبد الله:

وأعبد الله لا أرجو مثوبتــــه...... لكن تعبد إكرامٍ وإجلال
أصون ديني عن جعلٍ أؤمله.......إذا تعبد أقوامٌ بأجعال

فالمعري لم يكن يعبد الله لأجل هدية وعده الله بها يأخذها منه بعدئذ، كما يأمل المسلمون بحجهم، و هم يتشوقون دخول الجنة حيث تنتظرهم أذرعة حورها و يخدمهم بكل شوق ولدانها المخلدون. و في هذا نقرأ في القرآن:

* "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى".
* "إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ"
* "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ"
* " وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ"
* " وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا"

لقد ذكر المعري السبب في عدم حجه للكعبة بأبيات من شعره:

و ما حجي إلى أحجار بيت ...........كؤوس الخمر تشرب في ثراها

و قرأت هذا البيت بالشكل التالي أيضا:

وَما سَيري إِلى أَحجارِ بَيتٍ...........كُؤوسُ الخَمرِ تُشرَبُ في ذَراها

و يعطي المعري سببا آخرا في عدم أدائه فريضة الحج الاسلامية فيقول :

ما حج جدي ولم يحجج أبي وأخي.....ولا ابن عمي ولم يعرف مُنى خالي
وحج عنهم قضاءً بعدما ارتحلـوا......قومٌ سيقضون عني بعـــــد ترحالي
فإن يفوزوا بغفرانٍ أفز معــهم......أو لا فإني بنارٍ مثلـــــــــــهم صال

و عندما يذكر النار، فإن المعري له ثقة في أن هناك خالق يحمل عنه ثقيل العذاب:

إِن أَدخُلِ النارَ فَلي خالِقٌ........... يَحمِلُ عَنّي مُثقَلاتِ العَذاب
يَقدِرُ أَن يُسكِنَني رَوضَةً...........فيها تَرامى بِالمِياهِ العِذاب

و لم يقتصر المعري على عدم الحج و منعه على نفسه بل أنه طالب الإناث أيضا ، ثيبا و عذارى، بعدم الحج و أعطى لذلك سببا، هو خوفه من أن يتحرشوا بهن، بقوله:

أَقيمي لا أَعَـــدُّ الحَجَّ فَرضــاً........ عَلى عُجُزِ النِساءِ وَلا العَذارى
فَفي بَطحـــــاءِ مَكَّةَ سِرُّ قَـومٍ ........ وَلَيسوا بِالحُماةِ وَلا الغَيارى
وَإِنَّ رِجالَ شَيبَـــــةَ سادِنيـها...........إِذا راحَت لِكَعبَتِها الجِمارا
قِيامٌ يَدفَعونَ الوَفدَ شَفعـــــــاً............إِلى البَيتِ الحَرامِ وَهُم سُكارى
إِذا أَخَذوا الزَوائِفَ أَولَــوهُم............وَلَو كانوا اليَهودَ أَو النَصارى
مَتى آداكِ خَيـــــــرٌ فَاِفعَليـهِ............ وَقولي إِن دَعاكِ البِرُّ آرا

و كأن المعري كان يتنبأ برجال شيبة الحجازيين القدامى بما سيقوم به بعدئذ حامي الحرمين و حاشيته، الذين تعرفهم جيدا كازينوات مدن أوربا و ملاهيها.

و عن كيفية حصول قصي، الجد الأعلى للنبي محمد، على مفتاح الكعبة، كتب (ابن الجوزي) في (أخبار الحمقى و المغفلين): "أن أبا غبشان وهو من خزاعة كان يلي الكعبة، فاجتمع مع قصي بن كلاب بالطائف على الشرب، فلما سكر اشترى (!!) منه قصي ولاية البيت بزق خمر، وأخذ منه مفاتيحه وسار بها إلى مكة، وقال: يا معشر قريش هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل، ردها الله عليكم من غير غدر (!!) ولا ظلم.

و في هذا قال أحدهم :

باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت........ بزق خمرٍ فبئست صفقة البادي
باعت سدانتها بالخمر وانقرضت..........عن المقام وضل البيت والنادي

ثم جاءت خزاعة فغالبوا قصياً فغلبهم."

و في الوقت الذي أعطي المعري السبب في عدم حج الكعبة، التي يعتبرها المسلمون: بيت الله، فإنه ينبه الناس على عدم طهر و نبل سدنة الكعبة، فيقول:

وَظَنّوا الطُهرَ مُتَّصِلاً بِقَومٍ........وَأُقسِمُ أَنَّهُم غَيرُ الطَهارى

و له:

قَد يُسَمِّيَ الفَتى الجَبانَ أَبوهُ.........أَسَداً وَهوَ مِن خِساسِ الكِلابِ

و كأن المعري، بالبيتين السابقين من الشعر، أراد أن ينبه المسلمين بشكل عام بأن بين قريش التي يمجدها و يعظمها المسلمون العرب و العجم، أناس غير طاهرين، و يحذر العراقيين بشكل خاص من الذين ينعتنونهم بـ "السادة"، و بشكل أخص الشيعة العراقيين. هؤلاء الشيعة الذين يقدمون طاعة و تقديسا لا حدود لهما لكل من يقول عن نفسه بأنه من "السادة" و بأنه من أحفاد النبي محمد. و بقولهم هذا يريد "السادة" أن يقولوا للآخرين: "إنكم أنتم العبيد، و نحن السادة أربابكم".

لقد قال المعري بيت شعره:

قَد أَسرَفَ الإِنسُ في الدَعوى بِجَهلِهِمُ........ حَتّى اِدَّعوا أَنَّهُم لِلخَلقِ أَربابُ

لقد أسرف "السادة" مستغلين سذاجة الناس البسطاء و جهلهم. فهل أصبح هؤلاء "السادة" "أربابا" للخلق؟

إن العقدة الدونية التي يشعر بها بعض المسلمين الشيعة، و خاصة القرويين منهم، باتجاه من سموا أنفسهم بـ "السادة"، قد عوّد هؤلاء، و كما كتب (عبود الشالجي) في (الكنايات البغدادية) أن يترفعوا و يتكبروا و ينزعجوا من العامة "العبيد!!!" من أهون الأمور، و تعتريهم الحدة لأوهى الاسباب. و كان ذلك مثارا لتعليقات سكان المدن العراقيين عليهم، و التنادر بشأنهم. و شاع عنهم المثل القائل:
"سيد بلا جنون، مثل العنز بدون قرون".

و طلب مني أحد الأصدقاء أنه إذا رأيت "سيداً" عاقلاً أقدم له، عوضا عنه، تحياته و سلامه.

و ذكر (الشالجي) طريفة عن أحد هؤلاء "السادة" الذي أدخل إلى بيته قحبة، فلما أرادها، قالت: الدراهم، قال: دعي عنك هذا. ويحك مع قرابتي من رسول الله! قالت: دعك هذا عنك، عليك بقحاب قم، هذا لا ينفق على قحاب بغداد".
و قص عليَّ أحدهم عن شخص يسكن مدينة قم الإيرانية يلبس الملابس الغربية –بنطلون و قميص- في الصباح و في المساء يلبس العمامة السوداء. و عندما سألوه عن سر ذلك، أجابهم: إن هذا اللباس بالعمامة هو أحد أهم وسائل صيد النساء، فبه يكون أبسط الحصول على امرأة تقبل المتعة.
و المتعة هو أحد أنواع النكاح الذي يسمونه البعض بـ (الزواج المؤقت). و كان هذا النوع من "النكاح- الزواج" مسموح به في بدايات تاريخ الاسلام، و لا زال يعمل به بعض المسلمين و يرفضه أخرون. إلاّ أن هناك، من بين هؤلاء الذين يرفضون زواج المتعة، قد اخترعوا أنواعا أخرى من الزواج: كزواج السياحة و زواج الفريند، إضافة إلى زواج المسيار او الاستقعاد الذي كان موجودا عندهم سابقا.

إن تأثير "السادة" على البسطاء الإيرانيين أكثر بكثير من تأثيرهم على العراقيين، و لا يعني هذا بأنهم لا يؤثرون على العراقيين أيضا. إذ كان رؤساء القبائل في العراق يستحوذون على أراض زراعية عظيمة المساحة، يزرعها، أو يرعاها، أفراد القبيلة. و كانت المجاورة بين القبيلتين تؤدي إلى منازعات حول الري و الحرث، فكان الرؤساء يمنحون "السيد" "خيطا" يجعلونه ما بينهم، ليحول "خيط السيد" دون احتكاك أفراد القبيلتين و يمنع المنازعات. و الخيط كما يدل عليه اسمه شطر دقيق من الأرض يكون حدا بين القبيلتين، و كان هذا الخيط يصبح بعد سنوات حبلا، ثم يزداد عرضا في كل سنة، هبة أو "شراء!!!!!" حتى تزيد مساحته في كثير من الأحيان على مساحة الأرض الأولى.

إن هناك مثل في اللغة الأسبانية يستعمل في مثل هذه الحالة: حالة السيطرة المستمرة على أموال الغير تحت يافطة التستر بالدين و بالانتساب إلى رجاله، و المثل هو: " مسمار الكاهن" . و "مسمار الكاهن" يعطي نفس ما يعنيه المثل العراقي: "بسمار حجا" أو "خيط السيد".

إن شغلة "السادة" شغلة مربحة جدا. و عند ذكري للشغلة المربحة أكتب هذه القصة التي سردها أحد الذين أكملوا دراسة الدكتوراه في أسبانيا، و هو يفتخر بها. فهو يحكي بأنه عندما كان في العراق و عند حاجته للمال يلبس عمامته و يذهب إلى أحد الصحون (الصحن هو المكان الذي يحيط القبر الذي يدفن به أحد الأئمة أو أحد أقربائه أو أحد أصحابه)، و عندما يبصر زائرا و بيده خروفا يريد أن ينذره إلى الإمام أو الشخص المدفون في القبر المعني يسرع إليه و يأخذه بقوة منه و يقول له: لقد وصل نذرك إلى جدي (أي المدفون). بعدها يخرج من باب أخرى للصحن و يبيعه و يأخذ النقود و يضعها في جيبه. و سأله أحد الذين سمعوا قصة الدكتور: عندما تعود للعراق هل ستعيد هذه الشغلة. أجابه: و لم لا؟!، إنه حق جدي. ....و جده هو جيبه!!!
و جده هو النبي، و هو الحسين، و هو العباس، و هو الحر، و هو ، وهو......

لقد كان المعري أبي النفس، قنوع بما يملك، و لم يطلب أكثر من حقه. فقد كتب ابن العديم: أن المستنصر صاحب مصر بذل لأبي العلاء المعري ما ببيت المال بالمعرة من الحلال فلم يقبل منه شيئاً وقال:

لا أطلب الأرزاق والـــــــ.......مولى يفيض عليّ رزقي
إن أعط بعض القوت أعــ........لم أن ذلك فوق حقـــــي


22/08/2009

يتبع


 

¤ عن المعري. ذلك الشاعر الأعمى البصير (1)


 

free web counter