الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

السبت 23/7/ 2010

 

بيدر البصري من اوركسترا ( بروميناد ) في لاهاي الى ملعب برشلونة

د. سلام الاعرجي

قد يبدو العنوان غريبا او غرائبيا , وقد يتوفر على العديد من السمات ’ المفارقة ’ الطرفة ,, الصدفة ! ولكي اصادر كل التوقعات والتقديرات اجدني ملزما في سرد الحكاية وعلى الوفق الآتي :

اولا : بيدر البصري في برشلونة , بعيد جولة دامت اكثر من 4 ساعات في ملعب برشلونة وبعد ان استعرضنا كافة المواقع المهمة في هذا الصرح الرياضي بل الحضاري المهيب كان لزاما ان نستجيب لنداء العطش و كان آخر المواقع التي حططنا الرحال بها احد المطاعم الصيفية المكتضة بالزوار وصور اعلام النادي ومدربيه ,, جلسنا الى طاولة كانت ابتعدت الى حد ما عن الصخب وتوسطة المطعم ... ارهفت سمعي جيدا محاولا الاستمتاع بما يرشح الى مسامعي من ندى الموسيقى الكلاسيكية ... صوت الجلبة بالخارج يعلو قليلا وما يلبث ان ينخفض ... تتعالى الموسيقى اكثر واكثر ... صمت ويتدفق صدى صوت عذب ندي رخيم مفعم بالشجن والتطريب ,, بالغت في محاولة الانصات مستعطفا النادل في حركة من جسدي توحي بصعوبة الاستماع عله يشفق علينا ويرفع من درجة الصوت الساحر قليلا .. بادرني النادل بسؤال باللغة الانجليزية . فهمت سؤاله بمساعدة اصدقائي , كان يقول هل اعجبك الصوت ؟ قلنا جميعا نعم , فقال انها مطربة هولندية شابة ... صاحبة المطعم (مفراو دانيلا) تستمع اليها كلما تواجدت في ادارة المطعم , واردف النادل يقول بين الحين والآخر يواجهنا الزبائن بمثل اسئلتكم, من هذه المطربة ؟ هل لديها تسجيلات صوتية ؟ فيديو كليب ؟ الى آخره من الاسئلة !

الفضول صار يقتاتني دقيقة بدقيقة . وما ان فرغت احد الطاولات القريبة من مصدر الصوت حتى طلبت الى اصدقائي حمل اقداحهم والوثوب الى الطاولة غير المشغولة فورا , هناك , كان الصوت اكثر وضوحا ارهفت سمعي جيدا .. دخول حاد لمجموعة من الآلات الوترية المصحوبة بضربات ايقاعية شرقية ناعمة جدا وبعيدة , صمت او ( اس ) كما نقول في المسرح ثم انداحت انغام القانون تداعب المشاعر بنعومة وصفاء لا مثيل لهما , كلنا ينظر صاحبه ويقرأ في عينيه يافطة خط عليها (هنا بغداد) !!

انساب القانون برقة وهدوء تاركا المجال لصوت عظيم , توفر على كل مفردات الجمال من مساحة صوتية عريضة وقوة وادارة وتحكم وزخرف حتى مباعدة الحدة والخشونة رغم علو طبقات الاداء , صوت قوي رخيم عذب , كان الصراع في داخلي على اشده بين محاولتي فهم معاني لغة الاغنية أو اكتشاف جماليات الصوت فيها , وكنت اعتقد اني اسمع المطربة تقول شيئا عن البصرة , قررت ورفاقي الابتعاد عن المعنى وملاحقة الكلمات والاستمتاع بجمال الصوت الذي كان يقارب العديد من الآلات الموسيقية سحرا وتطريبا .

تغير اللحن وصار لحنا غربيا صرفا , الا انّا كنا في غاية الاستمتاع , جاء ولدي ليشاركنا جلستنا بعد ان كان قد شغل ذاكرة الكاميرا بعشرات الصور لملعب برشلونة والمتحف الخاص به وساحة اللعب والمدرجات والجمهور وصور اللاعبين , وما ان شاركنا الجلسة حتى اعلن عن فرحه الغامر حيث يستمع الى مطربة هولندية في برشلونة الكاتلونية , قلت له ماذا تقول كلمات الاغنية , قال انها تتحدث عن فرح الفتاة الهولندية وحريتها , واردف قائلا : ارجوكم لا تنشغلوا بمعنى الكلمات , استمتعوا بالصوت الجميل . وما زادني حيرة ودهشة ما بعد الاغنية الهولندية , اغنية فرنسية او اكثر كانت تتردد فيها مفردة خلتها ( الجزائر ) , الا ان ذلك الصوت الساحر عاد ثانية غنى باللغة العربية هكذا خلت الامر , تلاشت الموسيقى والغناء مع جلبة كبيرة احدثتها حشود الزائرين لصرح لشبونة الاشهر , ذهبت الى النادل اسأله عن السيدة التي تستمتع بهذه الاغاني فهداني الى مكانها وكنت برفقة ولدي لأغراض الترجمة طبعا , و هناك كانت الصدمة !!!

السيدة الهولندية : هل استمتعتم بالغناء الهولندي ؟
بكل تأكيد سيدتي . الا اني اود معرفة المطربة ؟
السيدة الهولندية : انها مطربة هولندية شابة , اخترقت عوالم الغناء والموسيقى واصبحت تلقب بمطربة الأديان !!! وانا اتابع منجزها الابداعي مذ غنت مع ( ميتروبول اوركست ) حتى هذا اليوم , وقبيل ايام قلائل كانت تحدثت عنها العديد من وسائل الاعلام الهولندي وعن آخر اعمالها الابداعية . ففي احد اكبر الكنائس الهولندية واجملها في لاهاي ( دنهاخ ) كانت هذه المطربة قد استحوذت على اهتمام الجمهور والنقاد وابهرت عمالقة الموسيقى الهولندية والبريطانية على حد سواء حسب ما ذكرته وسائل الاعلام الهولندية المعنية , كيف لا ؟ وهي المنتخبة للغناء مع اوركسترا (بروميناد) الموسيقية الهولندية وكورال ( كوردافوكال ) بكامل اعضائه والذي تجاوز عددهم المائة والثمانين وكان قد شاركها مغنيتا الصولو ( نوافرينكل و جوتا بولسيوس ) ورافقتها في الاداء أيضا عازفة الناي الهولندية المبدعة ( ماريان نوردنك ) والاعظم من كل هذا وذاك ان قائد الاوركسترا كان المايسترو ( هانس مالتا ) وهو علامة فارقة في الفن الموسيقي الهولندي .

لم اتمالك نفسي , لقد عرفت عن من تتحدث هذه السيدة , وكان شعورا غريبا قد هيمن علي , فقلت لها بحرقة يا سيدتي هذه المطربة ليست هولندية , انها برحية بصرية اقتلعتها ريح الدكتاتورية من ضفاف شط العرب وهي غضة ندية , فحملتها صاعقة الغيب الازلية على اجنحة الحلم والالم والامل , وطافت بها عوالم لم تكن تعرفها يوما حتى في كتب الجغرافيا ولم تكن راودتها حتى في احلامها, كانت تغمض عينيها على انغام شوقية العطار وهي تترنم ( يا عشكنه .. فرحة الطير اليرد لعشاشه عصاري ) وتستفيق على تراتيل حميد البصري توّحد العراق حبا وانعتاق .

انها بيدر البصري , انها بيدر الخير , وبرحية البصرة , صدى اجراس الكنائس في كرادة مريم , وتكبيرة الاحرام في فجر الكاظمية , انها حمائم الجواهري اللائذات بين عذب دجلة واديم الفرات , ونخلة السياب ساعة السحر , انها النذر الذي يوّشح صدر عريان وسارية علم صويحب في عمق هور العمارة الموغل في الحب والشجن . انها صوت العدل في لاهاي العدل .

لم تكن السيدة ألهولندية تفقه ما اقول , الا انها قالت : نعم اتفق معك , انها مبدعة واجمل ما فيها انها في كل حفلاتها الفنية تدعو الى التعايش بين الاديان وتلاقح الحضارات والسلام بين الشعوب ومحبة الانسان لأخيه الانسان لذلك منحت لقب (مطربة الاديان) من قبل اعلى المستويات الفنية النقدية في هولندا , ليس لأنها هولندية بل لأنها تستحق ذلك . تركت المكان وانا كلي امل ان تجد بيدر البصري طريقها الى الوطن من خلال ابداعها , بيدر البصري المتواجدة بفنها ورسالتها الابداعية بقوة في باريس وروما وامستردام واوسلو وفينا , لم تجد طريقها حتى الساعة الى بغداد .

غادرنا المكان بصمت ... وانا جملة من المشاعر المتناقضة ... حاول احد الاصدقاء أختراق دائرة الصمت المطبق على الاجواء قائلا ... وماذا بعد ؟ قلت فورا : سأوجه ندائي المباشر وبصورة شخصية الى كل اصدقائي في وزارة الثقافة العراقية الى الدكتور الصديق شفيق المهدي في المؤسسة العامة للسينما والمسرح والى الدكتور الصديق عبد الكريم السوداني في شبكة الاعلام العراقي ان يهتموا بهذه النخلة البصرية العراقية انتصارا لجماليات الاغنية العراقية المتكاملة وما ذاك الا ديدنهم .

 

free web counter