الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

السبت 17/6/ 2006

 

 

هذا المقال واحد من مقالات وحوارات عديدة ضمها ملف الشاعر عبد الكريم كاصد الذي أ ُعد إحتفاءاً به في المربد الثالث في البصرة 2006 ، والذي سينشر كاملاً في دوريات ثقافية وكذلك سيصدر في كتاب من قبل وزارة الثقافة العراقية .
أعد الملف وقدم له
الشاعر العراقي عبد الباقي فرج .
Abdulbakifaraj@hotmail.com
 

عبد الكريم گاصد :

شيئان كدّرا حياتي : أصدقائي والشعر !



حاوره : القاص العراقي محمود البياتي

عبد الكريم كاصد , شاعر يبحث في خرائب الروح عن وردة أمل ... ليرقص عندها بوجد صوفي . عمّقت الفلسفة رؤيته ؛ وسّعت اطارها , ولم تربك بساطة التعبير عنده .
لا يتعب من الذود عن مصالحه الفكرية . وتتجلى قريحة التهكم لديه حين يواجه العدو بمقالةٍ او بقصيدة , مثل : الحذاء والملك .

- ماهو الشعر ؟
* لا احبذ التعريفات كثيرا فهي تجرد الأشياء والمخلوقات من حياتها , وتحيلها الى هيكل فارغ . خذ مثلا تعريف الانسان ب ( حيوان ناطق ) , او التعريفات العديدة منذ ارسطو وحتى الآن . هل عمقت هذه التعريفات فهمنا للأنسان والشعر ؟ ألا يبدو ان الفارق بين الشعر والاجناس الأدبية الأخرى آخذ بالتقلص إلى حد التلاشي ؟ الا ترى ان بعض هذه الأجناس كالرواية والمسرح تقترب من الشعر مثلما يقترب الشعر منها ؟ وقد تتجاور هذه الأجناس جميعا في العمل الواحد . اليست قصيدة النثر نموذجا لغياب الفاصل بين الشعر والنثر ؟ وإذا كان للشعر إيقاعه الذي يتميز به عن النثر فان للنثر ايقاعه الخفي ايضا , وقد تكون القصيدة الموزونة صوتا خارجيا هو صوت التفعيلات ذاتها مجردة من الشعر .
الا يزعجنا في الشعر , احيانا او في كثير من الاحيان , بلاغته المسرفة ومهاراته المصطنعة , بل والحقيقية ايضا , عندما يبتعد كثيرا عن ينبوعه الحقيقي : الحياة بتجلياتها المختلفة , بايقاعها اليومي ولقطاتها المألوفة والنادرة .
لا مثال لدي في الشعر , فلكل قصيدة قانونها الخاص , وبالتالي تعريفها الخاص ولكنني اميل الى الشعر الذي يحدثني بلغة البشر لا بلغة الآلهة .
ليس لدي توهم , أنا المسكون بالأوهام كغيري من الشعراء , ان الشاعر نبي او قديس , ولكنني ما زلت ارى ان للشاعر دورا إن لم يتجسد تأثيره في الواقع , فعلى الأقل في لغته . وقد يكون لهذا الدور , فيما بعد , تأثير في الواقع نفسه ( كما يطرح ذلك إليوت في مقالة له عن وظيفة الشعر الاجتماعية ) , وحتى هذا الدور الذي يوعزه أليوت للشاعر لا يخلو من مبالغة في تقدير دور الشاعر , مهما كان عظيما , فقد تكون لغة الشاعر العظيم عائقا في تطور اللغة نفسها وفي تطور الشعر ايضا ( كما يذكر ذلك أليوت في مقالة له عن ملتون ) , لذلك اجد صعوبة في تعريف الشاعر من خلال دوره في التاثير في اللغة , ولا يبقى لي سوى الأخذ بنسبية أي تعريف. ويبدو الأمر اشد تعقيدا عندما نعرف ان اعظم الشعراء قد يكونون اسوأهم جميعا . تجمع كتب الأقدمين , ومن تلاهم الى وقت قريب , ان البحتري اعظم الشعراء طرا في عصره وفي العصور التالية , فهو شاعر وابو العلاء والمتنبي حكيمان , غير ان شاعرا محدثا هو صلاح عبد الصبور لم يجد في ديوان البحتري الضخم غير عشرة ابيات جيدة او اقل من ذلك . كيف نعرف اذن ما هو نسبي متحول من زمن الى آخر ومن قارئ الى آخر ؟
ولو اتفقنا على التعريف وقلنا ان الشاعر يُعرف بشعره مفترضين اننا متفقون على تعريف الشعر , فماذا يعني هذا ؟
هل يعني ان الشاعر جيد اذا كان شعره جيدا ؟ ولكن الواقع لا يقول ذلك. فما اكثر الشعراء المطبلين للسلطات , وما اكثر الشعراء التجار , وما اكثر الشعراء المحمومين وراء الشهرة ونيل الجوائز ومن بينها ( جائزة نوبل ) بأي ثمن كان , حتى ولو كان على حساب شعرهم الجميل او غير الجميل ربما .

- لماذا تكتب الشعر ؟
* نادرا ما اطرح مثل هذا السؤال على نفسي . وقد اطرح جوابه , معبرا عما كدر حياتي . مرة كتبت في ديوان لي غير مطبوع عنوانه ( ديوان الأمثال ) هذا المثل :
شيئان كدرا حياتي
اصدقائي
والشعر
رغم انهما احب الاشياء إلي في هذه الحياة . هل اسأل نفسي : لماذا انا عراقي ؟ ولماذا اسمي ( عبد الكريم كاصد ) . قد تكون المواطنة مربكة احيانا والأسم ليس مطابقا . بل ويمكن استبدالهما , اذا شئنا , اما الشعر فهو الذي لا يمكن استبداله ابدا وطنا كان ام منفى . لا اريد ان يفهم من ذلك انني اعزو للشعر معنى انطولوجيا , وانه في مرتبة اسمى من الوطن ذاته , ولكنني اريد ان اقول انه الهوية التي تبقت لي بعد ان جردتني السلطة واحزاب المعارضة السلطوية وثقافة المؤسسات من كل شئ , حتى من اسمي ( في المنفى طالما عرفت باسماء شتى , وكتبت ومازلت اكتب باسماء شتى ) .
ان الشعر بالنسبة إلي مملكة حرية , حتى لو انقطعت سنوات عن نشره لا عن كتابته , هوية حاضرة حتى في غيابها , فهو يبزغ فجأة في اية لحظة , في عينين عابرتين , في وجه مألوف او غريب , في زاوية مهملة , في علاقة ما , وفي لحظة قد تكون الأبدية ذاتها .
إنه حاضر في رؤية الشاعر للاشياء والعالم , وفي اختباراته في طريق المعرفة , لكن حضوره ليس معلنا بل خفيا هادئا يكاد لا يرى , وحضوره العلني الوحيد هو القصيدة .
قد ينطرح سؤال آخر لا يتحدد فيه الشعر بعلاقته بالشاعر التي هي علاقة خاصة جدا , وانما يتحدد بغيره من وسائل العصر التي نشهدها وهي تتطور بشكل هائل : هل الشعر ضروري في هذا العصر ؟ هل ثمة متسع للغناء ؟ الجواب سيكون بالايجاب حتما ولكنه ايجاب مفعم بالشك . هل سيعود الشاعر ثانية نبيا صارخا في البرية ؟ ام انه سيكون اكثر دهاء , مثلما نرىالآن , في محاولته التلاؤم مع ما يحيط به من مؤسسات واعلام يقول من خلالها كل شئ الا الحقيقة .

- من هو الشاعر ؟
* كيف نعّرف الشاعر ؟ هل نعّرفه بالشعر ام بما ليس بشعر ؟ وإذا كان الشعر عصيا على التعريف فان إحالة الشاعر الى ما ليس بشعر اشد صعوبة .هل نعّرف الشاعر بوصفه مثالا ام كائنا مشخصا ؟ هل الشاعر هو الشخص ذاته في القصيدة ؟ وإذا كان الشاعر مثالا متعاليا في الواقع , فما دور قصيدته ؟ هل هي مرآة لصورته المثالية هذه ؟ ام تحطيم لها بما تكشفه من ابعاد سايكولوجية وفلسفية لا يعيها , ربما , الشاعر نفسه؟
هل الشاعر هو البطل ( بايرن ) ام الثائر ( شيلي ) ام الملعون ( بودلير ) ام الضحية ( بدر شاكر السياب) ام الرائي ( رامبو ) ام الصوفي ( الحلاج ) ام هو جامع النقائض كلها ؟ وخارق العادة التي الفها الناس ؟
ثمة دراسات كتبها فوكو ورولان بارت وآخرون تعلن موت المؤلف . فاذا صدقنا ذلك واعلينا شأن النص في علاقته بالقارئ بمعزل عن الشاعر , فما الذي يتبقى للأخير ؟ أيرضى الشاعر بدور الانسان العادي بوصفه ( حيوانا ناطقا ) يدخل في علاقات اجتماعية مع الاخرين ؟ ام ان الشاعر , وهو الأشد وهماً من غيره , لا يرضى بما هو اقل من ملك او وزير في مملكته الضاجة بالأشباح ؟

- هل اطلعت على الشعر الأسكندنافي والسويدي خاصة ؟ ما رأيك فيه ؟
* اطلعت على عدد من المختارات الشعرية للشعر الاسكندنافي مترجمة الى اللغتين الانجيليزية والفرنسية , وقد اتاحت لي هذه المختارات التعرف على عالم شعري رحب مدهش حقا . كما اتاحت لي زيارتي الى الدنمارك التعرف على بعض الشعراء الدنماركيين , ومتابعة اعمالهم فيما بعد , ومن بين المجموعات الشعرية التي عرفت بشعرهم مجموعة ضخمة صدرت في الانجيليزية بعنوان ( الشعر الدنماركي المعاصر ) . اما الشعر السويدي والنرويجي فقد قرأت مجموعات منفردة لكل من رولف ياكبسون ( Jacobsen ) وتوماس ترانستيومر (Transtِme) وايكليوف (Ekelِöf ) , مما اتيح لي التعرف على هؤلاء المبدعين اكثر من غيرهم من الشعراء الاخرين مثل Jan Erik Vold , Poal Helge Heugen , Arvid Togier Lie . Sonja Akesson , Lars Noren , Cِran Sonnevl , Tobias Berggren , آمل ان تتوثق الصلات بين شعرهم وشعرنا .