الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأثنين 15/9/ 2008

 

شيخ الموتـــى – ابن حنتوش في ذكراه الثانية

فارس الخضر
fariskhder@yahoo.com

لارسمية هذا اليوم
لاصحو غداَ
اليوم غناء تحت التوت
وغداَ تابوت

لولا هذه السماوات والبحار الغريبة ... ولولا ألغام الموت الطائفية والجراد الذي يدب في كل الطرق المؤدية للعراق ... لزحفت إلى مقبرة النجف دون الالتفات إلى بغداد أو المرور في الديوانية ... وقبل أن احني خدي بأبواب الضريح .. قبل أن أزور قبر أبي ولا أمي .... لزحفت إلى قبر كـزار ابن حنتـوش وهززت أكتاف قـبره لأثبت للعالم بأن في هذا القبر حياة ...
حينها سينهض ابن حنتوش من كفنه الورقي مبتسما ومتسائلا ... هل أتمــت الديـوانـيـة أيــــــام ( العّـدة ) ؟؟؟ وهل كفف المعيدي دموع القيمر ؟؟؟ ام مازال النرجس يواسي الآس ؟؟؟ .. مات بعل القصيدة الذي كان يمسك بعجينة المفردة بيديه ويعجنها بخفة ساحر ويفرشها راقصة على ساعده قبل أن يلصقها بتنور دفاتره المبعثرة ..
هل مات ابن حنتوش من جوع وطن ام من تخمة شعر ؟؟؟
كان يحاول الارتقاء على خجله بقروية بالغة الفطنة وعلى خوفه بالعبث اللاأبالي حتى أصبح يعبث باللامبالاة ويرتديها حين يقابل احد الأمراء .. يستحوذ على الانتباه بجاذبيته الرثة وطيبة الفلاحين الماكرين وعيناه غائرتان حتى السكر لايبان فيهما , تفوح منه نشوة لاتعني المتأنقين ويتمتم بكلمات يرتجف منها المدراء العامون ويوزع قبلات بقدر مايعطيه الكأس من نشوة .. كان يتمنى أن تشطر الخمرة رأسه إلى شطرين حتى يأخذ مايريد من الصعاليك المتربصين
( يحتل الآخرين بقوة الطيبة ) .. يثرثر نرجسا ويئن أحيانا بعــواء ..
يقتحم الكأس الأول كـقروي عجول ليلة زفافه .. ويتوسل البلاغة في الثاني .. ويصرخ في الجمال حتى يركع له في الكأس الثالث .. أما الرابع فيذوب في الأعداد .. ويمتطي الكأس الخامس ليشهـر كبريائه ويلّوح بالقبل الشاتمة .. ومابين السادس والكأس العاشر يوزع أشلائه بين الذكريات الطيبات والأصدقاء الذين هاجروا .. ويبدأ بإهداء أضلاعه إلى جالسيه ثم يبتدئ النسيان .. يمدد جناحيه الهزيلين ويفترش أرصفة الدنيا كلها ..
الذين لم يعرفوا قدر النبل الذي تخفيه أسماله قالوا عنه صعلوك والذين لم يروا انكسارات الدنيا كلها فيه قالوا كم كان سعيداً .. أتذكر حين قال لي مرة :
- أتمنى لو كان هناك الله حقيقي .. عندها كم ستكون الحياة جميلة ..
- ابن حنتوووش ... قلت لأمك حين سألتني عن اسمي لأزيد من وحشتها عندما استفزها اسم كزار .... وهل خنطيل اقل ريبة من حنتوش ؟
ترى .. هل علمك الملقن قبل المواراة ؟ أم انك قد لقنت منكر ونكير بالأسى الذي فوق التراب؟ ... يا أمير الأحياء وشيخ الموتى روحك قد صعدت لتدق ناقوس السماء وتشد غيوم الله لتنتحب ..شط الديوانية بات أكثر هزال .. أرى وجهك يظهر فوق التراب مبتسما وعيناك تجول كالصقر الصغير تبحث عن محيبس تهديه لرسميه ... هذا الطفل لم يمت .. بل بضعة كؤوس من الجنة جعلته يغفوا ويلتحف التراب .. هذا الطفل مامات .. ولابات بغير الديوانية يوما .. إلا بعد أن ينام المتنبي في الحيدرخانة ... والرصافي يغادر رصيفه مخلفا حجي زبالة ورائه .. لم يبتعد عن الديوانية حين لم يكن ينتظره احد هناك ..... فكيف الآن ورسمية هناك ؟؟؟ كان وفيا في حياته ... أيعقل أن يكون في مماته عاق ؟..
هل أنت بموتك محظوظ ؟؟ لم تكن تطيق السويد ياعود القرنفل أو هولندا أذا لم تحمل معك الديوانية التي كنا نخاف من يوم لاتطيقك به .. أو بك تضيق ..
أنت لم تمت .. فقط هي رسميه التي فقدت أحلى أضلاعها .....


 

free web counter