الصفحة الثقافية

الرئيسية

 

| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

الأربعاء 10/12/ 2008



رؤى الشاعر للشخصيات المعاصرة

د. هدى صحناوي - جامعة دمشق

دراسة في شعر صدام فهد الاسدي
تحدث الشاعر في شعره عن كثير من الشخصيات المعاصرة وهي إما تكون عالمية أو عربية أو محلية معروفة على الصعيد العربي.
إن ورود الأسماء الأجنبية في شعره يأتي من نهج أممي إنساني لا يستطيع الشاعر أن يتخلى عنه فهو إما التزام سياسي يتعلق بمباديء الحرية والعدل والمساواة كما في ذكره للمناضل الشهير جيفارا:

جيفارا يخرج من رأس الشارع ينظر لبصيص النور
الموتى في سجن مقبور

والارتكاز على الشخصيات المعاصرة يعني أيضا الحالة الإنسانية العامة ويدل على ثقافة الآخر الممتزجة فينا فالعالم جزء منا متمثل برموزه المشهورة نحن لسنا منقطعين عن العالم نحن جزء منه وهو فينا عبر شعرائه وفنانيه وأدبائه:

نجلس فوق أرصفة جرداء من الإسفلت ونقرأ
رامبو وكمبريدج وأليوت
نقول لماذا أحب السياب الغرباء

الجلوس على الأرصفة الجرداء يعني كوننا فقراء معدمين مع الفقر والعوز نتحرك نحو العالم لم نتحول إلى عنصريين نكره الأمم الأخرى ونرفض الآخر بل نحبهم
إن الشاعر يذكر من المعاصرين العراقيين الشاعر رشدي العامل الذي كانت تربطه وإياه علاقة أدبية خاصة ثمّ إنّه كتب رسالة ماجستير عن هذا الشاعر:

أتوسل في ديوان لرشدي العامل
أن يهبني من غربة رشدي ثلوج النار

في السطرين السابقين تكثيف للزمن والمكان من خلال الإشارة إلى شخصية رشدي.هناك شطران وردت فيهما الشخصية مرتين. الشاعر قرأ رشدي من خلال ديوانه والشعر ديوان العرب الذي حفظ تراثهم ومآثرهم وتاريخهم أي وجود عامل الزمن في الكلمة ثم تحدث الشاعر عن الغربة التي تستوعب زمانا ومكانا والنار التي هي علاقة مكانية استوعبت التناقض في الثلج مكانا والاغتراب أي الهجرة زمانا فيكشف الشاعر لنا عبر هذين السطرين عن عمق العلاقة التي ربطته بهذا الشاعر العراقيّ.
الشخصية الأخرى التي تحدث عنها الشاعر الأسدي هي شخصية الجواهري الكبير ومن المواضع التي ورد فيها ذكره إياه قصيدة يحاور فيها الشاعر الكبير نزار قباني"قال الشاعر الكبير نزار قباني ساخرا من العرب:

العالم العربي إما نعجة مذبوحة أو حاكم قصاب "

فيرد عليه الشاعر بقوله:

إني تعبت من العروبة يا أخي وعجزت حيث تعيقني الأحقاب
دع يا نزار رواية لاتنتهي وأملها وتملني الأنساب
لست الوحيد بعلمي من بكى فلقد بكى قبلي هنا السياب

ماعدا هذا فإن الشاعر الأسدي تحدث عن الرموز الشعرية البصرية وأهمها السياب وسعدي يوسف والبريكان، والملاحظ على ذكره لهؤلاء الشعراء الكبار أنه ينظر إليهم من زاوية زمنية أبدية هي زاوية الاغتراب إذ أن عامل الزمان والمكان يبدوان ساطعين أمام أسماء هؤلاء:

أحسب في ذاكرة الأمس السياب وأبا فرات
أحسب سعديا كيف يغادر وطني والآن يعيش على الحسرات

نلاحظ مفردتي الأمس في بداية السطر العلوي وفي السطر الثاني مفردة الآن ماض وحاضر بينهما المكان الذي هو الوطن وحين يصبح المكان بين الأمس واليوم يتحول نفسه إلى زمنكان إن هذه الشخصيات ليست أفرادا تحولوا من مكان إلى آخر بل هم نظام زمني مكاني لقد استطاع الشاعر في حديثه عن الشخصيات المعاصرة أن يتحرك داخل المنظومة اللغوية بجدارة أقرب إلى العفوية منها إلى التصنع إن لديه مفردة ووحدة صغرى:
المفردة تمثل شخصية معاصرة معروفة لها قيمتها الأدبية ومكانتها الاجتماعية هذه المفردة قد تتعدد مع غيرها مثل السياب و البريكان.... أو تأتي وحدها.
المفردة اللغوية وهي وحدة صغيرة تحمل العمق الكوني داخلها مثل الأمس اليوم الآن تكون ملازمة بالضرورة لتلك الشخصية.
مفردة الارتكاز وهي الدال المكاني الذي تترشح فيه الشخصية أو الشخصيات ويحيطه المكان فيتحول المشهد بمجموعه إلى زمنكان يمكن تحليله إلى مفرداته الأساسية..
ومثال على ماذهبنا إليه من خلال تحركه داخل المنظومة اللغويّة ذكره في السطر التالي للشاعر البصري المعروف البريكان:

هل كان البريكان يطرق الأبواب؟

إن المفردة الأساس هي البريكان وقعت في منتصف الشطر سبقها الفعل الزمني كان كما نعرف فعل ماض ناقص ووردت بعدها كلمة الأبواب وهي مفردة مكانية، وحين نقف أمام هذا السطر اللوحة نضع في اعتبارنا أن الشاعر لجأ إلى الاستفهام لكي ينفي أي نفي فعل طرق الأبواب إذ المعروف عن الشاعر البريكان أنه كان متعففا عاش عزلة حقيقية، فالفعل كان هو امتداد زمني مقطوع عن الحاضر قطعه وجود اسم البريكان ثم أكملت امتداد كلمة الأبواب المكانية امتداد الفعل الزمني ،ولو قارنا بين السطرين والسطرين السابقين لوجدنا أن الأمر بدا بالشكل التالي:

تعدد المفردات الأساسية في المثال الأول

ورود مفردة واحدة في السطر الثاني
اللازمة المكانية في المثال الأول – الوطن- كانت هي الأساس في التحول إلى الزمنكان
المفردة الأساسية الواحدة – البريكان- هي التي تحركت باتجاه مفردة المكان ليتم التواصل الزمني المكاني لذلك يمكن أن نقول إننا نجد أنفسنا في المثال الأول أمام تمثال لنتخيل تمثالا له أبعاد لكي نفهمه نجد أنفسنا ندور حوله نتمعن في أجزائه ومكوناته نقرؤ تاريخه ماضيه وحاضره ونستخلص انفعالاته النفسية.
أما في المثال الثاني فنحن أمام شريط سينمائي قصير نشاهده ونسمعه نشاهد حركة الشاعر ثم يده وهي تمتد إلى مقابض عديدة لأبواب متعددة يروح يطرقها فهنا إعمال للنظر والسمع وهناك إعمال للنظر والفكر هنا الشاعر يتحرك ونحن نراقب وهناك نحن ندور لنقرأ سمات اللوحة التمثال وندرس ملامحها،فهو في الكثير من قصائده عبر الرموز يحاول أن يرسم لوحة للمكان أو للبصرة لوحة أشبه بالتمثال تستوعب الزمان والمكان فكأننا أمامها :

ندور حول تمثال لنتمعن فيك
هكذا يتكلم البريكان
لم تتغير كل الأشياء
لم يتبدل ذاك التصفيق
وعلامات الكذب الأبدي إلى الأحياء
لم تتغير بصرتنا من لافتة الأسماء

لذلك كله وددت لو كان الشاعر قد كتب قصائده بشكل آخر بعبارة أدق لوسطر قصائده النثرية بشكل آخر ولعل له عذرا في ذلك ما يواجهه الشعراء الآن من صعوبات مختلفة منها المادية والفنية فيخرج الديوان الشعري أو المجموعة الشعرية بشكل آخر غير الذي يرغب فيه عالم النقد الأدبي فالكتابة الجمالية والتسطير الجمالي أصبحا الآن من اللوازم الأساسية لفهم جمالية الشعر وأبعاده وآمل أن يجد الشاعر الاسدي يوما ما الفرصة المناسبة لكتابة مجموعاته بتسطير آخر حتى يساعد المتلقي على فهم شعره واستيعاب معانيه ولكي ينبه الناقد إلى بعض الملامح الخفية التي يمكن أن يلحظها وفق الكتابة الجديدة.



 

free web counter