| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                    السبت 7/5/ 2011

 

التيار الصدري حركة سياسية عراقية أم جهاز استطلاع لولاية الفقيه؟؟

سيد علي الطبطبائي

لعل من أكثر الظواهر غرابة التي أفرزها نيسان عام 2003 هو ظاهرة التيار الصدري. هذا التيار الذي بدأ في اليوم الأول من الإطاحة بصدام حسين بعمليات الحواسم ونهب الممتلكات العامة والسطو على أسلحة الجيش العراقي ثم الشروع بعمليات اغتيال من يعتقد أنه ينافسه على الساحة العراقية وعلى رأسهم المغدور سيد عبد المجيد الخوئي. واستمر هذا التيار في طغيانه ليمارس الأتاوات وابتزاز المواطنين وتشكيل المحاكم القراقوشية حيثما تيسر له ذلك في منافسة مع التيار الإرهابي الدولي المتطرف القادم من وراء الحدود. هذه المحاكم كانت تصدر الأحكام "الشرعية" وبواجهات مذهبية لتبتز العراقيين ولتشيع الرعب في صفوفهم ومن كل الأطياف. ومع تكدس الثروة والسلاح عند هذا التيار أعلن عن تشكيل "جيش المهدي" الذي لم يكرس نشاطه لمقاومة المحتل كما يدعي كذباً وإلى الآن، بل لإرهاب العراقيين ولخوض صراع دموي مع منافسيه من نفس المذهب كفيلق بدر وأنصار حزب الدعوة، كما خاض مواجهات دموية مع الأجهزة الحكومية من أجل شل المساعي لفرض الأمن والاستقرار في البلاد. إن كل هذه النشاطات كانت تتم تحت واجهات دينية مزيفة وراية مذهبية مهلهلة كاذبة هي محاربة المحتل!!.

لقد توج التيار الصدري أفعاله عندما اصبح طرفاً في الصراع الطائفي الدموي المخجل والقتل والتهجير الذي استغله التيار الصدري كي يحتكر "الدفاع" عن الطائفة، مما يسوغ له القيام بكل المحرمات. وهي ذريعة أريد بها إغراق العراق بالدم والفوضى. وعلى الرغم من فشل كل أطروحات هذا التيار واضطراره إلى تجميد نشاط جيشه العتيد بعد الضربات التي وجهت لمواقعه، فقد قرر الخوض في العملية السياسية التي تدعمها الولايات المتحدة. وتحول أقطابه إلى وزراء ونواب، إلا أن أقطاب هذا التيار مازالوا يلوحون براية الحرب ضد الولايات المتحدة!!، وهي في واقع الحال راية تهديد للعراقيين. لقد حصل هذا التيار على مواقع رسمية جراء خداع الناخب العراقي وغفلته، وجراء الصفقات الطائفية المشينة مع الكتل الأخرى التي غاصت في تجارة السياسة والمحاصصة السياسية بدلاً من السعي لبناء دولة ديمقراطية حقة، إلا أن هذا التيار لم يحل جيشه المخالف للدستور، بل هو يهدد بين الحين والآخر بتفعيل هذا الجيش. ولربما يحلم أقطاب هذا التيار بأن يرحل الأمريكان كي يعاودوا من جديد لعبتهم الدموية وخرابهم المعهود ضد العراق والعراقيين وليس ضد المحتلين كما يدعون. وها هي الأخبار تتوارد من المحافظات عن هذه النوايا والاستعدادات التي يقوم بها هذا التيار لاحياء نشاط هذا الجيش وعلى لسان الفهيم بهاء الأعرجي، رئيس هيئة "النزاهة" في مجلس النواب العراقي، الذي يهدد بعودة جيش المهدي إلى النشاط وملوحاً بانضمام عناصر عربية وأجنبية في هذا الجيش المشبوه الذي يوجه نشاطه في الأساس ضد الأمن والاستقرار في العراق تنفيذاً لأجندات خارجية.


رسالة مقتدى الصدر الى صدام حسين بعد اغتيال والده على يد المخابرات العراقية

إن العراقيين قلقون من عودة هذا الجيش إلى سابق شروره. وهذا ما أكدته أحدى طالبات جامعة البصرة م.أ. التي تشير:" لقد اعتراني الخوف حين سمعت بإمكان عودة السلاح إلى غير الدولة وقالت، ولا يمكنني أن أتصور حياتي في البصرة إذا عادت الجماعات المسلحة إلى نشاطها فقد أنهيت العقد الثاني من عمري إبان سيطرتها ولا أتمنى أن أقضي العقد الثالث وهي تسيطر على الحياة". وأضافت: "أنا طالبة في الجامعة وما زلت أرى الذين لا يرضيهم مما أرتديه وبالتالي فإن عودة العمل المسلح ستكون دافعاً لهم لممارسة دورهم السابق في التعرض لكل من لا يرونه متديناً"، وتعلق ضاحكة "اشتريت خلال السنتين الماضيتين الكثير من الملابس التي لا تناسب عناصر الجماعات الدينية فماذا سأفعل بها؟". ويشير أهالي الشطرة إلى عودة ميادين التدريب لهذه المليشيات وعلى مرأى ومسمع المسؤولين في المدينة. فقد عادت هذه المليشيات إلى التدريب على استخدام الأسلحة وزراعة العبوات الناسفة على ساحة منتدى الشطرة استعداداً لفترة ما بعد خروج القوات الأمريكية. ويشير أحد أبناء الشطرة إلى أن ميليشيات جيش المهدي المكونة من غالبية من هجر الريف والأهوار ليدخلوا المدن ويتحولوا إلى حواسم ومجرمين هدفهم الوحيد السلب والنهب وانتهاك الأعراض ويلقون الدعم من قبل بعض المسؤولين المنتفعين من حالة الفوضى وغياب القانون وتحولوا إلى بؤر للعبث والفساد".

ولكي يقوى عُوده ونفوذه فكان لابد للتيار أن يتجه لتلقي الدعم الخارجي ويعرض بضاعته على الأجانب الذين يضمرون الشر للعراقيين ويسعون إلى تحويل العراق إلى ساحة من الاقتتال والعنف والدمار. وهكذا شرع يمد البساط الأحمر لأقطاب في طهران ودمشق وغيرها من العواصم من أجل تحويل هذا التيار إلى أداة لإثارة الفوضى ونزيف الدم في العراق. وأصبحت طهران حاضنة لكل عضو في هذا التيار من المطلوبين للعدالة العراقية أو من يريد أن "يحصل" على شهادة عليا في "الفقه" الديني. وتحولت معسكرات حزب الله اللبناني إلى ميدان لتدريب أفراد التيار الصدري وكي يستفيد من تجارب حزب الله في لبنان وعرقلته للأمن والاستقرار في هذا البلد المنكوب. إن هذا الدعم الخارجي لا يمكن أن يتحقق بدون مقابل. وهذا ما أكده ارباب التطرف الأيراني أخيراً فاضحين ما يقدمه التيار الصدري من خدمات لقاء هذا الدعم. فقد صرح في الاسبوع الماضي الناطق الرسمي بإسم الحكومة الإيرانية عن وجود مقاتلات إسرائيلية في قواعد أمريكية على الأراضي العراقية بهدف توجيه ضربات إلى إيران!!. وأكد هذا المصدر صحة هذه المعلومات باعتبار إن مصدرها التيار الصدري المشارك في حكومة "النزاع الوطني". ومن الطبيعي أن يسارع صلاح العبيدي الناطق الرسمي للتيار الصدري إلى نفي هذا الادعاء، ولكن من الصعب أن يتم تكذيب الناطق بإسم ولاية الفقيه. إن التيار الصدري لا يهمه العراق وسلامته ولا يهمه عواقب تقديم هذه المعلومات إلى الجانب الإيراني حتى ولو كانت كاذبة، فهدفه الفعلي تهديد أمن العراق والعراقيين. إن هذا السلوك اللامسؤول والمشبوه لأقطاب التيار الصدري يتناغم مع مجمل سلوك قادة التيار الصدري الفوضوي والتخريبي الذي مارسه خلال السنوات الثمانية الماضية.

لقد تعرض العراق وبعد سقوط النظام الظالم السابق إلى ظاهرتين مدمرتين هما التطرف والارهاب بصورتيه المتناقضتين تبعاً للواجهتين الطائفيتين المتطرفتين. وكما تشير الدلائل على السطح والتي تختزنها وتخبئها الأجهزة الأمنية العراقية لسبب غير مفهوم، فإن هاتين الظاهرتين تدار من قبل يد واحدة بهدف تدمير العراق وشل قدرته على ارساء نظام يحترم ارادة الشعب وقائم على خيار صندوق الانتخابات والديمقراطية. وستكشف الأيام المقبلة وبعد سقوط رمز الأرهاب اسامة بن لادن عن الكثير من الخفايا وعن ما خطط من تدمير وقتل للعراقيين. ولكن هناك بعض ما يمكن الاشارة إليه. فالتيار الارهابي الدولي "القاعدة" الذي كان وراء الدمار الذي حل بالعراق بالتحالف مع فلول البعث ما كان له أن ينشر شره بدون دعم إقليمي، ولربما فإن استضافة حكام إيران لأحد قادة القاعدة ومنذ عام 2002 وهو سيف العدل المصري ونجل أسامة بن لادن، واحتضان الحكومة السورية حليفة حكام إيران لأبو مصعب السوري وحارث الضاري صاحب إعلان "نحن من القاعدة والقاعدة منا" منذعام 2005، وفتح حدود البلدين أمام نشاط المنظمات الإرهابية من شتى الألوان للعمل في الأراضي العراقي ونقل السلاح، لهو دليل على هذا التحالف غير المقدس بين دول إقليمية والمنظمات الإرهابية وما يضمره هذين النظامين للعملية السياسية في العراق. ومما يلفت النظر أن كلا النظامين يحتضنان قادة التيار الصدري ويدعمانه بشتى الطرق المعنوية والمادية واللوجستية رغم التناقض الذي يبدو في تشكيل هذه اللوحة المدمرة.

وتصبح الصورة بالغة الغرابة، عندما يبادر بعض العراقيين المتضررين من الإرهاب إلى انتخاب قادة التيار الصدري الذي لم يتعرض أي من إقطابه إلى الآن لعمليات الإرهاب الدولي حتى الآن، وهو ما يلفت النظر ويثير الشكوك. كما أن أقطاب هذا التيار يتحالفون مع حكام إيران وسورية، الذين يساندون "القاعدة"، التي توجه جل حقدها ودعايتها وقتلها وشرورها ضد كل مكونات الشعب العراقي. إنه أمر غريب حقاً أن تصل الغشاوة لدى الناخب العراقي بحيث تعميه النزعة الطائفية عن مصدر المخاطر وموجات القتل والتدمير التي تواجه العراقيين وعن التحالفات المشبوهة المعلنة وغير المعلنة لأقطاب هذا التيار، بل ويبادر البعض إلى انتخاب رموز الفوضى أو تتهالك بعض القوى السياسية وتفرط بالمصلحة الوطنية عندما تتزلف وتتحالف مع ميليشيات همها الوحيد زعزعة الأمن في البلاد وانتهاك القوانين والتحالف غير المباشر مع قوى الإرهاب الدولي الذي أودى منذ عام 2003 بعشرات الألوف من بنات وأبناء العراق.

إن الهم الرئيس عند العراقيين هو الهم الأمني ورعاية القوانين كي تدور عجلة الاقتصاد وتستقر الأحوال الاجتماعية وترسى دولة القانون. هذا الهدف يتعرض إلى تهديد جدي من قبل قوى داخلية وإقليمية ومن بينها التيار الصدري الذي يلوح بين الحين والآخر عملياً بتهديداته. ولذا فمن واجب الكتل السياسية أن تمارس الضغط على هذا التيار وتفضح ممارساته كي يتخلى عن مخططاته المدمرة، أو إعادة النظر بعلاقات وتحالفات هذه القوى مع هذا التيار. كما ينبغي احترام القضاء العراقي المنتهك الآن من قبل قوى سياسية متنفذة تمنع عرض أضبارات الاتهام بخرق القوانين والقتل والتلاعب بالمال العام ضد رموز التيار الصدري، وتعمل على التدخل في شؤون القضاء وحفظ هذه الاضبارات وتجاهلها خلافاً لمبدأ استقلال القضاء. فمن غير المفهوم أن يبادر رئيس الوزراء، وهو زعيم كتلة دولة القانون، إلى اطلاق سراح العديد من المتهمين من أفراد التيار الصدري كي تتيح له الفرصة لتولي مسؤولية السلطة التنفيذية في دورة جديدة. فهذا الإجراء يتعارض مع الدستور العراقي ومع القيم الديمقراطية ومع "دولة القانون" التي يسعى العراقيون إلى ارسائها في العراق. ويتعارض هذا أيضاً مع الدين الذي يرفعون رايته وتتبارى في المتاجرة به غالبية الكتل الدينية العراقية. فأي دين هذا يبيح السكوت عن قتل شخص برئ مثل مجيد الخوئي وحشد من الأبرياء الآخرين على يد التيار الصدري، ناهيك عن أفعال الحواسم ونهبهم الذي طال كل زوايا العراق؟ وأخيراً تبقى الكلمة واللوم على الناخب العراقي الذي يجب أن يزيل الغشاوة عن بصيرته ليتراجع عن انتخاب عناصر غارقة في خرق القانون ولا تركن إلا إلى الفوضى. فعلى الناخب العراقي أن ينتخب الأصلح والأكثر خبرة ونزاهة والأحرص على قيادة دفة سفينة العراق إلى بر الأمان وسط هذه الأعاصير المدمرة. كما يجب على الناخب العراقي أن يسأل السلطة التنفيذية عن كل خطوة اتخذتها في أطار التستر على ملفات الاتهام ضد عناصر هذا التيار ومنع الأجهزة الأمنية من نشر كل انتهاكات هذا التيار وما سببوه من خراب وأذى للعراقيين. كما ينبغي على المواطن العراقي الذي يطالب بالتغيير في ساحة التحرير مساءلة السلطة التنفيذية حول شرعية قرار إطلاق سراح من ثبت عليه انتهاك القوانين، متجاهلة احكام السلطة القضائية.

إن الوضع الحساس الذي يواجهه العراق لم يعد يتحمل عنجهيات أقطاب هذا التيار وعلاقاتهم المريبة مع دول الجوار، ولا تهديداتهم المستمرة ولا استخفافهم بالقوانين وانتهاكهم لها. وعلى كل القوى الوطنية الحريصة على مستقبل وأمن العراقيين أن تتصدى وبحزم لهذا الجسم الغريب في جسد الأمة العراقية.

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات