|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  7  / 2 / 2016                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 


 

متاهات إنسانية موجعة
في متاهات أبو المعيد
للكاتب العراقي مزهر بن مدلول

محمد زلال
(موقع الناس)

الكاتب مزهر بن مدلول ينهل من تجربته الحياتية او سيرته الذاتية منذ ولادته في قريته النائية ثم انتقاله الى مدن أخرى كالناصرية وبغداد ثم كردستان لتشكل تمازجا حياتيا مثيرا محاط بشخصيات من بيئته ،شخصيات كان للبعض منها تاْثيرا على حياته ونمط تفكيره كاخيه عبد العزيز مدلول ،او خاله عودة، او امه التي كانت الأكثر التصاقا بروحه. فالاخ عبد العزيز انار له الطريق لولوج الى عالم ، اما خاله الفقير فقد أعطاه درسا مهما في الحياة وهو ان لا تفقد الامل فيها رغم قوتها وبطشها، وان لا تفقد القدرة على الفرح والضحك والعرفان بالجميل. اما امه فكانت تلك الروح او ذلك الملاك الذي يهبط عليه في حالات الياْس والمواقف المتعذرة لتنفخ في روحه الاْمل، تحيطه بالحنان والحب ليواصل دربه الى نهايته.

يأخذنا الكاتب معه في سفرته الطويلة والشاقة، المضحكة أحيانا والمؤسية في احايين كثيرة.اعتقد بان الكاتب يقذف بروحه في أتون الحياة فيخرج منها مضرّج بالجروح والكلمات الغائرة في القلب .

فهو بمعنى من المعاني لا يريد ان يغادر التجربة الا بعد استنفاذها، وهو بذلك كالذي ينحت دواخله نحتا قاسيا متحولا إلى نصل حاد يصعب العبث به. يتجلى ذلك بأسلوبه الكتابي القصصي الممتع بشكل لا يمكن التغافل عنه.

يكشف لنا الكاتب أيضا البشاعة المرعبة التي عاشها أو عايشها هو وأبناء جيله منذ ان دخل المدرسة الابتدائية الأولى ليصور لنا كيف كانت تنتهك الطفولة من خلال المدير أو المعلم او حتى الفراش، الى معاناته في المدن الكبرى، تلك المعاناة التي تعالج هموماً إنسانية عظيمة والتي تشير الى مدى انتهاك حقوق الانسان، وهذا يعطينا تصورا مهما، وهو أن معاناة الكاتب ما هي في الحقيقة الا معاناة شعب بأكمله، عاش حياته محاطا بالظلم والاضطهاد والفساد. لكن العالم الخاص بمزهر الكاتب يملك الكثير من الشخصي الخاص والمميز بقوته ولكنه لا ينائ بنفسه في برج عاجي، لكن وجوده واستمرارية حيويته مبعثها التصاقه بأبناء بيئته وأصدقائه ثم رفاقه.

أقصى ما اثار مشاعري كقارئ في هذه النصوص هو ببساطة أسلوبها وأقعيته دون أن يفقدها حيويتها او يهبطها الى السردية الجافة.

لقد تمسك الكاتب بذاكرته، وتمسك بالأحداث الحقيقة التي عاشها وغاص داخلها لتكون النتيجة عملا ادبيا يحمل تجربته الشخصية أو بالأحرى تجربة جيلا كاملا عاشها معه أيضا.

يذكر الكاتب في مقدمة الكتاب بان عمله هذا ليس روائيا او قصصا بل انها تجربة ذاتية بكل حقولها العاطفية والنفسية، انها نصوص كان هو في وسطها وليس في مؤخرتها.

الحقيقة عندما أنهيت قراءة الكتاب، وجدت بان اكثر النصوص (باستثناء نصين او ثلاثة) هي قصص قصيرة تمتلك كل مقومات القصة الناجحة، سواء بأسلوبه او بسردها القصصي المتخيل الذي يجعلك تتفاعل مع الاحداث وكأنك تعيش وسطها او جزء منها. وهذا يكمن في أسلوب الكاتب وخياله وبنائه القصصي البعيد عن الاطناب او الأفكار المشتتة. وكمثال على ذلك نقرأه في (العبور الأول) او (الرسالة) او في (لملومة).

ليس هناك اكثر وضوحا في (لملومة) في النقاش اليائس بين الانا والواقع، بين مبادئ الحرية التي نرنو لها كبشر وبين واقع لاانساني نعيشه كل يوم، بل وفي كل لحظة من حياتنا.

شخصية خالد في (لملومة) اسطع مثال على ذلك. نه صراع بين الاستسلام للتوتر الداخلي الحادث بين الانا والواقع المفروض من الخارج، لان الواقع دائما اكثر قوة من الرغبة.

شكرا للكاتب مزهر بن مدلول الذي أتاح لي المتعة في قراءة نصوصه الممتعة.


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter