| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الجمعة 5 / 7 / 2024 أرشيف المقالات
اضطهاد النساء
حسب الله يحيى
(موقع الناس)لماذا الاضطهاد.. ولماذا اضطهاد النساء بالذات؟ نحن نفهم الاضطهاد، على أنه يقابل الظلم والتعسف والاستغلال والعبوديَّة.. وكل ممارسة عنفيّة ضد الإنسان أيّاً كان جنسه وبيئته وفكره ودينه.. الاضطهاد، فاعليّة سلبيّة مضادة للوئام والسلام والمحبة. ولأن صفاته تلك مدانة وغير مقبولة اجتماعياً؛ نجده ظاهرة سلبيّة لا بد من الوقوف عند أسبابها ونتائجها.. ومن ثمّ شمول النساء بالاضطهاد، أضعاف ما يواجهه الرجل، بوصفها الكائن الأضعف في السلم الاجتماعي، فيما يجد الرجل، أنه الكائن الأقوى ليس جسدياً حسب، وإنّما هو الأقوى على صعيد مواجهة الأنثى بوصفها الكائن الأكثر رقة وسلاماً وسكينة..
ولا علينا من الاستثناءات التي تمتاز بها بعض النساء، اللواتي يتم وصفهن اجتماعياً بـ "المسترجلات" غير المقبولات لا من النساء ولا من الرجال، كونهن يخرجن عن الطبيعة الهادئة والشفافة التي تتمثل في معظم النساء.
وكتاب الأستاذ: رضا الظاهر "اضطهاد النساء/ مقاربة نقديّة" عن دار الرواد بغداد 2023، واحد من الكتب الرصينة التي تدرس ظاهرة الاضطهاد التي لا تواجه النساء وحدهن وإنما تواجه الرجال كذلك.
إذ يحدد الظاهر "مفهوم الاضطهاد كونه: تمييز ضد الأفراد أو الجماعات على أساس الاختلاف الملموس أو المزعوم.. على أساس الجندر أو لون البشرة أو العرق أو الجنسانيّة أو المعتقد الديني، ويمكن أن يبدو الاضطهاد ببساطة كنتاج للتعصّب الفردي".
ومثل هذا التعصّب أو التطرّف أو الدوغمائيّة؛ يمكن أن يتحول إلى ممارسات إرهابيّة وعدوانيّة واستغلال بشع للآخر، من دون الوقوف عند أفكار ورؤى الآخر ومناقشتها مناقشة هادئة ومنطقيّة.. وذلك انطلاقاً من تعصّب أعمى، ومفاهيم جوفاء، ورؤى لا تتسع لقبول الآخر، حتى لو كان هذا الآخر أقرب الناس إليه، ويشاركه حياته وآماله وعيشه، كأن يكون زوجته أو أخته أو ابنه أو ابنته أو أخيه.. ومثل هذا النمط من البشر له قدرة على الاضطهاد والتنكيل بالآخر من دون نظرة إنسانيّة، إنّه المنظور الذي ينطلق من الكراهية والتعسّف وحتى الخلاص من الآخر!.
ويرى الظاهر انطلاقاً من رؤيته الماركسية: "إنّنا كماركسيين ننطلق من حقيقة أن اضطهاد المرأة، ونحن نعيش في مجتمع بطريركي، وهو في الجوهر اضطهاد اجتماعي، ومن ثمّ فإنّ تحرير النساء لا يتم إلا عبر تحرير المجتمع".
إذن.. كيف يمكن لنا تحرير المجتمع، إذا كان مجتمعاً خانعاً للظلم والاضطهاد والتعسّف، وكل فرد فيه يدرك ذلك.
إنّها مسألة وعي بمديات هذا الاضطهاد، وكيفيّة مواجهته، مواجهة عقلانيّة تؤكد على مساواة المرأة بالرجل، لا أن يتم التعامل مع المرأة تعاملاً يقلل من شأنها ومن قدرتها على العمل والخبرة والدراية.
ومع أن الظاهر يعتقد بأنّ "فكرة اضطهاد النساء مرتبطة بشكل لا ينفصم بالطبيعة الكلية للنظام الرأسمالي فكرة ذات معنى، وأن التقليد السياسي للماركسية يوفر طريقاً إلى أمام لا يفسّر فقط العالم الذي يبدو فيه التمييز مزمناً، وإنّما يطرح طريقته لتغييره".
إلا أنّنا نعتقد بأن النظم الاجتماعية التي تشكلت قبليّاً وعشائريّاً، تمثل إحدى الممارسات الأساسية في عملية الاضطهاد، ونتبيّن ذلك على وجه الخصوص في البلدان العربيّة، التي ما زالت تنظر إلى المرأة بوصفها (سلعة) سواء في المقايضة والشروط الزوجيّة، أو في التعامل معها قضائياً عندما تقبل شهادة امرأتين، مقابل شهادة رجل واحد!.
أليس هذا اضطهاداً ورفضاً للمساواة، أليست هذه نظرة دونيّة للمرأة، لا تقوم على نظام اشتراكي أو رأسمالي، وإنّما على مجتمع تحاصره التقاليد البالية والمفاهيم الجامدة والمتخلفة؟.
وينقل الظاهر رأي الروائيّة فرجينيا وولف عبر كتابها الأثير "غرفة خاصة بالمرء وحده" حيث ترى: "أن الرجال لا يحتكرون السلطة فقط، وإنما يقومون بذلك على أساس الحق الطبيعي المزعوم المرتبط بعجز النساء" ولا تسعفنا وولف ولا الظاهر، بتوضيح هذا "الحق الطبيعي".
نعم.. هو "مزعوم" لكن حتى الزعم هو دعي ومغفل، فالحق الإنساني للجنسين حق متساوٍ، إلا أن اضطهاد الرجل وهيمنته و "بطريركيته" هي التي جعلته يهيمن.. ومن ثمّ يضطهد المرأة، بعد أن يكون قد "نظر إلى النساء باعتبارهن ملكية الرجال" كما يقول الظاهر.
ومثل هذه الملكية تجعل صاحبها يتصرّف بها وفق مصالحه ونفوذه، وليس على أساس أن المرأة كائن لا يقل شأناً عن الرجل في جميع ميادين الحياة وأساليب وطرق العمل.
ويدين المؤلف: "المجتمع البرجوازي الذي يجد اليوم تعبيره الكامل في البغاء، وهو متجذر في الملكية الخاصة" فيما: "التنظيم الشيوعي للمجتمع يقوم بإلغاء هذا الواقع؟، زمن هذا المنطلق تدعو الماركسية إلى إلغاء الملكية الخاصة، وعندئذٍ "لن يعدن النساء مضطهدات من جانب الرجل" كما يرى انجلز مؤكداً "إنّ الملكية الخاصة باعتبارها العامل الوحيد في اضطهاد النساء" ص109.
ومثل هذه "الملكية الخاصة" غير مقبولة اجتماعياً بوصفها إرادة جماعية وليست معايشة وعلاقة إنسانية فاعلة يمكن بناؤها عن طريق هذه الخصوصيّة الفرديّة الواعية والمنتجة للسلام والوئام والعلاقات الحميميّة الحيّة!.
وعلى العكس مما تشير إليه الرأسمالية كون المشاعية نظرة الماركسية.. إنّ الماركسية تسعى إلى "إلغاء استغلال واغتراب العامل (الرجل) فهذا صحيح ايضاً بالنسبة للنساء".
إنّ "الملكية الخاصة" – كما نفهمها هنا – تعني قدرة الماركسية على اعتبار أن ملكية الإنسان رجلاً أم امرأة، ملكية مساواة في الإنتاج وليس في تغييب دور أي منهما على حساب الآخر، أو تذويب إرادة احدهما في الآخر.. بل لكل منهما خصوصيته وحقه الطبيعي في ممارسة حياة على وفق أسس اجتماعية تعدل بين الجميع من دون تمييز بين جنس وآخر، على العكس من النظرة السلعيّة التي تتحكّم في المفهوم البرجوازي.
من هنا تكون دعوة ماركس/ انجلز في "المختارات": "من كل حسب كفاءته، ولكل حسب حاجته"، كما أنّ "إلغاء الفوارق الطبقيّة – حسب ماركس - يزيل من تلقاء نفسه كل تفاوت اجتماعي وسياسي ناجم عن هذه الفوارق".
إنّ كتاب "اضطهاد النساء" فيه الكثير من التفاصيل المتعلقة بالماركسية والنسوية، والجندرة، وأصل العائلة وسواها، وكلها تفاصيل تدخل في الجدل السياسي والاقتصادي، أكثر من كونها رؤى تتعلق بعنوان هذا الكتاب المعمّق، والذي يمكن دراسته من منظور ماركسي أكثر من دراسته على وفق منظور سسيولوجي يخص النساء واضطهادهن ليس من قبل الرجل حسب، وإنّما من قبل الأنظمة السياسيّة الرأسماليّة والرجعيّة التي ما زالت تنظر وتتعامل مع النساء بوصفهن كائنات من الدرجة الثانية، وهو مفهوم لا تستجيب له الحقيقة، ولا يستجيب له عصرنا الراهن الذي يدعو إلى المساواة والعدالة بين الجنسين.
كتاب رضا الظاهر اضطهاد النساء يقع في محور الفكر الماركسي ومنظوره التقدمي في إدانة اضطهاد النساء، وهو على وفق ذلك يمكن أن يقرأ قراءة سياسيّة من منظور سسيولوجي جديد.. وصولا إلى منظور عصري ومستقبلي عادل.