| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأثنين 4 / 9 / 2023 أرشيف المقالات
الفيلم الأيراني (السبورة) إدانة للحرب
ووحشيتها وأستذكار لمعاناة الشعب الكردي
علي المسعود (*)
(موقع الناس)
المخرجة والممثلة "سميرة مخملباف" هي إبنة المخرج المتميز محسن نشأت في أسرة يهيمن عليها عشق الفن السينمائي. ظهرت لأول مرة على الشاشة وهي في عمر شهر واحد ، وفي سن الثامنة لعبت دورًأّ في فيلم والدها "راكب الدراجة" ، التحقت بمدرسة السينما في عمر الخامسة عشرة ، وفي الثامنة عشرة أخرجت فيلم التفاحة الذي تم اختياره رسميًا لمهرجان كان السينمائي مما جعلها أصغر مخرجة تدخل تلك المسابقة. في هذا الفيلم قدمت المخرجة الإيرانية سميرة مخملباف نقدًا شديدًا لطريقة معاملة النساء في المجتمعات الأبوية ، في تجربتها الثانية في فيلم "البلاك بورد" أو السبورة قدمت تأملًا لآثار الحرب على حياة الناس . اللوح الأسود أو السبورة (بالفارسية: تخته سیاه) هو فيلم دراما تم إنتاجه في عام 2000 . الفيلم كتابة محسن مخملباف وسميرة مخملباف وحصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان في نفس عام صدوره . تدور وقائع فيلم ” السبورة” في منطقة جبلية وعرة تقع على الحدود بين ايران والعراق في جبال كردستان في الفترة التي اشتعلت فيها الحرب بينهما، لكن الحرب هنا مجرد خلفية تكشف مأساة سكان إحدى القرى الحدودية الذين يهيمون بين الجبال وهم يحاولون العودة الى القرية بعد ان نزحوا عنها هربا من القصف الذي هدد حياتهم . يبدأ الفيلم بصور لا تُنسى لمجموعة من المعلمين يتجولون عبر التضاريس الوعرة للحدود ي جبال كردستان الإيرانية حاملين على ظهورهم الألواح السوداء (السبورات) بحثًا عن تلاميذ لغرض تعليمهم . وسعيًا لتوفير التعليم لهذه المنطقة الأمية الفقيرة مقابل دخل ضئيل . ولكن حال سماعهم أزيز الطائرات العسكرية ينبطحوا على الارض ويحمون أجسادهم بالسبورات. إنها نقطة انطلاق رائعة للفيلم . تركز المخرجة على إثنين من المعلمين ويتابع الفيلم مغامراتهم . المعلم سعيد (سعيد محمدي) ينضم إلى قافلة الرجال الكبار السن الذين يحاولون العودة إلى الحدود العراقية ويتطوع لمساعدتهم في مقابل تناول بعض الطعام أو المكسرات . الرجال هم مجموعة من اللاجئين الفارين من الحرب المشتعلة على الحدود ( الحرب العراقية – الإيرانية التي دامت 8 سنوات ) وهم عائدون الى وطنهم العراق .
المرأة الوحيدة في المجموعة هي هلاله (بهناز جعفري) التي ترعى إبنها الصغير ووالدها المسن المريض للغاية الذي يعاني من صعوبة التبول . يحاول المعلم سعيد كسب ود المرأة ويطلبها للزواج من والدها العجوز الذي يشترط أن يكون مهرها اللوح الاسود ، وهذه اشارة ذكية ولها دلالالة كبيرة أبدعت المخرجة في التلميح الى قيمة التعليم . ، في مشهد مضحك ومأساوي في نفس الوقت. يخبرهم الرجل الكبير الذي يعقد لهما بأنهما لا يستطيعان النظر إلى بعضهما البعض حتى يتزوجا ، فيقوم بوضع السبورة حاجزاّ بينهما ثم يؤدي مراسم الزواج. من الواضح ليس هذا ما تفكر به هلالة وليس همًها . إنها مشغولة بإبنها ورعاية الأب المريض . تصدر همهمات فقط رداً على الأسئلة التي تُطرح عليها بخصوص قبول الرجل زوجا لها. ويعد سعيد بحبها وحمايتها لها. في مشهد سيريالي وضع المعلم سعيد السبورة عبر فتحة في جدار حجري صغير بحيث تصبح بابًا لجناح شهر العسل المؤقت . أما كيف يغازلها؟ ، يكتب "أنا أحبك" على السبورة ويظهر لها الحروف ويخبرها بما تعنيه. في حين ريبور (بهمن غبادي) المعلم الثاني يجد نفسه وسط مجموعة من الأولاد وهم يحملون على ظهورهم البضائع لغرض تهريبها ، أطفال صغار يخاطرون بحياتهم في تهريب البضائع عبر الحدود . محملين بالسلع المسروقة على ظهورهم مثل الدواب. يطلقون على أنفسهم "البغال"، كم هي قبيحة تلك الحروب التي شوهت هؤلاء الأطفال وبراءتهم؟ يحاول المعلم إقناعهم بضرورة التعلم القراءة والحساب ، لكن ردهم كان صادم ،إنهم ليسوا بحاجة الى التعليم لانهم بغال يقومون بحمل الاشياء المهربة عبر الحدود من اجل العيش ، في عالم يسوده الصراع العنيف والنضال الصعب من أجل البقاء يكون التعليم والتعلم ليس من الضرورات.
تم تصوير هذه الدراما المثيرة بالقرب من مدينة حلبجه على الحدود العراقية وخلال الحرب بين إيران والعراق التي أمتدت لثماني سنوات ولجأ العديد من الأكراد العراقيين إلى كردستان الإيرانية هربًا من الحرب الكيماوية. الحرب مجرد خلفية تكشف مأساة سكان إحدى القرى الذين يحاولون الرجوع للقرية التي هربوا منها بسبب القصف الذي يهدد حياتهم . في هذه البيئة القاسية والوعرة حيث الجبال التي تمثل الحدود بين العراق وإيران والبيوت الصخرية تتحرك شخصيات هذه الفيلم يقضون وقتهم في التسلق والنزول بين الصخور. مدرسان شابان يحملان السبورة السوداء على ظهورهما ويحاولان العثور على شخص - أي شخص - يريد تعلم القراءة والكتابة مقابل ثمن رمزي. رغم أن المعلمين مدفوعون باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء والماء وحتى المأوى . تستفيد المخرجة مخملباف ومدير التصوير الفوتوغرافي "إبراهيم غفوري" إلى أقصى حد من ظروف التصوير الشاقة لإنشاء لوحة بصرية واقعية بشكل واضح - الإحساس بالمعاناة والمشقة شديد - ومع ذلك في بعض الأحيان تكون الصورسريالية بشكل واضح ، حيث تتشابك المعنى الحرفي والمجازي بطريقة سحرية والتي تم تصويرها بتيار خفي مدمر من التشاؤم في نهاية تلك المحرقة التي اسمها الحرب. تظهر العين البصرية القوية لمخملباف باستمرار في إظهار وحشية الحرب وتبعات أستمرارها من خلال تلك الصورة المؤثرة وميلها للتكوين والاعتمادات الفنية بشكل متقن . مع استخدام فعال لموسيقى تصويرية تعكس تلك البيئة القاسية وتراث تلك الشعوب .وتلتقي كاميرتها المحمولة باليد بأنواع من البشر في المنطقة من المهربين إلى الأكراد العراقيين الهاربين من الأسلحة الكيمياوية وبدعم من الأداء الطبيعي وغير المتكلف لفرقتها المكونة من ممثلين غير محترفين إلى حد كبير . ومن هنا جاءت قوة تأثير فيلم "بلاك بورد " حيث مجموعة من حوالي 10 مدرسين عاطلين عن العمل يسيرون على طول طريق جبلي مع السبورات السوداء مربوطة على ظهورهم . الاستعارة هي استعارة مباشرة. كما تقول مخملباف ، "المعرفة عبء ثقيل علينا أن نحمله".في احد المشاهد ، طلب فلاح عجوز من أحد المدرسين قراءة رسالة من إبنه السجين السياسي في العراق ، ، قام المدرس سعيد (سعيد محمدي) باختلاق اللغة بشفافية لانها مكتوبة بالعربية وهو لا يجيدها .
وصف الفيلم بأنه حكاية ثلاثة أجيال من المهجرين الأكراد الذين أجبروا على النزوح إلى المناطق الجبلية الوعرة . إذا كانت الحرب مجنونة ، فإن أكثر الجهود حماسة لمقاومة الحرب يجب أن تكون مجنونة بنفس القدر ، ربما يكون هذا هو أساس فيلم السبورات السوداء لسميرة مخملباف (2000) ، وهي حكاية مجازية لشعب محبوسون داخل منطقة حرب (يرمز لهم بالجبال الوعرة) يعيشون فيها ، ويبدو أنهم غير قادرين على التحرر من الفخ. أن تكون في متاهة لا نهاية لها من المسارات الجبلية المتعرجة والتي لا نهاية لها بحثا عن السلام وألامان . وكما صرحت المخرجة سميرة مخملباف: "الجبال تتحدث أيضًا في السبورات ... وتضاريس كردستان ستشرح كل شيء".
يُجبر المعلم (سعيد) على على طلاق هلالة التي تريد أن تلتحق بوالدها في العراق . في مراسيم الطلاق ، يلتزم سعيد بإعطائها السبورة كمؤخر للطلاق ، ويشعر بالخيبة لانه فقد كل شيء. وهنا يتساءل المشاهد : ماهي رسالة المخرجة المبدعة عن وضع المرأة في هذه المنطقة؟ ، بعد مشاهدة العديد من الأفلام الإيرانية التي تُعرض فيها نساء محرومات من حقوقهن ، تمنح "سميرة مخملباف" في هذا الفيلم هلالة على الأقل حقين غير مألوفين للغاية – ألأول ، تقرير ما إذا كانت تريد الزواج من سعيد ، ومن ثم تحديد ما إذا كانت تريد البقاء معه أم لا . عادة ما يتم ترتيب الزيجات من قبل الأبوين والطلاق هو الذي يقرره الرجل .
في هذا الفيلم يُترك للمشاهد أن يفهم أو يقررلا أحد لديه الوقت للتفكير هنا ولا حتى المعلمين. لا أحد يتحسر على وضعهم . لا أحد يقول ، "لماذا يطلقون النار علينا؟ أليس من المحزن أن تكون كرديا؟ " إنهم أناس عمليون ، أناس مرحون ، أناس يربطون سويًا ، حتى لمساعدة بعضهم البعض وعلى وجه الخصوص كبار السن . فإن المسألة الكردية هي موضوع ساخن في إيران وتناولته العديد من الأفلام ( وأغلبها ممنوع من العرض) ، تميل الأفلام الإيرانية إلى سرد قصص بسيطة ، غالبًا ما يشارك فيها الأطفال ، واستخدامهم رموز ، قصص عن الأطفال هي أحد طرق التهرب من انتباه الرقيب الإيراني ، وفي نفس الوقت ، تعطي هذه الأفلام أيضًا نظرة ثاقبة لثقافة لا يعرف عنها الكثير .
في النهاية يقترب أهل القرية من سور المدينة الحلم ، لتكتمل الصلاة فوق الأرض امتنانا بالوصول، والجميع يقبل الأرض ويرفع رأسه إلى الأعلى. وتتوج العلاقة بين (سعيد) و (هلالة) بمشهد معبر حين يقوم فيه الشيخ بطلاق سعيد وهلالة وحسب رغبتها والصداق هو السبورة التي يحملها المعلم، فتضعها (هلالة) على ظهرها وتتجه إلى القرية لتأتي بعدها النهاية . لا يستمر زواج المدرس بسبب ظروف وشروط نجاح العلاقة الزوجية غير متوفرة وببساطة يتم الطلاق , وتتواصل المسيرة الصعبة لذلك الطابور الخائف من حرس الحدود والمهدد بالفناء والضياع ، برغم قسوة الطبيعة وقمع البشر، ورغم حملة التهجير والقتل الجماعي والممارسات الغير إنسانية التي جابهتهم، إلا أنهم وفي أحيان كثيرة يرددون أغنيات كردية تكسر قلب الوحشة . عندما وصلت المجموعة أخيرًا إلى منطقة القرية ، يريد سعيد البقاء في كردستان الإيرانية بينما تريد هالالة العودة إلى كردستان العراق إلى قريتها ، لذلك انفصلا بإيجاز و يفقد سعيد السبورة . غادر الرجال العراقيون القدامى إيران ويذهبون إلى العراق ليموتوا حيث ولدوا. لجأوا إلى إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات هربًا من القصف الكيماوي . عملت مخملباف في فيلمها مع مجموعة من الهواة تم توظيفهم في المنطقة باستثناء الممثلة هلالة التي ادت دور بهناز جفري المرأة الوحيدة في هذا الفيلم الذي يتمحور حول الرجال . وهي المرة الوحيدة التي تشرح فيها الشخصية نفسها " قلبي مثل القطار. في كل محطة ، يصعد شخص ما أو ينطلق. لكن هناك شخص لا ينزل أبدًا وهو ابني". الفيلم يستحضر معاناة الشعب الكردي وتثير الحرب عليهم . الفيلم يحمل نوع من تبجيل السبورة ونجحت المخرجة في اثبات اهميتها ليس كوسيلة للتعليم فقط ، بل أستخدمت السبورة التي كانت عنوان الفيلم عدة مرات . بينما من الواضح أنها رمز عالمي للمدرسة ، تلعب هنا العديد من الأدوار. تصبح السبورات نقالة للرجل العجوز ، وبابًا ، وحبل غسيل ، وغطاء واقي من للاختباء من طائرات الهليكوبتر ، وفي وقت من الأوقات ، جبيرة لأحد الصبية الذي سقط من الجرف وأصاب ساقه. العجوز يستخدم السبورة كفاصل بين العروسين .. ثم يستعين بها العريس كساتر عندما ينفرد بعروسته . وعلى طول الفيلم تبدو السبورة كما لو انها جزء لا يتجزء من كيان المدرس ؟ .
تنسج سميرة مخملياف فيلمها بروح مترعة بالشفقة ولكن لا تنساق الى المغالاة او ” الميلودراما ” انها تتفهم وتنتقد وتحتج ولا تدين ، وحين سئلت المخرجة ، أين وجدت الأولاد الصغار ؛ هل كانوا بغال فعلاً يهربون بضائع بين الدول؟ ، أجابت : " نعم ، لقد اخترتهم جميعًا من قرية واحدة وكانت حياتهم حقيقية ، وكان التهريب حقيقياً بالنسبة لهم كونه هارب ، فقر ، جهل ، هذه حقيقة حياتهم" .
يوضح هذا الفيلم الرائع (االسبورة ) ، قوة السينما في إيصال الظروف والمواقف الصعبة التي تواجه الانسان . المخرجة سميرة مخملباف ، تعلمت حرفياً مهنتها في ظل والدها. كانت مخملباف تبلغ من العمر عشرين عامًا فقط عندما صنعت هذا الفيلم ، لكنها اكتسبت بالفعل عين المخرج الماهر في صناعة الأفلام ، تتحدث المخرجة عن صعوبات تصوير الفيلم في المنطقة الحدودية " تم تصوير فيلم "البلاك بورد" بالقرب من حلبجة مدينة في العراق تقع على مقربة من الحدود الإيرانية. أستخدم القصف الكيماوي لقمع الأكراد العراقيين. لم تتم إزالة الألغام الأرضية المزروعة في تلك المنطقة أثناء الحرب مطلقًا ، وكانت إحدى مشكلاتنا أثناء الإنتاج هي معرفة أين يمكننا السير وأين لا توجد ألغام أرضية. تلقينا بانتظام معلومات من القرويين المحليين على الأراضي الآمنة للمشي عليها ، يتعامل الفيلم كثيرًا مع الحدود بين إيران والعراق ، ولكن أيضًا الأكراد هم شعب بلا حدود معينة ". طرحت المخرجة سميرة مخلباف في فيلمها ظاهرة استغلال الأطفال ، وكذالك التهجير الجماعي للأكراد ، الفيلم يستحضر جمال هذه المنطقة الجبلية ، وكذلك الخراب الذي يسبب فقرها. وكيف يكافح الناس من أجل البقاء فقط ، بحيث يبدو تعليم الأطفال ليس ضروريًا. حتى المعلم نفسه لا يمكنه أن يكسب رزقه. وفي الفيلم جذب إقناع المعلم بفائدة التعليم واهميته في حياة الناس . إنه يؤكد على تماسك الأرواح البشرية.
(*) كاتب عراقي \ مقيم في المملكة المتحدة