| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الثلاثاء 4/9/ 2012

 

دول الخليج والربيع العربي

د. ليث حميد العاني *

يعتقد البعض أن دول الخليج العربي في منأى عن تسونامي الربيع العربي، ظناً منهم أن مسببات الغضب العربي اقتصادية بحتة، وإن دول الخليج منتعشة اقتصادياً، فالامر لن يطالها.

الحقيقة إن أسباب الغضب العربي الجارف ليست اقتصادية فحسب، وانما هي أسباب سياسية واجتماعية وحضارية، فضلاً عما يعانيه المواطن العربي من فقر وعوز ومرض وسوء خدمات التعليم والضمان الاجتماعي وغيرها. فهو محروم من حقه في حرية التعبير وحرية الاعتقاد وحرية ممارسة العمل السياسي والنقابي، ومحروم من حرية الكتابة والانتخاب وممارسة أبسط الحقوق في التعبير عن ذاته. من هنا يمكن القول أن دول الخليج التي لازالت تحكمها عوائل وعشائر بقوانين استبدادية، يصعب وضعها ضمن الدول التي يسودها النظام والقانون.
فبعد أن تفجرت ثورات الغضب العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن، والتي انتصرت فيها إرادات شعوبها، وبعد أن تفجرت ثورة الغضب في سوريا، بدأ التململ ولو بدرجات متفاوتة في مختلف بلدان الخليج.

ففي البحرين قطعت الثورة شوطاً كبيراً، فبعد أن قدمت الكثير من الضحايا رفعت سقف مطاليبها لترفع شعار رحيل الملك وإقامة دولة النظام والقانون.

وفي الكويت اهتز عرش الأمير، وتهاوت الحكومة، ورفعت شعارات تطالب بالكشف عن كل ملفات الفساد وضرورة تقليص صلاحيات العائلة الحاكمة، وضرورة إيجاد حل لقضايا معلقة منذ زمن طويل.

عُمان هي الاولى التي بدأت فيها الإرهاصات، إذ تفاقمت التظاهرات التي نظمتها جماعات الفيسبوك مطالبة بضرورة محاسبة الفاسدين ووضع حد لتهميش الكفاءات وتوسيع هامش الحريات الديموقراطية. قوبلت تلك التحركات بحزم وقمعت في وقت مبكر، وأجريت بعض الإصلاحات الترقيعية، ظناً من القائمين على مقاليد الامور أن الامر قد حسم، لكن الحقيقة هي عكس ذلك، فالأحداث تتفاعل في هذا البلد والغضب سيتفاقم، وسوف تتفجر الاوضاع كما في البحرين وفي الكويت.

وفي شرق السعودية، وعلى وجه التحديد في منطقة الاحساء، تزداد الاوضاع غلياناً، والتظاهرات مستمرة، والمعالجات لازالت في الإطار الامني.

يعتقد البعض أن أساس التحركات في السعودية وفي البحرين وعمان والكويت هو أساس طائفي، وإن إيران هي التي تغذي وتدفع الطائفة الشيعية وتحركها كما تشاء ومتى ما تشاء. قد يكون هناك بُعد طائفي ولكنه ليس العامل المحرك الوحيد، فالأمر مرتبط باللاعدالة في توزيع الموارد المادية، وتهميش ذوي الكفاءات، وتدني الخدمات، والتضييق على الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد وغيرها من الحقوق المدنية.

إن الانتعاش الاقتصادي في دول الخليج ليس ضمانة لانظمة الخليج لتكون في مأمن من التسونامي الذي يجتاح المنطقة. وقد بات الوقت ضيقاً أمام تلك الأنظمة لتسارع بإجراء إصلاحات قانونية ودستورية جريئة تضمن الحريات وحق الانتخاب والترشح، وتضمن حقوق المرأة بكل ماتعنيه هذه الكلمة، وأن يتسع عقل المشرعين في هذه البلدان لكي يرفعوا سقف هذه الحقوق لتتعدى حق المرأة في سياقة السيارة الى حق الانتخاب والترشح وتبوأ المناصب الحكومية والقضائية، وأن لاتتم الاستهانة بالمرأة التي لعبت دوراً محورياً في ثورات تونس ومصر واليمن وليبيا، إذ إن بإمكانها أن تتحول الى بركان غضب حقيقي اذا بقيت مهضومة الحقوق. الإصلاح الذي يتم الحديث عنه لابد أن يقترن بخطوات عملية واضحة وبالاتجاه الصحيح، ولو إن هذا سيواجه برفض القوى المحافظة والمتزمتة بشكل عنيف.

ليس مطلوباً أن يتم تخطى القيم الدينية والأعراف الاجتماعية وخصوصيات المجتمع العربي. فالقوى الليبرالية في منطقة الخليج تتفهم جيداً هذه المعطيات، وتعلم جيداً أن التأسيس للدولة المدنية لايتعارض إطلاقا مع مباديء الاسلام السمح الذي لايتعارض مع التطور والتقدم في مختلف مجالات الحياة. لهذا يمكن تحويل القيم الاسلامية الى أرضية صلبة تنطلق منها عملية الاصلاح نحو الديموقراطية الحقيقية.

الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه دول الخليج يمكن أن يؤدي دوراً مساعداً لتسهيل عملية الانتقال الى الديموقراطية، لأن التجارب الديموقراطية في البلدان الفقيرة تعثرت وفشلت ووصلت أحياناً الى طريق مسدود. لذا يمكن القول أن بناء الدولة المدنية في منطقة الخليج أمر قابل للتحقيق رغم المعوقات المرتبطة بالواقع الديني والقبلي.

إن الزمن ينفذ بالنسبة لأنظمة الخليج، وإن أي تأخير لعمليات الاصلاح الديموقراطي الحقيقي القائمة على مبادرات سياسية جريئة، وبغض النظر عن التسميات، قد يؤدي الى ارهاصات ومن ثم الى مواجهات كالتي تحصل في البحرين الآن. فالتأكيد على الحلول الأمنية واستخدام القوة لايجدي نفعاً، بل يؤجج الاوضاع ويعمق الازمة ويعقدها، ومثال سوريا والبحرين واضح للمراقب السياسي بشكل جلي.

 

* كاتب عراقي مقيم في السويد

 

free web counter

 

أرشيف المقالات