| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 3/12/ 2011

 

الديمقراطية ليست هامبركر يا سيد صالح المطلك!!

محمد ضياء عيسى العقابي

"بعد خروج الأمريكان، ستسقط الديمقراطية لأن من صاغها وحماها هم الأمريكيون".

صاحبُ هذا الكلام الخطير جداً جداً هو نائب رئيس الوزراء والقيادي في إئتلاف العراقية وزعيم جبهة الحوار الوطني،  ضمن ذلك الإئتلاف، الدكتور صالح المطلك الذي دخل الوزارة بالزحف (1) . أطلقَ هذا التصريح في فضائية "الحرة-عراق" / برنامج "حوار خاص" بتأريخ 28/11/2011 الذي أداره الإعلامي السيد سعدون محسن ضمد.

يُلاحَظُ أن الكلمتين المحوريتين في التصريح هما كلمة "صاغها" وكلمة "حماها".

فلنبدأ بالكلمة الأولى إذ تنطوي على شيء من التورية. فهي تحتمل فهمين مختلفين، وكما يلي:

أولاً: يمكن أن نفهمها على أنها تعني إبتداع شيء لا وجود له في هذه الدنيا وغير مألوف. أي أراد  السيد المطلك أن يقول إن النظام السياسي الذي "فرضه" الأمريكيون في العراق والمسمى "ديمقراطية" هو شيء لم يسمع به أحد في هذه الدنيا وسوف يذهب معهم عندما تنسحب قواتهم العسكرية في نهاية هذا العام 2011.

قد لا يصدق القارئ أن يوجد هناك شخص في هذه الدنيا لم يسمع بالديمقراطية كنظام سياسي تطمح جميع شعوب العالم للأخذ به منذ عقود بل منذ قرون وهو جوهر ثورات الربيع العربي منذ عام تقريباً. ولكن، في الحقيقة،  يوجد هكذا أشخاص غير الدكتور صالح المطلك. فالبعض لم يسمع بالديمقراطية والبعض لا يريدها والبعض يريدها مشوهةً على هواه. تأمل النماذج التالية:

 فذاك الشيخ عبد السلام الكبيسي ، الناطق الرسمي بإسم هيئة علماء المسلمين، قد قال: "... الإحتلال الذي فرض صيغة المحاصصة الطائفية ومنطق الأغلبية والأقلية" (من تقرير حول "وثيقة مؤتمر الصلح بين السنة والشيعة في العراق" نشرته صحيفة "صوت العراق" الإلكترونية بتأريخ 12/10/2006 نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط").

أما الشيخ حارث الضاري، رئيس هيئة علماء المسلمين، فقد طرح الرأي ذاته ولكن بصيغة أخرى، إذ طالب في صحيفة الوطن السعودية بتأريخ 17/10/2006  بما يلي: "الخروج من الأزمة الراهنة في العراق يكون بإنهاء العملية السياسية الحالية وتغيير الوجوه الحالية....".

وفي عام 2005 وبعد الإنتخابات العامة أعلم السيد إبراهيم الجنابي، المتحدث الرسمي بإسم القائمة العراقية، التي تزعمها السيد أياد علاوي، – أعلم راديو لندن العربي بما يلي: "قلنا لهم نريد مجلساً نيابياً متوازناً وإلا..." (ضحكت مديرة البرنامج وقالت له: "سيد إبراهيم من يقرر التوازن في مجلس النواب؟ هل هو أنت أم المصوتون؟").

بعد ذلك وفي نفس السنة وعند تشكيل حكومة المالكي الأولى، حاول السفير الأمريكي سيء الصيت زلماي خليل زاد فَرْضَ "مجلس الأمن الوطني". لم ينتظر الدكتور عدنان الدليمي، رئيس جبهة التوافق، بل سارع إلى التصريح لراديو لندن العربي قائلاً: "نريده مجلساً فوق البرلمان".

وفي عام 2007، قدم السيد أياد علاوي، رئيس القائمة العراقية آنذاك ورئيس إئتلاف العراقية اليوم، مشروعاً إلى الدكتورة كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية. أوضح السيد أسامة النجيفي ماهية ذلك المشروع، فقال إن مشروع الدكتور أياد دعى إلى إلغاء الدستور وحل مجلس النواب.

وفي عام 2010، أعاد الدكتور أياد علاوي وبمساعدة السيد جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، الكرّة  لكي يجلس فوق البرلمان ويضع الرئاسات الثلاث في جيبه عبر مشروعه الذي عكس تصوره الخاص ل "المجلس الوطني للسياسات العليا".

وردد عبارة "وجوب تصحيح مسار العملية السياسية" عشرات المرات في مقابلات تلفزيونية السيدان طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية، وظافر العاني، كان آخرها في فضائية الحرة - عراق / برنامج بالعراقي بتأريخ 22/11/2011 إذ علل السيد ظافر مطلبه هذا بالقول الطائفي: "لأن العملية جاءت أثناء وجود إحتلال وجماعات معينة" (2) .

ثانياً: ويمكن أن تعني كلمة "صاغها" تشويهاً لشيء معروف ومتفق عليه.  فالديمقراطية أمر معروف للسيد المطلك لكن الأمريكيين صاغوها مشوهة في العراق، لذا فسوف تذهب معهم، حسب رأيه.

هنا أنا أتفق مع السيد المطلك مع توضيحين:

-  التشويه تجسد في الأخذ بمبدأ "الشراكة" الذي آل في واقع الحال إلى "المحاصصة". وهذا المبدأ مستمد من صيغ طولب بها قبل سنين لكنها فشلت مثل "أهل الحل والعقد"، "التوافق"، "حق النقض"، و "حق الفيتو" وغيرها من المسميات.

إن هذا تشويه للممارسة الديمقراطية السليمة وهي الأخذ بمبدأ "الأغلبية السياسية".

-  إن المسؤول عن المحاصصة والذي دفع الأمريكيين إلى الأخذ بها هم المستفيدون منها الذين يعرفهم السيد صالح المطلك جيداً.

فلماذا هذا النفاق؟

أخيراً، آتي إلى كلمة "حماها" الأمريكيون، أي حموا الديمقراطية، وستذهب معهم.

أقولها صريحةً لصالح المطلك ولكل طغموي (3) :
الذي طالب بالديمقراطية وحماها هم ديمقراطيو الشعب العراقي بجميع مكوناته العرقية والدينية والمذهبية وواجهوا بشراسة إرهابَ أعداء الديمقراطية الطغمويين والتكفيريين المنتمين لجميع مكونات الشعب العراقي أيضاً ولكن بنسبة ضئيلة.  

يتمسك العراقيون بالديمقراطية لأنها نظام الحكم الوحيد الذي يحافظ على أرواح الناس من التطهير الطائفي والعرقي والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي مارسها النظام البعثي الطغموي الذي كنتَ تنتمي إليه، ومارسها الإرهاب الأسود لفلوله بعد سقوطه وأنتَ متهم شعبياً بالتعاون مع هذا الإرهاب والتستر عليه.

فأنا واثق أن الشعب سوف لا يسمح لأي كان أن ينال من الديمقراطية الوليدة بشكل أو آخر.

فإعلم أن الديمقراطية ليست "هامبركر" تذهب عندما يذهب مطعم "ماكدونالد".

فإياك إياك أن تأتينا بمشاريع أجنبية لتقسيم العراق وإثارة إقتتال الأخوة المتحابين مهما إختلفوا، خدمةً لمشروع صراع سني – شيعي مدمر على نطاق المنطقة خططت له الصهيونية وحكام السعودية الذين يريدونه للتعتيم والتهرب من الإستحقاقات الديمقراطية التي يطاردهم شعبهم وشعوب المنطقة والعالم لإنتزاعها منهم طال الزمن أم قصر.   

 

(1) في الحقيقة كان السيد صالح المطلك خاضعاً لقانون المساءلة والعدالة. لذا إستُبعدَ من خوض الإنتخابات التي جرت في 7/3/2010. غير أن الضغوط الأمريكية التي تلت التزوير الجزئي للإنتخابات فُرضت على العراقيين إتفاقات أربيل وكان من ضمنها الصفح عن الدكتورين صالح المطلك وظافر العاني فأُعفيا من طائلة قانون المسائلة والعدالة بعد الإعتذار عن تمجيدهما لحزب البعث الطغموي وهو عمل محظور دستورياً.
(2) قرأتُ في كلام السيد ظافر عن "الجماعات المعينة" – قرأتُ حنيناً إلى الأيام الطغموية حيث هُمِّش وأُقصي وأُبيد ودُفن أمواتٌ وأحياءٌ في مقابر جماعية الملايينُ الغفيرة من أبناء شعبنا، وهؤلاء هم "الجماعات المعينة".
(3) الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. بلغ الإجرام البعثي الطغموي حد ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والتهجير الداخلي والخارجي والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة الدمار الشامل. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كماإنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.
 
الطائفية: للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب. إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.
أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة. لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية. والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها. طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي. الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة وعدم حشر الدين في الشئون السياسية. لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يدعو إلى التفاؤل والتشجيع، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسي.
 

 

 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات