|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  03  / 1 / 2015                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

رحلة الى باعذرى.....

ماجدة الجبوري

كنا على موعد للذهاب الى ناحية باعذرى التابعة لمحافظة دهوك، القاضي زهير كاظم عبود و جنان "ام علي"، ابراهيم الحريري، ماجدة الجبوري مع كاك نهاد القاضي والدكتورة فيان ونحن نشكل وفد هيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب في العراق، مع عدد من ناشطين في مجال حقوق الانسان واعلاميين، جاءوا من كوردستان ومن عدّة دول، للقاء صغار الايزيديين اليتامى، والمُعاقين.

الرحلة لم تكن سهلة على الاقل من الناحية النفسية، لقاء أناس ذبحوا بوحشية، لقاء براعم صغار فقدوا الابوين، الكثير منهم من قتل والده امام عينيه، منهم من سحب وهو يغفو في دفء حضن أمه، منهم من رافق عذاباتها وهي تموت عطشاً أو هي من شهدت موت فلذّة كبدها عطشاً، انهم الشعب الإيزيدي، رحلة ليست سهلة بكل المقاييس .

سارت بنا السيارة مسرعة، تشق طريقها الى باعذرى، في شارع يسكن بين الخضرة، والمروج ، يمر بعدّة مناطق وسيطرات، وارتال عسكرية، سيارة عسكرية يقف بجوارها جنود بيشمركة يلتقطون صورا تذكارية، على جانب الطريق بقايا ناقلات نفط محروقة، بسبب كل هذا , و بدون ان تدري , ينتابك إحساس بالوحشة، والإحباط، وانت تنظر الى جانبي الطريق، تنظر الى ارض، وتسأل اين أهلها؟ تركوها بعد ان كانوا يدارونها كالحبيبة برِقّة وحنين ومحبة قلوب إيزيدية عشقت وأحبّت و كبرت بالارض، آباء وأمهات غرسوا وتغنّوا بسنابلها، شربوا وارتووا من مائها، ربّوا صغارهم على حبّها، والتشبّث بها.لكن...
لكن ...ا؟.ين هم الآن ؟

توقفت السيارة بنا امام احد البيوت في ناحية باعذرى، مرّت بجانبا فتاتان جميلتان شقراوتان تنظران الينا وتتهامسان، علّقت ام علي ضاحكة إمْبيّن علينه غرباء! ثم مرّت صبيّة كفلقة قمر، قلت لأم علي، جمال الايزيديات خلاّب فعلا.

عبرنا الى السوق من خلال منطقة مرتفعة عبر مدرّجات طويلة، تستطيع سماع خرير الماء ينساب الى الاسفل. الناحية لا تتمتّع باالخدمات، مدينة فقيرة بسوقها، بشوارعها المحفّرة، بيوتها القديمة نصفها مهدّم، لكنها غنيّة بطيبة ساكنيها.

التقينا أولا بعدد من اصحاب القضية من الايزيديين منهم نساء ورجال، أو المتعاطفين معنا، تحدثوا بدون انقطاع عن قصص لا تنتهي، عن آلام وأوجاع تفوق التصوّر، عن احلامهم التي دُمرت بالكامل، لكن حديثهم موجع أكثرحين يأتي على ذكر نسائهم السبايا بين مخلب الداعشيين الوحوتتش . كن انظر لوجوه النساء في السوق، في الشارع فلا أرى سوى الخوف الذي ما يزال مسيطرا عليهن فهن لسن بعيداتثيرا ك عن نار جهنّم الداعشي، الخوف تراه في عيونهن، في وجوههنّ الشاحبة.

في الساعة التاسعة مساءا توجهنا الى الى الكمب أو معسكر اللاجئين الإيزيديين . من بعيد تراءت لنا اضواء المخيمات. حين تقترب اكثر، يراودك شعور انك ترى اكفاناً بيضاء مشرّعة، من هنا تبدأ تعتصر كف هائلة روحك .

في خيمة كبيرة خصصّت لمشاركتهم أللّحظات الاخيرة من عام 2014 ، تجمّع الاطفال كان عددهم أكثر من مائة وخمسين طفلا، من كلاّ الجنسين، عيونهم ترنوا نحونا، كأننا أملهم بالخلاص، ، لاعادتهم الى مدارسهم، الى أحضان امهاتهم، الى بيوتهم، بل ارجاع طفولتهم المنتهكة اليهم .

برنامجنا كان حافلاً بالفعاليات، غناء، قراءة الشعر، اسئلة واجوبة، معرض للرسم، ومن ثم توزيع هدايا على المشاركين والفائزين، إضافةً الى توزيع هدايا على جميع الاطفال، ثم حرق كلمة داعش ووضعها في برميل للنفايات، الفقرة الاخيرة هي اشعال الشموع، والمشي حفاة الاقدام، الصغار استانسوا، تفاعلوا، اشعلوا شموعهم وهم يرافقوننا بمهابة، بل نسوا آلامهم وهم يشعرون ان هناك احدا يشاركهم أفراحهم بنهاية عام كان مشؤوما.

في الخيمه كانت صبيّة مميزّة تتحرك هنا وهناك، لا حظت اهتمام الحاضرين بالصبيّة. اقتربت منها وسألتها اشلونج يا حلوة؟ قالت بخجل زينه، إنها "ع" ابنة الثالثة عشر عاماً، جميلة سمراء، اتنكط ملاحة وحلاوة، وضحكتها طفولية. لا طفتها، قلت عندك عيون حلوة تدرين؟ ضحكت وغطّت وجهها بيديها، همست في اذنها سمعت انك كنت بطلة وسبّاعية كَدرتي تهربين من داعش، هزّت رأسها بالإيجاب، قلت هل آذوك هزّت رأسها مرةً أخرى لكن بمرارة.

روت "ع" قصتها وهي تتحدث باللهجة السورية: تقول بعد الهجوم على جبل شنكال اخذَ داعش جميع النساء الايزيديات بسيارات، من سنجار الى تلعفر ثم الى سوريا، كنا مجموعة من الاطفال والنساء، آني كنت من حصّة رجل كبير بالعمر اشتراني، او سباني. عاملني بقسوة، كان يضربني حيلْ، سألتها كيف يضربك؟ اجابت بغصّة، يضربني بالكيبل!!!! ثم سألتها اشوكت تعلّمتي عربي؟ اجابت تعلمت في سوريا اللهجة السوريةألاني بقيت عند داعش اربعة اشهر.

تضيف كنت اقاوم واقاوم لكنني طفلة صغيرة، اشلون أكَدر!!! أضربت عن الطعام، حاولت الانتحار عدّة مرّات وفشلت، ثم نقلوني مع فتيات ايزيديات الى احد البيوت. حين سنحت لنا الفرصة استطعنا الهرب منهم ونجونا، لكن الخوف لازال يلازمني، لا أنام الليل الاّ بحبوب مهدّئة، واشكو من اوجاع في بطني وخاصرتي وكل جسمي، سالتها ماذا تتمنّين في نهاية العام، اجابت بحزن: اتمنى ان ترجع اختي الكبيرة هي ايضا سبيّه عند داعش، ولديها طفل!!!.

كان صخب الصغار صياحهم عالياً في الخيمة، بعضهم شارك في معرض بسيط للرسم، معظم رسوماتهم تبحث عن بيت، عن عائلة، ومدينتهم سنجار، او كما يسمونها شنكال حاضرة في رسوماتهم، اشجار حديقتهم، امهاتهم، اباؤهم، اخواتهم المفقودات كنّ حاضرات ايضا.

هناك قصص وخفايا، حُكيت لا تستطيع استيعابها، لشعبٍ مسالم، جميل، متعلق بأرض لا يملكها، نساؤه من اجمل مايكون، ، لسان ذكيات ,لسان حالهم يقول : حرّروا لنا بناتنا ، طفلاتنا الحلوات !




 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter