| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 30/10/ 2010

 

سوق الصاغة في الحلة

كاظم أمين عوض

ضمن الحملة العمرانية التي قادها المتصرف ـ خالد الذكر ـ سعد صالح أنشأت عدة أسواق فرعية سنة 1939م أُلحقت بالسوق الرئيس فأصبح خلف مديرية شرطة اللواء التي نقضت سنة 1976 أسواق:التجار والقصابين ثم الصاغة وعند إكماله انتقل اليه أولاً الصاغة اليهود وكان عددهم يربو على الخمسة والعشرين صائغاً كان كبيرهم خبرةً ووجاهةً وسناً (الياهو) الذي بقي في الحلة حتى سنة 1955م لأسباب سنبينها لاحقاً.
ووفق ما سمعته عن والدي الحاج أمين علي عوض فإن سوق الحدادين الذي موقعه الآن ضمن سوق العلاوي كان سوقاً عامرة للصاغة زمن الدولة العثمانية وقد ورث والدي عن أبيه عن جده تلك المهنة حتى إذا حل عام 1940م انتقل الصاغة اليهود الى السوق الجديد ولم يبق من ذلك السوق العامر سوى خمسة دكاكين تعود لخمسة صاغة مسلمين فقط كان أكبرهم سناً والدي (أمين) والبقية تعود الى الحاج عمران (جد الدكتور علي الصائغ) وسعيد الخيكاني وهادي حميد الخوجه نعمة ومجيد أمين عوض وقد عملتُ (أنا وشقيقي عبيد) ضمن المحل الذي يعود لوالدي في مهنة الصياغة واتقنتها تماماً وتركت العمل بعد تخرجي في كلية الإدارة والاقتصاد سنة 1969م وتحول تدريجياً ذلك السوق الى ورش لصناعة الفؤوس والمساحي وأُغلق أخر محل للصاغة بوفاة والدي سنة 1966م وكان يطلق على تلك المحلات سوق الصاغة المسلمين .
ووفق المواثيق فإن جدي الرابع (الحاج محمد عوض) المولود سنة 1780م هو صاحب هذه المهنة وقد أدركتُ في بيتنا في محلة الجامعين بقايا ورشة قديمة كان يجرى فيها تصفية الذهب والفضة ومختبراً كيماويا علمياً له أسراره التي لا يعرفها غير صاحب الخبرة فقد كان يحتوي على جميع أنواع الفلزات كالذهب والفضة والنحاس والقصدير والخارصين والبلاتين وبقية أنواع السبائك الأخرى إضافة الى أنواع الحوامض النتريك والكبريتيك والماء الملكي الذي يذيب المعادن ، فهناك عمليات طلاء الذهب للفضة والنحاس والتلبيس للمعادن وهذه الأخيرة لا يعرفها الصاغة المعاصرين قطعاً، وفن عمل الصائغ لا يعرفه إلا الصائغ الممارس ذو الخبرة العالية وفن التطعيم بالمينا هو الآخر لم يعرفه الصاغة الحاليون وآخر من أبدع فيه المرحوم مجيد أمين عوض حيث عمل سيفاً الى أحد أصدقائه عُد تحفة فنية لا يزال تحتفظ به تلك الأسرة.
كان سوق الصاغة تعود غالبية محلاته الى صاغة يهود يربو عددهم على الخمسة والعشرين محلاً يجاورهم خمسة من الصاغة المسلمين هم: نوري المرزوك والحاج عيسى وولديه محمد وصالح وعلاوي الصائغ وحميد الدليمي والأخير تعلم المهنة على يد مجيد أمين عوض ولا يزال حياً.
هذا السوق كان يطلق عليه سوق الأوقاف لعائديته الى دائرة أوقاف الحلة أجريت عليه عدة تغييرات مهمة كان آخرها سنة 1986م زمن المحافظ سيء الصيت هاشم حسن المجيد وعمل فيه العديد من أصحاب هذه المهنة من اليهود والصابئة والمسلمين ، أما بقاء الياهو في مدينة الحلة حتى عام 1955م فهو لغرض مادي غير ما أشيع على انه يحب وطنه ومدينته، فالياهو كان رجلاً حصيفاً ويحتل مكانة محترمة بين أرباب الدولة آنذاك، وعند سفر اليهود الى إسرائيل سنة 1949م أودعوا ما يملكون من ذهب وفضة الى ذلك الرجل وبقي هو يستحصل ما بذمة الناس من أموال تعود للصاغة الذين هجروا الحلة وتمكن من تحويل وتهريب تلك الثروة الى دولة النمسا حتى إذا حلَ عام 1955 سافر الى النمسا ثم انتقل سنة 1960م الى المملكة المتحدة (لندن) ولم يعد له خبراً بعد ذلك الوقت0
بعد هجرة الصاغة اليهود أصبح السوق مهجوراً إلا من خمسة صاغة مسلمين ذكروا اعلاه فقدم الحلة صاغة من كربلاء والنجف والسماوة وطويريج وافتتح سودان أمين محله سنة 1949 ثم تلاه شقيقه شاكر أمين وتتابع ازدهار السوق ثانية وحُشر بينهم الدخلاء على المهنة من الذين لا يفقهون في الصياغة شيئا حتى أصبحت اليوم كبقية محلات التجارة ليس لصاحب المهنة من فن أو خبرة في المصوغة التي يتداول بها بعد أن راحت التكنولوجيا الحديثة تضخ الى السوق أنواع الزناجيل والقطع الذهبية مصنعة في ايطاليا أو تركيا أو ألمانيا وغيرها من البلدان المتطورة وتلاشت الخبرة التي كان الصائغ يملكها ويعدها سراً من أسرار بقية المهن الأخرى.

 

16|10|2010



 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات