| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                       الخميس 2/2/ 2012

 

خواطر ورثاء وليلة وداع

فرحان العطية

كان لنبأ وفاة صديقي العزيز الأستاذ سليم عربي الخميسي وهو في بلد الغربة أميركا ، وجع في القلب وغصة في الحلق ودمعة محتبسة في العين ، لقد أحببنا الوطن مبكرا وسوية رغم الفارق البسيط بين عمرينا ، وفي بلادي (من يحب وطنا يدفع ثمنا ، ومن يغازل وطنا يقبض ثمنا) ودفعنا الثمن أيضا مبكرا ، فقد فصلنا من الوظيفة وطلب منا أن ننفذ الخدمة الألزامية فنفذنا مع نخبة من المثقفين العراقيين في مركزي  تدريب الرستمية والسعدية إستعدادا من الحكومة لعقد حلف بغداد في العهد الملكي. وبعد معاناة وقد سدت سبل العيش أمامنا فتحت من جديد عندما توظفنا في بنك إنكليزي هو البنك العثماني ، وحين إنفجرت ثورة تموز إنتعشت الآمال وأستبشرنا خيرا وأتيحت لنا فرصة اكمال دراستنا العليا ، ولكن تكالب الأعداء من الداخل والخارج كما يتكالبون الآن على الوطن (لأرجاع الحصان الجامح الى حظيرته) أجهضت الثورة ، وقضي عليها في انقلاب ( 8 شباط 1963 ) ودفعنا الثمن مرة أخرى ، ثم سارت الأمور بين مد وجزر حتى أدخل الطاغية البلاد في حروب عبثية راح ضحيتها الكثير من الرجال والمال. ورغم الحصار الداخلي والخارجي كان قرارنا أن لا نغادر الوطن ولكن الأمور سارت في اتجاه آخر فقد قررت أن أغادر بعدما مللت من استجوابات السلطات الأمنية لي بين حين وآخر للسؤال عن أولادي وخاصة الكبير منهم (وميض) وعن المكان الذي يتواجد فيه خارج العراق وأنا أتحجج في كل مرة بحجة أو بأخرى ، وكان قد أمضى بما يقارب 10 سنوات بين اعتقال وسجن وأعتقال وكان آخرها في انتفاضة عام 1991 حين داهم البيت مسلحون يلبسون ملابس مدنية وأعتقلوه وعرفنا بعدئذ أنهم من (الحرس الخاص) وبقينا لا نعرف عنه شيئا إلا بعد حوالي ثمانية أشهر كما العادة في كل مرة وحين أطلق سراحه (بمساعدة أصدقاء أعزاء أرجو أن يكونوا بخير) سهلت له مغادرة العراق فكانت سبة.                                                                                                   

هي أيام وسنين قضيناها يا أبا خولة بحلوها ومرها وكان آخر لقاء بيننا عام 1998 وحين أتصلت بك عندما وصلت أميركا وجدتك متماسكا كالعادة رغم ظروفك العائلية الصعبة ، وقلنا ربما نلتقي إن مد الزمان بعمرينا ولكنك الآن رحلت فوداعا.    وفي ليلة السفر التي غادرت فيها بغداد كان لي حوار صعب مع النفس وصراع سجلته في هذا النص الشعري وأعتقد أنه لسان حال كل الوطنيين الذين غادروا الوطن وهم مجبرون وها هو :

                                
تصفحت وأيا ها حصاد السنين        ولم نبالي بالهموم ولا بالارق

وجدنا المسار طويلا ولكن             حصادنا فيه هشيم مزق

فقد ابتلينا وتحطمت أحلامنا            وأن عملنا من الصبح حتى الغسق

فلم تكفنا همة عالية                     وفكر مستنير ولسان لبق

ومرت بنا ألأيام تترى                   فلم نتلون وللسمع لم نسترق

فتعاهدنا أن نحث الخطى                ونلحق بالركب وأن نستبق

فما بالك اليوم حائرة                     وهل نسيت العهد أن نتفق

فهذه الدنيا على حالها                    يوم عظيم ويوم ينغلق

كنا على السواء نشد الشعور           خوفا على ألآمال أن تحترق

سرنا وما ضرنا أن نسير               فكيف وأنت بين المفترق

أهو حكم العمر فينا                     أم الحلم تغير ولا يستحق

بربك لا تخذليني وكوني                كما كنت دوما فلم نفترق

ولا تجعلي من العمر معضلة          ويكفي من ألأعذار ما يختلق

فأنهضي ولا تشدي الوثاق               فقد آن العبور وأن نخترق

نمشي ولا بد أن نمشي                   نبدد من حولنا ظلام النفق

بدأنا بترحال وعمر جديد                فخمس وستون وهو المنطلق

نفتش علنا نجد وطنا                      فهيا احلمي عسى أن نوفق

وأن كنت يا وطني وطنا                 دان الزمان له وأمتد حتى ألأفق

نعيش أغرابا فبئس من وطن             تباع به ألأوطان أو تسرق

ولا تعجبي فكل شيئ يباع               والسوق واسعة لبياع حذق

ولا تسمي أشياء بأسمائها                بل تلون بلون الشفق

حتى الطغاة قد غيروا ألوانهم           ويلبسون اليوم أساورا وحلق

فهل رأيت ما يجري لنا                  وقد تعبنا وأضنانا القلق

لكن مهما استطال الظلام               فلا بد للفجر أن ينبثق

free web counter

 

أرشيف المقالات