| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 28/3/ 2010

 

الأنتخابات العراقية و البحث عن الرمز/ الأب – محاولة لتشخيص دور اليسار

كفاح عادل  

مقدمة:
قرأت قبل فترة مقالة للكاتب اليساري الأميركي كرس هدجز – Chris Hedges- بعنوان " الولايات المتحدة الأمية" و يلقي الضوء فيها على مظاهر تدهور المعرفة و الوعي في المجتمع الأميركي المعاصر و قد لفت أنتباهي في المقالة البحث الذي أجرته جامعة برنستون الشهيرة (هي نفس الجامعة التي كان يحاضر فيها ألبرت آينشتاين) حول المستوى اللغوي لمناظرات المرشحين للرئاسة الأميركية من خلال تحليل المفردات و محتوى الكلمات و درجة نضج النصوص و ما هي درجة تعليم المتلقي (الناخب) الضرورية لفهم هذا الخطاب/ النص حيث كانت النتائج كالآتي:
1- المناظرة بين المرشحين ستيفن دوكلاس و أبراهام لنكولن في عام 1858 كان مستوى الخطاب هو بمستوى المرحلة 12 (السادس ثانوي)
2- المناظرة بين المرشحين رتشارد نيكسون و جون كندي في عام 1960 كان مستوى الخطاب هو بمستوى المرحلة 10 (الرابع ثانوي)
3- المناظرة بين المرشحين جورج الأب و بيل كلنتون في عام 1992 كان مستوى الخطاب هو بمستوى المرحلة 7 (الأول متوسط)
4- المناظرة بين المرشحين جورج بوش الأبن و آل كور في عام 2000 كان مستوى الخطاب هو بمستوى المرحلة 6 (السادس أبتدائي)

و بأختصار يشير الكاتب بأن السياسيين اليوم يتحدثون بلغة مصاغة لأطفال بسن العاشرة كأنعكاس لتدني الوعي و الثقافة لدى الناخب الأميركي و مساهمة من السياسيين في تعميق هذا الجهل حسب رأي الكاتب!

لا أدري ماذا ستكون نتيجة بحث مشابه فيما لو تم على الخطاب السياسي العراقي أرتباطاً بحالة الوعي الراهنة في المجتمع؟ هل توجد جامعة أو مؤسسة بحثية قادرة على أجراء هذا البحث بصورة علمية و شفافة و مستقلة؟

برأيي الشخصي فأننا سننتهي بنتيجة أن خطاب (الكتل الكبيرة) لم يكن يتجاوز مرحلة رياض الأطفال و لربما الأول الأبتدائي في أحسن الأحوال و ذلك من خلال ملاحظة المظاهر الآتية في الخطاب السياسي و أسلوب الدعاية الأنتخابية و منهج حملاتها الأنتخابية:

1- أعتماد أسلوب الترهيب من الآخر و نشر الخوف في نفوس الناخب فيما لو فازت الكتلة الأخرى. فنرى مثلاً كتل تحذر من عواقب وصول الطائفيين و المدعومين من أيران (و كأنما التدخل الخليجي – التركي أفضل أو هو الحل) و كتل أخرى تحذر من صعود البعثيين و المدعومين من دول الخليج و تركيا (و كأن الطائفية و الدعم الأيراني هو البديل)
2- أعتماد أسلوب الهدايا و الرشى و توزيع الهبات كثمن للتصويت (نشر أكثر من موقع الكتروني نماذج من هذه الهدايا)
3- غياب شبه كامل لأي خطاب علمي و واضح يتحدث عن خطط أقتصادية لأغراض التنمية و رفع مستوى الفرد أو الحديث عن شكل الدولة و نظامها السياسي .

أليس هذا ما نفعله مع الأطفال لغرض الطلب منهم القيام بعمل معين أو عدم القيام بأعمال معينة ؟ فنحن نخيف الأطفال مثلاً من النار لغرض عدم الأقتراب من مصادر النار بدون شرح لخطر الحريق أو لطرق الأستعمال الأفضل للنار بسبب عدم فهم الأطفال لهذا الشرح (اللغة)! و نوعدهم بحلويات و هدايا طيبة فيما لو أتموا عملاً معيناً (مثل الواجب البيتي) بدون الخوض بأهمية هذا العمل له (أهمية رياض الأطفال مثلاً).

البحث عن المنقذ - الرمز:
بغياب الوعي و فكرة الفرد – المواطن و نتيجة للحروب و للحصار و أنهيار الفئات المنتجة في المجتمع و تراجع دور التعليم و العلم و الثقافة و كان لابد من صعود القوى الطائفية – المناطقية و خاصة و أن المواطن العراقي المرهون بالخوف و عدم الثقة في المستقبل و هو يرى الخراب و القتل و تراجع الخدمات يوم بعد يوم و غياب سلطة تحميه. لم تعد فكرة المؤسسة مقبولة بل و مغرية لتحل محلها فكرة الشخص – الرمز – السوبرمان المنقذ الذي سوف يحل كل المشاكل بعصا سحرية.
هنا أخذت كل منطقة – عشيرة – طائفة – قومية تبحث عن بطلها و بذلك تدخلت كل عناصر الهويات الفرعية مع تشابك المصالح الأقتصادية و الأقليمية لتحديد هوية المنقذ و بالنتيجة ظهر أكثر من بطل على الساحة ليمثل كل واحد منهم مجموعة معينة و يلبي أحلامها و ينسجم مع خيالاتها بعيداً عن أرض الواقع و بعيداً عن فهم ماذا يجري على الأرض و هل حقاً هذا الشخص قادر على صنع المعجزات؟

فكرة الأب الذي يأخذ بيد أولاده لينقذهم من الضياع و ليرسم البسمة على وجوههم هي التي سيرت خيارات الناخب و بالطبع هذا لم يكن بمعزل عن خطاب و ممارسات الكتل الكبيرة و المدعومة أقليمياً بطريقة أو أخرى و برعاية العم سام. وكذلك لم يكن بمعزل عن شبه غياب للدور المؤثر للقوى اليسارية التقدمية و ضعف تأثيرها الأجتماعي – السياسي.

ولعل ردود أفعال الشارع العراقي و الفرد تعطينا فكرة أفضل و تأكيد على هذه الحالة, فالناخب الذي أنتخب كتلة فازت بمقاعد أعلى من الأخرى يحاول أن يستهزئ و ينتقص من أخوه العراقي (الناخب الآخر) الذي أنتخب كتلة أخرى خاسرة! نعم فلقد فاز بطله و خسر البطل المنافس بعيداً عن أي فهم علمي و وطني لمعنى الأنتخابات و دورها الأجتماعي و السياسي.
المضحك في الأمر أن الكل يتحدث عن الوطنية و الأخوة العراقية و غيرها من الكلمات البراقة في حين أن نتائج الأنتخابات و ردود فعل المواطنين و السياسيين لا علاقة لها بهذا الكلام بل العكس هو الصحيح, فالأمر لا يتعدى كون ما جرى هو لعبة فيها رابح أو خاسر و الرابح هو الذي يفوز بالغنيمة.

دور اليسار:
بدءاً المقصود باليسار هو كل التنظيمات و الحركات السياسية و منظمات المجتمع المدني و كذلك الأفراد الذين ينتمون فكرياً الى هذا المنهج المبني على أساس التحليل و النقد العلمي للواقع من أجل تغييره و العمل على أشاعة قيم التقدم الأجتماعي و العدالة الأجتماعية و قيم الفن و الجمال و ضمان حقوق المرأة الأقتصادية و السياسية و الأجتماعية و غيرها من القيم الأنسانية النبيلة. بالتالي فهي لا تشمل الشيوعيين و اصدقائهم فقط على الرغم من كون الحزب الشيوعي العراقي هو الأكبر عدداً و الأكثر تنظيماً في صفوف اليسار و المعني الأول بالحديث و لكن ليس وحده.

بالرغم من تشخيص اليسار لكل العلل و الظواهر الأجتماعية المتخلفة بصورة علمية و واقعية و كذلك تشخيص المرحلة السياسية و تجليتها بأعتماد المنهج العلمي الرصين بعيداً عن الأوهام و بالرغم مما سعوا منذ سقوط الدكتاتورية البعثية المجرمة و لحد الآن من أجل بناء دولة عصرية ديمقراطية تقف على بعد واحد من كل العراقيين و ما أتسموا به من نزاهة و أخلاص لا نظير له و بشهادة أعدائهم الا أن اليسار لم ينجح لحد الآن في أن يتحول الى ظاهرة أجتماعية مؤثرة في اللوحة السياسية العراقية و أن يصبح خياراً / رمزاً يضاف الى الخيارات الموجودة و لو بالحد الأدنى.

و برغم قسوة الواقع و التدخلات الأقليمية و غيرها فاليساريون هم ايضاً مسؤولون عن تراجع تأثير دور اليسار و عدم خلق الرمز الضروري للجماهير و ذلك من خلال التشظي و عدم التوحد و الأنجرار وراء المكاسب الشخصية (لبعض الشخصيات بدون أدراك لدورهم) و عدم تميز الخطاب اليساري الناقد و الواضح ليصل الى الناس بل ظل الخطاب خافتاً و يحاول أن يوفق بين كل الأطراف (لدوافع نبيلة و وطنية بالطبع) و ذلك لدفع العملية السياسية و تجنيب الوطن و الشعب المزيد من المآسي. لم تتناسب هذه الأفعال و تلك الخطابات مع الوعي المتردي و بالرغم من التشخيص الصحيح فالممارسة و الحلول جاءت , وبحسب التقييم في المقدمة, لتتناغم مع درجة وعي جمعي يوازي مرحلة الجامعة أو بعدها و ليس مع وعي متدني و شعب لم تتح له الظروف السابقة و الحالية فرصة الهدوء و التمييز و القراءة العميقة.

و كملاحظة سريعة للحملة الأنتخابية لقائمة (أتحاد الشعب), قائمة اليسار, نلاحظ الأسلوب الحضاري المعتمد على التواصل مع (الأفراد) لغرض شرح البرنامج و مفرادته و أهميته لهم و بالرغم من هذا المبادرة الراقية و الأسلوب الديمقراطي و شجاعة الدعاة و نكران الذات و بالرغم من حتى تواصل الناس مع القائمة و مرشحيها ,بأعتبارهم نزيهيين و مثقفيين, الا أن الناخب لم يصوت للقائمة و للأسباب المبينه أعلاه. فالأسلوب هذا لا ينجح في حالة العراق و لم يتعاطى مع مستوى الوعي الحالي و قناعات الناخبين ليست فردية أو مبنية على دراسة للبرامج الأنتخابية و مدى تلبيتها لواقعه.

أن المهمة النضالية الأولى لليساريين جميعاً, أفراداً و أحزاباً و منظمات, هي العمل حثيثاً و منذ هذه اللحظة على بحث الآليات و طرق العمل الصحيحة لجعل اليسار حالة أجتماعية مؤثرة و خياراً حقيقياً للناخب. أن هذا التيار أذا نجح بأن يكون قوة مؤثرة و له حضور أجتماعي عندئذ يمكن الحديث عن دخول الأنتخابات بصورة منفردة أو التحالف (ككتلة يسارية) مع أئتلافات أخرى مما يحفظ الهوية الفكرية لهذا التيار.

برأيي فأن الخطوات اللازمة لبدء المرحلة الأولى هي:
1- أعداد دراسة أو تقييم لنتائج الأنتخابات الأخيرة و تشمل كل العوامل الموضوعية (بضمنها التزوير و التلاعب و من يقف خلفه) و كذلك العوامل الذاتية التي أدت الى هذه النتيجة و نشرها للرأي العام العراقي .
2- أن يتم العمل لعقد ورش عمل أو مؤتمرات للقوى اليسارية الديمقراطية (أنا لا أميل الى مصطلح القوى الديمقراطية الفضفاض) لغرض التنسيق و تشخيص الخطوات الضرورية للمرحلة القادمة و توسيع قاعدة المشتركين في هذه الورش أو المؤتمرات .
3- أن الحملة الأنتخابية لأي جهة أو حزب تبدأ مباشرة بعد أنتهاء الأنتخابات, كما يقول خبراء الأنتخابات. عليه, أرى أن يتم منذ الآن العمل على كشف كل مظاهر الأستهتار بالمواطن و نقد الفساد الأداري و المالي و عدم السكوت عن أي ممارسات لا تخدم أمن و سلامة العراق و العراقيين و لا توفر المستوي العصري من خدمات كهرباء و ماء و أتصالات. بأختصار المباشرة بأعداد خطاب سياسي ناقد من جهة و يأتي بالحلول من جهة أخرى .
4- التواجد المستمر وخاصة من القيادات المعروفة في كافة الفعاليات الجماهيرية و أماكن العمل لغرض الوقوف على معاناة الناس. فالشعب, مرة أخرى, يريد أن يرى القادة / الرموز قريباً منهم.
5- أن يتم التنسيق مع القوى اليسارية في كردستان العراق من أجل يكون هذا التيار تياراً عراقياً يشمل كل الجهات الموجودة في العراق الموحد و التي تؤمن بالفكر اليساري منهجاً لها لغرض زيادة سعة التأثير. فاليسار الكردستاني هو أقرب الى مكونات اليسار العراقي الأخرى و ليس هناك أي داعي لعدم التنسيق خدمة لكل العراق بما فيه كردستان.

أن قناعتي مستمرة بأن اليسار العراقي قادر على أيجاد الحلول لمشكلات العراق الحالية و هو البديل الصحيح لكل المشاريع الطائفية و البعثية و الفئوية الضيقة و هو يحمل مشروع أنساني و علمي و وطني حقيقي. أن كون اليسار يتعامل مع حرية الفرد بمسؤولية عالية و كونه يسعى الى التغيير و الى نشر قيم الثقافة و الجمال, كل هذه, أدت أن يكون اليسار مغرداً خارج السرب و هي ليست نقيصة بقدر ما يتطلب الأمر مراجعة لغرض تغيير الأسلوب و ملامسة الواقع من أجل تغييره.

أن النقد الهادئ و العلمي و نقد الذات بمسؤولية هو المدخل الصحيح,لنا نحن اليساريين, من أجل التهيؤ للمرحلة القادمة و النهوض من جديد. أن أطلاق التهم و تحميل الآخرين المسؤولية أو تحميلها لأفراد معينين ما هو الا رد فعل أنفعالي و غير مدروس و لا يخدم قضيتنا العادلة.

ختاماً أتقدم لعميد اليسار و الحركة الوطنية, الحزب الشيوعي العراقي, منارة التقدم و رمز التضحيات و النزاهة بأجمل التهاني و التمنيات بالتقدم بمناسبة حلول الذكرى 76 لتأسيسه. ففي كل آذار نتجدد و نزداد عزيمة و أيماناً بقضيتنا العادلة .




 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات