| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 27/8/ 2012                                                                                                   

 

هــل سـتـتـفـكــك ســوريــا؟

ميشيل كيلو *

تتكاثر منذ بعض الوقت التصريحات التي تحذر من تقسيم سوريا وتفككها. وكان ملك الأردن عبد الله الثاني آخر من نبه إلى احتمال كهذا وحذر منه.
وهناك سوريون كثر على ثقة من وجود احتمال جدي بتفكك وطنهم. كما دارت دوما نقاشات حارة بين المواطنين حول المآل الذي ستنتهي إليه السياسـات الطائفيــة التي مارسها النظــام، وما إذا كانت لا تمــثل بالفعل تهديدا حقيقيا لوحدة سوريا الأرض والشعب. وزاد من حماوة الحوارات، ما كان الرئيس الســابق حافظ الأسد قد هدد به العـام 1980 من تقسيم لسوريا، إن هدد الحراك المسلح الذي كان دائرا آنذاك سيطرة نظامه على مجمل البلاد، وما أشاعه عبد الحليم خدام نائب الرئيس السابق حول ما اتخذه بشار الأسد من ترتيبات فعلية وميدانية لإنشائها، مثل نقل السلاح والوحدات المقاتلة إليها، وإقامة دوائر معينة تابعة للسلطة القادمة فيها .
ليس الحديث عن تقسيم سوريا بجديد، وليس خـطر تقسـيمها ماثلاً لأول مرة، فقد قسمها الفرنسيون وخصوا المنطقة الساحلـية بدولة ارادوا لها ان تكون مستقلة عن بقية سوريا ومتحالفة مع فرنسا، لكن شعبها رفضها، رغم وجود شريحة قليلة حاولت التمسك بها وتخويف العلويين من السنة، وسعت إلى توحيد منطقة الساحل مع جبل لبنان، عندما وجدت أنها لا تستطيع أن تؤسس دولة مستقلة، وأن المنطــقة عائــدة إلى وطنـها الأم، لأن شعبها يريد العودة إليه، ويرى في نفسه جزءا تكوينيا منــه، ولا يقبل أن يعرف نفسه يهويته الدينية أو المذهبية وان يبني مستــقبله بدلالتها، بل هو شعـب عربي / سوري مســلم يحـترم هويتــه المركبة، التي تتعين بها اليوم أيضا مواقف العلويين كمواطنين يرفضون أن يكونوا مجرد طائفة، لأنهم ليسوا اليوم ولم يكونوا في أي يوم طائفـة بالمعنى السيــاسي، بل كانوا دوما عربا وسوريين ومسلمين ووطنيين خاضوا معارك وطنــهم من موقع المضحي في سبيل عزته ورفعته، والدفاع عن حريــته واستقــلاله، من دون أن يطلب ثمــنا لما يقــدمه غير أن يكون شريكا له حقــوق في وطنه. أخيرا، ولمن لا يعلم، فقد نشب أواخر العام 1945 «تمرد مسلح» في منطقة محددة من جبال الساحل كان هدفها فصل القسم الأخير المطل على البحر المتوسط عن الدولة السورية، بعد أن فصلت عنها فلسـطين بسايكس / بيكو والمشروع الصهيوني، وأقضــيتها الــثلاثة التي تم ضمها إلى دولة لبنان الكبير بارادة فرنسية، وأعطي لواء اسكندرون إلى تركيا العـام 1938 كي لا تنــضم إلى المانــيا في الحرب العالمية القادمة. يومها، قيل إن التمرد يستهدف قطع ما تبقى من ساحل عن الداخل السوري: موطن الدولة السورية في اتفاقية سايكس/ بيكو، التي اعترفت بدولة تضم خط دمشق/ حمص / حماه / حلب، ولم تترك لها أي منفذ إلى البحر.
لكن حسابات الخارج لم تنطبق على المنطقة الساحلية، التي يقطنها معظم العلويين، لأن هؤلاء رفضوا الانفكاك عن وطنهم السوري وشعــبهم العربي .ومــن المعــروف أن أول من اطلق رصاصـة ضـد الانتــداب الفرنــسي كان الشيخ صالح العـلي، أحد زعماء المنطقة العــلوية، الذي كتب قصائد يتغــنى فيـها بسوريا والعرب، وقاد ثورة اتعــبت الفرنسيين وجعلـته أحد آباء الوطنية السـورية ومن مؤسسي الدولة الســورية، التي سحــقت تمـرد العـام 1945 من دون كبير عناء بفضل دعم العــلويين، ورفض الانفصال عن سوريا كـهدف للتــمرد من قبل قطاع كبــير جدا من سكان المناطق التي تم فيها، رغم أن المسلحين المتمــردين كانوا متحصنين في جبالهم ويمتلكون أسلحة حديثة.
اقف هنا عند حقيقة مهمة هي ان تيارا من الاسر والزعامات العلوية الاقطاعية والمشيخية حاول التأقلم مع مشروع الانفصال، كان منه جد الرئيس السابق حافظ الأسد، وأن قضية الانتساب إلى سوريا كانت محل صراع جدي بين القيادات العلوية وحاشياتها المحدودة، وأن المواطن العلوي العادي لم ينخرط فيها. لذلك، عندما نشبت الثورات ضد الانتداب وبدا أن أيامه صارت معدودة، خاصة بعد فوز اليسار الفرنسي في انتخابات العام 1936 واقراره باستقلال سوريا، رجحت كفة الداعين إلى الوحدة السورية داخل الزعامات، وتكيف خصومها مع الواقع الوطني الموحد. هل ينجح الرئيس بشار الأسد، سليل سليمان الأسد، الجد الذي طالب بانفصال المنطقة العلوية عن سوريا، في بناء ميزان قوى علوي داخلي يستطيع أن يمرر الانفصال على صعيدي النخب والشعب العلوي العادي، الذي يتداخل بقوة مع بقية السوريين، وتزاوج وتعايش وتفاعل اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا معهم وسكن مدن سوريا الأخرى وقراها، وينتشر حوالي 40 % منه خارج المنطقة العلوية، فلا بد من اعتبار عودته إليها كارثة تحل به، خاصة إن اتخذت شكلا اقتلاعيا يخرجه من مواطنه الحالية ويأخذه إلى منطقة لم تعد منطقته منذ وقت طويل وليس له أي مكان فيها، لأسباب بينها الكثافة السكانية الهائلة الموجودة فيها، ونمط النخب العسكرية والأمنية التي تسيطر عليها ولا تبدو مستعدة للتضحية بما لديها من امتيازات وملكيات في بقية سوريا، ولن يخطر ببالها إطلاقا منح ما سيبقى لها في المنطقة العلوية لأشخاص لا يعنون لها شيئا، هم اتباع مذهب يتنكر غالبيتها له باسم دين السلطة الشمولية الذي تطلق عليه خطأ اسم: العلمانية؟.
هل يتصور أحد أن علويا يعيش في حوران أو دمشق أو حلب منذ نيف وقرن سيغادر موطنه ويذهب إلى منطقة لا يعرف فيها أحدا، سيعاني الأمرين كي يجد مأوى وعملا داخلها، لمجرد أن هناك قلة حاكمة تريد الاستعاضة عن فقدان سلطتها على سوريا بدولة هشة لا وظيفة غير أن تكون مزرعة للمنتمين اليها، ولا مكان للشعب العلوي البسيط في نظامها غير الخضوع والامتثال لمصالحها وخياراتها.
هل ستنجح دولة كهذه في تخطي الظروف الدولية والإقليمية؟ وهل ستستطيع تقديم ضمــانات بأنها لن تكون مــصدر فوضى واضطــراب في عموم المنطقة، ولن تترك أثرا سلبيا على علاقات دولها بعــضها مع بعض، ولن تتحول إلى بؤرة صراع وتوتر يهــدد سلام وامن العــالم، هذا إن سمــح بقية السوريين بقيامها ولم يشنوا عليها حربا مفـتوحة ستسـتمر الى زوالها، بافتراض أن توازن القوى قد يكون اليوم لصالحها، لكنه لن يكون كذلك غدا، بعد أن يعاد بناء الدولة في بقــية أرجــاء سوريا، ويكون لديها جيش وطني لا مهمة له غير القضاء على الكيان الانفصالي؟ إلى هذا: هل تقبل تركيا دولة تقع تحـت نيران مدافعــها، يهدد وجودها بتفــكيكها كدولة متعددة الأقوام، علــما بانه يحميها جـيش قومي من طراز رفيــع يصون وحدتهـا الداخلية وتماسكــها، ولا ولن يسمح بأي تهديد جدي لها: خارجيا كان أم داخليا، ومن المنطقي والطبيعي أن لا يقبل بتهديدها من دولة ناشــئة تفتــقر إلى مقومات الدول وتواجه مشكلات تكوينية ستجعلها مصدر مشكلات لا حصر لها، تسوسها مؤسسة عسكرية انجزت للتو تدمير وطنها وتنفــرد برقعة منه لن تكون غير ميدان للصراعات والاضطرابات، بما أنها ستعادي حتما محيطها السوري وجيرانها الأقربين، قد لا يقبل أحد الاعتراف بها غــير إيران البعيدة، بينما ستتلاعب إسرائيل بكــيانها وأدـوارها، وستــحرضها على لبنان، إن بقي «حزب الله» معاديا لها، وستضغط عليها كي تضبط أوضاعه وسلوكه، وتفرض عليه الالتزام بأمنها، وإلا امتنعت عن دعمها وأبقتها متهالكة وعلى حافة الانهيار، سبيلا إلى تحسين علاقاتها مع سوريا .
هل ستدعم روسيا الدولة الجديدة، ان كان دعمها سيؤدي الى خسارة بلدان عربية مهمة بينها مصر والسعودية، وسيسهم في تهييج التطرف المذهبي والحروب الطائفية والدينية قرب حدودها، مع احتمال انتقال عدواها إليها، بتخطيط ودعم أميركا، التي لن تدعم الكيان الانفصالي الجديد الا اذا كانت ستستخدمه لترويض المنطقة، لكنها لن تتمسك ببقائه إن فقد وظائفه او جدواه بالنسبة إليها، مع أن هذه ستكون محدودة ومثيرة للعداء وراء حدود الكيان، حيث ستمس الحاجة إلى الاستقرار: حبا بالنفط والبترودولار .
لا اعتقد شخصيا أنه ستقوم في المستقبل القريب دولة علوية في الساحل السوري. ولا اعتقد ان من يريدون قيامها يتوهمون انها يمكن ان تمتد إلى منتصف سوريا وتشطرها إلى قسمين: انطلاقا من حمص. لا اعتقد ايضا أن موازين القوى الراهنة وعمق التورط السلطوي في الصراع ضد المجتمع السوري يتيحان لهم إقامة دولة كهذه سيلي قيامها هزيمتهم او انسحابهم الذي سيشبه الفرار من المعركة، اخيرا، لا اعتقد انه سيكون لدى هؤلاء الوقت الكافي لاستبدال حكم سوريا بحكم دولة انفصالية ما. أعتقد بالأحرى أن النظام سيضغط بكل ما اوتي من قوة كي يقضي على الثورة السورية عبر القضاء على المجتمع، وأن يدا ما ستمتد من الخارج كي تزيحه، وتقيم نظاما بديلا في سوريا سيكون عاجزا عن حكمها، وسيدخلها في حقبة فوضى مديدة، ستمعن في إخراجها من معادلات القوة والسياسة في المشرق والوطن العربي، ما دام محظورا عليها أن تكون ديموقراطية تهدد إسرائيل والخليج، وتدفع الشعب العربي نحو مواصلة ثورته الراهنة، وتستعيد جميع القضايا التي تعب الغرب واسرائيل كثيرا قبل احتوائها وطيها في عام النسيان كقضية فلسطين والوحدة العربية والنفط والتنمية الشاملة عربيا وقطريا ومصير مال العرب النفطي... الخ.
كي لا يحدث هذا، سيستمر النظام في تدمير سوريا إلى أن تصير على الأرض تماما، عندئذ سيغدو من يليه تابعا للقوى العربية والإقليمية والدولية التي وقفت على الجانب الآخر من متاريس الصراع، وسيكون هناك دوما وقت كاف لترتيب مصير البلد ولدفعه في الاتجاه الذي تريده هذه، بما في ذلك إقامة علاقات تقسيمية بين مكوناته، كي يقال إن ثورة الديموقراطية قسمت سوريا ولم تخرجها من عالم الاستبداد، بل زادت أمراضها خطورة وفاقمتها. عندئذ قد يظهر اتجاه جدي يعمل لانفصال قد تكون المطالبة به قد غدت شرعية ولها حامل مجتمعي ما.
هذا الاحتمال هو ما يجب أن نعمل ضده، ونكرس كل قوانا لافشاله، لأنه سيكون أشد خطرا من دولة علوية بائسة لا تتوفر لها شروط العيش ويرفضها معظم العلويين .هل نعي هذا وتركز انظارنا عليه، أم نستمر في السماح لبعض التافهين والمشبوهين بتحريضنا ضد قطاع مهم من شعبنا هم العلويون، بتهمة قديمة تتجدد هذه الأيام تزعم أنهم يريدون الانفصال عن سوريا، بينما القضاء عمرانيا وسياسيا عليها ليس احتمالا في عالم الغيب بل هو حقيقة تفقأ العين، إلا لمن كان أعمى أو لا يريد أن يرى غير المسائل الثانوية، التي يخدم تضخيمها هلاكنا الأكيد؟

 

* كاتب سياسي ـ سوريا

 

free web counter

 

أرشيف المقالات