| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                   الثلاثاء 27/9/ 2011

 

مهرجان اللومانتيه العالمي..
ميحان التواصل والألفة والثقافات المتنوعة

ضياء الجنابي

(هناك سحرٌ ما يجذبنا لكل ماهو عراقي) بهذه العبارة لخص صديق بلجيكي مهتم بالثقافة والأدب التقيته في مهرجان اللومانمتيه الدولي في باريس ، مادعاني إلى رصد أصداء ما يقدمه الفنانون والمثقفون العراقيون بمختلف مشاربهم الفكرية والفنية تحت خيمة طريق الشعب التي احتضنت أفياؤها فعاليات ونشاطات إبداعية وفنية عالية المستوى، ورحت اقرأ في عيون الكثيرين من الذين توافدو عليها بشكل مستمر ومتدفق من مختلف دول العالم حالة الإعجاب والانبهار والمتعة، فيما راح الكثير منهم يساهم بشكل مباشر في أداء الرقصات ذات الطابع العراقي التقليدي كالدبكة والهيوة وهز الكتف وغيرها.

خيمة طريق الشعب تجاوزت في اعتقادي مداليل اسمها القاموسية إلى رحبة أكبر وفضاء أوسع، إنها بحق خيمة العراق كل العراق بجباله وسهوله وهضابه وأنهاره وروافده وأهواره وبحيراته وباسقات نخيلة وغاباته وبساتينه الغناء من زاخو حتى الفاو ومن أقصى قصبة على حدوده الشرقية إلى أقصى قصبة على حدوده الغربية ومن أوروك وبابل ونينوى مروراً ببغداد الرشيد وعصرها الذهبي وصولاً إلىى كل نظرة تفائل وأمل في عين طفل عراقي يتطلع إلى غد تسوده المحبة والحرية والديمقراطية، إنها خيمة العراقيين كل العراقيين بمختلف أطيافهم وموزائيكهم الجميل المرصوص وذلك بإقرار وتعبير المشاركين والزوار من البلدان العربية والأوربية جميعهم فلم أسمع أحداً سماها بغير الخيمة العراقية رغم أنها لم تكن مدعومة من قبل الحكومة أو أي حزب أو جهة صاحبة سلطة سواءاً داخل العراق أو خارجه، فتراها مزينة بالبسمة النابعة من القلوب ومضوعة بالحنين الغامر للوطن ومرصعة بالأماني والمحبة الصادقة والعلاقات الحميمية الرائعة والوجوه الوضاءة التي كان ديدنها إعطاء الصورة المشرقة للعراق.

لقد كان للخيمة العراقية برنامجاً حافلاُ بالجهد الثقافي والفني والإبداعي والمعرفي الراسخ والمتميز كماً ونوعاً وفي ذات الوقت كان منوعاً لم يغفل عناصر المتعة والبهجة وبث الفرحة في النفوس المتعطشة لها، وقد تميز العطاء العراقي عن سائر الخيم الأخرى في المهرجان التي ركزت على الندوات المفتوحة أو المحاضرات التي من شأنها تسليط الضوء على المواضيع الراهنة المهمة والساخنة بينما اكتفى البعض الآخر برفع الصور والبوسترات أو بعض اللافتات التي تعبر عن أهدافها السوقية في حين انشغلت بعض الخيم بعرض مالديها من سلع ومنتوجات أو بعض الأكلات التي تتميز بها بلدانهم.

وبصدد المنحى العام للمهرجان حدثنا المؤلف والمخرج المسرحي العراقي الدكتور حازم كمال الدين معد ومنسق البرنامج قائلاً إن فعاليات الخيمة انتظمت على محورين الأول إعلان تضامننا اللامحدود مع الثقافة العراقية ومع المثقفين العراقيين المتواجدين داخل العراق أو خارج الوطن في شتات المنافي. والمحور الثاني هو التأكيد على وضع المرأة العراقية. ومن هذا المنطلق وصلتنا أعمال إبداعية وثقافية كثيرة لحد يصعب أن تأخذ جميع هذه النتاجات طريقها إلى المهرجان ولهذا فكرت بحل آخر ربما غير معروف في المنطقة العربية وهو (ديجيتال أكسبشن) يعني معرض ديجتال وهو معرض شخصي وكأنك تدخل في متحف وتتجول في أروقته.

افتتحت الخيمة العراقية برنامجها بقداس االإجلال لمن جاد بنفسه من أجل الوطن والديمقراطية في ساحة التحرير الشهيد هادي المهدي من خلال إشعال الشموع وعيدان البخور يرافقه عزف منفرد على العود أمام صورته التي بقيت مرفوعة حتى نهاية المهرجان بعدها إلقى عبد الرحمن دارا سليمان كلمة اللجنة الإعلامية المنظمة للمهرجان تلتها كلمة الكاتب محمد خضير من العراق لتنطلق بعدها الفعاليات الفنية والنشاطات الثقافية والإبداعية التي أعطت الصورة المشرقة عن عراق الحضارة والفن والثقافة المتجذرة.

اكتنفت الخيمة العراقية بين جنباتها معرضاً للصور الفوتوغرافية لكل من الفنانين إحسان الجيزاني الذي كان معرضه موسوماً بعنوان"مقبرة النخيل" والفنانة بتول ولي الذي حمل معرضها اسم "الجدران" والفنان كريم ابراهيم كان معرضه باسم "المندائيين" والفنان عباس علي كانت ثيمته "التهجير" إضافة إلى صور فوتوغرافية للفنانين هادي النجار وناصر عساف كما تم افتتاح معرض للكتاب ضم كتباَ قيمة من دراسات فكرية وفنية وروايات ومجموعات شعرية لكتاب وشعراء عراقيين باللغتين العربية والفرنسية إضافة إلى معرض ديجيتالي ضم كنوز من اللوحات التشكيلية العراقية مصحوبة بالموسيقى على شاشة كبيرة موجهاً للجمهور خارج الخيمة في اليوميين الأولين وداخل الخيمة في اليوم الثاث من المهرجان واللوحات كانت لفنانين تشكيليين عراقيين من مختلف الأجيال مثل نداء كاظم، فيصل لعيبي، أناهيد سركيس، ضياء الخزاعي، جبر علوان، كامل حسين، آزاد ناناكلي، كفاح الريفي، كامل حسين، م.ج. حمادي، عفيفة لعيبي، رائد الواسطي، علي عساف، يقين الدليمي، يوسف الناصر، نادية جاسم،طالب مكي، علي مكي، هيدي فاروق،مها طالب‘ رسمي الخفاجي، مهدي الأسدي، ياسمين آدم، وصادق كويش.

أما الأفلام السينمائية فقد سجلت حضورها هي الأخرى من خلال عرضها على شاشة كبيرة في واجهة الخيمة مصحوباً بترجمة باللغة الفرنسية والأفلام لكل من الفنان قاسم عبد، كاظم صالح، محمد الدراجي، ميسون الباججي، سعد جاسم وعلى صعيد المسرح شارك ستة فنانين ثلاثة من داخل العراق وهم كل من علاء قحطان، علاوي حسين وكاظم النصار والثلاثة الباقين من المغتربين وهم كل من بهجت ناجي، سهام حسين ونضال عبد فارس.

ومن الفعاليات التي تميزت بخصوصيتها الجمالية العرض الجميل والمثير لللأزياء الفولكلورية العراقية المصحوب برقصات شعبية شيقة نالت إعجاب واستحسان الجميع واشرأبت لها الأعناق خصوصاً تلك الفساتين الفضفاضة التي تحمل خارطة العراق أو التي تحمل شعار الجمهورية وغيرها من الأزياء الشعبية للفتيات العراقيات من مختلف البيئات الجنوبية والشمالية والغربية والوسط وبالألوان المختلفة الزاهية التي تم انتقائها بدقة وذوق رفيع. ومن فرط جمالية هذه الفعالية لم يتسع فناء الخيمة لحلاوتها الطافحة رغم قساوة الأحوال الجوية والمطر الغزير المباغت فتحولت إلى تظاهرة كبرى جابت كل أرجاء المهرجان بألوانها وأعلامها وشعاراتها ولافتاتها وقد أشرفت على هذه الفعالية مصممة الأزياء الفنانة بشرى الطائي.

للموسيقى والغناء العراقي المحبب للنفوس كانت حصة الأسد فقد أحيت فرقة البصري أكثر من وصلة غنائية بصوت المطربة العراقية القديرة صاحبة الصوت المتلألأ الفنانة شوقية والفنان القدير حميد البصري كما كان لصوت الفنان علي الجدة الصادح نكهة خاصة وهو يؤدي توليفة من الأغاني بالاعتماد على طواعية حنجرته دون مصاحبة أي آلة موسيقية كذلك كانت لمشاركات الفنان أسامة صبيح الطربية وقراءاته الشعرية أثر جميل ناهيك عن مجموعة الشبيبة العراقية في وارشو التي طلت على الجمهور لأكثر من مرة بالغناء والرقص الشبابي الجميل كما أحيا الفنان القدير لطيف علي الدبو في اليوم الأخير للمهرجان وصلة غنائية تمايلت لها الأعناق والأجساد فيما علت الزغاريد وطق الأصابع الأرجاء طرباً وانتشاءاً وقد خضب الفنان لطيف أجواء الطرب والسلطنة بدمعات الوفاء لوالده الفنان المنلوجست علي الدبو حينما لبى طلبات الجمهور في إعادة بعض مونولوجات والده المرحوم فأدّاها بصوت متحشرج بالبكاء وكان يمسح الدمعات من عينيه بيد ويداعب أوتار عوده بيده الأخرى ما أضفى على وصلته مسحة من الجلال، وقد شاركه الجميع هذه الدمعات عرفاناً ووفاء للفن الأصيل.

وكان للشعر نصيبه الموفق في المهرجان من خلال الحضور المتميز للشاعر القدير صلاح الحمداني الذي قرأ قصائده باللغتين العربية والفرنسية واستطاع أن يمسك العصا من طرفيها بمخاطبته الجمهور العربي والعراقي تحديداً وملامسته الذكية لهواجسه من جهة ومخاطبة الجمهور الأوربي والفرنسي على وجه الخصوص بخبرة ودراية ودربة من جهة أخرى. تلاه الشاعر ماجد مطرود الذي تناول موضوعة المرأة من أوجه مختلفة رافقته ترجمة فرنسية لأحد نصوصه.

وعلى هامش الخيمة العراقية كانت هناك فعاليات استحوذت على اهتمام واعجاب الحاضرين كفعالية الفنان كفاح محمود الريفي في رسم لوحات كاركاتيرية بشكل مباشر وكذلك فقرة الخطاط محمد صالح الذي تحركت فرشاته مع الموسيقى بخفة ومهارة أمام الجمهور فأنتج لوحات في غاية البداعة أهداها للخيمة فعرضتها الخيمة بالمزاد العلني وقد لاقت إقبالاً كبيراً وتم بيعها مباشرة بأسعارة مناسبة، وكذلك تخطيطات ورسومات الأطفال "أتليه" التي أدتها الفنانة الشابة الواعدة ياسمين كمال الدين.

واتقدت الذاكرة العراقية لتسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ العراق النضالي الوطني من خلال الفقرة الخاصة للأستاذ البير مراد قوجمان وهو من يهود العراق ومن الرعيل الأول للحزب الشيوعي العراقي رافق قادة ومؤسسي الحزب في ساحات النضال والمعتقلات فأعطى من خلال حديثه صورة واضحة عن مقطع زمني مهم وحساس من تاريخ العراق السياسي المعاصر وقص البير مراد بأسلوب سلس وشيق حكايات من شأنها أن تبقى دروساً حية تستنير بها الأجيال.

هذا وحفلت الخيمة العراقية بتواجد عدد كبير من الفنانين الكبار وأساتذة الجامعات وشخصيات علمية وثقافية وأكاديمية وسياسية مهمة مثل الأستاذ رائد فهمي وزير العلوم والتكنلوجيا السابق والفنانين التشكيليين الرائدين فيصل لعيبي وصلاح جياد والفنانة القديرة مي شوقي والدكتور ذياب الطائي والكاتب داود أمين والقائمة تطول في ذكرهم جميعاً لذا استميحهم العذر.

ولم يقتصر العطاء العراقي على الفنون والآداب بل تعداه إلى تقديم بعض المأكولات العراقية الشعبية كالكباب والفلافل التي لاقت الإقبال الكبير عليها من قبل مختلف الأجناس البشرية الموجودة في المهرجان وقد اضطلع بإعداد وتقديم هذه الوجبات جنود مجهولون من السيدات والرجال الذين ركنوا شهاداتهم واختصاصاتهم جانبا وتلفعوا الصداري البيض والكفوف البلاستيكية الصحية ليملؤا المكان حركة دؤوبة دون ملل أو كلل أو تواني فتحس وكأنهم أصحاب مطاعم في الأحياء الشعبية العراقية وأصحاب خبرة في هذا المضمار.

ومن الجدير بالذكر أن مهرجان اللومانتيه هو مهرجان سنوي يقيمه الحزب الشيوعي الفرنسي على اسم جريدته المركزية لمدة ثلاثة أيام في عطلة نهاية الأسبوع والجمعة التي تسبقها في منتصف شهر سبتمبر من كل عام على حدائق متنزه (لوبوغشه) في ضواحي باريس الشمالية وهو ميعاد سنوي دولي لأغلب الأحزاب اليسارية والديمقراطية والليبرالية والشيوعية إضافة إلى النقابات الجماهيرية والمهنية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات ثقافية وإعلامية من أجل التواصل والتشاور فيما بينها وتلاقح الآراء والأفكار وتبادل الرؤى والأطروحات النظرية والخبرات والتجارب المختلفة التي تعنى بالمواضيع الحيوية والأحداث الساخنة على مستوى الساحة الدولية,

والمهرجان يعد فرصة موفقة للتضامن والسلام الدولي والتعاون البناء نحو عالم ديمقراطي حر معافى من الحروب والقتل والدمار والهيمنة ومفهوم سيطرة القطب الواحد على مقدرات الأمم وسيادتها والعبث بمقدرات ونهب ثروات الشعوب وحرمانها وأجيالها القادمة من الحياة الحرة الكريمة والعيش الهانيء الرغيد والغد الوضاء.


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات