| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 25/4/ 2011                                                                                                   

 

تقييم حيادي للوضع في اقليم كردستان
(1)

بهاءالدين نوري

اقول قبل كل شيء انني لست محايدا بين الشعب وبين السلطة الاقليمية القائمة، بل كنت ولاازال منحازا الى الشعب والى قضية الحرية والديمقراطية والتقدم.. لكنني لست منحازا الى اي حزب او جماعة من المتصارعين في الساحة السياسية الاقليمية.. انني ارى في وجود المعارضة السياسية السلمية الموجهة ضد السلطة ظاهرة صحية وضرورية. فالسلطة والمعارضة مكملتان لبعضهما ولا يمكن تصور نظام ديمقراطي حقيقي دون وجود معارضة حقيقية الى جانب السلطة. وحيثما توجد السلطة وتنعدم المعارضة فإن تلك السلطة تصبح مع مرور الزمن فاسدة شأن ذلك الماء الذي يركد في حوض او مستنقع فيتحول تدريجيا الى ماء آسن، ويرينا التاريخ أمثلة ونماذج كثيرة تثبت هذه الحقيقة.

وقد تشبث كل من اوك وحدك، حتى قبل انتفاضة 1991، بالسيطرة بمفرده على بعض المناطق الريفية التي قدر له ان يستولي عليها. واستمر هذا النهج بشكل صارخ وصارم بعد زوال سلطة صدام وتولي زمام الحكم من قبلهما في 1992. واتفقا على تقاسم الهريسة بينهما وابعاد الآخرين عن طريق تقسيم مقاعد اول برلمان اقليمي في 1992.

ولم يفكر اي منهما بأن يكون معارضة برلمانية تجاه حزب حاكم، بل فكرا كل في ازاحة الآخر وانفراده نفسه بالسلطة. وفي سبيل هذا الهدف غير المشروع اثارا من جديد اقتتال الاخوة الذي جاء وبالا على البلد وكارثة كبرى للشعب وحتى للحزبين. وزعم الادعاء بالديمقراطية وبافساح المجال امام التعددية السياسية والحرية الفكرية فانهما حرصا عمليا، كل في منطقته، على الا يظهر في الساحة اي حزب معارض او اية معارضة حقيقية. واستغلا السلطة واموال الدولة في خدمة هذا الغرض، وجعلا من الاحزاب التي وجدت واجيزت مجرد احزاب صورية تابعة لهما وحريصة على عدم ازعاجهما. ولم يشذ عن ذلك حتى الاحزاب الاسلامية التي كانت تكسب مقاعد في البرلمان، ولكنها لم تجرأ على اتخاذ موقف المعارضة الاعتيادية. ذلكم معناه ان برلمان كردستان لم يشهد في قوامه كتلة معارضة طوال 18 سنة من وجوده، بل ظل برلمان "سمعا وطاعة" لزعيمي حدك وأوك، ولا يعني ذلك الا شيئا واحدا: ان الديمقراطية في الاقليم كانت هامشية مشلولة والدكتاتورية كانت هي السائدة، ولو بصورة شبه خفية. فقط في آخر انتخابات برلمانية، وعلى اثر الانشقاق الذي قاده نوشيروان مصطفى في اوك، ظهرت لأول مرة كتلة المعارضة البرلمانية الحقيقية المعروفة بكتلة حركة التغيير المؤلفة من 25 نائبا. ولابد من الاعتراف بأن نوشيروان أحسن صنعا في اختيار الشباب لقائمة مرشحيه، فولدت الكتلة المعارضة قوية وفعالة منذ البداية. وشجع ذلك انخراط ممثلي الاتحاد الاسلامي الكردي والجماعة الاسلامية في صفوف المعارضة البرلمانية.

ان ميلاد المعارضة البرلمانية بهذه الصورة القوية في اقليم كردستان جاء ايذانا ببدء مرحلة جديدة من الحياة السياسية الديمقراطية في هذا الاقليم، جاء ايذانا بأن عهد احتكار السلطة من قبل حدك واوك قد انتهى ليحل محله عهد التغيير وتداول السلطة وشيوع الديمقراطية بمفهومها الصحيح وحسب القياسات العالمية. صحيح ان هذه المسألة لا تزال في بدايتها وان المجتمع الكردي لا يملك تجربة سابقة في الحياة البرلمانية السليمة وبصدد المعارضة البرلمانية، غير ان الخطوة الاساسية قد انجزت واتخذت طريقها الذي لا رجعة عنه. وكان لحركة التغيير بزعامة نوشيروان شرف المبادرة الى تأسيس المعارضة البرلمانية هذه ، غير ان المطالبة بالتغيير في الوضع وجدت قبل تأسيس حركة التغيير، وهي لا تزال في بدايتها حتى الآن.

وقد كانت حركة الديمقراطيين، التي كنت سكرتيرا لها في سني 1994-2004، اول تنظيم سياسي مطالب بالتغيير بعيد سقوط نظام صدام في 2003. ففي التقرير الذي ناقشه واقره الاجتماع الموسع للحركة المنعقد في آب 2003 طالبنا بالتحقيق وتحديد المسؤولية في عدة امور اساسية، منها : مأساة اقتتال الاخوة - وتقسيم الاقليم الى ادارتين وجيشين وميزانيتين - احتكار كل شيء لانصار الحزبين الحاكمين - والاحتفاظ بالميليشيا طوال 12 عاما - انعدام اي شفافية في الميزانية والمصروفات.. الخ.

وفي ختام تقرير الاجتماع الموسع ورد نصا :
"في هذه الظروف الدقيقة التي تمر علينا عقب سقوط صدام، تعلن حركة ديمقراطيي كردستان انها تقف موقف المعارضة تجاه حكومة الاقليم بشقيها، وهي ترفض جميع اشكال التطرف وتعارض معارضة ديمقراطية سلمية حضارية وتريد الاحتكام الى صناديق الاقتراع وحسب، اننا لا نكن اي عداء لأوك وحدك ولا نعتبرهما اعداءا لنا، بل ننظر اليهما كحزبين حاكمين ومن حق الآخرين أن يؤيدوا او يعارضوا. في الماضي دعمنا حكم الحزبين ضد صدام، ونبقى الآن ومستقبلا مؤيدين لأي عمل جيد يقومان به، لكننا نريد ان يعرف الجميع بأننا غير راضين عن خطهم العام واننا نعتبرهما مسؤولين عن الاضرار الجسيمة التي لحقت بالشعب والوطن خلال اثنتي عشر سنة المنصرمة، غير راضين خصوصا عن دورهما في اقتتال الاخوة وعن خلطهما المربك بين الحزب وبين الحكومة. وقد آن الاوان لكي يعيد المواطنون النظر في موقفهم من هذين الحزبين. نحن نحترم تاريخهما النضالي الحافل بالتضحيات، لكن من الواجب أن نقول لهما، بعد تجربة حكمهما 12 عاما، انهما لم يقدما نموذجا ناجحا في الحكم بصورة ديمقراطية حضارية، وعليهما ان يدفعا ضريبة ما ارتكبا من اخطاء واخفاقات".
(
تقرير اقره الاجتماع الموسع لحركة الديمقراطيين في آب 2003 – العدد 1 من مجلة الحضارة)

وطالبنا في التقرير بـ: احصاء سكاني يليه انتخاب برلماني جديد - توحيد ادارتي الاقليم - تحريم التعيينات على اساس التزكية الحزبية واعتماد مبدأ الكفاءة والاخلاص والنزاهة - تطهير جهاز الدولة واصلاح الفساد الاداري - تمديد العمل بالبطاقة التموينية - تقديم كبار المسؤولين عن الجرائم السابقة الى القضاء. (
المصدر نفسه)

سقت هذه الفقرات لأوكد بأن مطلب التغيير قديم ومشروع كنا نطالب به قبل ان تنشأ حركة التغيير بقيادة نوشيروان، غير ان مؤيدي التغيير في الماضي كانوا اقلية محدودة ازاء اغلبية ساحقة مؤيدة على طريقة الدروشة القديمة للبارزاني والطالباني.

جيل العولمة ومطلب التغيير
في السنوات العشرين الاخيرة، التي اعقبت انتفاضة ربيع 1991 ثم سقوط صدام في 2003، ظهرت بصورة اقوى معالم العولمة وتأثيراتها من شتى النواحي الفكرية والسياسية، فنشأ جيل جديد من الشبيبة مغاير من حيث وعيه وتطلعاته لجيل ما قبل انتفاضة 991. ولم يحدث ذلك بمعزل عن تقدم الثورة العلمية – التكنيكية التي جعلت من هذا العالم الواسع ما يشبه قرية صغيرة، وعن الدور الذي تلعبه الصحافة الالكترونية في التوعية والتحريض ونقل الاخبار وتبادل المعلومات بين الناس في مختلف بقاع المعمورة. ان الشبيبة في بلدان الشرق الاوسط، وهي على اطلاع من خلال الصحافة الالكترونية بحياة الناس والاستمتاع بحقوقهم في الحرية والديمقراطية والعيش الافضل، في بلدان العالم المتقدمة، لم تعد ترضى بما يجري في بلدانها من كبت للحريات وتضييق للديمقراطية وتدن في مستوى المعيشة في ظل انظمة دكتاتورية بوليسية وحكام لا يتقنون سوى تسليط سوط الارهاب على المعارضين لهم وسرقة المليارات من اموال شعوبهم. فما الذي يمكن انتظاره من شباب هذه البلدان غير الاحتجاج على الاوضاع المزرية والتمرد على الواقع الفاسد؟

ان العولمة تنطوي على عناصر التقوية والتشجيع للتحرك السياسي الاحتجاجي داخل بلد ما، اي ان العولمة تعزز العامل الخارجي المؤثر على الوضع في البلد المعني، غير ان العامل الخارجي لا يكفي وحده لضمان التحريك ما لم يقترن بنضوج الوضع الداخلي في نفس الوقت، اي توفر العامل الداخلي ايضا. وقد توفر في معظم البلدان العربية والشرق الاوسط العاملان الخارجي والداخلي معا. وكانت النتيجة انطلاق الثورات الشبابية السلمية بدءا من تونس ومصر، اللذين حققا خطوة كبرى بالاطاحة برأس النظام الفاسد. ولابد من الاشارة هنا الى ان هذه هي المرة الاولى في تاريخ هذه البلدان، تعمها الثورات الشعبية المطالبة بالتغيير. ولم يكن من المستغرب ان تتطور الثورة السلمية الى صدامات دموية شاملة بين الشباب الثائر المطالب بالتجديد وبين نظام دكتاتوري يقف على رأسه حاكم استبدادي مجنون من قبيل القذافي الذي نظر الى نفسه كزعيم غير منازع للقارة الافريقية كلها!.

في مثل هذه الظروف التي شملت اقليم كردستان العراق ايضا، وارتباطا مع ما حدث في تونس ومصر، انتفضت شبيبة السليمانية – المدينة التي شكلت على الدوام المركز الثقافي – السياسي للاقليم – انتفاضتها السلمية الحضارية منذ 17 شباط الماضي وفي شكل اعتصام في ميدان التحرير (وهو الاسم الجديد الذي اطلقه المعتصمون على ساحة السراي). وقد بدأ الاعتصام بداية سلمية حيث اخذ فريق من الشباب الاجازة الرسمية لاقامة اجتماع جماهيري في تلك الساحة مساء السابع عشر من شباط 2011 ومر كل شيء بسلام وبشكل اعتيادي حتى انتهاء الاجتماع، واعلن عن التفرق والعودة الى بيوتهم، لكن فريقا من المشاركين في الاجتماع لم يتجهوا الى بيوتهم، بل اتجهوا في شكل تظاهرة حسب اتفاق مسبق، وغير معلن، بينهم الى مكان آخر، الى مقر الفرع الرابع لحدك في السليمانية. ولو اكتفى هؤلاء المتظاهرون، بعد وصولهم الى امام المقر، بهتافات سلمية ضد حدك لأمكن تفادي التأزم الحاد، لكنهم اقرنوا الهتافات برشق المقر بالحجارة وكسر زجاج الشبابيك. ويعتقد بأن البعض من هؤلاء كان يبحث عن سبل لاشعال النار في بعض اقسام المبنى.. الخ. وهذا ما يدخل ضمن اعمال العنف المرفوضة في اسلوب التعامل السياسي الديمقراطي. ومن الجهة المقابلة، لو استخدم حراس مقر حدك اساليب تستبعد قتل المتظاهرين، لو اطلقوا الرصاص في الهواء لتفريق المظاهرة وحماية المقر لكان ذلك شيئا مغايرا ومعذورا كرد فعل على عنف المتظاهرين. اما ان يجري قتل البعض من المتظاهرين وجرح العشرات الذين كان من المحتمل ان يموتوا، فإن ذلك ما يشبه تفجير قنبلة موقوتة ونقل الصراع الى مرحلة أكثر خطورة من الصراعات، خصوصا في هذه الظروف الدقيقة. معنى ذلك ان حدك قابل عنف المتظاهرين بعنف اشد اضعافا، أي رد على رشق المقر بالحجارة بالرصاص الحي لازهاق الارواح. ومما زاد الطين بلة ان قيادة حدك استقدمت من اربيل قوة كبيرة من وحدات الحراسة – زيرفاني – لحماية مقره الحزبي في السليمانية ولتهديد المتظاهرين بالويل والثبور، الأمر الذي اثار الحساسيات والاحتجاجات الاشد وزرا من حراجة موقف حدك. كما كان اعلام حدك باتجاه تشديد التوتر واثارة حفيظة الناس في السليمانية.

هنا لابد من الاشارة الى مسألة اخرى هامة هي مسألة موقف اوك ازاء ما حدث في مدينة كان هو الصاحب الفعلي للسلطة فيها. والسؤال الاول هنا : ألم يكن من واجب اوك وبمستطاعه أن يبادر في تلك الامسية الى توفير حضور امني امام مقر حدك بهدف الحماية والحيلولة دون المزيد من تدهور الوضع المتأزم؟ هل قامت السلطات في السليمانية بما كان يتوجب عليها؟ اي تنسيق جرى بين الحزبين المتحالفين في حكومة الاقليم لغرض احتواء الازمة؟ وأي دور لعب د.برهم صالح كرئيس لوزراء الاقليم من اجل حل المشكلة؟

ومهما يكن دور ومسؤولية أوك في الاحداث مساء 17 شباط، فإنه تورط هو الآخر، من حيث أراد او لم يرد، في المشكلة، واصبح جزءا منها منذ مساء 19/2، حيث فرق بالقوة وباطلاق الرصاص الحي على مظاهرة الشباب في الشارع وقتل متظاهرا (سوركيو) وجرح العشرات وكأنه اراد التساوي في الخطيئة بينه وبين حليفه العدو حدك!! ومن المؤكد ان سفك دماء الشباب لم يكن الطريق الوحيد لتفريق المظاهرة، بل كان بالامكان اطلاق الرصاص في الهواء لتفريق المتظاهرين كما يحدث في حالات مشابهة، أو ترك المتظاهرين في الشارع واقامة طوق امني محكم حول مقر الفرع الرابع لحدك للحيلولة دون وصول المتظاهرين الى هناك، لكن العقلية الاستبدادية لدى مسؤولي أوك لم تجد سبيلا افضل من لغة التخاطب مع الشباب المتمرد بالنار والحديد.

ليت ذلك كان نهاية المسلسل المأساوي، فقد تكرر اطلاق الرصاص الحي على الشباب المتظاهرين وسفك الدماء في حلبجة وفي كلار، فاتسعت حلقة الشهداء والجرحى اضافة الى شتى اشكال الملاحقة الاخرى من اعتقال وتهديد وغير ذلك، وفيما كان من المنتظر ان يجري توقيف المسؤولين عن قتل وجرح المتظاهرين كخطوة اساسية لحل المعضلة، فوجئ الناس بحادث اجرامي – ارهابي جديد في السليمانية، حادث احراق وتخريب القناة الفضائية الاهلية (ناليا)، التي لم ترتكب ذنبا ولم تفعل شيئا سوى القيام بواجبها الاعلامي في عرض وقائع الاعتصام والتظاهرات. وقد شارك العشرات من المسلحين الملثمين في تنفيذ هذه العملية واصيب عدد من هؤلاء بالحروق جراء حصرهم في الطابق العلوي من مبنى الفضائية المحترق، ونقل المحترقون الى مستشفى في اربيل وليس في السليمانية، لكي لا يفضح امرهم، ثم اخذوا من هناك ايضا ونقلوا الى تركيا.. الخ!! وانتهى هذا الفيلم الشبيه بأفلام الكرتون بأن انكشف امر المنفذين وهويتهم – انهم كانوا، كما اشيع، من مسلحي مؤسسة تابعة لأوك، أي مؤسسة حزبية لم تشكل من قبل السلطات التنفيذية والتشريعية في الاقليم وليست خاضعة للحكومة ولا لأي قانون، وهي سميت (دذةتيرؤر – ضد الارهاب) ويقودها احد اقارب السكرتير العام لأوك ورئيس الجمهورية العراقية جلال الطالباني.

 

2011 / 4 / 25
 

free web counter

 

أرشيف المقالات