| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الخميس  24 / 4 / 2014

 


العراق.. التحالف المدني أملٌ لعله يجدي

رشيد الخيّون

لم يبقَ على الانتخابات العراقية العامة سوى سبعة أيام، الأربعاء القادمة (30 من الجاري). حتى ذلك التاريخ الأمل موجود والخيبة معاً. فالجمهور مازال مشدوداً لمخاوف تبث في صفوف الطائفتين، كي ينسى المواطن ويرضى بالوجوه نفسها، التي قضت أحد عشر عاماً دون إرادة تقصر أيدي الفاسدين وتصون الدماء. أما الأمل فليس لدينا مبرراً سوى أنه الأمل، فإذا بطل يبطلُ العمل، وأقام الفاسدون داخل الخضراء «ما أقام عسيبُ»، يتوارثونها إلى عقود، فيحظى الفاشلون بولايات.

نعم، إن هناك يأساً مما أسفرت عنه الانتخابات السابقة، التي جرت قبل أربع سنوات. لم يتحقق خلالها شيء ملموس، لا تقليص فساد ولا هزيمة إرهاب. وزارة توالدت خلالها الأزمات. سمعنا من تصريحاتهم أن الأزمة لم تتحملها رئاسة الوزراء فقط! ومن عجبٍ أليست هي السلطة التنفيذية، والقضاء و«النزاهة» والمال والسلاح بيدها، وإن لمكتبها مكتباً متنفذاً في كل وزارة؟ ألم يعف وزراء أنفسهم بسبب سلطة المكتب في وزاراتهم؟ فلماذا التهرب من مواجهة المسؤولية؟

مرت ثمان سنوات والسلطة الفعلية بيد «الدعويين»، لا يُشاركهم فيها أحد. لم يمنعوا من تحريك قوات مسلحة، ولا تهريب أخطر الفاسدين، ولا فك الاعتصامات بالقوة، ولا من اعتقال المتظاهرين وتعذيبهم (2011)، ولا عقد صفقات السلاح الفاسدة، ولا شراء أجهزة مغشوشة، ولا عزل محافظ البنك المركزي، ولا عزل رئيس هيئة النزاهة. ولا البقاء على الخدمات الرديئة، ولا هتك حيادية القضاء.

لربما سيحدد هذا من همة الناخبين، وعلى اعتبار أن الأمر سيان، سواء أدلوا بأصواتهم أو لم يدلوا. فالقائمة الفائزة في الانتخابات السابقة شُتت، ولم يُسمح لها بمحاولة تشكيل الحكومة، وفي حال فشلها ستُعذر وتتقدم القائمة التي تلتها في عدد الأصوات، فيبقى وهج للديمقراطية. لكن الإصرار على إبعادها جعل الفوز لا معنى له، والنتيجة لا تحسمها الصناديق. فحوصرت وفرط عقدها، بينما كان وجودها مصداً للعديد مِن المخاطر.

يُعد التحالف المدني الديمقراطي، الذي عنوانه الرقم (232)، عابراً للطوائف، لأنه بعيد عن التدين السياسي، مع أن الميل إلى البعد عن هذا الضرب من التدين يُلاحظ في قوائم أُخر، من وجود غير المحجبات بين المرشحين. إذا دل ذلك على شيء فهو يدل على أن الأحزاب والقوى الدينية توصلت إلى درجة من القناعة بأن اللعبة انكشفت. حتى أن عالم دين، يعتمر العِمامة البيضاء، خرج متحدثاً: «لا يجذبكم فلان بصلاته وصومه فهو له، أما خبرته وأمانته وصفاته فهذا ما يُنتخب عليه».

سمعت العديد من أقطاب التحالف المدني الديمقراطي، من خلال حواراتهم وما قرأت لهم، ويبدو أنهم بعيدون عن الطائفية، وهذا مهم جداً لإعادة إعمار الوحدة الوطنية. ففي ندوة، خاصة بالدعاية الانتخابية، قدم المرشحون من القوائم الأُخر أنفسهم، وسمعت أحدهم يقول: «كنت مجاهداً»! وآخر قال: «أنا تلميذ السَّيد فلان»، وبالغ في جهاده! أقول: خلال الأحد عشر عاماً دُفعت أثمان الجهاد! بل دفعت أضعاف مضاعفة عبر رواتب سخية وعقارات أيضاً!

تُنبيك تلك الدعاية عن عدم الوصول بعد إلى تقديم برامج مدنية في إدارة البلاد، فلو قال أحد هؤلاء إنه سيعبد شارعاً بلا غش، ويقلص بيوت الصفيح، وينزل للتفاوض مع المحتجين دون ضربهم بالنيران، أجدى من عرض جهاده، فلا معنى لهذا الجهاد في حياة المواطن.

إن وجود تيار تحت عنوان مدني في زحمة القوى الدينية، المستشرسة، يُعد شجاعة. فالاحتيال يجري على المواطن برفع راية الحسين، ونصب مخيمات المواكب طوال العام، وقد ظهر في إحدى الدعايات الانتخابية مثل هذا الإنجاز. بالمقابل ماذا يرفع التحالف المدني الديمقراطي من راية مغرية، أعز من الحفاظ على وحدة البلاد وتكريس تقاليد الدولة المدنية؟ مع دعاية انتخابية فقيرة مقابل فخامة الدعاية الأخرى.

إن تشكيل التحالف المدني، الرافض للطائفية والمعتمد في خطابه على المواطنة بديلا ومشاركته في الانتخابات، يعد إنجازاً بحد ذاته. فقد هُزمت المواطنة أمام الفئويات. لذا استقبلت القوى الدينية، الحزبية العقائدية بالذات، هذه الانتخابات برفع فتاوى تحريم انتخاب غير المتدينين، ومعلوم أن مطلقها كان أحد أقطاب الإسلام السياسي، ومن المخلصين لفكرة ولاية الفقيه. وأُعيدت الحياة لفتاوى كانت قد أطلقت في ظروف سياسية، بداية الستينيات مِن القرن الماضي، قضت بتكفير قوى سياسة آنذاك. كذلك لا نغفل استخدام السلطة والمال العام في الدعاية الانتخابية، فما معنى أن يُكتب على سيارة نظافة أو نقل مياه عبارة: «هدية رئيس الوزراء»، وهل نسي العراقيون عهد «المكرمات»!

ستكون المواجهة في هذه الانتخابات شديدة، وقد لا تخلو من العنف والتزوير، فكيف سيخوضها المدنيون عزلا من راية دينية غرضها «جذب الدُّنيا للرؤساء»؟ بينما الأحزاب الدينية المنافسة لها راياتها وقنواتها وصحفها، ناهيك عن أملاك الدولة الإعلامية، التي مِن المفترض أن تكون محايدة، لكن من أين يأتي الحياد ورؤساؤها ما زالوا عقائديين!
لكل ما تقدم: إن خوض التحالف المدني الديمقراطي الانتخابات، بأيد بيض وضمائر وطنية، يبقى أملا لعله يجدي، وما بيننا وبينه سبعة أيام لا غيرها. الأمل في التعاضد الوطني، الذي كان يمارس في السياسة العراقية، بين جعفر أبو التمن (ت 1945) ومولود مخلص (ت 1951)، ويوم كان جميل صدقي الزهاوي (ت 1936) يُرشح محمد رضا الشبيبي (ت 1965) لمجلس بغداد. لعل الأمل يجدي بتعاضد حسين درويش العادلي وعلي الرفيعي مع مثال الألوسي، والثلاثة من نجباء التحالف المدني الديمقراطي، إضافة إلى صحبهم من نساء ورجال.

دعوا من تداول ذمه للعراق والعراقيين، على مر التاريخ، بما يحبط العزائم ويزرع روح الفشل على أنه مصير لا مفر منه. بداية من عبد الله بن الزبير (قُتل 73 هـ)، لقتل أخيه: «ألا إن أهل العراق أهل الشقاق والنفاق» (ابن قتيبة، عيون الأخبار)، إلى الحجاج الثقفي (ت 95 هـ) لأن العراق ثار عليه، وانتهاء بموسى بن عبد الله (أخو النفس الزكية) وهو يخاطب زوجته، وقد حبسه المنصور (ت 158 هـ): «لا تتركيني بالعراق فإنها/ بلاد بها أُس الخيانة والغدر» (الخطيب، تاريخ بغداد). أقول: تلك السياسة لا الناس ولا الجغرافيا. أما العراقيون، كبقية الشعوب، لم يهبطوا مِن كوكب آخر، كي يُقال فيهم ما قيل. إنما هي أخلاق الرجال، والرزق بنعمةٍ حولتها السياسات الرعناء إلى نقمةٍ.
 

نقلا عن جريدة “الاتحاد” الاماراتية - 2014-04-23

 

free web counter

 

أرشيف المقالات