| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

السبت 24/3/ 2012

 

حاولوا بعث الأمل.. فأفقدونا ما تبقّى منه

زهير الصفّار

المتتبع لمسيرة الشعوب والدول في رحلة تطورها عبر العصور يلحظ أن هناك حالة من النظرة الواقعية لشؤون حياتها تتطور على حساب الشكليات والمجاملات والنفاق متوازية مع نموها وتقدمها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا . وعند النظر الى مستويات تقدم الدول في شتى انحاء العالم نجد علاقة عكسية بين الشكليات والمكانة الدولية التي تحكم موقع الدولة على القائمة . وبتعبير أكثر بساطة ، فالشعوب تكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافها إيجابا عندما تكون قد حددت تلك الأهداف بدقة أكثر وأصبح الوصول اليها الهاجس الوحيد فأخذت من الإهتمام والجدية مكانا يكون معه الإهتمام بالشكليات شاغلا ثانويا منحسرا بدرجة أو أخرى تبعا للمستوى الذي وصله البلد على سلم المكانة الدولية .                                                                 

ورغم ان العراقيين عُرفوا على مدى التاريخ بعدم الرضا عن ملوكهم وقادتهم ورؤسائهم مهما كانوا أولئك على مستوى من الأهلية – مع الأخذ بنظر الإعتبار أن لا قائد من بني البشر يمكن ان يكون كاملا - ، فإنهم عرفوا بكونهم وثنيين في تعاملهم مع أمرائهم ، وهذا طبعا أسوأ بكثير من الوثنية التي نعرفها في تاريخ البشرية والتي زلزلها إبراهيم (عليه السلام) ونبذها الإسلام الحنيف بشكل نهائي . فالوثنية تلك تؤلّه الأوثان والأصنام بقناعاتها ، بينما هذه تؤلّه الشخص خلافا لقناعاتها بل نفاقا وتدنيا .                                                                     

قبل ايام قدم الى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة حكومية سيادة وزير التعليم العالي العراقي الأستاذ علي الأديب مصطحبا معه عددا من رؤساء الجامعات العراقية . وكان من برنامج زيارته لليوم الأول لقاء مع الأساتذة رؤساء الجامعات العراقية القادمين ضمن الوفد وعدد من الأكاديميين العراقيين المقيمين في الولايات المتحدة ومنذ فترات متفاوتة بين بضع سنين وعشرات السنين وصل بعضها الى اكثر من اربعة عقود زاخرة بالدراسة والتدريس والنشاط العلمي والمعرفي والدرجات العلمية والمناصب التعليمية الرفيعة . وأورد لكم بعض الملاحظات من ملاحظات كثيرة جدا كانت ملفتة للإنتباه ::

1/ عند وصول سيادة الوزير الى قاعة اللقاء في المركز التابع للثقافة العراقية في واشنطن كان عدد كبير من الحضور يروحون ويجيئون بين القاعة والمدخل الذي يؤدي اليها بشكل يعيد الى الذاكرة ما كان يحدث أيام الحكم الصدامي من أساليب التملق والنفاق وتوثين كبار المسؤولين التي صنعت منهم دمى كبيرة أسهمت بشكل فاعل في تدمير العراق . وجدير بالذكر أن بعض أولئك هم ممن عاشوا وعايشوا مفردات البيئة العلمية في أميركا سنين طوال يبدو انها لم تطبعهم بما ينهي او يقلل من طباعهم المتأصلة في عدم احترامهم لأنفسهم وتقدمهم في التعليم والسن.         

2/ ابتدأ البرنامج بحديث مطول من قبل الملحق الثقافي العراقي العالم الطبيب هادي الخليلي تحدث فيه عن برنامج متمثل بتشكيل لجان علمية في اختصاصات مختلفة من الأكاديميين العراقيين في أمريكا ولجان مناظرة لها في العراق تتبنى تطوير العملية التعليمية . هذه اللجان يتم العمل لتفعيلها ونحن كعراقيين نسمع عنها منذ أكثر من خمس سنوات ولم تنتج في الجامعات والمحافل العلمية في العراق لحد الآن خطوة واحدة ، بل ولم تثمر السنين الخمس أو اكثر للآن تشكيل لجنة منها في العراق ، ولم تنتج شيئا يذكر سوى كونها في أكبر جانب منها عملية يتخذها الدكتور الخليلي كدعاية له بشكل اصبح مكشوفا للجميع انها طريق نجح به في احتكار وتمديد مدة بقائه على رأس الملحقية الثقافية لمرات عديدة رغم انتهائها منذ سنين . وها هو الآن يعمل بأسلوب واضح على استغلال الموضوع اولا وقبل كل شي للدعاية لنفسه في موضوع ليس انتخابي بل يكمن قراره في رأي شخص واحد فقط.   بعد ذلك قام الأستاذ الخليلي بتقديم السادة رؤساء الجامعات للحديث فأبلوا بلاءً حسنا جعل الجميع يعجبون بما ذكره معظمهم عما يحصل في الجامعات العراقية ويتساءلون : لماذا أتوا إذاً الى أميركا ولم يستدعوا رؤساء الجامعات الأمريكية ومؤسسات أمريكا العلمية الى بغداد ليتعلموا كيفية تطوير وانجاح المؤسسات والجامعات في بلدهم ؟ ثم قام بتقديم الأساتذة رؤساء اللجان والأكاديميين المقيمين في أمريكا فتحدثوا عن انجازاتهم وما يمكن أن يقدموه للعراق وبدا أن بعضهم لم تشفه سنين الإقامة والبحث العلمي من أمراض النفاق ودجل السفسطة (بعضهم فقط) فأسهب في أداء دوره في التصنيم والضرب على أوتار الوضع العراقي والمنافقة التي يفترض ان إقامته وعلميته وأفقه – لو اتسع – كانت كافية لشفائه . بل إن أحدهم وكما ذكر انه خريج جامعة الموصل ( وكان كل ما فيه يوحي بأنه عمل دلالا في سوق الخضراوات لا غير شكلا واسلوبا ) بشّر سيادة الوزير بأنه سيكون رئيسا للوزراء في العراق ولا أدري هل كان ذلك أملا في إعطاءه منصبا في الحكومة العراقية مثلا .. أم ماذا ؟!

من طرائف هذه الفقرة أن الأستاذ الدكتور الطبيب العالم المستشار الخليلي قدم من المنصة استاذة مقيمة للحديث بعبارة ( تفضلي علوية ) !!!!!!! فتذكر الناس اسقباله لمسؤول زار واشنطن سابقا بعبارات الترحيب باللغة الفارسية !!! وذهبت عنهم الغرابة عندما ذكر أحدهم انه كان أختير من قبل صدام حسين سابقا لرئاسة لجان لم يكن يمكن أن يترأسها سوى المقربين .                                                  

3/ تم بعد ذلك تقديم سيادة الوزير للحديث الذي كان في منتهى الوطنية والإنسانية وعلى مستوى عال من اللياقة فكان بحق متحدثا مقتدرا لغة واسلوبا لولا كون كلامه المعسول لا يمت الى الواقع بصلة ، فقد تحدث عن تطلعات الحكومة واهتماماتها وكأنه جاء ممثلا لدولة أفلاطون وأن المستمعين لا يعرفون شيئا عن الكهرباء والخدمات التي لا زالت تسلك خطا مضطرد الانحدار على مدى أربع حكومات تلت سقوط الصنم أو الصمت إزاء المليارات المفقودة على أقساط ابتدأت بمليار وثصاعدت الى ما جاوز الأربعين مرورا بال7 وال17 ووو .. ولا زال حبلها على الجرّار ، ناهيك عن البنوك التي سرقت في وضح النهار وجرائم القتل بالجملة التي بدأها رجال دين ومليشيات أحزاب وظهر أخيرا تورط قادة كتل ورئاسات دولة بها والمهازل التي يقودها سياسيو الغفلة على ساحة الوطن المنكوب في تبادل التهم بل وتبييتها لتصفية الخصوم والمتاجرة بدماء العراقيين رخيصة للتسقيط أو المناورة بالتنازل عنها كأتفه ممتلكاتهم أو مكاسبهم غير المشروعة باسم الدين والوطن اللذين شكلا أكبر ستار لجرائمهم وأكبر كذبة في دواخلهم . أو كأن هذه الرؤوس التي تغص بها الجلسة خشب مسندة لم تطلع على الأميين الذين اصبحوا وزراء وبرلمانيين بقدرة قادر ودعم جهات إقليمية لم تقبلهم اكثر من خدم وشحاتين على أبوابها بعيش الكفاف ولكنها تصر على تنصيبهم قادة فوق العراق وتحت أقدامها ، أو على الصبية الذين امتلكوا المليارات يتاجرون ويلهون ويعيثون بها فسادا في كل عواصم الدنيا فيتلفونها بنفس السهولة التي وردتهم بها على مرأى ومسمع هؤلاء المنافقين الذين عانوا الأمرين وهم يحملون شهاداتهم العليا وعلومهم الكبيرة يستجدون بها لقمة الخبز في شتى بقاع الأرض وفي شوارع وأزقة ومزابل نفس تلك العواصم ليجلسوا اليوم كاطفال دور الحضانة يفتحون عيونهم وأفواههم وآذانهم منبهرين بما يتلى عليهم من ذوي شهادات مع كونها مزورة لم تصل ما يحل لها التحكم بالعلماء وشهاداتهم ، بل وحتى بالبسطاء الشرفاء الذين يعيشون الكفاف بعرق الجبين .

4/ من المهم أن نذكر شيئا عن كلمة الاستقبال والترحيب التي قدمها مدير القاعة الثقافية التي ناءت بحمل هذا الكم الهائل من الذنوب والآثام السيد محمد الطريحي مذيع أخبار سابق في قناة الحرية الفضائية والتي تذكّر بالأناشيد التي كان يستقبل بها طلبة رياض الأطفال الدكتاتور صدام حسين في المناسبات ابتدأها بابيات شعر هابطة وانتهت بتعابير سقيمة توحي بثقافة ومنطق يفتقران لأدنى مقومات المعرفة واللياقة الأدبية ، أكدها في إدارته لجلسة ختامية لسيادة الوزير ومعالي سفير العراق في امريكا مع الجالية اغتنمها للحديث عن نفسه وانجازاته وبهلوانياته وأمجاده الكارتونية بشخصيته الضعيفة المثيرة للجدل وبمنطق الكدية (من الأستجداء أو  الشحاذة) التي يخجل منها المتلقي وليس المتحدث . كثر من الجالسين عادوا بذاكرتهم الى المهرجانات والاحتفالات التي كانت تقام أيام العهد البائد في مدح صدام وكان دعيّ الثقافة هذا يلهث في اقامتها والاعداد لها ايام كان مذيعا صغيرا في قناة الشباب لدى عدي صدام .                                                        

5/ المفارقة التي لا يمكن لأبرع المحللين تفسيرها تكمن في الشخص الذي قدم من ولاية بعيدة متبنيا هذه اللقاءات واسمه (وهاب المهداوي) بالتنسيق مع الدكتور الخليلي بصفة (ممثل نقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي) . الذي سأكتفي فقط بالتعبير عن كنهه بصورة المقال الآتي الذي كتبه في عام 2002 ::

وتبين أن السيد وهاب لا يعني أي شيء على الساحة الثقافية والصحفية أو الأدبية أو العلمية وليس لديه شهادة او مهنة ، ويبدو أن هذه الصفات اصبحت مطلوبة الآن .  

6/ تم تقديم ثلاثة متحدثين لتقديم رؤيا لتطوير العملية التعليمية والعلمية في الجامعات العراقية تبين أن أحدهم غادر العراق بالشهادة الجامعية الأولية واكمل دراسته منذ وقت قريب بعيدا عن كل التفاصيل التي مر بها التعليم في العراق ولم يدرّس أو يعايش التدريس في جامعاته حتى ليوم واحد ، وكان حديثه استعراضيا يحوي بعض الحماس الذي تنقصه الرؤيا العملية وواقعها في جامعات العراق .. بينما تحدث الثاني باسلوب نقدي ينقصه الذكاء وخبرة الحياة ليكون مكشوف الهدف بوضوح يفطن له المتلقي البسيط بعد معرفته بأن هذا الأكاديمي لم يدرّس أيضاً في جامعة عراقية ولم يرها إلا من موقع الطالب المتلقي ليُرى بوضوح إصراره على المخالفة من منطلق (خالف تعرف) لأثارة الأنتباه حوله ظانا أن جمع المستمعين بالبساطة التي ستبهرهم هذه الميزة دون تمييز دوافع اصطناعها.

أما الثالث فهو رجل أعمال ومن الأثرياء ذوي العلاقات بالساسة الأمريكان وقد غادر العراق منذ بداياته وعبر عقود من الزمن لم تربطه فيها أية علاقة بالتدريس والتعليم . نعم .. هؤلاء لا يشكك أحد بوطنيتهم وامنياتهم في تطور العراق في كل الميادين وعلى رأسها التعليم ، ولكن هل الأكاديميون المخضرمون الذين مارسوا التعليم في داخل العراق وخارجه بكثافة صنعت لديهم قدرات رفيعة على المقارنة والمحاكاة بما يقدم أنضج الثمار في رؤى ترقى بالعملية التعليمية الى الذروة .. أقول هل هم من قلّة ؟ أم أننا كتب علينا كشعب أن نعيش نتائج مأساوية تتحتم بحتمية الأرتجال وغياب التنسيق والتروي في القرار والاختيار بعد أربعة عشر قرنا على الدرس الصعب الذي هز عقول العرب والمسلمين والذي اختصره المعلم أمير المؤمنين (عليه السلام) بتمنيه ان تكون له رقبة بعير ، ليسهّل علينا استيعابه والعمل به ؟؟!          

7/  مفارقة لا تقل إثارة أو طرافة أو لنقل خيبة امل تمثلت في اختتام اللقاء بتقديم دروع وهدايا لسيادة الوزير من قبل ادارة الجلسة أمام الكاميرات ووسائل الإعلام والحضور كان منها مثلا اضافة الى هديتي المركز العراقي والملحقية العراقية في واشنطن والتي يمكن القول انها معقولة ::                                               

- هدية اللامي نقيب الصحفيين العراقيين – تبعت سيادته من بغداد مع بقاء صاحبها هناك - !!! لا تعليق !

- هدية رئيس الجامعة (الحرة) في هولندا ، جعلت الحضور يتبادلون النظرات بأحداق مفتوحة حد مغادرة العيون محاجرها !! صفعة للقائلين ان العجائب سبع ! ولكن الأدهى ان شخصا يسمى نزار ابو حيدر من الجالية الحاضرة استدعي لتسليم الهدية لسيادته في جو من الأستغراب والعشوائية بدا فيها ان هذا الشخص لا علاقة له بشيء ولا يعرف ماهية الجامعة وقصتها مع الهدية ..  وأسأل الله ان لا تعمم هذه الطقوس فيصبح عناء العراقيين أكبر في بدعة تقضي بأن تتجول هدايا القطعان البشرية العراقية من كل مكان في كل مكان (يعني المسؤولين العراقيين طايرين وهدايا الرعاع طايرة وراهم من كل بقاع الأرض) لأن أقل ما يقال في ذلك انه استخفاف بعقل المسؤول ووصمه بانه لا يعرف شيئا عن أصول العمل في دولة ..        

سأكتفي بهذا القدر مراعاة لمشاعر القراء واحتراما لمصاب العراقيين ودرءً لتقليب مواجعهم ، بعد عرض لأبسط تصريح لسيادة الوزير الضيف أدلى به على مسامع جمع غفير من الأساتذة قادة التعليم ورؤساء مؤسساته ملء أسماعهم حيث قال :: نحن أجبرنا الولايات المتحدة الأمريكية على سحب قواتها من العراق .. بالمقاومة السياسية ، دون أن يهتفوا لسيادته :: (ألله أكبر .. ألله أكبر) ناسيا أو متناسيا سيادته انه وكل شركائه في اضاعة العراق وتدميره وبيعه لا يمكن ان يحلموا بالقعود على كرسي (عرضحلجي) في العراق لو لم تقعدهم تلك المجبرة على الأنسحاب على تلك الكراسي .. فهل تكفي الثمان أو تسع سنين العجاف لنسيان حدث كهذا أو حتى تناسيه رغم أنها انقضت تحت سيطرة هذا المحتل المطلقة وأوامره التي لا تقبل النقاش ؟؟؟

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات