| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 24/8/ 2009

     

خرافة الوطنيّة في العراق

فاهم إيدام

يحدث في الأدغال القصيّة، حيث السيادة لقوانين الحياة الفطرية، أن يصطاد الأسد، ليأتي بعد أن يشبع هو، الكثير من الحيوانات، ينافس بعضها الآخر، والشبع بالطبع يكون متدرّجاً ما بين الأقوى، فالأدنى منه قوة. ولا يمثّل ذلك التفاوت في كميّة الغنيمة غُبناً لأحّد، ففضلاً عن أنها لم تبذل المجهود الذي تطلّبه صيد الفريسة، منحتها الطبيعة تفاوتاً ضرورياً في كمّية ما تحتاجه. فالأقوى يتمتّع بجهاز للهضم أكبر من الأدنى منه قوّةً ! أذاً فأفتراض الشبع للجميع وارد في الذهن، لكنك إذا ما راقبت تكالب من يأتون بعد الأسد، فأنك لشدّة صراع هذه الحيوانات تحسبها وكأنها لم تذق شيء.

البديع في عالم الحيوانات هو أنّ إرادة الحياة تندفع فيه ـ بخلاف الأنسان ـ على سجيّتها، وذلك بسبب أنها لا تعقل هذه الأرادة. فهي بالتالي مضطرّة إلى الأمتثال لطبيعتها بالضرورة، وهنا ترى أرواحها البريئة، وقد ابتعد شعورها بخطر الجوع، وهي تُملأ قناعةً، فينسحب الأقوى فالأدنى قوّةً إلى جوانب عيشها الأخرى، كاللهو مثلاً أو التأمّل أو ممارسة الجنس.

حدث أن أسداً قرّر فجأةً بعد تعرّضه للوثةٍ نفسيّةٍ، صرع أحد الضباع. ليس لسواد عيون الغزلان طبعاً، فالأسود هي الأخرى تفضّل لحم الغزال! وأنما لأسباب فيها ما هو معروف وفيها ما لم تعكسه قسمات الأسد، لأنّ وجهه كامل القسمات، يضيع فيه كلّ معنى. ولأنّ الجوع لم يكن الدافع الرئيسي لقرار الأسد، فقد اكتفى بالقليل من الفريسة، تاركاً إياها للفرحين بالتخلّص من ذلك الضبع الذي كان في منتهى الصفاقة والغدر، والذي سلب الحيوانات الأخرى كلّ شيء، حتّى أن الفرحة بالتخلّص منه طالت الجميع، بما فيهم من يزعمون العكس.

حتّى لا تنزعج قوانا السياسية الحاكمة الآن في ـ ما يُعرف بوطننا ـ العراق، من تشبيهي لها بالحيوانات، أقول بأنني يا أيها السادة لا أؤمن بدونية الحيوان من حيث مشاركتنا وأياه الوجود، فالحيوانات هي الأخوّة الفعليّة لجنس البشر، شاء الأتّفاق أن تكون من دون تلك الميزة الوحيدة ـ العقل! أما منطقيّة التشبيه فأدّعي أنها موجودة في كلّ ما أراه من ممارسات تتمتّع بها هذه القوى السياسيّة التي تكالبت على جسد هذا البلد ـ بوصفه غنيمة ـ تتقاسمها، وتتصارع في ما بينها للحصول على كلّ شيء، هابطةً بذلك إلى مستوى أوطأ من مستوى فطرة الحيوان. فلا نرى طرفاً قنوعاً ينسحب بعد الشبع، ولا طرفاً صادقاً مع ما هو عليه من حجم وقوّةٍ وتأثير، ولا حتّى طرفاً يخاطب الآخر على أنه آخر، مميّزاً إياه عن نفسه، بل نرى شراهة الجوع تزداد يوماً بعد آخر، تصحبها العدوانيّة والتوثّب والمافيويّة. والنفاق ومصادرة المواطنة والأصرار على التنافس الذي لا يقترب حتّى مجرّد الأقتراب من الشرف.

أحزاب وتيّارات، التأمّل في كثرتها دليل ساطع على اللصوصيّة، تلوك كلمة المواطنة لتعكس النقيض. تسمع الجميع وهم يردّدون مظلوميّةً تقع عليهم من آخرين، يستهدفونهم فقط لكونهم الفئة التي تنطق بالحقّ. أحزاب تطبخ لنا دكتاتوريّة الوليّ الفقيه بأعتماد تكرار الرواح (خرّي مرّي) لأخذ رأي المرجعيّه، وتصارع من أجل استقطاع إقليم تطبّق فيه الأنتظار المنهجي للمهديّ المنتظر، وتقول ـ وتكرر ـ أنّ هذا هو ما يريده المواطن! وتيارات تقاسمها أخذ الأوامر من (دولة مجاورة ) لكنها تعارضها في ذلك الأستقطاع وال(خرّي مرّي) فقط لأنّ فلسفة انتظار المهدي تختلف لديهم. هذه التيارات تستطيع لحجم وطنيّتها المسلّحة أن تغيّر أسماء الأحياء والدوائر والشوارع والمستشفيات، لا فقط أن تملأها بالصور . هذه التيارات تقول بدورها : إنّ هذا ما يريده العراقيون! في حين نرى نحن أن صراعات القوى المنطوية تحت تسمية (إئتلاف) هي صراعات مصلحيّة فارغة من الحسّ الوطني، ولا يمكن أن يكون هنالك دليل أوضح على لا وطنيّتها من الجملة التي تردّدها على الدوام ـ (إنّ هذا هو رأي العراقيين) وفي بعض الأحيان تُضيف لها كلمة (الشرفاء).

في الجزء الآخر من أدغالنا الحبيبة تغرق القوى (الوطنيّة) في لا وطنيّتها، فهل سمعتم قبلاً بمناطق متنازع عليها في بلد يدّعي الجميع بانهم حريصون كلّ الحرص على وحدته الجغرافيّه؟ ثمّ عاد الضبع، أو شيء منه، بقائمةٍ (حدباء واضحة الحدبة) ليخصّص المجلس الذي فاز بثلثيه لمهمّةٍ واحدةٍ، هي اتهام، وإعادة اتهام، الذئاب الجبليّة بالتآمر على وجودها. في الوقت الذي تتصاعد هجمة البرابرة المفخّخين.

أحدى فصائل واحة الأدغال فتّشت في داخلها الوطنيّ عن وزير، فلم تجد غير قاتل لوزارة الثقافه...، وأخرى أرادت بمنح الوزارة المذكورة للأولى أن تُغرقها بالسيّئات، كون وزارة الثقافة في نظرها وزارة محرّمات مثل الرقص والغناء....، سياسيون يفشلون في مناصبهم فيقوموا بتأسيس تيّارات لهم...، فيما يؤمن صالح المطلق المتمترس بأدغال الحوار ـ وبحسٍّ وطنيٍّ فضيع ـ بأنّ سكّان المقابر الجماعيّة لم يكونوا سوى لصوص وعملاء لإيران!

إنّ مثل سياسيينا ونفاقهم هو ما يساعد وعلى صعد عديدة في منح الأرهاب فرصاً للعمل، ستُكسب هؤلاء السياسيون شرهاً ودفاعاً مافيويّاً، وتكسب الضباع ـ وأعني بها البعث الوضيع ـ خبرةً في القتل والغدر، تفرضهم في النهاية على الجميع!

أخيراً لا يمنع برلمان البصرة قيادة السيارات من دون رخصة، فكان منه، لوطنيّةٍ مُستمدّةٍ من التعمّق بمعاني المواطنة، أن منع الخمر!

أين مظاهر الوطنيّة في القوى التي تحكم العراق الآن؟
سؤال لمن يستطيع الجواب.

09 ـ 08 ـ 24


 

free web counter

 

أرشيف المقالات