| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 23/4/ 2010

 

تداعيات

لاجئو المغرب.. شعراء وكتاب وفنانون عراقيون بلا حقوق أو غرقى في المحيط!

فيصل عبد الحسن *
faisal53hasan@yahoo.com

من مفارقات اللجوء في المغرب أن أغلب لاجئيها، من الكتاب والفنانين والمثقفين العراقيين، مهما تبدلت ظروف بلادهم السياسية، فهم باقون على العهد في فهمهم للصحيح والخطأ في عالم السياسة، هذا الحقل الذي صار أفقا رحبا لمن هب ودب، وأختلط صحيحه بخطئه، وبالرغم من ظروفهم الصعبة في هذا المغرب السعيد إلى درجة مد اليد لطلب الإحسان، إلا أنهم لا يرفعون أصابعهم معترضين، ولا يعلنون عن ظروفهم الصعبة!!

في البداية استغربت حين اخبرني صديق شاعر عراقي معروف حين بدأ يوزع كتب مكتبته على الأصدقاء كهدايا، وأخبرني أنه إن بقي في المغرب فأنه سيتسول، لقد كان يحمل شهادة الدكتوراه في الإعلام، وعمل مدرسا في أحد المعاهد العليا للصحافة بالمغرب، وكان ينشر عمودا صحفيا في اكبر جرائد المغرب، كان ذلك في عام 2001 بعد أن قطعت المفوضية العليا للاجئين مساعدتها المالية عن اللاجئين، وبالرغم من ضآلة ما كانت تعطيه المفوضية للاجئين، لكنه كان كافيا لصاحبنا الشاعر لدفع كراء شقته التي تضمه وزوجته.

وقد يتبادر إلى الذهن سؤال عما يناله شاعرنا من راتب من عمله كأستاذ في معهد الصحافة المغربي ذاك، أو ما يتقاضاه من عموده العرمرم في تلك الصحيفة المغربية، التي كانت أحدى أهم الصحف في البلاد؟! ولكن حين تعرف الحقائق المذلة يبطل كل عجب، فالأخوة في المغرب يعاملون من يعمل معهم من العرب بنظام المكافأة التي لا تتجاوز مائة دولار شهريا!! بينما الأستاذ الذي يماثله في الدرجة والعمل من الأخوة المغاربة فيتجاوز راتب الواحد منهم الألفي دولار، وللأستاذ المغربي عن كل محاضرة أضافية كذا مئة من الدولارات، ولا حسد لأخوتنا المغاربة فهم يستحقون ما ينالون، ولكن ذكر أحوالهم بأحوال ضيوف بلادهم من العرب للقياس فقط، أما صديقنا الشاعر فقد كان راتبه الضئيل يجمع له كل ستة شهور، ويبقى حين يحين وقت استلامه يركض وراءه من مكتب إلى آخر، حتى تتهرأ أحذيته، وربما يحصل عليه أو يرحل الراتب لسنة قادمة ويطلب منه أن يحضر كيت وكيت من الأوراق الرسمية من سفارة بلده، ليصرف له!!

وتتساءل عما يناله من عائد مقاله ذائع الصيت من تلك الجريدة المغربية؟!! ولكن حين تعرف تعجب أكثر، للحيف الذي يصيب الكتاب العرب العاملين في صحافة هذا البلد على قلتهم، فهو ينال عشرة دولارات عن كل مقال، ولا يحق له نشر أكثر من مقال في الشهر!! حيث يجتمع لشاعرنا من مقاله لفترة سنة كاملة مئة دولار!! تعطى له في نهاية عامه الصحفي، في حفلة خاصة مهيبة تقيمها الجريدة، لتثبت أمام الصحف الأخرى قوميتها وكرمها!! وبحسبة بسيطة فإن شاعرنا لا ينال من سعيه شهريا سوى مائة وعشرة دولارات، بينما كراء ألشقة الصغيرة في مدينة الرباط يتجاوز الثلاثمائة والخمسين دولارا!! ولهذا فقوله أنه إن بقى في هذه البلاد( بعد انقطاع المساعدة المالية الضئيلة من المفوضية العليا للاجئين منذ عام2001 ولحد اليوم) فأنه سيتسول صحيحة مائة في المائة.

لملم صديقنا ما تبقى له من متاع قليل، وأهدى للباقين من الأصدقاء ما أهدى، ومضي في بلاد الله الواسعة، لقد مر على هذه البلاد كتاب كثيرون وفنانون عراقيون، ولا يزال فيها منهم الكثيرون ومن أولئك وهؤلاء: الفنان د.بدري حسون فريد، الروائي سامي النصراوي، القاص د.علي القاسمي، د.حياة جاسم محمد، د.زكي الجابر، الفنان حسني أبو المعالي، الشاعر عدنان رمضان إبراهيم، الفنان جواد العادلي، الفنان أحمد عباس، الشاعر جواد وادي، الشاعر فراس عبد المجيد،القاصة صبيحة شبر والأكاديمي والكاتب د.عبد الكريم عطا، والروائي فيصل عبد الحسن، وغيرهم.

وحديث لجوء العراقيين إلى المغرب ذي شجون، فالمفوضية العليا للاجئين، التي مارست عملها منذ التسعينات في بناية صغيرة تقع في مدينة المعاريف، وسط المدينة الاقتصادية الدار البيضاء، وكانت محدودة الإمكانيات، ولا تساهم الحكومة المغربية بأي مساعدة مادية للاجئين، ولكنها تتعاون فقط مع المفوضية "بغض النظر!!" فقط عن تواجد اللاجئين على الأرض المغربية، وبإعطاء الإقامة المؤقتة لبعضهم، لفترة سنة واحدة قابلة للتجديد، و يتم ذلك بعد سنوات من قبول المفوضية اللاجئ بشكل رسمي، وبالرغم من أن المغرب من الدول الموقعة على قوانين جنيف لحقوق الإنسان لعام 1956، والبروتوكولات المكملة لها، إلا أن فترة تمتد لسنوات، لا يحصل فيها اللاجئ على إقامة رسمية، أو على أية حقوق إنسانية أخرى، ويتم خلال ذلك تزويده بورقة من قبل المفوضية تجدد شهريا ولا ينال أية مساعدات مالية أو عينية منها.

وقد كان عمل الموظفين في المفوضية في تلك الفترة منذ 2001 قد تعرض للكثير من الاتهامات، التي أوردتها الصحافة المغربية، والعربية، ومنها سرقة المساعدات المالية والعينية، التي تأتي من جنيف للاجئين، وبيع صور طبق الأصل من ملفات اللاجئين لسفارات بلدانهم!! مما جعل حياة هؤلاء اللاجئين في خطر حقيقي، مما دفع اللاجئين العراقيين لمغادرة المغرب بمختلف الطرق المشروعة، وغير المشروعة، والتي تسمى في المغرب بالهجرة السرية، وذلك بركوب زوارق بدائية، لعبور البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي للوصول إلى أسبانيا، ومنها إلى باقي دول أوربا، عبر مضيق جبل طارق، أو جزر الخالدات في المحيط، حيث يغرق كل عام عدد منهم، ومن باقي الجنسيات الأفريقية في أمواج هذا المضيق الهادرة بالعواصف، طوال أيام السنة، ماعدا بضعة أيام من الصفاء، ولم ينجح الكثيرون في الوصول إلى هدفهم من هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر إلا عدد قليل من الناجين، أصحاب الحظ الوافر، والقدرة البدنية على مقارعة الأمواج الصاخبة!! التي لا تناسب بالطبع شيوخا مثل كاتب هذه السطور ولا غيره من الأصدقاء الباقين وقد تجاوز بعضهم الثمانين من العمر!! ويصدق علينا القول: أن لاجئي المغرب شعراء وفنانين عراقيين بلا حقوق إنسانية أو غرقى في المحيط!


*
كاتب وصحافي عراقي يقيم في المغرب




 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات