| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 22/2/ 2012                                                                                                   

 

مصير العراقيين بين حكام ماليزيا وحكام إقليم كردستان العراق
وبين محمد الدايني وطارق الهاشمي

عبد علي ماهود

مسكين  هو القضاء العراقي، فهو يعمل ويسعى إلى استقلاليته في أجواء مريبة، وفي ظل صفقات مشبوهة بين الكتل السياسية المتنفذة، بهدف التحرر من وزر تدخلاتهم غير المشروعة ونفوذهم من أجل حرف العدالة عن مجراها السليم. والأمثلة كثيرة على هذه المحاولات تمثلت في ردود فعل الكتل السياسية على قراراتها ومحاولاتها لإقرار العدالة في بلد كان الأبرز في الدوس على القضاء وانتهاك حرمته وخاصة في فترة عهد البعث بطوريها.

لقد كان الاتهام الموجه إلى نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي هو أحد مشاهد سعي القضاء لفرض استقلاليته مقابل مساعي من أطراف متنفذة لتسييسه بالضد من مبدأ العدالة ومصلحة الشعب ومستقبل استقلالية القضاء العراقي. إن تهمة الإرهاب الموجهة من قبل القضاء العراقي ضد نائب رئيس الجمهورية ، يجب أن يدرج في قائمة غينز للارقام القياسية. فللمرة الأولى يبادر نائب لرئيس الجمهورية في العالم إلى القيام بتنظيم عصابات مهمتها تنفيذ أفعال إرهابية ضد شعبه. ولكن ما يسترعي الاهتمام في أطار هذا الحدث هو ما تبعه من ردود فعل داخلية وخارجية تستحق التوقف عندها. ففي اللحظة التي تم الإعلان عن هذا الاتهام، وهو اتهام جرى التستر عليه وعلى الكثير من ملفات واضبارات اتهامات كثيرة بفعل التدخل في شؤون القضاء العراقي من قبل السلطة التنفيذية لأسباب طائفية أو لدوافع التشبث بالسلطة مقابل السكوت على جرائم بعض أطراف حكومة الوحدة الوطنية المزعومة. كما خدشت استقلالية القضاء العراقي أيضاً بفعل الضغوط الإقليمية والخارجية.

لقد تعالت بعد الإعلان عن هذا الاتهام ردود الفعل بالويل والثبور إلى حد تنظيم المظاهرات من طرف معلوم، وتدخل السلطة التنفيذية دون انتظار البت في القضية من قبل القضاء العراقي. في حين سارع الطرف المناكد الآخر المشارك في حكومة "الوحدة الوطنية" المزعومة إلى تفنيد هذه الاتهامات قلباً وقالباً واصفاً إياها على أنها مجرد مؤامرة يقصد منها تهميش مكون معين في المجتمع العراقي. وذهب هذا الطرف إلى أبعد من ذلك، كما حدث لبعض نواب ووزراء القائمة العراقية، ليتم الانسحاب من المجلسين وتعطيل الحياة البرلمانية، واللجوء إلى دول الجوار لتجييش زعماء المنطقة الطائفيين للإدلاء بدلوهم. وعلى هذه الفزعة والعونة شمّر رجب أردوغان عن ساعده ونزل إلى ميدان الصراع ليفرغ ما في جعبته من اتهامات وتوجيهات بعد أن أخذ على عاتقه مهمة نشر "العدل" في المنطقة. ولم يتردد بعض من المتطرفين في القائمة العراقية، أحد مكونات حكومة الوحدة الوطنية، بالتلويح والتهديد بكشف ملفات أخرى تخص الطرف المتطرف الآخر، كما سمعناه من تصريحات من قطب التطرف فيها حيدر الملا . وكل ذلك يصب في مجرى انتهاك القضاء العراقي واستقلاليته وعرقلة تحقيق العدالة، وهو سلوك يتناقض مع ما أقسم عليه هؤلاء النواب والوزراء عندما تسنموا المسؤولية وتعهدوا بالحفاظ على استقلالية السلطة القضائية.  

وبين هذا المهلل لإعلان الاتهام وبين من ينفي الاتهامات ووقف ضدها، لابد أن يظهر على الساحة لاعب آخر يلعب على الحبلين، ليستضيف المتهم بالقتل والارهاب هو وحمايته، بل وقبل ذلك استضافة متهمين هربوا من محافظات العراق، بدعوات من قبيل عدم تسييس القضاء؟؟ أوالوقوف على الحياد ومسك العصا من الوسط  والدعوة لجميع الأطراف لحل المشكلة سياسياً؟؟؟. وهو ما لاحظناه في موقف بعض الأطراف القومية الكردية المتطرفة. وهي دعوات ومواقف لا تدخل إلاّ في إطار الابتزاز السياسي، ولا يعبر عن الحرص على تطبيق العدالة وتحقيقها في ربوع الإقليم وفي جميع الأراضي العراقية.

إن ردود الفعل هذه هي ليست الأولى، فقد عرف عراق ما بعد 2003 نماذج كثيرة منها. فقد شهد العراقيون وبدهشة هروب وزراء وحرامية من كتل سياسية متنوعة، وهروب قتلة من أمثال الدايني وعبد الناصر وأسعد الهاشمي والمئات غيرهم، أما بمساعدة أطراف في العملية السياسية العرجاء في بلدنا، أو حتى تحت سمع وبصر السلطة التنفيذية. فالسيد رئيس الوزراء العراقي هدد في الدورة  السابقة وفي مجلس النواب عبد الناصر الجنابي بكشف ملف الاتهامات الموجهة ضده دون أن يتخذ القضاء العراقي أو السلطة التنفيذية أية إجراءات ضده . وكانت النتيجة هي هروب هذا المتهم إلى خارج العراق ليستمر في عبثه الدموي. وها هي دول الجوار التي تنهش بجسد العراقيين تستضيف كل هؤلاء، علماً أن هذه الدول تعتاش على خيرات العراق ولا حاجة لذكر الأسماء، دون أن تتخذ السلطة التنفيذية أية إجراءات لحماية  المواطن العراقي من شرهم.

وعلى هذا الدرب شهد العراقيون " الدراما الماليزية"، حيث راح حكام هذا البلد يتلاعبون بمصير العراقيين عندما رفضوا وضمن المنظار الطائفي تسليم محمد الدايني المتهم بتفجير مجلس النواب. وربما يعود ذلك أيضاً إلى تدخلات خليجية طائفية أو لأسباب مالية دفعها الدايني أو حُماته إلى ماليزيا، والله أعلم. ولكن لم يتوقع العراقيون أن يسير المتنفذون في إقليم كردستان العراق على درب حكام ماليزيا، ويضعوا العراقيل أمام تسليم طارق الهاشمي إلى القضاء الإتحادي. لربما تذرع هؤلاء هذه المرة بذرائع عشائرية أو كجزء من اللعب على حبال السياسة واستخدام ورقة الهاشمي لتحقيق مكاسب يُشك بإمكانية الحصول عليها، مكاسب ولا علاقة لها بمصلحة المواطن العراقي الكردي ولا العربي الذين يهمهم الاستقرار والأمن وقيام أجهزة الدولة وبضمنها السلطة القضائية بدورها الفعال في تحقيق العدالة والاقتصاص من المجرمين بحق وطن العرب والأكراد وكل مكونات الشعب العراقي. ويبدو أن أطراف في الحركة القومية الطردية لم يتعظوا من تجارب فاشلة ومدمرة سابقة عندما لجأوا إلى مد الجسور مع التيار القومي العربي المتطرف في انقلاب عام 1963 وباركوه، وشاركوا في وفود الانقلابيين إلى الخارج، ولكن ما حصل عليه المواطن الكردي هو إحراق مدينة السليمانية على يد هؤلاء الانقلابيين بعد أسابيع من تسلمهم السلطة بعد انقلابهم المشؤوم. كما لا ينعظ هؤلاء السادة من أخطاء فادحة تمثلت في مد الجسور مع شاه إيران وحماته، والتي أدت إلى كارثة للحركة القومية الكردية وللشعب العراقي عموماً بعد أن تخلى الشاه عن هذا الرهان ووقع مع صدام حسين اتفاقية الجزائر عام .1975

ينبغي على الجميع وبمن فيهم أطراف في الإقليم أن يدركوا بأنه من غير الممكن تأمين الاستقرار في البلاد بدون تحقيق العدالة، بدل الرهان على سراب. كما لا يمكن الحديث عن نجاح العملية السياسية، ولا عن إرساء دعائم الديمقراطية التي تعتبر ركناً أساسياً من أركان رفع الظلم والتمييز القومي الفظيع الذي لحق بالمواطنين الأكراد في العهود السابقة بدون التواصل بين المؤسسات القضائية في جميع زوايا البلاد. إن تعلل أطراف متنفذة في الإقليم، وهم مشاركون في الحكومة الاتحادية وفي السلطات الاتحادية الثلاث، في عدم مثول الهاشمي  أمام السلطة القضائية والسماح بفتح مكتب له وبنشاط إعلامي مكثف ، هو نكوث بالقسم الذي أداه النواب الأكراد في جميع مرافق الدولة الاتحادية. وإن إيواء متهمين بجرائم كبرى في إقليم كردستان لا يخدم بالدرجة الأولى مواطني الإقليم. فقد يبادر أي طرف في محافظات عراقية أخرى، كرد فعل، إلى احتضان من يهرب من المتهمين من الإقليم، حيث سيجد بسهولة ملاذاً له في محافظات العراق الأخرى. وعندها ستتفجر أزمة بين الطرفين، وسيتضرر المواطن في الإقليم من تعدد الأزمات وهو الذي لا ناقة له ولا جمل في هذا العبث السياسي.

إن الاستقرار وتحقيق آمال العراقيين بكل مكوناتهم لا يتم إلاّ عبر استقرار مؤسسات الدولة وقيامها بوظائفها بعيداً عن هذا الصراع العبثي المدمر والقيم البالية التي يتمسك بها بعض المتطرفين من كل الألوان. وما على العراقيين بكل ألوانهم إلاّ أن يقدموا كل الدعم للسلطة القضائية الإتحادية والحفاظ على استقلالها على طريق فرض العدالة في البلاد. وبدون ذلك سيبقى العراق على شفى فوهة بركان سيدمر انفجاره كل الكتل السياسية وكل مكوناته وتتحطم كل آمال العراقيين في بناء دولة ديمقراطية حديثة قائمة على العدل وليس على التلاعب به.

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات