| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 22/8/ 2010

 

فــوق الطبيعــة

فوزي ناصر
fawzy@bezeqint.net

جاء القط وجلس إلى قدمي تحت طاولة المطعم، واخذ يلامسهما بفروتة الناعمة وكأنه يريد أن يذكرني بوجوده، طالباً ألا أنساه ببعض الفتات، تناولت بعضاً من قطع اللحم التي أمامي وأعطيته ليأكل، رأيت منه وسمعت حركات وأصوات شكر، تذكرت طفولتنا الشقية حين كنا لا نرى قطاً إلا وضربناه بالعصي والحجارة، ولا أنسى أن احد القطط هاجمني كالنمر بعد أن حشرته في ركن من أركان البيت. تذكرت أيضا ذلك القانون الذي تعلمناه في المدرسة ومفاده أن لكل فعل ردّ فعل مساوياٍ له في القوة ومعاكسا له في الاتجاه. القانون الذي ينطبق على الطبيعة بكاملها، لا ينطبق على قطاعات واسعة من مجتمعنا، لأننا ربّما فوق الطبيعة أو ما وراء الطبيعة.

جاءتني كل هذه الهواجس بعد حادثة لي مع أحد الجيران الذي لم اقابله من قبل لان مدخلينا متعاكسان، لم نتبادل التحية يوماً، لا يعرف اسمي ولا أعرف اسمه، تقدمت منه بطلب رفع أذى يلحق بي جراء أمر يقوم به، وكنت معه في غاية اللطف، لم أدع كلمة طيبة في قاموس اللغة إلا واستعملتها، وكان جوابه الأوّل كلمة واحدة: أنا حُرّ، وما كان مني غير التراجع دون أن ابدي عدم رضاي عن جوابه، قلت كلمة واحدة فقط : "شكراً"، وأدرت ظهري، فوجئت بقنبلة من الصراخ والشتائم تنطلق ورائي، التفت (من باب الوقاية) فإذ به يهدد رافعاً حجراً كبيراً يهمّ بإلقائه تجاهي، كان ردّي الانسحاب بصمت وهدوء يلفّ غضباّ.

توقعت أن يناديني معتذراً أو أن يتدخل أحد أصدقائه الذين ملأتهم النشوة، إذ قام مضيفهم بما يجب، لكن تلاشى الصوت والزعيق رويداً رويداً.
أخذت مخيلتي تجول في أحداث مجتمعنا التي أوصلت إلى قتل ثم قتل معاكس ثم ردّ اعتبار ثم صلحه عشائرية بعد أن سال دم كثير، كل هذا ربّما سببه نظرة غضب أو ملاحظة عابرة أو خلاف على موقف سيارة أو أولوية المرور أو أي سبب لا يُعقل أن يوصل إلى سفك دم، قلت في نفسي إن الأمر قد ينطبق عليّ فاني أرى الأسوأ، ربّما يسقط حجره على رأسي فأموت، وربّما يكسر يدي أو رجلي.

لم استطع تحليل هذه ألظاهرة فوق الطبيعية التي يحسّ أحد طرفيها أنه من القوة بما يحمله من مال أو عضلات أو ما لا يحمله من عقل أو ضمير، بحيث لا يحتمل ملاحظة أو نظرة من أحد، وتكون النتيجة ما لا يجب أن تكون.

نذكر جميعاً ذلك المقطع السّاخر للفنان القدير دريد لحّام عندما اتهم فقيراً مسكيناً بأنه داس فوق خياله، وعندما بيّن له (الفقير) أنه لم يفعل، قال له بأنه لو كان في موقع أخر لكان خياله في المكان الذي مَرّ ذلك المسكين ، وأعطاه نصيبه من الضرب!

أليس جديراً بنا أن نتعلم كيف نعدّ للعشرة؟
لماذا تنطبق قوانين الطبيعة على الكون بجماده وناسه وأحيائه ونباته ولا تنطبق على مجتمعنا المأزوم؟!

 

free web counter

 

أرشيف المقالات