| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 22/11/ 2009



"تشرنوبل" إيراني

زهير المخ
dr.zouhair.much@chello.at

تكمن مخاطر البرنامج النووي الإيراني أساساً في احتمال حدوث تسرب إشعاعي من المفاعلات، سواء كان هذا البرنامج سلميا أو عسكريا، وسواء فرضت عقوبات دولية على طهران أو لم تفرض، وسواء وقعت مواجهة عسكرية بين الطرفين الإيراني والغربي بسبب هذا البرنامج أو لم تقع. ففي كل الأحوال يبقى هذا الخطر ماثلاً للعيان ربما نتيجة إخفاق فني في تأمين هذه المفاعلات، أو أعمال إرهابية داخلية أو عمليات عسكرية خارجية، أو بفعل زلزال مدمر، لا سيما وأن مفاعل بوشهر النووي مثلا يقع فعلا على خط زلزال نشط.

وبالفعل فقد كشفت تقارير دولية موثقة أن تشغيل مفاعل بوشهر من شأنه أن يشكل تهديداً صريحاً للدول المطلة على الخليج وخطوط الملاحة فيه، ذلك إن حدوث مثل هذه التسربات الإشعاعية، سوف تكون له بطبيعة الحال آثار بيئية وديموغرافية وصحية ونفسية وإنتاجية مؤلمة، لكنها كلها ذات تداعيات اقتصادية خطيرة، لأنها ستفرض على الخزينة العامة لدول المنطقة أكلافا عالية، بمعنى أنها ستستنزف أموالا طائلة لسنوات طويلة للإنفاق على ما تدمره الإشعاعات النووية في البر والبحر والجو، إضافة إلى الإنفاق على إعادة تأهيل المناطق المتضررة وعمليات التهجير وإعادة التوطين وعلاج المصابين بالأمراض العضوية والنفسية أو تعويضهم. هذا ناهيك عن الخسائر الناجمة عما سيؤدي إليه مثل هذا التلوث النووي لا محالة من تعطل أو تجمد عديد النشاطات الاقتصادية.

في هذا السياق، يجدر التوقف ملياً للتصريح الذي ادلى به علي أكبر صالحي رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية الذي اعترف فيه أن معظم المعدات المستخدمة في مفاعل بوشهر قد تقادمت بعد أن مضى على إقامتها ما يقرب 35 عاماً، وأن نحو 12.500 طناً من إجمالي 51 ألف طن منها لم تعد تعمل بالمستوى المطلوب.

وتكفي الإشارة إلى كارثة تشيرنوبل السوفياتية في أبريل 1986، التي أعطت العالم درساً بليغاً يتخلص في أنه ما من دولة نووية في العالم، مهما بلغت قوتها العلمية وقدراتها البشرية واحتياطاتها الأمنية والفنية، مستثناة من وقوع مثل هذه الكارثة. وإذا كان الاتحاد السوفياتي السابق بإمكانياته الاقتصادية واللوجستية الضخمة، عجز عن معالجة أضرار حادثة تشرنوبل سريعا، فكيف سيكون الحال في إيران ودول الجوار الخليجي، التي مهما بالغنا في تقدير مواردها وإمكانياتها المالية و البشرية وقدراتها في التحكم والسيطرة فلن تصل إلى حدود ما كان متوفرا لدى السوفييت.

كما لا بد من الإشارة إلى ما تناقلته الصحف البريطانية التي ذكرت إلى أن نحو 1750 حادثة نووية وقعت في المفاعلات النووية البريطانية خلال السنوات السبع المنصرمة، على الرغم من التحوط والحرص الذي تتمتع به السلطات البريطانية إزاء منع هكذا حوادث.

هنا يجدر الانتباه إلى بعض السيناريوهات المحتملة إذا ما تعرضت المفاعلات النووية الإيرانية لحادث طاريء لعل من بينها: انتشار أمراض اللوكيميا وسرطان الغدد ومضاعفات صحية أخرى في عموم منطقة الخليج، ناهيك عن احتمال قيام سلطات هذه الدول بعملية إجلاء لمواطنيها من المناطق المنكوبة، إضافة إلى تحول مناطق شاسعة من الأراضي إلى أماكن غير صالحة للسكن أو الزراعة أو الاستعمالات الأخرى لعقود طويلة من الزمن. أكثر من ذلك، ثمة إمكانية تلوث مياه الخليج بالإشعاعات النووية بحيث تغدو مياهها وثرواتها السمكية و أحياءها الأخرى غير صالحة للاستعمال الآدمي.

خلاصة القول إن المخاطرالمرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني هي مخاطر جسيمة لا تشمل المخاطر العسكرية والتكاليف الاقتصادية الخيالية والأمراض السرطانية والنفسية، بل على حياة ومستقبل منطقة الخليج كذلك.


* كاتب وأكاديمي عراقي


 

free web counter

 

أرشيف المقالات