| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأربعاء 22 /9/ 2010

 

طائر آخر يرحل عن سماء الغربة

ابتسام يوسف الطاهر

الحياة هي أجمل هبة منحها الخالق للبشر، لذا أقوى غريزة للكائنات الحية ولاسيما الإنسان، هي غريزة حب الحياة ومواجهة مصاعبها مهما كانت من اجل الحفاظ عليها ومواصلة الحياة التي هي نعمة من نعم الخالق، لذا أوصت كل الشرائع والقوانين بأشد العقاب في الدنيا والآخرة على من ينتزع الحياة عن إنسان.

ومن أكثر ما يخيف المغتربين هو مواجهة الموت وحدهم.. بالرغم من ان مواجهة الحياة في أيامنا هذه قد تبدو أحيانا أصعب من مواجهة الموت، الذي قد يكون فيه نهاية لأوجاع كثيرة وقلق مزمن!

ولكن بمواجهة الحياة دائما يتجدد الأمل حين نثبت قدراتنا على التحدي والتغلب على الصعاب .. أما الرحيل عن الحياة فهو انقطاع حبل الأمل والحلم الذي ينقطع بانقطاع الهواء، وتوقف الزمن وصمته الأبدي حين تصمت كل أصوات الأحبة والرفاق والأصدقاء! حين ترحل الشمس ولا يبقى غير أشباح ليل سديمي لا حدود لظلامه..

هناك الكثير من العراقيون الذين تآكلت سنوات عمرهم في الغربة بين الوحدة والحنين، والتمسك بعروة الزمن بانتظار القادم من الأيام تمنحهم بعض من أحلامهم..لكن الزمن ينساب كالرمل من بين أصابع الأيام.

يدق الزمن بابنا بين الحين والآخر يذكرنا بما تبقى لنا منه حين يختطف احد الزملاء في رحلة الغربة ، خاصة الذين رحلوا بصمت لم نعرف برحيلهم الا عن طريق الصدفة..نجيب المانع رحل وحيدا لم يرافقه غير كتابه الذي وجدوه يسقط على الأرض قرب الكرسي الذي احتضن جسده لبضعة أيام ، كان أصدقائه يحاولون الاتصال تلفونيا وحين لم يرد اعتقدوه مسافرا او هناك عطلا بالتلفون.. لم يخطر ببالهم ان الرحيل دائما مفاجئا ولا يعطي إشارة او ينبه أحدا أو يحدد موعدا.

كثيرون رحلوا ممن نعرفهم او غيرهم.. اليوم سمعت عن رحيل الفنانة غادة حبيب، كنت قد إلتقيتها عدة مرات في النشاطات الفنية والاجتماعية، كثير ما تشارك بالمعارض او الأسواق الخيرية التي تنظمها الجالية العراقية لاسيما في التسعينات ..برسوماتها الرقيقة على الفازات والأواني الزجاجية بألوانها الهادئة الرقيقة التي تشبه شخصيتها الرقيقة وابتسامتها الخجولة الودودة.. المفجع أن الموت هنا لم يكن هادئا متخفيا تحت قناع المرض او جلطة قلبية او تعب الرأس بخيوطه المتشابكة بالمشاكل والقلق والخوف.. بل كان صاخبا حقودا مستغلا صمتها ووحدتها ليشهر سلاحه الجبان لينتزع أحلامها وأملها ولم يسمع احد صرختها لترحل بهدوء. وتترك لنا احتجاجاتنا على الزمن وعلى المسئولين العراقيون بانشغالهم بمصالحهم الشخصية غير مبالين بالجالية كأفراد أو جماعات. احتجاجات على انشغالاتنا اليومية التي تغشي أبصارنا وننسى أن نتفقد بعضنا البعض لعل الحياة تتفقدنا ونواجه متاعبها باعتزاز أو نرحل عنها ونحن محاطون بدفء المحبة وأصوات تسهل لنا درب الرحيل.

والفنانة الفقيدة أول رسامة عربية وعراقية تحصل على جائزة سفيرة السلام التي منحها الاتحاد النسائي للسلام في بريطانيا في عام 2008 تتويجا لمسيرتها وتغلبها على صعوبات الحياة فقد فقدت السمع وهي في الرابعة عشر من عمرها لكن ذلك لم يقف عائقا امام دراستها فهي خريجة دار التراث قسم الرسم عام 1975 ، ورافقت موكب المغتربين الذين رحلوا عن الوطن رغما عنهم في الثمانينات من القرن العشرين.


لندن
8-9-2010


 

 


 

free web counter

 

أرشيف المقالات