مقالات وآراء حرة
الدولة المدنية
فهد المضحكي
هناك صلة وثيقة بين الدولة المدنية والحريات والديمقراطية ونظراً لأهمية هذه الصلة: في تعزيز المساواة بين البشر فإن غياب التفاعل بينهما يقود إلى التسلط والانقسامات والتمييز ومصادرة حقوق الإنسان!
فكيف يتم الحديث عن الدولة المدنية من دون مساواة؟
يعني لضمان الحقوق في إطار المساواة والحريات لابد من دولة مدنية وطنية ديمقراطية ومعارضة ديمقراطية والدولة المدنية لا تقوم على خلط الدين بالسياسة، إن اشتغال المنابر الدينية بالسياسة يثير صراعات ونزاعات داخل المجتمع تساعد على غرس التعصب والهوية الاثنية والانقسامات المذهبية والطائفية، ويتضح ذلك في الدول العربية والإسلامية التي وعلى مدى عقود لم تعير اهتماماً بالحريات والديمقراطية!
وقد أدى توظيف الدين لمصالح سياسية إلى تقليص دوافع الديمقراطية، فالنظم السياسية العربية التي لم تلتزم بشروط الدولة المدنية والمتمثلة في الاعتراف بالديمقراطية وفصل الدين عن السياسة والمساواة في الحقوق والواجبات أدى ذلك إلى توسيع الخطر على الدولة المدنية ومن تلك المخاطر ما نراه اليوم في الخطاب الأصولي الديني المتشدد الذي اتخذ - وما زال - من الإرهاب والعنف والإقصاء منهجاً اشتد أكثر منذ صعود طالبان والثورة الإيرانية والقاعدة وأخيراً داعش!.
إن خطر تسييس الدين أو اشتغال الاحزاب الدينية بالسياسة فتح الابواب لخطاب الكراهية والصراع المذهبي الطائفي الذي قاد إلى حروب أهلية مدمرة على غرار ما حدث في لبنان والعراق!.
وبالاضافة إلى ذلك فإن تواطؤ الانظمة السياسية العربية مع الحركات الاسلاموية والتضييق بالحديد والنار على القوى الديمقراطية واليسارية والماركسية طيلة العقود الماضية أسهم في تفريخ تلك الحركات التي اثبتت كل التجارب إنها لا تقبل بالديمقراطية كنموذج حضاري لإدارة شؤون الحياة ولا بالدولة المدنية التعددية ولا بالتنوير الذي يرى ان التطور الديمقراطي هو الحل وأن الحقوق والواجبات المتساوية والتأكيد على المواطنة الحقيقية لا المحاصصة الطائفية والعشائرية والقبلية هو مفتاح ذلك التطور.
إن حركة المغرب الاصلاحية الاخيرة التي أقدم عليها ملك المغرب محمد السادس بمنع الأئمة والعاملين في المجال الديني بالاشتغال بالسياسة خطوة نهضوية رائدة تحد من تسيس الدين وإشعال لهيب الطائفية أي تفادي المغرب الصراعات المذهبية والطائفية واجندة الجماعات المتأسلمة التي لا تنسجم مع التطور وثقافة التسامح والتعدد والعيش المشترك!.
ومع نجاح هذه التجربة التي تضع حداً للفتنة والكراهية في المجتمع المغربي تزداد نجاحات التحول الديمقراطي ويزداد معها نجاح المجتمع في التصدي للتعصب الديني والتجاذبات الطائفية والتكفير وقتل الابرياء جراء عمليات التفخيخ التي تتعارض مع القيم الاخلاقية والانسانية للفكر الديني المتسامح.
صحيح أن تجديد الخطاب الديني لا يعني التجديد اللغوي وتغيير سياسة الوعظ والارشاد بل يعني كما يقول: الباحث المغربي مولاي احمد صابر «الانتصار للعقل ولروح العصر ولمبادئ المعرفة الحديثة» ومع أهمية ذلك فإن أحد اهداف التجديد تكمن في مواجهة ثقافة الارهاب واستغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية والدعوة إلى إصلاح المجتمع عبر المؤسسات الديمقراطية وتحقيق المساواة والعدالة بين سائر المواطنين.
وحول الغاية من تجديد الخطاب الديني لمواجهة التحديات ومتطلبات الواقع كتب صفات سلامة ان يرتبط الخطاب بواقع الحياة المعاصرة بأسلوب وتعبير وفهم واستيعاب متجدد دائماً وأن يكون خطاباً منفتحاً يعزز الحوار بين الاديان والثقافات، خطاباً يبعث على الأمل لا على التشاؤم واليأس وينهض ويشجع على التفكير والابداع لا على الجمود والانغلاق، خطاباً يعزز من الانتماء للاوطان وتماسك المجتمعات.
هل يعني فصل الدين عن الدولة والسياسة.. ان يكون المسؤول غير متدين؟ وتعني هذه الجملة أن الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة سيكون المسؤول أو المواطن فيها فاسقاً؟ هل تعني الدعوة لفصل الدين عن الدولة وأن يكون الدين لله والوطن للجميع أن ننحي الدين جانباً من حياتنا؟ أو تعني دعوة إلى الفسق والفجور مثلما يقول البعض عن هذه الدعوة مهاجمين انصار الدولة المدنية؟ (نقلاً عن الانبار الصحفية العراقية المستقلة) العكس هو الحقيقة أي فصل الدين عن الدولة والسياسة لا يعني فصل الدين عن الحياة وإنما يعني أن لا يستغل الدين لأغراض سياسية وأن يكون التشريع هو مسؤولية المجلس التشريعي بناءً على نصوص الدستور وأن من يحكم في دستورية القوانين هو المحكمة الدستورية وليس مجموعة من الفقهاء أو رجال الدين والسلطة التنفيذية مهمتها تنفيذ القوانين وتحقيق برنامج سياسي يحترم هذه القوانين التي ينبغي أن تكون عادلة ولمصلحة الجميع.
ضمن هذا التوجه سيعزز المغرب أسس الدولة المدنية التي تجرّم خطاب الكراهية والتفرقة الطائفية وتسييس الدين ولا يمكن لهذه الاسس ان تتجذر من دون تجذر النظام العلماني الديمقراطي الذي يتساوى في ظله جميع المواطنين أمام القانون بصرف النظر عن الدين والمذهب والجنس واللون والعرق.
وهذا ما يرسّخ المساواة بين المواطنين الطريق الذي متى ما سلكته بقية الدول العربية سيجنّبها مخاطر كثيرة متى ستسلكه؟ لا ندري!.