| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

                                                                                 الخميس 20/9/ 2012

     

 الخزاعي .. يروي الهوراسي في برلين

سهيل الرفاعي

تعود بك شبكة الذكريات المتداخلة خيوطها إلى سبعينات القرن المنصرم في المركز الثقافي السوفيتي في بغداد، وفي مسرح الستين كرسي مثلما تعود بك إلى أيام الحركة الأنصارية، حين كان رفاقك المبدعين شعراء وفنانين، يحفرون في الصخر من أجل أن يقدموا كل ما يجعل الحياة زاهية بالجمال، وهل هناك جمال للحياة بدون هذا الإبداع؟ والفنان المسرحي هادي الخزاعي واحد من هؤلاء المبدعين، فقد قدم عددا من الأعمال المسرحية، إلى جانب العديد من المسرحين الانصار الذين قدموا الكثير من الأعمال المسرحية، وحين حطت به مركبة الهجرة في هولندا، لم يتوقف الخزاعي عن عمله الإبداعي هذا، بل العكس فقد عقد أواصر العمل المشترك مع الفنانين المتواجدين في بلدان المهجر، وفي الاخير حط رحاله ضمن فرقة ينابيع المسرحية الأنصارية، فيقدم (الهوراسي) أول عمل له باسم الفرقة في مهرجان نادي الرفدين الثقافي في برلين.

 والعمل هو من تأليف الشاعر والكاتب المسرحي الألماني: هاينر مولر

 ترجمة: صالح كاظم

أعداد وإخراج وأداء: هادي الخزاعي

يبحث العمل في كيفية التعاطي مع الثنائية المتناقضة أو المتعاكسة، والتي هي بين الخير والشر، او الفعل الصحيح والفعل الخاطئ، لهذا نراه يبدأ في عزف على الناي يقدمه الفنان احمد سيوان، وهو جالس على دكة في الجانب الخلفي من المسرح، ومن المقدمة الموسيقية يتهيأ المشاهد إلى استيعاب فعل تراجيدي سيظهر في مجريات العمل، لاسيما وأن العزف استمر لأكثر من دقيقتين، وبعد أن يخيم الظلام لنصف دقيقة على خشبة المسرح، تكشف لنا الاضواء الزرقاء والحمراء عن راوية روماني يقف بملابسه البيضاء ويبدأ بالروي قائلا :

(هناك حكمة قديمة مازال يتداولها الناس، لا سبيل إلى معرفة مقدار سعادة الإنسان أو شقاءه قبل أن يحضره الموت، هذا ما قالته ديانييرا حبيبة هرقل في واحدة من تراجيديات سوفوكليس العظيم) وهنا الراوية (الخزاعي) وضع المشاهد في حالة من الترقب لمأساة سوف تحدث في مجريات العمل، وقمة المأساة تتجلى في الموت والذي يعني الخسارة للفعل الإنساني، وعندما يستمر الراوية (الخزاعي) في تقديمه  حيث تبدأ أولى خيوط هذه المأساة في الوضوح، ولكنها تبدأ مثل شمس خارجة اشعتها من خلف بحار بعيده فهو يروي عن حرب أريد لها ان تقام بين مدينة روما ومدينة ألبا، ونظرا لحكمة القائدين العسكريين الروماني والألبي، فأنهما يتفقان على اختيار أثنين من الجيشين، والمنتصر منهما يعتبر انتصاره لمدينته، لكي لا تهدر دماء الكثير من الجنود، لاسيما وهناك عدو يترقب بالأثنين معا، ألا وهو الجيش الأتروسكي الجبار، ولهذا ومن منطلق (المعركة تُضعف المهزوم والمنتصر على حد سواء)، إلى هنا والأمر لم يُنبئ المشاهد من وجود مأساة بدأها عازف الناي، وبدأها الراوي بمقولة ديانييرا، بل العكس هو اللجوء إلى الحكمة بعينها، وحقن الدماء فعل إنساني ينأى بأبجدياته عن المأساة، ولكن عندما تجري القرعة في اختيار هذين الجندين، وهما الهوراسي من روما، والكوراسي من ألبا، عندها تبدأ أولى خيوط المأساة تتضح، حيث أن الكوراسي هو خطيب أسمينا أخت الهوراسي، وعندما يلح الجنود من كلا الطرفين في اعادة القرعة، يرفض الأثنان ذلك بصوت واحد (كلا..  فنصر مدائننا في المقدمة دوما)، وهذه الجملة هي من أخلاقيات المحارب الشجاع، حيث الوطن بالنسبة له قبل كل شئ.، وتتضح بشكل كبير هذه القناعة عندما يطلب الكوراسي من شقيق خطيبته أن يعفو عنه، فيجيبه قائلا:(لتذهب أنت وأسمينا شقيقتي إلى الجحيم، فشقيقتي وأمي وحبيبتي أسمها روما أيها العدو)، إلى هنا والأمر يبدو ضمن أخلاقية المقاتل الذي يحرص على وطنه وأرضه، خاصة وهو يشيّع بالتهليل عندما يحمل ملابس القتيل وسيفه من قبل الجيش المنتصر والعائد بأكاليل النصر إلى مدينته روما، ولكن تباشير المأساة المؤلمة تبدأ عندما ترى أسمينا ملابس خطيبها القتيل فتصرخ بوجه اخيها الذي جاءت لتحتفل بانتصاره.

(يا لحزني عليك سأحل شعري حرقة عليك) فيقول لها الهوراسي (لقد قتلته من أجل روما يا أسمينا) فتصرخ بوجهه وسط أهازيج فرح المنتصرين (أيمكن لروما يا هوراسي أن تعيد لي حبيبي الذي كان يرتدي هذه الثياب) فيطعنها قائلا (ألحقي بالرجل الذي كان حبك له يفوق حبك لروما) لم تنتهي المأساة عند هذا الحد، فينقسم الجمهور إلى داعم للمنتصر، وناقم على القاتل والذي هو الهوراسي في كلا الحالتين، لهذا يتم اختيار شخصين من اصحاب الحل والعقد ليحكما بين المنتصر والقاتل في الوقت نفسه، وهنا تتبدئ قدرة الخزاعي في التمثيل إذ انه ينتقل من راوية إلى ممثل إلى راوية، حيث بدأ الصراع بين من يقف إلى جانب المنتصر وبين من يقف ضد القاتل، وكان الخزاعي يتنقل خلف قناعين أحدهما يحمل إكليلا من الزهور والثاني يحمل فأسا.

حامل الإكليل : أنا أرى وغيري كثيرون أن العمل النافع يمحو أثار الجريمة

حامل الفأس : وأنا أرى وغيري كثيرون بأن الجريمة تمحو العمل النافع

حامل الإكليل : هل من الصحيح أن نقضي على المنتصر

حامل الفأس : وهل من الصحيح أن نبّجل القاتل

حامل الإكليل : ولكننا بالقضاء على القاتل سنقضي على المنتصر

حامل الفأس : وأيضا تبجيل المنتصر يعني تبجيل القاتل

تنتهي المسرحية بتبجيل المنتصر والاقتصاص من القاتل، ولكن الذي حفز المشاهدون على متابعة هذا العمل المونا دراما، هو قدرة الفنان هادي الخزاعي، حيث أنه كان ينتقل من راوية للحدث  إلى ممثل للحدث نفسه، ومن راوية على لسان البطل الفعلي للمسرحية، إلى البطل نفسه، وهذه ميزة من ميزات الفنان المسرحي هادي الخزاعي.

 

 

 

 

free web counter