| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

                                                                                   الأحد  1 / 6 / 2014


 

مقدمة الكتاب الذي صدر أخيرا عن دار الرواد المزدهرة والموسوم

"صفحات من السيرة الذاتية...ثابت حبيب العاني 1922-1998"
 

ثابت حبيب العاني بين مرحلة الشباب ومرحلة الحكمة

مقدمة المؤلف

إن تدوين المذكرات ليس بالمهمة السهلة. فهي مهمة معقدة وتتطلب جهوداً ودراسات ومعايشة ونقاش وحوار حول الأحداث وامتداداتها السياسية والاجتماعية، وارتباطاتها بالصراعات الطبقية. كما يتطلب تدوين المذكرات معايشة الجماهير والتعرف على معاناتها ومستوى وعيها واستعدادها، علاوة على علاقاتها بالمنظمات السياسية والمهنية والديمقراطية. ويحتاج كل من يسعى إلى أن يلقي الأضواء على تاريخ الحركات السياسية لأي شعب أن يتناول الأحداث بصدق وبعيداً عن النزعة الذاتية، لأن مساهمة أي فرد في الأحداث مهما كانت قدرته و دوره هي جزء من مجموع الحركة الجماهيرية، سواء أكانت عفوية أم منظمة. وهنا يصبح من المهم عند تدوين هذه المذكرات أن يجري تناول مساهمة الكاتب في هذه الأحداث باعتبارها جزءاً من نشاط وفعل الجماهير والحركات السياسية التي تلعب دوراً في هذه الأحداث.

ومن هذا المنطلق، حاولت أن أدوّن لمحات من سيرتي الذاتية التي لها علاقة بمسيرة الشعب العراقي المجيد والحزب الشيوعي العظيم. فهذه المسيرة كانت الأساس في توفير الإمكانية والفرصة كي أسهم في نضال الشعب العراقي وحركته الوطنية. فالفضل يرجع أولاً واخيراً إلى الحزب الشيوعي العراقي في أية مساهمة ايجابية لي أو في تأدية أي عمل نافع للشعب والحزب. كما يعود الفضل لهذا الحزب في بلورة وعيي السياسي وصقل شخصيتي في إطار هذا الكائن الاجتماعي، أي الحزب. وعند الحديث عن الحزب، فلا يسعني إلاّ أن أستذكر قيادته وكوادره وقواعده وأصدقائه وجماهيره اللاحزبية ومنظماته المهنية والديمقراطية. إن على السياسي الذي يُعد أحد أفراد هذا المكون، أن يعكس بصدق وأمانة دور هذا المكون في الأحداث، ويلقي الضوء على مسيرته النضالية الشاقة والصعبة والمليئة بالتضحيات الجمة التي قدمها وما يزال يقدمها هذا الحزب من أجل تحقيق أهدافه، التي ما هي في الواقع إلاّ أهداف عامة الشعب، بغض النظر عن ما ارتكبه الحزب عبر مسيرته من اخطاء وقصور غير مقصود. فهذه الأخطاء والنواقص ما هي إلاّ حصيلة لمستوى وعي هذا الكيان وإدراكه، وخاصة القيادة، إلى جانب تأثير الحركة الأممية على حزبنا وحركتنا. ويضاف إلى كل هذا وذاك الدور التعسفي والقمعي الذي مارسته الحكومات المتعاقبة والأجهزة البوليسية التابعة لها في محاربة هذا الكيان منذ ولادته، وتأثير ذلك على مجمل مسيرة الحزب. وهنا لا بد لي من الإشارة إلى التأثير الايجابي للحلقات الماركسية والحركة التقدمية العالمية التي نشطت قبل تأسيس هذا الكيان، فهي جزء من حركتنا، وهي البذرة التي ساهمت في إنبات شجرة الشيوعية وحزبها على أرض وادي الرافدين.

لقد جاءت الكتابة عن الأحداث التي عايشتها استجابة لرغبة الكثير من الرفاق الذين اعتز بهم، وأكثرهم من جيل الشباب الذين قُدّر لي العيش في كنفهم، والذين أحاطوني بعنايتهم وتقديرهم. وهذا أعلى وسام أتشرف به. لقد كان إلحاحهم وطلبهم مني الكتابة يدل قبل كل شيء على حرصهم في التعرف على كل شيء عن حزبهم والأحداث التي مر بها. إن الوقائع التاريخية لا تدوّن بالاستناد إلى الأرشيف والوثائق والكتب فحسب، وهذا جانب مهم وأساسي، فهناك أحداث غير مكتوبة عاشها أفراد عملوا في صفوف الحزب وخاضوا غمارها، ولكن لم يتسن لهم تدوينها مع الأسف، أو أنها دُوٍّنت ثم ضاعت أو أصابها التلف تحت وطأة ظروف العمل السري المعقدة والملاحقات البوليسية. كل هذه العوامل شجعتني على تدوين مذكراتي، خاصة وإني عملت في صفوف الحزب وخضت نضالاته لفترة زمنية ليست بالقصيرة تمتد منذ عقد الاربعينيات من القرن العشرين عندما نلت شرف العضوية في عام 1944، ومازلت عضواً فيه حتى كتابة هذه السطور في عام 1990.

لقد شرّفني الحزب وكلّفني في المشاركة في نضالاته الجماهيرية والعمل في منظماته المهنية والديمقراطية، وربّاني في خضم الصراع الوطني والطبقي وجعل مني كادراً أقود منظمات ونقابات. كما شرفني الحزب بعد ذلك ولسنوات طويلة بأن أتولى منصباً قيادياً في أعلى هيئاته، وساهمت في مؤتمراته وكونفرنساته. كما شرّفني الحزب في قيادة منظمات في مجالات خطيرة وحساسة، هذا علاوة على سنوات عديدة ساهمت خلالها في نشاط الحزب قبل أن أتسلم بطاقة العضوية فيه. لقد شاركت في النضال السياسي والإجتماعي في البداية كمواطن وصديق للحزب، وهذا ما سوف أتطرق إليه في تفاصيل هذه السيرة الذاتية.

إن الدافع المهم الذي جعلني أشرع في كتابة سيرة حياتي هو ما توفر لي من فرصة في السنوات الاخيرة عند استقراري في كردستان مع فصائل الأنصار التابعة لحزبنا، حيث كنت بدون عمل وأتنقل من مكان لأخر. وفكرت في حينها بأن هذه الحياة التي كنت أعيشها بعيداً عن عائلتي ولسنوات طويلة، لابد أن تدفع أفراد عائلتي وزوجتي وخاصة بناتي إلى أن يطرحوا عليّ السؤال التالي: "لماذا تركنا والدنا؟.... وعشق الهجرة والعيش في كردستان بعيداً عنّا، ولم يعر لنا الاهتمام الكافي، خاصة بعد فقدانه لابنه الوحيد في "قادسية صدام" المشؤومة. إن هذا التساؤل مشروع، وهو ما حفّزني على تدوين سيرة حياتي، مؤكداً لهم بأنني كشيوعي لم أفارقهم لحظة واحدة خلال هذه المسيرة. إذ أن نشاطي ونضالي كان من أجلهم، فهم جزء لا يتجزأ من أبناء شعبنا.

لقد بدأت بكتابة المذكرات في عام 1984. ولكن للأسف تعرضت المدونات التي كتبتها للتلف عند انتقالي من "لولان" إلى "بهدينان". فقد فقدت حقيبتي أثناء عبور نهر الزاب وكنت ممتطياً البغل. وكانت الحقيبة تحتوي على كل ما دونته. وهكذا تلفت المدونات، وبدأت بعدها بالكتابة مجدداً. وقطعت شوطاً بعيداً في تدوين مذكراتي حتى بلغت ثلاثة دفاتر من القطع الكبير، وشملت الفترة التي امتدت من البدايات وحتى عام 1959. ولكن للأسف واجهتنا أحداث القصف الكيمياوي على مواقع الأنصار في عام 1987، وأُجبُرنا بعدها على النزوح من كردستان واللجوء إلى تركيا. وكانت الدفاتر الثلاثة التي حملتها على ظهري تشكل عبئاً ثقيلاً، إضافة إلى حقيبة صغيرة. لقد اعتبرها الرفاق حملاً ثقيلاً. ولذلك طلبوا مني إتلافها خوفاً من أن تقع بيد السلطات التركية، رغم إنني أكدت لهم بأنها خالية من الأسرار وإنها تحتوي على قصة حياتي. ولكن إصرارهم دفعني إلى حرقها والدموع تترقرق في عيني. لقد اعتمدت في كل ما كتبته على الذاكرة فحسب، ولذا فإن هذه الصفحات معرضة للخطأ وعدم الدقة في تسلسل الأحداث وتواريخها والأسماء الواردة فيها. فقد كنت أفتقد إلى الوثائق والمراجع التي أستند إليها. ولذا فإن مذكراتي هي عبارة عن وجهة نظري حول أحداث شهدتها وعرفتها وعايشتها وساهمت فيها، كما هي مواكبة لشخصيات عاشت تلك الأحداث ونقلت انطباعاتي عنها.

إن ما دعاني للبدء في الكتابة، هو اطلاعي على بعض المؤلفات التي صدرت حول مسار الحركة الوطنية العراقية، وبعد اطلاعي على كتاب بعنوان "ثورة 14 تموز المجيدة". ومع الأسف لم تكن في متناول يدي من بين كل هذه المؤلفات سوى أطروحة الأستاذ ليث عبد الحسين الرائعة. كما تيسّر لي الاطلاع على مؤلف آخر لضابط في الاستخبارات يشغل معاون مديرية الاستخبارات العسكرية الذي سطر أكثر من سبع مجلدات، وكانت مجافية للحقيقة. فقد كان الكاتب متحيزاً وغير أمين في طروحاته. ومما يثير الأسف أيضاً إن الكاتب يدّعي بأنه قومي عربي وإن القومي العربي ذو شهامة وإنسانية ويدافع عن المظلومين والمعذبين!!!، علاوة على ادعائه بتمسكه بالقيم الإسلامية. ففي كتبه السبعة، لم يذكر الكاتب شيئاً عن جرائم نوري السعيد وعن إعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي في شباط عام 1949، ولا عن الاغتيالات التي طالت الكوادر الشيوعية بعد ثورة تموز 1958 مباشرة، من أمثال حاج سعدون في تكريت وراضي حمود في الديوانية والعامل عزيز سوادي في بغداد. كما لم يتطرق الكاتب إلى الدور النضالي الوطني للحزب الشيوعي العراقي ضد العهد البائد، وإلى استبعاد الحزب من المساهمة في أول وزارة بعد ثورة 14 تموز، والتي شاركت فيها جميع أطراف جبهة الاتحاد الوطني. ثم لم يذكر الكاتب شيئاً عن الاغتيالات السياسية لعشرات بل مئات من الشيوعيين سواء أثناء حركة الشواف أو ما بعدها في الموصل، وعلى رأسهم الشخصية الوطنية الديمقراطية كامل قزانجي. كما لم يذكر الكاتب شيئاً عن جريمة 14 شباط 1963، والابادة الجسدية البشعة لقادة الحزب الشيوعي العراقي والمئات من المناضلين الوطنيين من أمثال الزعيم الركن الطيار جلال الأوقاتي وداود الجنابي وفاضل البياتي ونوري مجيد وهشام اسماعيل صفوت وفاضل المهداوي وماجد محمد أمين.

لقد قضيت سنوات طويلة من عمري في المعترك السياسي، بدءاً من سن المراهقة وحتى قبلها وإلى الآن. وكانت مساهمتي متواضعة في هذا المعترك. وحسبي أن أشير في هذه المقدمة إلى أن هناك عناصر كثيرة لابد وأن تلعب دورها في صقل شخصية الإنسان، كمسقط رأسه والمدينة التي ترعرع فيها والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والعادات والتقاليد السائدة في مجتمعنا، إضافة إلى المحيط العائلي. وهذا يرتبط قبل كل شيء بالانحدار الطبقي للعائلة وأفرادها وثقافتهم وأخلاقهم وعدد أفراد تلك العائلة ومصادر رزقها. كما لابد أن تلعب المدرسة والمعلمون والأصدقاء والطلاب دورهم في تبلور شخصية الفرد وغرس الروح الوطنية والتعلق بالعلم والمعرفة والثقافة. وهذا ما سأشير إليه في هذه الصفحات.

ثابت حبيب العاني
1990


 

 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات