| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الجمعة 19/2/ 2010

 

علاء الدين و المصباح السحري

صادق حسين الركابي
Sadekalrikaby@gmail.com

توجه علاء الدين في يوم من الايام إلى السوق لشراء مصباح جديد عساه يعينه على ظلمة الليل و انقطاع الكهرباء الدائم بعد أن تقاعد مصباحه عن خدمة التنوير الليلية. كانت المصابيح جميلة و زاهية إلا أنها كانت غالية الثمن فهو موظف بسيط لا يملك قوت يومه و هو يعيش في غرفة بسيطة لا تقيه حر الصيف و لا برد الشتاء. لذلك قرر علاء الدين شراء مصباح قديم اقتناعا ً منه بأن كل شيء أيام زمان كان أفضل فالناس كانت على الأقل في حالة من الشبع أما اليوم فالكل لا يدري متى تنقطع الحصة التموينية أو تقل و تنقص. الجوع كافر قالها في نفسه و هو يقلب بين يديه مصباحا ً قديما ً حُفِر عليه الكثير من الزخارف و الرسومات القديمة.
آه ٍ كم تمنى لو أنه عاش في تلك الحقبة و لم يكن ليشهد كل هذه المعاناة .

اشترى مصباحه القديم و مضى إلى غرفته المتهالكة. جلس على حصيرته فرحا ً بما اشتراه ، لكنه ما إن استدرك قائلا ً لنفسه: (إيه يا علاء الدين ...! تفرح بمصباح قديم و غيرك يشتري القصور و السيارات. لا تكفر يا رجل احمد ربك . الحمد لله رب العالمين) . أخذ علاء الدين يمسح الغبار عن مصباحه القديم متأملا ً إبداع صانعه و إتقان صنعته و متمنيا ً لو كان في عراق هذا اليوم نفس الأمانة و الإخلاص في العمل كالتي تمتع بها من صنع هذا الفانوس.
و بينما هو مستغرق في تنظيف مصباحه إذا بدخان كثيف يخرج من فوهة موجودة في المصباح. رمى المصباح من يده و صرخ: - يا ستار بس لا تكون مفخخة أو قنبلة ..!
قرأ الشهادتين على عجالة واغمض عينيه آسفا ً على حياته القصيرة التي لم يعرف بها طعم الراحة. (أهذا قدر العراقيين معاناة بلا نهاية و فقر و غربة و حرمان. أهذا قدر الفقراء في بلدهم الغني بكل شيء إلا من الضمائر الحية. أيفخخون حتى المصابيح ! أم عساه غازا ً كيماويا ً كالذي قتل به آلاف العراقيين وهو سيكون واحدا ً منهم . هل تحصل عائلته على تعويض أو منزل أم أنهم سيقفون بالطابور الطويل حالهم حال غيرهم من عوائل الشهداء؟).
أفكار كبيرة و كثيرة مرت في خاطره مسرعة كلمح البصر. لكنه ما زال حيا ً.

صوت جهور يناديه :
- شبيك لبيك ، عبدك بين إيديك ، أطلب و اتمنى !

هل هذا معقول أهو صوت جني المصباح كما في القصص الخيالية أم أنه صوت أحد المرشحين للبرلمان العراقي يروّج لحملته الانتخابية.

فتح عينيه ليرى أمامه ماردا ً طويلا ً ينظر إليه مرددا ً ذات العبارة :
- شبيك لبيك ، أطلب يا سيدي.

إنها حقيقة إنه المارد !
هنا فرح علاء الدين و شكر الله الذي لا يضيّع أجر الصابرين.

تشجّع مخاطبا ً المارد :
- هل تلبي لي كل ما أتمناه ؟
- نعم يا سيدي ،أجاب المارد، شريطة أن تكون لك أمنية واحدة فقط.

هنا أصيب علاء الدين بخيبة الأمل فقد تصوّر أنه يستطيع أن يملي رغباته كلها على هذا المارد كيفما يشاء.
(ماذا أطلب هل أطلب جنسية أجنبية تمنحني العيش خارج العراق ؟ لا ، لا فهذا العراق . إنه بلدي لن أتركه مهما جرى. هل أعيش الغربة مرتين . الغربة قاسية و مرة. لا أريد. إذا ً فماذا أطلب ؟ هل أطلب وظيفة ؟ لا ، لا ، و ماذا تفيدني الوظيفة؟ . قوت لا يموت. و عليك مراجعة فلان وعلان وحتى لو كان مارد أو جني ، هذا كله ما يفيد إذا لم يكن هذا الجني منتسب لأحد الأحزاب فما ينفع أي شي).
و أخذ علاء الدين يفكر مطولا ً و المارد يردد (أطلب يا سيدي).

أخيرا ً استقر علاء الدين على قرار . (سأطلب سكنا ً لي و لعائلتي يحميني من هذه الغرفة العفنة التي أكلت من عمري و مزقت أحلامي . نعم سكن يكون ملكي و يكون ذخرا ً لأولادي من بعدي . يريدون بيعه أو البقاء فيه ، هم أحرار. لا اريده قصرا ً ، غرفتين و صالة ، هذا يكفينا).

تشجع علاء الدين و طلب منزله من المارد. إلا أن المارد انتفض مجيبا ً بلهجة عراقية شعبية وقال:
- دمشي يابه ، يا بيت هذا اللي تريده ؟ آنه لو عندي بيت ما بقيت بهذا المصباح.

عندها أدرك علاء الدين أن قدره يبقى البحث عن مصباح جديد ينير به ظلمة ليله الطويل.


 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات