| الناس | الثقافية  |  وثائق  |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

                                                                                     الأثنين 17/10/ 2011

 

الجواهري حاضراً في كل عام

طالب القابجي

أن لفضاءات الشعر أفاقا لا متناهية ،سعتها تسع جميع الشموس الواعدة ،وميادينها ملعب لكل النجوم الصاعدة .
إذا..ما بال شمس أشرقت قرنا ،تختار الغروب ألان والعراق في هذا الوقت الحالك هو في أمس الحاجة إلى بصيص من النور لإضاءة النفوس الضائعة في دروب الأغراء والانكفاء و التقوقع ؟
إن غروب شاعر العربية وأخر عمالقة الكلاسيك محمد مهدي الجواهري قد أربك خطانا وهد عزمنا ،لا لكونه شاعر أسهمت أعماله الشعرية في رفد وتوجهات النخبة الواعية في مسيرتها النضالية للتصدي لقوى الاستبداد والظلم فحسب ،بل لأنه قبس نوار لا غنى عنه ونحن في نفق الكفاح المعتم ، وتحت أقدامنا الكثير من الهاوي والمزالق المهلكة .
لقد اختار الجواهري النزول للنزال في ساحات العامة بعد إن لاحظ ببصره وببصيرته الثاقبة أعمال السلب والاستلاب لثروات الوطن من قبل جهات أجنبية ، بالتعاون والتواطؤ مع عناصر متنفذة في داخل المؤسسات الحكومية . ورأى انه ليس من الحكمة بمكان إن تبقى النخبة المثقفة تتظاهر بالعمى ولا تقوم بواجبها المطلوب .
فانبرى بنبرته الشعرية المؤثرة واعدا ومتوعدا فكانت له مواقف مشهودة أبان الحكم الملكي ،ووقائعها أرختها فرائده .
ولم تقتصر اعتراضاته وانتقاداته على تلك المرحلة فقط ، بل امتد صراعه أيضا مع الحكومات الانقلابية التي تعاقبت على
استلام السلطة.فخلافاته مع رموزها معروفة وتصادماته مشهودة وبقي على هذا الحال يذود مدافعا عن كرامة الشعب العراقي وعن حقوق قضاياه العادلة ، حتى وافته المنية في منفاه ، بعيدا عن وطنه الذي انفق ثلثي عمره في الدفاع عنه .
علينا إن نستلهم من تجارب حياة هذا الشاعر العظيم ما يعيننا على تجاوز الصعاب، وتخطي العقبات التي تعترض طريقنا
أنها لحياة مليئة بالدروس والعبر . ومن تلك الدروس وثباته وانتفاضاته المنحازة إلى جانب الضعفاء من أبناء الشعب العراقي بشكل خاص ،ومواقفه المبدئية من القضايا القومية ذات المصير المشترك بوجه عام .
ومن العبر تلك التي واجهها هو بالذات بالنقد والتقريض نعني زلاته وعثراته وهذه العثرات والزلات إن أخذنا بها بجدية أيضا ستوفر لنا الكثير من المتاعب والمشقات التي نحن في غنى عنها لقد حاولت جميع الأنظمة التي مرت بعراقنا الحبيب
إن تغري ألجواهري ببريق المناصب العالية وبالامتيازات الأخاذة الزاهية لغرض كسبه أو تحييده غير إن أبا فرات جعلهم
في كل مرة يحصدون الخيبة .
لا اعرف كيف يريدون من شاعر عرف بحساسيته الشديدة إزاء الجهل والظلم إن يتجاهل حماقات المتسرعين ، وان يسكت عن تهوراتهم في اتخاذ قرارات لا يعللون مدى خطورتها ، ولا يعرفون إبعاد عمق أضرارها على العراق خاصة وعلى الأمة العربية والمنطقة بشكل عام .
هل يا ترى يستطيع مثل ألجواهري إن يعطل حواسه ويشل مشاعره ولو إلى حين كي تمر بعض الظواهر الممقوتة أخلاقيا مثل التلفيقات والافتراءات التي أصبحت من القوائم والمرتكزات الأساسية لنظام القمع والاضطهاد في بغداد ؟
كيف يا ترى يسكت وهو يرى الرئيس يطل على العالم بمناسبة مرور ست سنوات على أم المعارك فيقول ويسمعه الملأ .:
إن الانتصارات المظفرة التي حققها العراق بنزاله مع ثلاث وثلاثين دولة هي ما تدعو حقا إلى الفخر والاعتزاز ثم يستطرد مقارنا : أن جيوش البغي والعدوان عادت أدراجها وهي تجر بأذيالها عار الهزيمة والخذلان . أما الشعب العراقي البطل ,بقي وحده في الميدان ظافرا بالنصر مؤزرا بالأيمان يعيش عيده السادس وهو في أفضل حالات العز والرفاهية رغم الحصار الظالم .
عجيب !!بلد منتصر محاصر .شعب يرفل بالرفاهية وينعم بالحرية , وجبينه مكلل بغار النصر يفتش عن منفذ للهروب من ارض احتضنته رضيعا و يحبو على تربتها صبيا وملأ ساحاتها لعبا وضحكا شابا يافعا !!
على أي حال , إن ابتلاء العراق بهذا النمط من القياديين انه لأمر محزن .
فكلنا أيها الإخوة واكبنا التطورات ما قبل حرب الخليج الثانية , والوقائع التي تلت بعدها رأينا ضوء السفيرة الأمريكية الأخضر لاجتياح الكويت ,ولاحظنا السرعة الفائقة للأعداد والاستعداد للحرب من قبل دول التحالف تقودهم الولايات المتحدة .وتم بإتقان الإجهاز على جميع المؤسسات والمراكز الحساسة ,ودمرت منجزات ومكاسب شعبنا فتعطل كل شيء داخل الوطن ثم نزلت علينا من الأمانة العامة للأمم المتحدة شروط الاستسلام المذلة وأقرت القيادة العراقية في صفوان بكل ما ملي عليها من شروط ما عدا شرط تغييرها .
أما ما يتعلق بما سيداهم الوطن والمواطن من مخاطر مستقبلا فهي أمور ذات المرتبة الرابعة من اهتمامات القيادة .
كل هذه التطورات الرهيبة كانت مرسومة ومعدة من قبل جهابذة المخابرات الأمريكية ,ومحفوظة في دهاليز مكاتب البيت الأبيض ,وكانت موجهة ضد العراق وشعبه فقط , لا كما يتوهم البعض بأنها موجهة ضد القيادة العراقية .
القيادة العراقية هي من ضمن آلية العدو وتتحرك بما يوحى لها وتتصرف بما يطلب منها والدليل على ذلك كان تعنتها ومماطلتها في أمور كثيرة مثل تورطها في دخول الكويت وثم رفضها للانسحاب رغم الوساطات الدولية ,وعدم قبولها بترسيم الحدود ورفضها القطعي الاعتراف بالكويت كدولة ..كل هذه الأمور كانت تأخذ وقتا طويلا ,ثم يأتي الرضوخ والاستجابة في تنفيذ المطلوب !! ماذا يفهم من هذه الفبركة ؟ ماذا يعني هذا الإخراج والتمثيل ؟
صحيح إن الظروف الصعبة قد ساهمت في إتلاف بعض الخصائص لدينا ولكن هذا لا يعني أن حاسة التمييز والقدرة على التمحيص والاستنتاج قد أصيبت أيضا بالعطل.لا بالعكس توقدت أكثر بعد أن حنكتها التجارب وصقلتها ألأيام أما موضوع القادسية ,فقد تقصد تجنب الحديث عنه كي لا يطيل المقام فيدب فينا الملل ,وتزداد بنا العلل وبما أن الواقعة كبيرة جيدا  .
فلا يمكننا عدم الإشارة إليها .لذا وقع اختياري على مفارقة واحدة فقط أحب أن اسردها لكم باقتضاب لا لندرتها فحسب بل لكونها تنطوي على دلالات ومعان عدة يفطن لأبعادها اللبيب وأما الإنسان العادي من أمثالي فليس له نصيب  .
نحن نعرف العراق قد زج في نفق الدمار والدماء لمدة ثماني سنوات ولم يخرج منه إلا بعد أن دفع الثمن غاليا ليس هذا هو بيت القصيد فبيت القصيد هو كالتالي : فقبل إن يشعل فتيل حرب أم المعارك بأيام ,أطل علينا الرئيس في مقابلة صحفية يجيب على سؤال يطلب سائله من سيادته تقويمه لحربه مع إيران ؟ قال بالحرف الواحد : إن الحرب مع الجارة إيران المسلمة ما كانت ضرورية !!واقر في الوقت ذاته أحقية إيران في أمور عدة كانت سابقا أهدافا يريد تحريرها .
أنا لا اريد أن أعقب على هذا ,ولكن ليس لدي سوى سؤال واحد فقط أحب طرحه وهو : كيف يقيم الرئيس احتفالاته السنوية بيوم النصر لحرب لم تكن ضرورية ؟! لقد لفظ المنطق هذا النوع من الممارسات ومجها الذوق السليم ..غير إن البعض من عشاق الرئيس والعاملين في فلك النظام ,يرى فيها نوعا جديدا من الإبداع والابتكار في فن الممكن وعلى ضوء انبهارهم  .
تطالب سذاجتهم ألجواهري والآخرين إن يمجدوا الرئيس وان يشيدوا بإعماله هذه  .
وأخيرا أود إن اختم موضوعي هذا بثلاثة أبيات فقط نظمتها اثر سماعي خبر وفاة ألجواهري رحمه الله :

بعد أن حاكى النخيل والشجر     وغازل غيد العراق وموج النهر
وسامر أبا نؤاس بكأسه          ولم يكل في العشق وطول السهر
فأختار أن ينأى عن الأحباب     بعد أن أضناه واعثاء السفر


 


 

 

 

free web counter