| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 16/1/ 2012



الذكرى الثلاثون لمعركة سينا وشيخ خدر

مناف الاعسم (ابو حاتم)

السلام لروح الشهيدين (عايد وحكمت)

قرية سينا الملاصقة لقرية شيخ خدر تقع مع حافة سهل القائدية جهة جبل دهوك وهي قرية يزيدية تتراوح نفوسها على ما يزيد من 2000 نسمة, وتعد من القرى الكبيرة نسبيا في ذلك السهل الجميل من سهول الموصل , يفصلها عن قرية شيخ خدر اخدود اشبه بالوادي وهو جاف واغلب الظن هو من صنع السيول النازلة من جبل دهوك يوما ما.

في ذلك الاخدود الفاصل بين القريتين شيدت مدرسة من جدار حجري وبناية ذات سقف كونكريتي!! فكانت تحسب مدرسة عصرية ومتطورة.

كما ان سينا تبعد عن ناحية فايدة بحدود ربع الساعة او ما يعادل 10 كليو متر , اذا سافرنا بسيارة مستخدمين الطريق الترابي قاطعين سهل القائدية بشكل مائل.

كانت تربطنا اواصر الود والاحترام المتبادل بشكل ملفت للنظر بيننا وبين المواطنين من سكان هذه القرى, وكانوا يتمتعون باحاديثنا ولقاءاتنا وخصوصا ان اغلب رفاقنا الانصار اقاموا علاقات حميمة مع سكان سينا وشيخ خدر .

في بداية عام 1982بدأت السرية الرابعة او كما كنا نسميها السرية المستقلة نسبةً لارتباطها بقيادة القاطع مباشرة وعدم خضوعها تنظيميا لفوج معين كما جرت العادة آنذاك, بدأت نشاطها وتجوالها بتلك المنطقة الواسعة والمكشوفة وكان لاسلوب آمر السرية ابو نصير (لازار ميخو استشهد في منتصف التسعينات بدهوك) وقع كبير في نفوس اهالي المنطقة, وتركت صدىً جيداً لحجم و تواجد الانصار الشيوعيين آنذاك, حيث كان الرفيق ابو نصير يستفز وجود النظام ورموزه  بحركة جريئة للمفرزة وفعلا تم زيارة قرى لاول مرة منذ بداية  1979وكان الغرض من تلك الحركات هي لاستدراج قوات النظام والايقاع بها.

ففي ليلة 18-19كانون الثاني جئنا الى قرية سينا والتقينا بمفارز اخرى من قوات الانصار وعدد اخر من كوادر التنظيم المحلي وتكونت قوة تقدر بأكثر من خمسين نصيراً واربع نصيرات وهن (الرفيقة ام عصام , الرفيقة دروك , والرفيقة ام امجد, والرفيقة عشتار) حيث التقين الرفيقات مع معلمات المدرسة في القرية وكن على ما اذكر ست معلمات وجرت احاديث طويلة معهن, في تلك الليلة اختار الانصار المدرسة للمبيت! .. وكان الشهيد حكمت آمر الحضيرة المتميز بالحذر هو المسؤول عن تنظيم الحراسات حيث جرد كل الموجودين ونسق مع باقي المفارز لوضع حرسين لكل ساعة وهذا ما انقذ الموقف فيما بعد وتجنبت هذه القوة الكبيرة خطر الابادة الكاملة كما ستأتي الاحداث.

في ليلتها كنا نتجاذب اطراف الحديث وكان الشهيد عايد (هيثم ناصر الصكر) حاضرا كعادته بالحديث عن مغامراته البحرية الشيقة , فعند تركه للعراق منتصف السبعينات , اشتغل على متن باخرة يونانية مخصصة لنقل النفط على ما اذكر, لكنه واقصد الشهيد عايد لم يكمل لنا بقية الاحاديث والمغامرات, فعندما تصل الرواية الى الذروة الدرامية , كان يتندر بها بأن التكملة بالحلقة القادمة.

اعود مرة اخرى لتلك الليلة الباردة, فقد تمكنت قوة من الجيش والاستخبارات العسكرية  وبالتعاون مع الجواسيس والعيون في المنطقة من ضرب طوق على القرية ليلا وتم احتلال الجبل المشرف على القرية بالاضافة الى عدد كبير من الكمائن ليحكموا الحصار على كل القرية.

 وفي وقت الفجر بحدود الساعة الخامسة او بعدها بقليل تسللت مجموعة يقودها نقيب استدلت على وجود الانصار بالمدرسة عن طريق ابن المختار وكان هدف مجيئهم الى المدرسة لوضع كمين مقابل باب المدرسة لكنهم اصطدموا مع الحرس وهو الرفيق ابو حياة الذي بادر بالرمي وتشتيت القوة المهاجمة والحرس الثاني الرفيق ابو علي الاشقر من الجانب الاخر للمدرسة, في هذه المناوشات تأكد الجيش من وجودنا بالمدرسة فامطروا المدرسة بإطلاق نار كثيف ومستمر ، فأسيقظنا على صوت اشبه بما يكون المطر وعند محاولاتنا الخروج من الباب الوحيد للمدرسة صوب القرية, سمعنا نشيج المعلمات من شدة الخوف والهلع.

خرجت انا لاجد الرفيق حكمت بعد ان عرف عن طريق الحرس انهم قد طوقوا القرية ومن الجهة المشرفة من الجبل , فأطلق الرفيق حكمت من القاذف (الار بي جي) صاروخاً اخترق به الكمين المخصص لابادة اكبر عدد ممكن من المتواجدين بالمدرسة, ولكنه ادى الى كشف موقعه على اثر النار الذي يخلفها ذلك القاذف,فأمطروه بوابل شديد من النار مما ادى الى جرحه ببطنه من الجهة اليمنى حسب شهادة الرفيق ابو رستم (استشهد فيما بعد في دشت نهلة) الذي وضع الجريح حكمت على دابة محاولا انقاذه والخروج به من القرية مع الرفيق عايد الذي بادر بأسناد الجريح حكمت ومرافقته ورابعهم كان الرفيق ابو علي النجار(استشهد فيما بعد في باعذرة) ولكنهم وقعوا بكمين اخر من جهة السهل هذه المرة, هنا سقط عايد شهيدا بالحال واشتبك الاخرون ابو علي وابو رستم حتى استطاعوا الافلات من القبضة المحكمة للكمين والاتجاه نحو قرية الصالحية بنهاية سهل القائدية وبداية جبل القوش , ومن ثم اللقاء بنا اسفل سفح جبل القوش.

اعود الى تلك اللحظة التي بادر الشهيد حكمت بالرمي واشتبك مع الجيش بها , كنت قد توجهت الى الجهة الاخرى من المدرسة بمحاولة الاستطلاع ومعرفة حدود الكمائن والافلات منها ولكن كان من المستحيل التوجه الى الجبل لكثافة وجود القوة المهاجمة. فتوجهت نحو القرية من امام المدرسة تماما ، فظهر لي الرفيقين ابو فؤاد(استشهد بالضربة الكيمياوية في مقر زيوة 1987) والرفيق ابو داود (غيّب بالانفال السيئة الصيت) وكان الاثنان مكلفين بالتنظيم المحلي وبتلك الليلة لم يناما معنا بالمدرسة, فتفاجأت بهما يناداني من احد بيوت رفاق التنظيم المحلي , واخبراني على الفور ان لا طريق للانسحاب غير السهل وعن طريق الاخدود الجاف بين القريتين والذي لا يتجاوز بعمقه المتر الواحد, فوقفت لاتلقى الرفاق الخارجين من المدرسة واخبرهم بالطريق الوحيد وكان الرفيقين صباح كنجي وخليل الى جانبي وجاء فيما بعد الرفيق ابو نصير وبقية الرفاق .

كما هو ملاحظ فقدنا السيطرة وبدأنا البحث عن طريق آمن فقط للانسحاب وهذا سبب الهجمة المباغتة التي وجهت لنا وحداثة  تجربتنا بالكفاح المسلح وتسلل حالة الخدر والاطمئنان للعدو الغادر, تمادينا كثيرا بالحركة الاستفزازية دون التوقع لردود الفعل من قبل النظام ورموزه.

سألني الرفيق ابو لينا (ولد السالك) بعد سنوات حيث التقينا بمهرجان اللومانتيه بباريس, بأني كيف عرفت ذلك الاخدود كخط امين للانسحاب, طبعا لم اخبره بحقيقة الخبر وتظاهرت له بالمعرفة العسكرية الفذة....!!!

 ولكني اخبرته فيما بعد بحقيقة وجود رفاق حريصين من امثال ابو فؤاد وابو داود لهم المجد الدائم, هو الذي ساعدني بالاستدلال لذلك الطريق.

انسحبنا الى سفح جبل القوش في ذلك الصباح الكالح, والتقينا ببعض الرفاق ممن تمكن من الانسحاب ورجعنا الى القرية باليوم ذاته عصرا لنجد اثار الطوق المؤسف.

 ولكني تفاجأت بان اهل القرية كلهم يجمعون على ان جثث الشهداء قد دفنت بمقبرة شاخكة بدهوك. فكيف عرفوا مثل هذا الخبر!!! وبالسرعة تلك,,,اعتقد مراجعة متأنية للخبر سنجده ملفق من قبل رموز السلطة آنذاك.  واتوقع انهم انتقموا من الجثث بطريقة حزب البعث.

ففقدنا شهيدين وفقدنا قبورهم ولم نجد لهم اثراً الى يومنا هذا, اهدي لهم مقطع من انشودة الشهيد:

كم شهيد لنا فقيد    لم نكلله بالزهور

ضائعا قبره المجيد    ضائعة كم لنا قبور        تتنزى دما ونور

المجد للشهيد رافد اسحق حنونة (حكمت) طالب كلية الهندسة - بغداد المرحلة الثانية الذي ترك الدراسة ملتحقا بدرب كان الاصعب.

وللشهيد هيثم ناصر الصكر (عايد)  الذي لم نكمل حكايانا وفارقنا.

ذكر الفقيد ابو جوزيف بكلمته القصيرة اثناء تأبينه لشهداء هذه المعركة بان بطولة الشهيد عايد لا تنسى لانه لم يفارق الجريح وابت رجولته التفريط به, فيا لها من بطولة .

المجد لكل الشهداء

 

 



 

free web counter

 

أرشيف المقالات