| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 16/5/ 2010

 

أواصر يستحيل تفكيكها !!

خضير الأندلسي

كثيرا ما تقف أمامك جملة عوائق وأنت تقصد موضوعا معينا لغرض تحليله ,أهمها تكمن بالاستشهاد بوقائع تاريخية, تتماشى والموضوع المكتوب ,وهي أسهل بكثير إذا ما قورنت مع عوائق أخرى تمنعنا من المساس بأيدلوجيتنا الدينية! التي تطبعنا عليها منذ الصغر, وبين هذا وذاك نحاول جاهدين, الخروج من أطر تفكيرنا المحبوس بسجن محيطنا الضيق, للالتحاق بسلك التحليل الموضوعي الخال من الميلان العاطفي للذات الفكرية أيا كان شكلها.

والأمر يبدو أكثر صعوبة في تحليل ذات الأديان المتعايشة في العراق وأتباعها ,جراء تعقيدات متشابكة نتجت عن جملة أسباب بينها وأهمها أثار الحواجز الدينية – العقائدية بين أبناء الشعب الواحد التي ساهم بغرسها تاريخنا المعاصر المتمثل بالصراع العثماني _الفارسي, على مسرح كان بطله العراق وشعبه. وأحد أبرز نتائج هذا الصراع, غرس حواجز فكرية ولدت جهل حول طبيعة الأديان المتعايشة في العراق , وهذا ساعد أحيانا كثيرة على نشر الكراهية والأحقاد بين أبناء المجتمع الواحد بمجرد بث وقائع مزيفة أو نشر أكاذيب ملفقة بين الحين والأخر , فبالأمس اضُطهد كثير من المسيحيين, ولا زالوا, بدعوى تنصير العراق, وألصقت تهمة إتباع الشيطان بالايزيديين!علما أنهم يؤمنون بوحدانية الله ,أما الصابئة المندائيين فنُعتوا بقلة طهارتهم ,مع أنهم لا يشربون الماء ألا من الأنهر الجارية ولا يأكلون ألا بعد التأكد من طبيعة المأكل ,هذا وهُجروا يهود العراق ,بدعوى نية إسرائيل بتهويد المنطقة بعد ان تم الاعتراف بها كدولة 1948 ! ولم يجر حينها التمييز بين الدولة والدين. ونسأل كيف يمكن لدولة التخلي عن مواطنيها بسبب انتماء ديني؟ ,وهل الدين أساس المواطنة ام أساسها الانتماء الى الوطن تاريخا ولغة وشعورا؟

من هنا يتبين لك إن هناك حملة شرسة للقضاء على ارث العراق الديني وتفريغه من هذا الكنز الثمين, وتتبلور في مخيلة كثيرين ممن لا يعرفوا هذا البلد جيدا ان مسلموه يحاولون فرض أسلامهم بالترهيب للتغليب على الأديان المتبقية (كما يحدث هنا وهناك), وهذا ليس عين الصواب فالتسامح الديني في العراق يتميز عن غيره من دول المنطقة كونه ظاهر في ذات الشخصية العراقية الميالة للتسامح لا التناطح (باستثناء بعض المجاميع الدخيلة على عراق اليوم) ,ويعزو هنا الباحث الاجتماعي علي الوردي هذا التعايش الى طبيعة العراق حيث نهري دجلة والفرات بعكس المناطق المتصحرة القاسية التي تعكس بظلالها على نفسية الفرد هناك ,فنجده قاسيا ,أن لم يكن متطرفا.

ومن الأمثلة الجديرة بالذكر عن التسامح الديني في أحلك الظروف ,إرسال برقيات شجب واستنكار بُعيد الهجوم الذي استهدف الكنائس البغدادية 2004 نستذكر أهمها :
إصدار ديوان الوقف السني في بغداد بيانا دعا فيه إلى رص الصفوف وتقديم المعونة اللازمة للمسحيين معتبرا ان هذا الاستهداف غرضه إبادة العراقيين ومثله مكتب السيد السيستاني في النجف, أما تفجيرات الموصل الدموية والتي راح ضحيتها أكثر من 500 ضحية بين قتيل وجريح من أبناء العراق الايزيديين 2007 فقد أفرزت حزنا ألقى بظلاله حقا على تلاحم المكون العراقي وعكس صورة تضامنية تجسدت ببطاقات الشجب والاستنكار من الفاو حتى زاخو ,ابتداءً بالمسيحي مرورا بالمسلم واليهودي حتى المندائي .

المتعايش مع العراقيين سيدرك جيدا حين وسمت مقالي بالكلمات الثلاثة ( أواصر يستحيل تفكيكها ) , لم يكن من باب المبالغة او الميول العاطفي وإنما حقيقة متجسدة تاريخيا يصعب تلافيها ,ولكنها فقدت شيئا من بريقها اللامع اليوم, جراء الوضع السياسي المضطرب والتدخلات الإقليمية السافرة, التي برهنت, ولازالت,على وجود حملة شرسة هدفها القضاء على طبيعة العراق أرضا وشعبا !, فلنحذرها .

 

free web counter

 

أرشيف المقالات