|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  15  / 2  / 2023                                                                                                     أرشيف المقالات

 
 

 

لمصلحة من يهمش المسرح العراقي؟

سميرة الوردي
(موقع الناس)

ليس سهلا لمن يحيا في موطني تجاوز الصعاب والإحساس بالصحة والأمان وكل ما يحيطنا هو دمار منظم ومبرمج لإزالة الحضارة والثقافة والمعرفة والحكمة من وعن العراقيين، سنوات مريرة مازال طعم حنظلها يرافقنا في حلنا وترحالنا وما تلاها كان فيه من الفرح الممزوج بالسم الزعاف، حتى بتنا نتساءل ونشم أخبار من عرفناهم عن قرب آملين ببقائهم أحياء رغم غربان الموت التي أنشبت أظفارها في كل ركن وزاوية في موطني الحبيب.

لم يكن المسرح بعيدا عن حافة الدمار التي شملت كل شيء، لكنها لم تستطع أن تُطفئ الجذوة المستعرة في كل شيء من أرض الرافدين الحبيبة، لتحيا من جديد.

العراق بلد الأساطير القديمة وصاحب الملاحم الخالدة أصبح أسطورة هذا الزمان بصبره وقدرته على نفض جراحه والوقوف ثانية، رغم عشعشة غربان الشر وإحاطتهم له من جهاته الأربع، ، وكأنه كتب على العراقيين أن يتحملوا كل الأوزار والذنوب ، فما أن تبدو عليه أبسط ملامح العافية حتى ينبري من يتصدى له محاولا كسر شوكته ولوي ذراعه وكرامته وهذا ما عشناه في أعقاب كل تغيير حصل في العراق، وما نقرأه في كتب التاريخ ، مما يشير إلى ديمومة حالة الصراع بين العراق ومحيطه الخارجي ولأسباب عديدة أهمها المطامع السياسية والاقتصادية ، إن حب الهيمنة على مصير العراق والعراقيين ليس جديدا ، ولكن أن يصل إلى المرافق الفنية في حياة العراقيين ومحاولة إزاحتهم تحت أي اعتبار أو سبب فهو مؤلم غاية الألم وموجع أقسى الوجع.

كان المسرح العراقي ومازال يحمل خاصيته الأصيلة المستمدة من التاريخ والموروث والأدب المحلي والعربي والعالمي، ولم يكن المسرح العراقي بعيدا عما يستجد على المسارح العربية والعالمية من متغيرات وتحديثات شهدناها في معظم ما شاهدناه في المسرح العراقي أو ما عرض منه في الخارج.

ولكن بالرغم من كل التحديات والتأثيرات بقيت المدرسة العراقية في المسرح لها طابعها المميز الذي لا تستطيع نكرانه كل المدارس المسرحية في الوطن العربي.

وبالرغم من محاولة تسييس الفن عامة والمسرح خاصة إلا أن المسرح والمسرحيين العراقيين بقوا في معظم الأوقات خارج لعبة التسيس، بل الأمر والأدهى من هذا أن الكثير من الفنانين الذين لم يُجيدوا لعبة المخاتلة وعبور الموجه قد هاجروا إلى بقاع شتى من بقاع العالم آملين بتحقيق صبوتهم من الفن وبعودة ميمونة إلى الوطن، ولكن وللأسف لم تجر الرياح بما تشتهي السفن.
في كل ما نشاهده على شاشات التلفاز من احتفالات واحتفاء بفنانين من كل بقاع العالم إلا الفنانين العراقيين.

نشأ المسرح العراقي في بدايات القرن المنصرم وتطور ليصل ذروته في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ولكن ما حدث من حروب وانتكاسات عاشها الوطن أثرت على المسرح تأثيرا لا يمكن إغفاله وبالرغم من انكسار الناس واهتمامهم بلقمة العيش إلا انه بقي من حاول أن يثبت وجود وبقاء المسرح العراقي. فمازالت بعض الفرق تواصل عطاءها رغم كل محاولات التهميش والسيطرة.

ومازالت تقدم مسرحيات جيدة تضاهي في مستواها وتقنياتها ما يقدم على المسارح العربية أو قد تتفوق عليها.
بدأ الفن في العراق وبالأخص الفن المسرحي بين فئة المثقفين والمتنورين والثوريين، أي في أحضان المثقفين الذين يسعون لتغيير وإصلاح المجتمع عن طريق الفن وليس عن طريق من اتخذ الفن مكسبا ماديا وليتحول في فتراته العصيبة إلى اللون التجاري والذي رفضه فنانو العراق المبدعين ولم ينجروا إليه رغم قسوة الظروف.

تناول الفن المسرحي المشاكل الاجتماعية والفكرية التي عانى منها المجتمع العراقي والعربي والعالمي خلال سبعين عاما وأكثر، من خلال تقديمه لمسرحيات كتبها عراقيون أو استوحوها من مسرحيات ونصوص عالمية أو عربية مدعومة بتراث وتاريخ امتنا ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ( المفتاح ، النخلة والجيران لغائب طعمه فرمان والخرابة ليوسف العاني ونفوس من تعريق قاسم محمد والبيك والسائق تعريق صادق الصائغ وإخراج إبراهيم جلال ودائرة الفحم البغدادية المعرقة عن نص دائرة الطباشير القوقازية ، وولاية وبعير المعرقة عن نص الفيل يأملك الزمان لسعد الله ونوس...وغيرهم )
والكثير من النصوص التي لا يفي ذكرها عشرات الصفحات.

لم يتشكل المسرح في العراق تبطرا أو لخدمة النخبة، بل انبثق من حاجة الناس لمسرح متفاعل معه يطرح همومهم ليجدوا حلولا ومتنفسا لما يعانوه في حياتهم اليومية، فالفن عموما والمسرح بالتحديد هو المرآة الصادقة لحضارة المجتمع ورقيه، فالمسرح المتطور الذي يتفاعل مع تطور المجتمع يعكس نجاحه وأصالته. والمسرح العراقي أثبت جدارته على مر السنين بما رفده للمسرح العربي من مساهمات جادة ومن شخصيات مسرحية قدمت للمسرح العربي الشيء الكثير، وبالرغم من رحيل البعض إلا أن تأثيرهم ما زال ملئ العين والسمع.

ولم تستطع أي جهة أو ملة أو طائفة احتواء المسرح العراقي خلال مسيرته الطويلة والمريرة.

تحية لمن قاوم طوفان الموت والتجهيل وبقي صامدا.
هذا غيض من فيض...
فهل يستحق المسرح العراقي التهميش، ولخدمة من يتم إقصاؤه عن دوره التنويري في الداخل والخارج!؟

 

 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter